في إطار الاستعداد للجمعية العامة المقبلة لسينودس الأساقفة، التي ستبدأ في تشرين الأول في الكنائس المحلية وستُختتم في الفاتيكان عام 2023، وجّه أمين عام سينودس الأساقفة الكاردينال ماريو غريش رسالة إلى الرهبان والراهبات في العالم.

كتب فيها: أيها الإخوة والأخوات الأعزاء المدعوون إلى الحياة الرهبانية والتأملية، كثيرا ما دعا الأب الأقدس فرنسيس في تعليمه، الكنيسة جمعاء إلى ضرورة وجمال "السير معا"، لبدء مسيرة سينودسية تشمل "جميع مستويات حياة الكنيسة". يؤكد البابا "المسيرة السينودسية هي ما يتوقعه الله من كنيسة الألفية الثالثة". بشكل ملموس، ستفتتح هذه المسيرة السينودسية في الكنائس الخاصة اعتبارًا من تشرين الأول 2021 وتنتهي في تشرين الأول 2023، مع الاحتفال بسينودس الأساقفة في روما. أتوجه إليكم، أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، مع اقتراب هذه المرحلة الحاسمة جدا للكنيسة في عصرنا، لأنّكم بدعوتكم الثمينة التي تثري الجماعة الكنسية بأكملها، حراس وشهود على الوقائع الأساسية للمسيرة السينودسية التي يدعونا الأب الأقدس إلى تنفيذها. أعتقد أن هناك ثلاث كلمات، محورية في الحياة الرهبانية والتأملية، التي تحافظون عليها في حياة الكنيسة وفي المشاركة مع الإخوة والأخوات: الإصغاء، والتوبة، والشركة. 

تابع: أولا، وقبل كل شيء، "الإصغاء ". يؤكد الأب الأقدس في الخطاب المذكور أعلاه أن "الكنيسة السينودسية هي الكنيسة التي تصغي، مدركة أن الإصغاء هو "أكثر من مجرد سماع". إنَّ الحياة الرهبانية والتأملية قد وضعت خبرة الإصغاء دائما في المركز، لدرجة أن غالبًا ما تكون القوانين الرهبانية لتقاليد مختلفة مجرّد مجموعة من الآيات من الكتاب المقدّس، للتأكيد على أن الحياة الرهبانية والتأملية هي "تجسيد" لكلمة الله، التي يتمُّ الإصغاء إليها والتأمل فيها، وحفظها. في هذا الصدد، لا يمكننا إلا أن نشير إلى بداية قواعد القديس بندكتس أب الحياة الرهبانيّة في الغرب: "أصغ يا بني!". هذه الدعوة للإصغاء تطبع حياتكم بأكملها، بدءا من كلمة الله في الكتاب المقدس، لتصل إلى الإصغاء إلى الإخوة والأخوات في الجماعة، وإلى رجال ونساء زمننا. يتعلّمُ المرءُ الإصغاءَ، لأنّه "أكثرُ من مجرّدِ سماع" عضويّ. إنَّ حياتُكم هي مركزُ تدريبٍ للإصغاءِ تُربّي فيه المواظبةُ على الكتب المقدّسة أيضًا، "مثلَ طفلٍ يرضعُ اللبنَ من ثدي أمِّه"، على الإصغاءِ العميق لأنفسِنا، وللآخرين، ولله. كذلك الضيافة، الشائعَة جدًّا في الجماعاتِ الرهبانيّة والتأمّليّة، هي خبرة قبول وإصغاء، تجدُ مصدرَها في تفاعلنا مع الكتاب المقدّس من خلال التأمّل، وفي أنواع التقارب الروحيّ الأخرى من كلمةِ الله.

أضاف: إنَّ العبارة الثانية التي تميّزُ حياتَكم والتي أريد ان أشير إليها هي الارتداد. يؤكّدُ الأبُ الأقدس أنّ "السير معًا -علمانيّون ورعاة وأسقف روما- هو مبدأ يسهلُ التعبيرُ عنه بالكلمات، ولكن ليس من السهل أن نضعه قيد التنفيذ". يستحيلُ فصلُ المسيرةِ السينودُسيّةِ الحقيقيّةِ عن استعدادنا للارتداد من خلالِ الإصغاءِ إلى كلمة وعمل الروحِ القدس في حياتِنا. تُذكِّرُ الحياةُ الرهبانيّةُ والتأمّليّة الكنيسةَ بأكملِها، بأنّ الدعوةَ إلى الارتداد تكمنُ في قلبِ إعلانِ يسوعَ نفسِه، الذي كان يسير في قرى الجليل، ويقول: "تُوبُوا لأَنَّهُ قَدِ اقْتَرَبَ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ". إنّ المعموديّةَ، الدعوة الأساسيّة لكلِّ تلميذٍ وتلميذة للربّ، هي في العمق أوّلُ ارتداد حققه الروحُ القدس في قلوبِنا، ولكن لكي تكونَ الحياةُ المسيحيّة بأكملِها أصيلةً، تحتاجُ إلى أن تبقى مفتوحةً على طريقِ الارتداد إلى الله وكلمتِه. كذلك من وجهةِ النظرِ الإنسانيّة البحتة، نعلمُ أنَّ الإصغاءَ الحقيقيَّ يتطلّبُ ارتدادًا متبادلاً يقودُنا إلى تركِ ضماناتنا، لكي ندخلَ في أرض الحوار غير السهل وإنما الذي لا غنى عنه. في خبرتكم للحياةِ الجماعيِة، التي يجبُ أن تكونَ فيها السينودُسيُّة عنصرًا أساسيًّا، أنتم تعرفون جيّدًا لا "جَمال" السير معًا وحسب، وإنما الصعوباتِ التي لا مفرَّ منها والجراحَ الممكنة أيضًا. لهذا السبب أيضًا، وبالنسبة للمسيرةِ السينودُسيّة التي اقترحها الأبُ الأقدس على الكنيسةِ الجامعة، أنتم "خبراء" في حالةِ الارتداد سواء في الجوانبِ الإيجابيّة، أو في الصعوباتِ التي يجبُ ألّا تُضعِفَ العزيمة، بل يجب أن تُعاشَ بروحِ إيمان ورجاء حقيقي.

تابع: الكلمة الثالثة التي تحفظونها من أجلِ الجميع هي "الشركة". يصرّ البابا على هذا البعد أيضًا في إشارةٍ إلى خدمتِه كأسقف روما. ويقول: "إنَّ واقع أنّ السينودُسَ يعملُ دائمًا مع بطرسَ وتحت رئاسته ... ليس تقييدًا للحرّيّة، بل ضمانًا للوحدة". وحياتُكم أيضًا هي شهادة على ذلك: إنّ هدف الإصغاء والارتداد هو الشركة. تعلمون جيّدًا في جماعاتِكم أنَّ الشركةَ هي أيضًا المعيارَ النهائيَّ للتمييزِ والتحقّق من المسيرةِ السينودُسيّة. لنفكّرُ في رواية تلميذَي عماوس اللذينِ اقتربَ منهما الربُّ على طريقِ خيبةِ أملِهما وتقهقرِهما. ينتهي حدث الإنجيلي لوقا بمشهدٍ من "التحقّقِ الكنسيّ" الذي يمثّلُ نقطةَ وصول الرواية: فَقَامَا فِي تِلكَ السَّاعَةِ وَرَجَعَا إِلَى أُورُشَلِيمَ، وَوَجَدَا الأَحَدَ عَشَرَ مُجْتَمِعِينَ، هُمْ وَالَّذِينَ مَعَهُمْ وَهُمْ يَقُولُونَ: "إِنَّ الرَّبَّ قَامَ حقًّا وَظَهَرَ لِسِمْعَانَ!". إنَّ الشركةُ الكنسيّةُ هي خَتمُ التمييزِ والتحقّق من المسيرةِ السينودسيّة. وأنتم من خلال حياتِكم الجماعيِة، تشهدون على مصداقيّة هذا التأكيدِ الذي يمكننا استخلاصُه من رواية عماوس. في الواقع، في الحياةِ الجماعيّة، الخاصة بالحياة الرهبانيّة، أنتم تختبرون كيف أنّ الشركةَ التي لا تتوافقُ مع التطابق، هي فعليًّا معيارُ التحقّقِ من مسيرةٍ مشتركةٍ أصيلة من منظورِ الإيمان.

أضاف: لكنّ السببَ الذي يدفعُني إلى الكتابةِ إليكم، مع اقتراب افتتاحِ المسيرةِ السينودُسيّة في تشرين الأول المقبل، يشمل كلمة أخرى تنتمي إلى أعمقِ أوتارِ دعوتِكم: "الصلاة". مصطلحٌ يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالمصطلحاتِ الثلاثةِ الأخرى التي رأيناها. يكرّرُ قداسةُ البابا فرنسيس غالبًا: "صلّوا من أجلي!". واليومَ أطلبُ منكم، إذ أفسّرَ أيضًا المعنى الذي يريدُ البابا أن يمنحَه للمسيرةِ السينودُسيّة: "صلّوا من أجلِ السينودُس!". إذا لم تكنِ المسيرةُ السينودُسيّةُ أولاً مسيرة محبة كنسيّةً، في الآبِ من أجل المسيحِ وفي الروح القدس، فلن تؤتي بالتأكيد بالثمار المنتظرة. الصلاةُ هي اللقاءُ الديناميكيُّ للمحبّة في اللهِ الثالوث: في الوحدةِ المتعدّدةِ الأشكالِ التي تدفعُنا إلى الشَهادةِ الحيّة. يوصي الأبُ الأقدس فرنسيس في الإرشاد الرسولي "فرحِ الإنجيل" فيما يتعلّقُ بالبشارة بأن نكونَ "مؤسَّسين على الصلاة التي، بدونها، قد يبقى كلُّ عمل فارغًا ويبقى الإعلان بدون روح". هناك خدمةُ التسبيحِ والصلاةِ التي تشكلون أنتم العلامةُ الحيّةُ لها في الكنيسة. ويدعو صاحبُ المزاميرِ في المزمور 134 اللاويّين وكهنةَ الهيكلِ في أورشليمَ ليباركوا الربَّ "نهارًا وليلاً" ويرفعوا أيديَهم في الصلاةِ المتواصلة. هناك أشخاصٌ، إذ تمَّ اختيارهم من بين الشعب، لديهم مهمّةٌ الحفاظ على خدمةُ الصلاةِ والتسبيح في هيكلِ الربّ ليلاً ونهارًا. إنَّ الكهنة واللاويّين لا يحلّون محلَّ الشعبِ في خدمةِ الله، بل هم علامةٌ حيّةٌ للتسبيحِ الدائم الذي يرفعه المؤمنون باستمرارٍ إلى العَليِّ، على الرغمِ من عدمِ وجودِهم في الهيكل. إسرائيلُ هو "شعبُ الكهنة". قال الربُّ لموسى: وَأَنْتُم تَكُونُونَ لِي مَملَكَةَ كَهَنَةٍ وَأُمَّةً مُقَدَّسَةً. لذلك، لدى الشعبِ باسره مهمّةٌ في وسطِ البشريّة بأن يكونَ "وسيطًا" مع الله ويرفعَ له التسبيحَ. ومع ذلك، هناك بينَ الشعبِ بعضُ الذين لديهم مهمّةُ التعبيرِ عن هذا البعدِ الذي يخصَّ إسرائيلَ كلّه، ورسالتَه وسط الأممِ جميعها وإظهارِه. في ضَوءِ هذا النصِّ، يمكنُنا أن نفهمَ القيمةَ الأصيلةَ لخدمةِ الصلاةِ والتسبيح التي تحفظونها بدعوتكم: لديكم مهمّةٌ في الجماعةِ وهي القيامُ بخدمةِ الصلاةِ والشفاعةِ والمباركة. في هذه المرحلةِ من المسيرةِ السينودُسيّة لا أطلبُ منكم أن تصلوا بدلاً عن إخوتكم وأخواتِكم الآخرين، وإنما أن تنبّهوا الجميع على البعدِ الروحيّ للمسيرةِ التي نخوضُها، لكي يتنبّهوا لعملِ الله في حياةِ الكنيسةِ الجامعةِ والكنائسِ المحلّيّة الخاصّة. كونوا للجميع، مثل اللاويّين والكهنة في المزمور "خدام الصلاة" الذين يذكّرون الجميعَ في صلاة التسبيحِ والشفاعةِ، لأنّه بدونَ الشركةِ مع الله لا يمكن أن تكون هناك شركة فيما بيننا.

وختم الكاردينال ماريو غريش بالقول: أيّها الإخوةُ والأخواتُ الأعزّاء، أردتُ أن أتوجه إليكم في هذا الزمن الذي نستعدُّ فيه للقيامِ بالمسيرةِ السينودسيّة؛ لأطلب منكم أن تكونوا للجميع حرّاسا "لرئةِ الصلاة". إنّ إسهامكم في مختلف مراحلِ مسيرتِنا السينودسيّة لن يغيب أبدًا أيضًا في جوانبَ أخرى، ولكنّ دعوتَكم تساعدُنا، حتّى بحضورِها فقط، لكي نكونَ كنيسةً تصغي إلى الكلمة، قادرةً على أن تسمح للروح القدس بأن يبدِّل قلبها، فيما تواظب على الشركةِ والصلاة.