موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الأحد، ١٠ يناير / كانون الثاني ٢٠٢١
التمسّك بما هو حسن

أشخين ديمرجيان :

 

يدعو الله سبحانه تعالى جميع المؤمنين إلى متابعة السير الحثيث في درب الكمال:  "نظير القدّوس الذي دعاكم كونوا أنتم أيضًا قدّيسين في كلّ سيرة، لأنّه مكتوب كونوا قدّيسين لأنّي أنا قدّوس" (1 بطرس 1: 14 وتابع) . لذلك كلّ مَن أراد أن يعيش حياة مقدّسة ترضي الرّبّ تُصبح لديه القدرة على النّفاذ إلى كنه الأمور الروحانيّة وإلى التمييز بين الصواب والخطأ.

 

يميّز أناس كثر بين المظاهر السطحيّة والظواهر الطبيعية مثل الطقس الجيّد والعاصف، ولكنهم يعجزون تمامًا عن أن يفرّقوا ما بين الحقيقة والضلال أو الغثّ من السمين، تمامًا مثل الكتبة والفريسيين الذين عاصروا السيّد المسيح. ويزداد الأمر سوءًا بسبب ثقة الناس بكلّ ما يقرأونه على وسائل التواصل الاجتماعي ثقة عمياء.

 

كتاب بعنوان “anti social media”يعدّ وسائل التواصل الاجتماعي أسوأ منبر للنقاش العمومي. أحد المختصين في هذا المجال يقول: "لا يمكن نزع أسلحة السوشيال ميديا ولكن علينا ضبطها". هذا مع العلم أنّ رؤساء العالم في 187 دولة يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي للتواصل مع المواطنين.

 

يتمّ تداول عدد كبير من المعلومات الخاطئة والأخبار الكاذبة يوميًا عن فيروس كورونا وغيرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، علاوة على أخبار الدراسات العلمية التي لا يزال العلماء يبحثون عن إمكانية استخدامها كعلاج لكورونا، ما قد يدفع البعض لتجربتها، على الرغم من أنها لم تثبت بشكل علمي ولم تنتهِ التجارب عليها لمعرفة تأثيرها على البشر، والانسياق وراء هذه المعلومات غير الدقيقة قد يكلّف الناس حياتهم.

 

البصيرة الروحانيّة نعمة ما بعدها نعمة وهي القدرة على الفهم والإدراك بعد الملاحظة والدراسة والتحليل والاستنتاج، فيُصبح المرء ماهرًا يكتشف كلّ شيء على حقيقته. وبالتالي، شعاع في القلب يُنير الظلمة العقليّة. ورسالة بولس الأولى إلى أهل تسالونقي (5: 21) تنصحنا بأن "نمتحن كلّ شيء بحذر". أي نختبر المعلومة كي نكشف عن صدقها. وينبغي علينا أن نقوّم كلّ شيء يقع تحت حواسّنا، للتمييز بين الصواب والخطأ، الجيّد والرديء. ربّما تكون هذه مهمّة عويصة صعبة، بسبب العوامل التالية: أوّلاً، لأنّنا في صراع مستمرّ مع الضعفات الجسديّة. ثانيًا، نواجه الخداع الشيطاني الذي يقوم بإرباكنا بكلّ ما أوتيَ من قوّة. ثالثًا، تغمرنا التأثيرات الدنيويّة المُغرية التي تسعى هي الأخرى إلى احتوائنا والتغلّب علينا.

 

نتيجة لما سبق، معارضة العالم وشروره يتطلّب منّا "التمسّك بما هو حسن" (رسالة بولس الأولى إلى أهل تسالونقي 5: 21). واحتضان ما هو حقيقيّ وصحيح أصلاً، بكلّ أمانة. "والامتناع عن كلّ شبه شرّ" (5: 22). وهذا يعني فصل أنفسنا عن كلّ شكل من أشكال الانحراف، كما لو كنّا –لا سمح الله- نتجنّب الأوبئة القاتلة أو السمّ الزعاف.  إنّ أسوأ أشكال الفجور هي أن نحيد عن الحقيقة، ونتظاهر في حياتنا الروحانيّة عكس ما نُبطن، واليوم، كثيرون ينظرون إلى هذه النماذج بلامبالاة ويعدّونها غير مؤذية. ولا يأبهون إلى فصل الحقائق الإلهيّة عن أخطاء البشر لأنّهم يفتقرون إلى التبصّر الروحانيّ.

 

تؤدّي العوامل سالفة الذكر إلى حالة شديدة من الارتباك. وهذا لا يفاجؤنا، إذ حذّرنا الرسول بولس الإناء المختار (في رسالته الثانية إلى أهل تيموثاوس 3: 1–5): "ولكن اعلم هذا أنّه في الأيّام الأخيرة ستأتي أزمنة صعبة. لأنّ الناس يكونون مُحبّين لأنفسهم، مُحبّين للمال مُتعظّمين مُستكبرين مُجدّفين غير طائعين لوالديهم غير شاكرين دنسين، بلا حنوّ بلا رضى، ثالبين عديمي النزاهة شرسين غير مُحبّين للصّلاح، خائنين مقتحمين متصلّفين مُحبّين للذّات دون محبّة لله، لهم صورة التّقوى و لكنّهم مُنكرون قوّتها. فاعرض عن هؤلاء".

 

خاتمة

 

ردّد الرسول بطرس الحقيقة التالية: "سيكون فيكم أيضًا معلّمون كذبة الذين يدسّون بِدَع هلاك، وإذ هم يُنكرون الرّبّ الذي اشتراهم، يجلبون على أنفسهم هلاكًا سريعًا. وسيتبع كثيرون تهلكاتهم الذين بسببهم يُجدّف على طريق الحقّ، وهم في الطمع يتّجرون بِكُم بأقوال مُصنّعة الذين دينونتهم منذ القديم لا تتوانى، وهلاكهم لا ينعس" (رسالة بطرس الثانية 2: 1–3).