موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر السبت، ٢٠ يوليو / تموز ٢٠٢٤
الجانب الإيجابي الوردي
نكُن إيجابيين، فالأفكار التي تُراودنا بانتظام تغوص في أعماق اللاوعي لدينا وتُصبح عادة

نكُن إيجابيين، فالأفكار التي تُراودنا بانتظام تغوص في أعماق اللاوعي لدينا وتُصبح عادة

أشخين ديمرجيان :

 

أين نذهب بعقلنا الباطن؟ فهو في داخل كلّ إنسان مَعين من الثروة لا ينضب لو أحسن المرء استخدامه. هناك في عقلنا الباطن تقبع الإيجابيّة وكلّ ما هو غير محدود من محبّة وخير وحكمة وطاقة وفكر مطلق، ومخزون غير محدود، فيه "جدد وعتق"  لكلّ ما يلزمنا، ولكلّ ما هو بحاجة إلى تطوير وتعبير، بنعمة من الله عزّ وجلّ.

 

"جعلتُ الربّ دومًا نُصبَ عيني، لذا باتَ قلبي فرحًا" (المزمور 15 (16): 8 و9) وقد قال السيّد المسيح: "ستفرحون، ولن ينزع أحد فرحكم منكم" (يوحنا 16: 20-33).

 

يكمن سرّ الفرح في القوّة المحُرّكة التي تصنع باذن الله كلّ ما هو صعب، والكامنة في "العقل الباطن" للإنسان - وهو آخر مكان يخطر على بالنا أن نبحث في محتوياته - فالطاقة العجيبة الموجودة في عقلنا الباطن أو "اللاوعي" بإمكانها أن تزوّدنا بالصحة، والقوّة، والنجاح، والهناءة، إذا عرفنا كيف نُحرّر تلك القوّة المخزونة في عقولنا. بإمكاننا أن نتعرّف عليها رويدًا رويدًا وبصبر، ونكتسبها، ثمّ نطبّقها عمليًّا في كلّ مجريات حياتنا اليومية. حينئذٍ فقط تتولّد فينا قوّة جديدة تجعلنا قادرين على تحقيق آمالنا. لنعقدنّ العزم الآن على أن نجعل حياتنا أعظم وأنبل وأغنى ممّا كانت عليه في السابق.

 

ينقسم الناس في هذه الدنيا إلى فئتين بناءً على نتائج دراسات علم النفس: الفئة الأولى تحمل أفكارًا إيجابيّة ورديّة اللون يملؤها الإيمان والثقة بالنفس، خُلِقَت هذه الفئة لتنجح في حياتها وتكتشف المعنى الحقيقي للوجود. والفئة الأخرى أفكارها سلبيّة سوداويّة تنضح بالشكوك والمخاوف، وإذا أتتها الفرصة لا تنتهزها خوفًا من الخسارة أو من كلام الناس،  لذلك لا تلمس تقدّمًا في حياتها.

 

وتؤكّد دراسات علم النفس أنّنا سوف نختبر في مجرى الحياة كلّ ما تُمليه علينا "بنات أفكارنا" التي تدور  في أذهاننا فقط لا غير. إذا ما أطلق المرء قدراته الإيجابيّة، وفكّر بأعمال الرحمة والأمور الروحانيّة يحصل على الراحة، ويتنعّم أيضًا بالسـلام الذي يتوق إليه بكلّ جوارحه. سلام دائم خال من كلّ ثقل في الروح أو الجسد.

 

ليتنا نحاول أن نختار الفرح في برنامجنا اليومي وبشكل عملي على النحو التالي: أن نفكّر مليًّا في أنّ "العناية الإلهيّة تتسلّم زمام الأمور في حياتنا، وأنّ كلّ ما نُنجزه بأمانة سيُمطر علينا بركاته تعالى، وسيجلب لنا الخير والنجاح". واذا ابتعدنا عن الصواب وأحسسنا بالتقهقر والانكسار والتشاؤم، لنعُد حالاً إلى ما يُرضي الله. وهكذا يسندنا تعالى ويُكرمنا فنرتقي ونضمن النجاح. ولنعمل بجهد دؤوب باذلين الغالي والنّفيس في سبيل العلم والعمل والأسرة والمجتمع والوطن، ومن أجل تحقيق الذات ومساعدة الآخرين ، وهكذا نعيش راضين مطمئنّي البال.

 

التمسّك بالفرح في جميع الظروف يحوّل الفرح إلى عادة تلازمنا حتّى ولو كان مزاجنا متوترًا. وكذلك التظاهر بالرضى ورسم ابتسامة عريضة عذبة على الشفتين. وكذلك التفكير في الأحداث الورديّة التي عشناها في الماضي القريب والبعيد، وتخيّل المناظر الجميلة المريحة، كلّها سرعان ما تُبدّل حالنا إلى الأفضل. باختصار لنكُن إيجابيين، فالأفكار التي تُراودنا بانتظام تغوص في أعماق اللاوعي لدينا وتُصبح عادة.

 

والرغبة في أن نكون فرحين هي التي تحقّق أهدافنا. أمّا الإنسان الذي يشتكي دومًا من آلامه ويتذمّر من أوجاعه فهو إنسان متشائم يرفض الفرح ولا يريده، وهو انسان مريض قد أدمن على التشكّي، ولا تفارقه الأفكار السلبيّة، لذلك تتّصف حياته  كلّها بالشقاء له ولذويه. الحياة من صنع أفكارنا، وصَدَقَ المثل: "قُل لي ما تفكّر أقُل لك مَن أنت". والأفكار التي تعشّش في أذهاننا تتجسّد فينا. لذلك ينبغي ألاّ ندع الأفكار السلبية المُحبطة أو المليئة بالحقد والحسد تسيطر علينا. ولنبدأ نهارنا وعلى مدار الساعة بأفكار وأقوال وأفعال إيجابيّة، وهكذا يلازمنا الفرح ونتجدّد يوميًا بصفاء البال وراحة الضمير.

 

خاتمة

 

ما علينا إلاّ أن نفعّل هذا الجانب الإيجابي من عقلنا الباطن، وننهل من هذا المعين الذي لا ينضب لنستفيد منه في حياتنا ونُفيد القريب.