موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
قبل ساعات قليلة من الاحتفال بإعلان قداسة المطران إغناطيوس مالويان، شهيد الإيمان ورمز الثبات، تعيش الكنيسة الأرمنية في مختلف أنحاء العالم أجواءً من الفرح والاستعداد الروحي العميق، استعدادًا لهذه اللحظة التاريخية التي تعبّر عن وفاء الكنيسة لذاكرة شهدائها وتاريخها المجيد.
وفي هذا السياق، أجرينا هذا الحوار الخاص مع صاحب الغبطة رفائيل بيدروس الحادي والعشرون ميناسيان، كاثوليكوس بطريرك بيت كيليكيا للأرمن الكاثوليك، للحديث عن برنامج التقديس وما يرافقه من نشاطات رعوية وروحية:
قبل ساعات من إعلان القداسة، كيف تستعد الكنيسة الأرمنية الكاثوليكية روحيًا وراعويًا لاستقبال هذا اليوم التاريخي؟
نعيش هذه الساعات بقلوبٍ مملوءة بالخشوع والامتنان. ليست الاستعدادات مجرد تحضيرات تنظيمية، بل مسيرة روحية بدأت منذ زمن طويل، بالصلاة، بالصوم، وباستحضار سيرة الطوباوي الشهيد. الكنيسة الأرمنية الكاثوليكية في كل أبرشياتها –في لبنان والمهجر– ترفع الصلوات وتشكر الله على هذه النعمة، لأنها لحظة تروي عطش الأجيال إلى الرجاء. نستعد كما تستعد العروس للقاء عريسها، بفرحٍ مقدسٍ وإيمانٍ متجددٍ بأنّ دم الشهداء لا يُهدر، بل يُزهر قداسة.
ما أبرز محطات الاحتفال في الفاتيكان، وما الذي يميز هذا الحدث؟
في صباح الأحد 19 تشرين الأول 2025، سيترأس قداسة الحبر الأعظم البابا لاون الرابع عشر القداس الاحتفالي في ساحة القديس بطرس، حيث يُعلَن المطران إغناطيوس مالويان قديسًا على مذابح الكنيسة الجامعة. هذا الحدث يختلف عن سواه لأنه يحمل هوية كنيستنا الأرمنية الكاثوليكية إلى قلب الكنيسة الجامعة، ويُظهر للعالم أن الإيمان الذي وُلد من ألم الإبادة الأرمنية هو إيمان حيّ، لا يُقهر. إنه تتويج لمسيرة شهادة، ورسالة رجاء تتخطى الحدود والطوائف، لتقول إن القداسة ليست امتيازًا لشعبٍ أو زمن، بل نداء لكل إنسان.
هل هناك مبادرات رعوية وروحية ترافق الحدث في لبنان وأبرشيات الانتشار؟
نعم، في كل أبرشياتنا هناك مبادرات تُعبّر عن وحدة الكنيسة حول قديسها الجديد. في لبنان، تُقام قداديس شكر ولقاءات صلاة وتأمل في سيرة المطران مالويان، وفي مدارسنا تُنظَّم أنشطة تربوية تُعرّف الأولاد على معاني الشهادة والمغفرة. كذلك في المهجر –من أوروبا إلى أميركا وأستراليا– تجتمع الجاليات الأرمنية الكاثوليكية في روحٍ واحدة لتحتفل بهذا الانتصار الروحي، لأن مالويان ليس قديس أمةٍ فقط، بل شاهدٌ للحقيقة والحرية في وجه العنف والنسيان.
كيف تسعون لأن تبقى رسالة القداسة حيّة ومتجددة في حياة المؤمنين؟
قداسة مالويان لا تُختصر بصورة أو تمثال، بل هي دعوة دائمة لأن نعيش الإيمان بشجاعة. رسالتنا أن نجعل من سيرته نبراسًا في التعليم الكنسي، في الرعايا، في العائلة، وفي قلب كل إنسان يواجه صعوبة أو اضطهادًا. سنواصل نشر تعليمه وسيرته عبر الكتب، والقداسات، والأنشطة الروحية، كي يفهم المؤمن أنّ القداسة ليست حلمًا بعيدًا بل مسؤولية يومية، ومسيرة محبة تنبت من الألم وتثمر سلامًا.
على الصعيد الشخصي والروحي، ماذا يعني لكم أن تشهدوا هذه اللحظة؟
بالنسبة لي، هي لحظة خشوع ودموع وفرح في آنٍ واحد. أرى فيها وجه الكنيسة التي عانت وتألّمت، لكنها لم تفقد إيمانها. أشعر أنني أقف اليوم أمام ثمرةٍ ناضجة زرعها آباؤنا بدموعهم، ونرويها نحن بالإيمان والرجاء. إن إعلان قداسة مالويان هو عربونُ وفاءٍ من الله لكنيستنا، وتأكيدٌ أنّ الكنيسة الأرمنية الكاثوليكية باقية كشاهدٍ حيٍّ على الإيمان والقيامة وسط ركام التاريخ.
ماذا يمكن أن يقول لنا القديس إغناطيوس مالويان اليوم؟
أظنّ أنه كان سيقول لنا: "لا تخافوا من الصليب، فالصليب هو باب القيامة."
كان سيذكّرنا أن الشهادة ليست موتًا من أجل الكراهية، بل حياة من أجل المحبة. وأنّ الإنسان المؤمن لا يُقاس بقوته بل بثباته على الحقّ. في عالمٍ يمتحنه الألم والانقسام، صوت مالويان يدعونا إلى المصالحة والغفران، إلى أن نحمل الجراح كعلامات حبّ لا كندوب كراهية.
رسالته اليوم كما كانت بالأمس: الإيمان لا يموت، والمحبة أقوى من الموت.