موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الإثنين، ١٤ فبراير / شباط ٢٠٢٢
العناصر المميزة للحبّ الزوجي: قراءة لاهوتية بمناسبة عيد القدّيس فالنتاين

الاب الدكتور جورج أيوب – الفاتيكان :

 

تحتفل الكنيسة الكاثوليكية بعيد القدّيس فالنتاين أسقف روما في 14 شباط من كلّ سنة. وهو القدّيس الذي دافع عن حقّ الشباب الطبيعي في الزواج والحبّ. في مناسبة هذا العيد، أريد النظر في العناصر المميزة للحبّ الزوجي، وهي عدم الانحلال، والوَحدة، والحصريّة، والانفتاح على الحياة (الانفتاح على الخصوبة). لكلّ واحد من هذه العناصر سأذكر تعريفه، والأسس من الكتاب المقدس التي تذكره، وتعليم الكنيسة الكاثوليكيّة فيه.

 

١- عدم انحلال الحبّ الزوجي

 

١-١ تعريف

 

ما معنى عدم الانحلال؟ الرباط الزوجي (في زواج صحيح) بين معمَّدَيْن (ولو غير كاثوليكيَين) هو دائم، حتى في حالة الزنى، وغير قابل للانحلال. هذا يعني أنّه بطبيعته لا يمكن حلُّه بإرادة الطرفين 1.

 

هناك سببان لذلك. الأوّل لأنّه عقد طبيعي: فعدم الانحلال ضروري لتحقيق غايات الزواج، أي الإنجاب والعطاء المتبادل الكلِّيّ، وهو أساسي للحبّ الزوجي. ثانيًا، لأنّه سرّ مقدس: أعني هو سرّ حيٌّ لحبّ المسيح والكنيسة، وهو حبٌّ أمين وأبدي. في الواقع، الزواج علامة للحبّ غير قابل الانحلال بين المسيح والكنيسة (راجع أفسس ٥، ٢١-٣٣). كذلك الزواج بين شخصين قادرين على الزواج، متى اكتمل بالاتحاد الجنسي، لا يمكن أن تحلّه أيّة سلطة بشريّة مهما كان السبب، لأنّه أبدِيّ، إلّا في حالة موت أحد الزوجين 2.

 

١-٢ الأسس في الكتاب المقدس

 

١-٢-١ في العهد القديم

 

"لذلِكَ يَترُكُ الرَّجُلُ أَباه وأُمَّه ويَلزَمُ امرَأَتَه فيَصيرانِ جَسَدًا واحِدًا" (تكوين ٢، ٢٤). بهذه الكلمات وضع الله أساس عدم الانحلال في الزواج 3.

 

١-٢-٢ في العهد الجديد

 

في إنجيل متى، أكدّ يسوع قصد الخالق، لما ردّ على الفريسيين الذين أرادوا أن يحرجوه فسألوه 4: "أَيَحِلُّ لأَحَدٍ أَن يُطَلِّقَ امرَأَتَه لأَيَّةِ عِلَّةٍ كانت؟" (متى ١٩، ٣)، ولما أرادوا أن يضطروه إلى الاعتراف بجواز الزواج بعد الطلاق، أجابهم: "أَما قَرأتُم أَنَّ الخالِقَ مُنذُ البَدءِ جَعلَهما ذَكَراً وَأُنثى وقال: لِذَلِكَ يَترُكُ الرَّجُلُ أَباهُ وأُمَّه ويَلزَمُ امرَأَتَه ويصيرُ الاثْنانِ جسَدًا واحدًا. فلا يكونانِ اثنَينِ بعدَ ذلكَ، بل جَسَدٌ واحد. فما جمَعَه الله فلا يُفرِّقنَّه الإِنسان" (متى ١٩، ٤-٦).

 

وعلى الفريسيين الذين ردُّوا عليه قائلين: "فلِماذا أَمَرَ موسى أَن تُعْطى كِتابَ طَلاقٍ وتُسَرَّح؟"، أجاب يسوع: "مِن أَجْلِ قساوَةِ قُلوبِكم رَخَّصَ لَكم موسى في طَلاقِ نِسائكم، ولَم يَكُنِ الأَمرُ مُنذُ البَدءِ هكذا" (متى ١٩، ٧-٨).

 

أكَّد يسوع مرتين أنّه "مُنذُ البَدءِ" لم يكن هكذا، أي في بدء الجنس البشري، وفي نظام الخلق.

 

والآن، ما المعنى إذًا لكلمات يسوع التي أوردها إنجيل متى: "مَن طلَّقَ امرأَتَه، إِلَّا في حالةِ الفَحْشاء عرَّضَها لِلزِّنى، ومَن تَزَوَّجَ مُطَلَّقَةً فقَد زَنى" (متى ٥، ٣٢).

 

هنا يسوع لا يُدخِل استثناء، بل يؤكد أنّ المبدأ لا يقبل المساكنة غير القانونية. في هذه الحال، ليس فقط يجوز بل يجب أن تُطَلَّق المرأة غير الشرعيّة. فما يبدو أنّه استثناء، عند فهمه الفهم الصحيح، هو في الحقيقة تأكيد لقانون عدم الانحلال 5.

 

وأورد مرقس في إنجيله ما قاله يسوع بصورة لا تقبل التأويل: "مُنذُ بَدْءِ الخَليقَة جعَلَهما اللهُ ذَكَراً وأُنْثى. ولِذلِكَ يَترُكُ الرَّجُلُ أَباهُ وأُمَّه ويَلزَمُ امرأَتَه. ويَصيرُ الاثنانِ جسَداً واحدًا. فلا يكونانِ اثنَيْنِ بَعدَ ذلك، بل جسَدٌ واحِد. فما جَمَعَه الله فَلا يُفَرِّقَنَّه الإِنسان. وسأَلَه التَّلاميذُ في البَيتِ أَيضًا عن ذلك، فقالَ لَهم: مَن طَلَّقَ امرَأَتَه وتَزَوَّجَ غَيرَها فقَد زَنى علَيها. وإِنْ طَلَّقَتِ المَرأَةُ زَوجَها وتَزَوَّجَت غَيرَهُ فقَد زَنَت" (مرقس ١٠، ٦-١٢).

 

وكذلك إنجيل لوقا واضح جدًّا: "كُلُّ مَن طَلَّقَ امرَأَتَه وتَزَوَّجَ غَيرَها فقَد زَنى، ومَن تَزَوَّجَ الَّتي طَلَّقَها زَوجُها فقَد زَنى" (لوقا ١٦، ١٨).

 

والقديس بولس في رسالته إلى أهل قورنتس يقول: "وأَمَّا المتزَوِّجونَ فأُوصيهم، ولَستُ أَنا الموصي، بلِ الرَّبّ، بِأَن لا تُفارِقَ المرأَةُ زَوجَها، وإِن فارَقَتْه فلْتَبقَ غَيرَ مُتَزَوِّجة أَو فلْتُصالِحْ زَوجَها وبِأَلَّا يَتَخَلَّى الزَّوجُ عنِ امرَأَتِه" (١ قورنتس ٧، ١٠-١١).

 

ويتابع في الرسالة إلى أهل روما: "فالمرأةُ المتَزوِّجَةُ تَربِطُها الشَّريعةُ بِالرَّجُلِ ما دامَ حَيًّا، فإذا ماتَ حُلَّت مِنَ الشرَّيعةِ الَّتي تَربِطُها بِزَوجِها. وإِن صارَت إِلى رَجُلٍ آخَر وزَوجُها حَيّ، عُدَّت زانِية. وإِذا ماتَ الزَّوجُ تَحرَّرَت مِنَ الشَّريعة، فلا تَكونُ زانِيةً إِذا صارَت إِلى رَجُلٍ آخَر" (روما ٧، ٢-٣).

 

مرقس ولوقا وبولس إذًا يؤكدون قانون عدم الانحلال، بصورة لا تقبل الجدل، ولا يمكن إلّا أن يكون متى على الخط نفسه 6.

 

١-٣ عدم الانحلال في الوثيقة المجمعيّة ”فرح ورجاء“ (Gaudium et Spes)

 

أكدت الكنيسة، في المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني (١٩٦٥) قانون عدم الانحلال، بصيغة واضحة وحاسمة، وذلك في الوثيقة ”فرح ورجاء“ (Gaudium et Spes) 7. وفي ما يلي ملخَّص للنصوص في الأرقام ٤٨و٤٩ و٥٠.

 

في الرقم ٤٨ جاء: الطابع الحميم لشركة الحياة والحبّ الزوجي مؤسّس على العهد بين الزوجين، أي الرضى الشخصي غير قابل التراجع. ومؤسسة الزواج لها ثبات بترتيب إلهي، فهذا الرابط المقدس غير مرتبط بتقلّب الإنسان. ثم إنّ الاتحاد الحميم بكونه عطاءً متبادلًا بين شخصَين، وخيرَ الأبناء، يتطلبان أمانة كاملة من قبل الزوجين، ويقتضيان الوَحدة غير قابلة الانحلال 8.

 

وفي الرقم ٤٩، جاء أنّ هذا الحبّ الذي يشمل حياة الزوجين بكاملها هو حبّ غير قابل الانحلال، أمين في اليسر والعسر، وعلى صعيد الجسّد والرّوح، ومن ثم ينفي كلّ زنى وكلّ طلاق 9.

 

وأخير في الرقم ٥٠: طابعُ العهدِ نفسه بين الأشخاص غيرِ قابل الانحلال، وخيرُ الأبناء، يقتضيان أن يكون الحبّ المتبادل أيضًا معبَّراً عنه بالاستقامة، وله أن ينمو ويبلغ نضوجه. ولهذا، فإنّ لم يوجد الأبناء أحيانًا، مع الرغبة الشديدة فيهم، يستمرّ الزواج، باعتباره جماعة وشركة مدى الحياة كلّها، ويحافظ على قيمته وعلى طابعه غير قابل الانحلال 10.
 

٢-  وَحدة الحبّ الزوجي

 

٢-١ تعريف

 

لبلوغ الغايات الطبيعة للزواج، لا يُطلَب فقط عدم الانحلال، بل أيضًا الوَحدة، أي وَحدة الزوجيّة، رجل واحد وامرأة واحدة. لأنّ نظام الوَحدة الزوجية (واحد وواحدة) هو الوحيد الذي يضمن للزواج تحقيق هدفه 11. نظام الوَحدة يضمن:

 

- وَحدة أدبية بين الزوجين: أي اتحاد وشركة بصورة حميمة بين شخصين (زوج وزوجة)، لأنه لا أحد يقدر أن يقدِّم الحبّ الزوجي كاملًا لشخصَين 12.

 

- وَحدة في المساواة: هو النظام الوحيد الذي يثبِّت ويضمن مساواة أساسيّة بين الرجل والمرأة، أي إنّ كليهما يتمتعان بالحقوق نفسها. في أنواع أخرى من الزواج توجد دائمًا عدم مساواة. مثلًا في نظام تعدّد الزوجات، العلاقة الزوجية بين رجل واحد ونساء عديدات، تشارك النساء في الحقوق مع الزوج نفسه، وفي نظام تعدّد الرجال، حيث العلاقة الزوجيّة بين امرأة واحدة ورجال عديدين، يشارك الرجال في الحقوق مع الزوجة نفسها 13.

 

- وَحدة العائلة: هو نظام الزواج الوحيد الذي يضمن للوالدَيْن أن يربِّيا أبناءهما معًا في الوقت نفسه. يعيشان الوَحدة فيتمكَّنان من إعطاء التربية التي تكمِّل العمل المشترك في العائلة 14.

 

٢-٢ الأسس في الكتاب المقدس

 

٢-٢-١ في العهد القديم

 

"لذلِكَ يَترُكُ الرَّجُلُ أَباه وأُمَّه ويَلزَمُ امرَأَتَه فيَصيرانِ جَسَدًا واحِدًا" (تكوين ٢، ٢٤). ففي الزواج يُؤسَّس كيان زوجي واحد.

 

٢-٢-٢ في العهد الجديد

 

في إنجيل القديس متى، يسوع يؤكد قصد الخالق في جوابه على الفريسيين: "أَما قَرأتُم أَنَّ الخالِقَ مُنذُ البَدءِ جَعلَهما ذَكَراً وَأُنثى وقال: لِذَلِكَ يَترُكُ الرَّجُلُ أَباهُ وأُمَّه ويَلزَمُ امرَأَتَه ويصيرُ الاثْنانِ جسَداً واحداً. فلا يكونانِ اثنَينِ بعدَ ذلكَ، بل جَسَدٌ واحد. فما جمَعَه الله فلا يُفرِّقنَّه الإِنسان" (متى ١٩، ٤-٦).

 

وكذلك القديس بولس أكد قائلًا: "لِذلِك يَترُكُ الرَّجُلُ أَباه وأُمَّه ويَلزَمُ امرَأَتَه فيَصيرُ الاِثْنانِ جَسَدًا واحِدًا" (أفسس ٥، ٣١).

 

٢-٣ وَحدة الحبّ الزوجي بحسب التّعليم المسيحيّ للكنيسة الكاثوليكيّة

 

في التّعليم المسيحيّ للكنيسة الكاثوليكيّة في الرقم ١٦٤٣ جاء ما يلي: الحبّ الزوجي حبّ كلِّيّ، يشمل كلّ مكوِّنات الشخص، الجسد والغرائز، وقوّة العاطفة والمشاعر، وإلهام الرّوح والإرادة، إنّه يهدف إلى الوَحدة في أعماق الشخص، ما وراء وَحدة الجسّد الواحد، حتى يصبح القلب واحدًا والنفس واحدة. إنّه يقتضي عدم الانحلال والأمانة في العطاء المتبادل الكامل، والانفتاح على الخصوبة. بكلمة واحدة، كلّ هذه ميزات عادية في كلّ حبّ زوجي، لكن لها معنى جديد ينقِّيها، ويزيدها رسوخًا، ويرفعها إلى حد جعلها تعبيرًا عن القيّم المسيحيّة الخاصة 15.

 

جاء أيضًا في التّعليم المسيحيّ للكنيسة الكاثولكيّة رقم ١٦٤٤: حبّ الزوجين يقتضي، بطبيعته، الوَحدة وعدم الانحلال للجماعة الزوجيّة التي تشمل كلّ الحياة، لكلا الشخصين: "فليسوا بعد اثنين، بل جسد واحد" (متى ١٩، ٦). والزوجان مدعُوَّان باستمرار في شركة حياتهما الواحدة، وبالأمانة اليوميّة، إلى تحقيق الوعود الزوجيّة للعطاء المتبادل الكليّ. هذه الشركة الإنسانيّة تُرسَّخ وتُنقَّى وتُكمَّل بواسطة الشركة في المسيح يسوع، التي يمنحّها سرّ الزواج. وتتعمق بواسطة حياة الإيمان الواحدة والإفخارستيا التي يقبلانها معًا 16.

 

وجاء أيضًا في التّعليم المسيحيّ للكنيسة الكاثوليكيّة رقم ١٦٤٥: وَحدة الزواج التي يثبتها المسيح تظهر أيضًا بوضوح في المساواة في الكرامة الشخصيّة، سواء للرجل أم للمرأة، التي يجب الاعتراف بها في الحبّ الكامل والمتبادل. تعدد الزوجات يناقض هذه المساواة في الكرامة، ويناقض الحبّ الزوجي الواحد والوحيد 17.

٣- حصريّة الحبّ الزوجي

 

٣-١ تعريف

 

نفهم بهذه الكلمة أنّ الزوج هو مِلكٌ لزوجة واحدة فقط، والعكس بالعكس. وهذا التبادل يتطلب أمانة الزوجَين الكاملة، ويفرض عدم الانحلال. فالزوج يحبّ زوجته بكل كيانه، نفسًا وجسدًا، من دون تحفظ، ولا حدود ولا تردد والعكس بالعكس 18. وهذا الحبّ المتبادل بين الزوجين هو صورة للعلاقة بين المسيح والكنيسة 19. ولا يمكن أن يتحقّق الحبّ الحصري بين الزوجَين في نظام تعدّد الزوجات (رجل وزوجات عديدات) ولا في نظام تعدّد الأزواج (امرأة ورجال عديدون) 20.

 

٣-٢ الأسس في الكتاب المقدس

 

٣-٢-١ في العهد القديم

 

"لذلِكَ يَترُكُ الرَّجُلُ أَباه وأُمَّه ويَلزَمُ امرَأَتَه فيَصيرانِ جَسَدًا واحِدًا" (تكوين ٢، ٢٤).

 

٣-٢-٢ في العهد الجديد

 

"أَيَّها الرِّجال، أَحِبُّوا نِساءَكم كما أَحَبَّ المسيحُ الكَنيسة وجادَ بِنَفسِه مِن أَجْلِها لِيُقدَسَها مُطهِّرًا إِيَّاها بِغُسلِ الماءِ وكَلِمَةٍ تَصحَبُه، فيَزُفَّها إِلى نَفْسِه كَنيسةً سَنِيَّة لا دَنَسَ فيها ولا تَغَضُّنَ ولا ما أَشْبهَ ذلِك، بل مُقدَّسةٌ بِلا عَيب. وكذلِك يَجِبُ على الرِّجالِ أَن يُحِبُّوا نِساءَهم حُبَّهم لأَجسادِهِم. مَن أَحَبَّ امرَأَتَه أَحَبَّ نَفْسَه. فما أَبغَضَ أَحَدٌ جَسَدَه قَطّ، بل يُغَذِّيه ويُعْنى بِه شَأنَ المسيحِ بِالكَنيسة. فنَحنُ أَعْضاءُ جَسَدِه. ولِذلِك يَترُكُ الرَّجُلُ أَباه وأُمَّه ويَلزَمُ امرَأَتَه فيَصيرُ الاِثْنانِ جَسَدًا واحِدًا. إِنَّ هذا السِّرَّ لَعَظيم، وإِنِّي أَقولُ هذا في أَمرِ المسيحِ والكَنيسة. فكذلك أَنتُم أَيضًا فلْيُحِبَّ كُلٌّ مِنْكُمُ امرَأَتَه حُبَّه لِنَفْسِه، ولْتُوَقِّرِ المَرأَةُ زَوجَها" (أفسس ٥، ٢٥-٣٣). 

 

٣-٣ حصريّة الحبّ الزوجي في بعض نصوص السّلطة الكنسيّة التعليميّة

 

في المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني في الوثيقة ”فرح ورجاء“ (Gaudium et Spes) رقم ٤٨، جاء ما يلي: الزواج في الكنيسة هو مشاركة، بطريقة خاصة، في سرّ حبّ الله الأبدي. عندما يتحد رجل وامرأة مسيحيَّان برباط الزواج، تؤهِّلهما نعمة الله ليَعِدَ كلُّ واحد الآخر، بحرية، حبًّا كاملًا ودائمًا. فيصبح اتحادهما علامة سرِّ العهد الجديد والأبدي بين الرّبّ وعروسه الكنيسة 21.

 

في الإرشاد الرسولي ”فرح الحبّ“ ( Amoris Laetitia)، رقم ٧٠، جاء: ذكر بنديكتس السادس عشر في الرسالة العامة ”الله محبة“موضوع حقيقة الحبّ بين الرجل والمرأة، وهو موضوع يستضيء بصورة كاملة فقط في ضوء حبّ المسيح المصلوب. إنّه يؤكد أنّ الزواج المؤسس على حبّ حصري ونهائي يصير أيقونة لعلاقة الله مع شعبه والعكس بالعكس: طريقة حبّ الله تصبح المقياس لحبّ الإنسان. في الرسالة العامة ”المحبة في الحقيقة“، يوضح أهمية المحبّة كمبدأ للحياة في المجتمع، حيث يتعلّم المرء خبرة الخير العام 22.

 

وفي التّعليم المسيحيّ للكنيسة الكاثوليكيّة رقم ١٦٤٥، جاء: وَحدة الزواج التي يثبتها المسيح تظهر أيضًا بوضوح في المساواة في الكرامة الشخصيّة، سواء للرجل أم للمرأة، التي يجب الاعتراف بها في الحبّ الكامل والمتبادل. تعدد الزوجات يناقض هذه المساواة في الكرامة، ويناقض الحبّ الزوجي الواحد والوحيد 23.

٤- الانفتاح على الحياة (الانفتاح على الخصوبة) في الحبّ الزوجي

 

٤-١ تعريف

 

كونُ الإنسان على صورة الله ومشاركته في حبّ الله، هذان أمران لا يُستَنفَدان في العلاقة الشخصيّة بين الزوجَين، لكن كما أنّ حبّ الله خصب، كذلك حبّ الزوجَين، الذي ينجم عن حبّ الله، فإنّه يشارك في خصوبته الخاصة. الله يحبّ الحياة، كذلك يكون حبّ الزوجَين منفتحًا على الحياة. فحبّ الزوجين إذًا واتحادهما الحميم، هو، في خطة الله، موجَّهٌ إلى الإنجاب 24. فالزوجان إذًا يكمِّلان عملية الخلق التي بدأها الله.

 

الزوج والزوجة، فيما يسندهما حبّ حقيقيّ على صورة حبّ الله، يعطي كلّ واحد منهما نفسه للآخر بعمل لا يمكن في حد ذاته إلّا أن يكون منبع حياة. في اتحادهما الزوجيّ لا يمكن للزوجَين الانفتاح على الغنى الحميم الذي هو لكلّ واحد منهما للآخر، من دون أن يقبلا الدخول معًا في خطة الله الخالق والمخلص لكلّ منهما: وهي أنّه يدعوهما إلى توسيع وإغناء مستمر للعائلة 25. لهذا فإنّ مؤسسة الزواج والحبّ الزوجيّ موجَّهان إلى الإنجاب وتربيّة الأبناء 26.

 

٤-٢ الأسس في الكتاب المقدس

 

٤-٢-١ في العهد القديم

 

"وبارَكَهمُ اللهُ وقالَ لهم: اِنْموا واَكْثُروا وأمْلأُوا الأَرض" (تكوين ١، ٢٨).

 

٤-٢-٢ في العهد الجديد

 

كلّ ولادة هي علامة فرح، أي علامة هامة للانفتاح على الحياة 27. قال يسوع في هذا الصدد: "إنَّ المرأَةَ تَحزَنُ عِندما تَلِد لأَنَّ ساعتَها حانَت. فإِذا وَضَعتِ الطَّفْلَ لا تَذكُرُ شِدَّتَها بَعدَ ذلك لِفَرَحِها بِأَن قد وُلِدَ إِنسانٌ في العالَم" (يوحنا ١٦، ٢١).

 

فالعائلة ليست كلّها في الزوجَين فقط، بل هي منفتحة حتمًا على الأبناء، ثمرة الحبّ المتبادل، والذين يجب إعطاؤهم التربيّة الصحيحة. قال القديس بولس: "وأَنتُم أَيُّها الآباء، لا تُغيظوا أَبناءَكم، بل رَبُّوهم بِتَأديبِ الرَّبِّ ونُصْحِه" (أفسس ٦، ٤).

 

بالتربية المسيحيّة، الوالدان يلدان مرةً ثانية أبناءهم ليكونوا في خدمة الحياة 28.

في خطة الله، دعوة الشخص تتجاوز حدود الزمن، أي حدود هذه الحياة. عندما قال المسيح: "أَتَيتُ لِتَكونَ الحَياةُ لِلنَّاس وتَفيضَ فيهِم" (يوحنا ١٠، ١٠)، يريد أن يقول للإنسان إنّه يشارك في الحياة الإلهيّة نفسها. فهو انفتاح على الحياة التي ليست فقط أرضيّة، بل منفتحة على السماء 29.

 

٤-٣ الانفتاح على الحياة في بعض نصوص السّلطة التعليميّة الكنسيّة.

 

المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني في الوثيقة ”فرح ورجاء“ (Gaudium et Spes)، رقم ٥٠، يؤكد أنّ الزواج والحبّ الزوجي موجَّهان من طبيعتهما إلى الإنجاب وتربية الأبناء... يجب أن يعرف الأزواج أنّهم معاونون لحبّ الله الخالق، ومفسرون له في واجب نقل الحياة البشرية، وتربية الأبناء. ويجب أن يعتبروا أن هذه هي رسالتهم الخاصة 30.

 

في الإرشاد الرسولي عن ”وظائف العائلة المسيحيّة في عالم اليوم“ (Familiaris consortio)، رقم ٢٨، جاء ما يلي:

 

خلق الله الرجل والمرأة على صورته ومثاله... ودعاهما إلى مشاركة خاصة في حبّه وقدرته كخالق وأب... ودعاهما إلى نقل هبة الحياة البشرية: "وبارَكَهمُ اللهُ وقالَ لهم: اِنْموا واَكْثُروا وأمْلأُوا الأَرض" (تكوين ١، ٢٨)... فمهمة العائلة الأساسية هي خدمة الحياة 31.

 

في الإرشاد الرسوليّ ”فرح الحبّ“ (Amoris Laetitia)، رقم ١٦٦، أكد البابا فرنسيس أنّ: العائلة هي مكان ليس فقط للولادة، ولكن أيضًا للترحيب بالحياة التي تأتي بمثابة هبة من الله... فإن جاء طفل إلى العالم في ظروف غير مناسبة، على الوالدين وسائر أعضاء العائلة، أن يبذلوا كلّ جهد ممكن لقبوله بمثابة عطية من الله، وقبول المسؤولية للترحيب به بانفتاح ومودّة... عطية ابن جديد يوُكِلُه الله إلى أبيه وأمه تبدأ بقبوله، ثم بحمايته في حياته الأرضية كلّها، حتى تبلغ غايتها الأخيرة أي فرح الحياة الأبدية 32.

خاتمة

 

لا يمكن للحبّ الزوجي، الحقيقي، أن يتخلى عن هذه الميزات، التي هي في الواقع غير قابلة للانفصال. وإن غابت ميزة واحدة، غابت معها الميزات الأخرى، لأنّها كلّها متماسكة.

 

يقول التّعليم المسيحيّ للكنيسة الكاثوليكيّة في الرقم ١٦٦٤: الوَحدة، وعدم الانحلال، والانفتاح على الخصوبة، هي ميزات أساسية في الزواج. فنظام تعدد الزوجات لا يتفق مع وَحدة الزواج، والطلاق يفصل ما جمعه الله، ورفض الخصوبة يحرم الحياة الزوجية من ”أثمن عطاياه“ أي الأبناء 33.

 

-------------------

 

المراجع

 

1   راجع ميجل أنخل فونتس، ذكرًا وأنثى خلقهما، منشورات رهبانيّة الكلمة المتجسّد ٢٠١٠، ٦٥.

2  راجع المرجع نفسه، ٦٥-٦٦.

3   Cf. P. CASILLO, Indissolubilità non divorzio, Casa Mariana, Frigento (AV) 1984, 5.

4  راجع المرجع نفسه، ٧.

5  راجع نفس المرجع، ٧.

6  راجع نفس المرجع، ٨.

7  راجع نفس المرجع، ٦.

8 راجع المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني، فرح ورجاء، دستور عقائدي في الكنيسة في العالم المعاصر (٧/١٢/١٩٦٥)، رقم ٤٨.

9  راجع نفس المرجع، رقم ٤٩.

10  راجع نفس المرجع، رقم ٥٠.

11  راجع ميجل أنخل فونتس، ذكرًا وأنثى خلقهما، ٦٧.

12  راجع نفس المرجع.

13  راجع نفس المرجع، ٦٧-٦٨.

14  راجع نفس المرجع، ٦٨.

15  راجع التّعليم المسيحيّ للكنيسة الكاثوليكيّة، دار الفاتيكان للنشر، حاضرة الفاتيكان ١٩٩٧، رقم ١٦٤٣.

16  راجع نفس المرجع، رقم ١٦٤٤.

17  راجع نفس المرجع، رقم ١٦٤٥.

18Cf. E. JOSEPH DE SMEDT, l’amore coniugale, pastorale e dialogo, Marietti, Torino 1965, 40-41.

19  Cf. G. WITASZEK, La famiglia l’istituzione divina fondata sul matrimonio, Dono divino e risposta umana, Lateran University Press e Editiones Academiae Alfonsianae, Città del Vaticano 2013, 182.

20  راجع ميجل أنخل فونتس، ذكرًا وأنثى خلقهما، ٦٧.

21  راجع المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني، فرح ورجاء، رقم ٤٨.

22   راجع فرنسيس، الإرشاد الرسولي ما بعد السينودس، فرح الحبّ، (١٩/٣/٢٠١٦)، رقم ٧٠.

23  راجع التّعليم المسيحيّ للكنيسة الكاثوليكيّة، رقم ١٦٤٥.

24  راجع بولس السادس، رسالة بابوية عامة، الحياة البشرية، (٢٥/٧/١٩٦٨)، رقم ١٢.

25  راجع المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني، فرح ورجاء، رقم ٥٠.

26  راجع المرجع نفسه، رقم ٤٨.

27  راجع يوحنا بولس الثاني، رسالة بابوية عامة، إنجيل الحياة. في قيمة الحياة البشرية، (٢٥/٣/١٩٩٥)، رقم ١.

28 Cf. G. WITASZEK, La famiglia l’istituzione divina fondata sul matrimonio, Dono divino e risposta umana, 185.

29  راجع يوحنا بولس الثاني، رسالة إلى العائلات. في مناسبة سنة العائلة، (٢/٢/١٩٩٤)، رقم ٩.

30  راجع المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني، فرح ورجاء، رقم ٥٠.

31  راجع يوحنا بولس الثاني، إرشاد رسولي، وظائف العائلة المسيحيّة في عالم اليوم، (٢٢/١١/١٩٨١)، رقم ٢٨.

32  راجع فرنسيس، الإرشاد الرسولي ما بعد السينودس، فرح الحبّ، رقم ١٦٦.

33  راجع التّعليم المسيحيّ للكنيسة الكاثوليكيّة، رقم ١٦٦٤.