موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الثلاثاء، ٢٨ يونيو / حزيران ٢٠٢٢
البطريرك الراعي يترأس القداس الإلهي بمناسبة افتتاح اليوبيل الذهبي لكاريتاس لبنان
مسيرة تميّزت بروح الشركة والمحبة

البطريركية المارونية :

 

ترأس البطريرك الماروني الكاردينال بشارة بطرس الراعي، الأحد 26 حزيران 2022، القداس الإلهي في بازيليك سيدة لبنان في حريصا، بمناسبة افتتاح اليوبيل الذهبي لرابطة كاريتاس في لبنان، وعيد الطوباوي الأب يعقوب حداد الكبّوشي.

 

وألقى غبطته عظة بعنوان "من أجل كلمتك أرمي الشبكة" (لو 5: 5)، وقال "بفعل إيمان بطرس بشخص يسوع وبكلمته، ألقى الشبكة بعد ليل مضن حرم التلاميذ من إمكانية صيد أي شيء، وقد طلعت الشمس والوقت غير مؤآت للصيد، قبل بطرس تحدي الإيمان، وقال ليسوع: "من أجل كلمتك أرمي الشبكة" (لو 5: 5). ولـمّا فعلوا كان الصيد العجيب. فلنلتمس نحن هبة هذا الإيمان ليكون نورًا وهداية لحياتنا وأفعالنا ومواقفنا". وأضاف غبطته "على هدي الإيمان وبقوته، مشت وحققت المعجزات رابطة كاريتاس لبنان التي نفتتح اليوم بهذه الليتورجيا الإلهية يوبيلها الذهبي. وبقوة هذا الإيمان حقق ما تعجز عنه الدول الطوباوي "أبونا يعقوب" حداد الكبّوشي الذي نحتفل بعيده، وقد أعلنه قداسة البابا بندكتوس السادس عشر ليكون في 26 حزيران من كل سنة، وهو تاريخ وفاته سنة 1954. فلنلتمس شفاعته".

 

وأشار إلى أنه على "مدى نصف قرن، اتخذت كاريتاس لبنان موقعها على خريطة العمل الاجتماعي في لبنان، فكانت الكنيسة الحاضرة والشاهدة، التي حققت تعليم الكنيسة الاجتماعي في ما يختص باحترام كرامة الانسان، وحقه بحياة كريمة، حرة. فعلت ذلك من دون أي تمييز، مع ودعوتها الدائمة إلى التضامن والتعاون من أجل الانسان، المخلوق على صورة الله. تميزت مسيرة كاريتاس بروح الشركة والمحبة التي طبعت اجيالها، فكانت على مستوى انتظارات الكنيسة والمواطن، وعلى مستوى الثقة التي اكتسبتها بصدقيتها وشفافيتها من المانحين المحليين والأجانب، ومن الحكومات، والمنظمات الدولية، الرسمية والاهلية، ومن الافراد على اختلاف انتماءاتهم. وهكذا راحت كاريتاس تختبر الصيد العجيب بقوة الإيمان والمحبة ما جعلها تضاعف تصميمها على بذل المزيد، يحركها الوعي لمتطلبات كل مرحلة، فتتكيف مع الحاجات، من دون أن تنسى أن الفقراء معها كل حين. كما كانت كاريتاس في البدء هي الآن وتبقى مرآة التنظيم وحسن الإدارة، يدبّر شؤونها رسل حقيقيون تعاقبوا على حمل امانتها، عاشوا ويعيشون روحها، ويشعون بروحانيتها من خلال برامجها، وهيكلياتها، واقاليمها ومختلف مراكزها، والمحسنين والمتطوعين وشبيبتها. إن الكنيسة بواسطتها تبحث عن اصحاب الحاجات، وتجهد لتكون لهم الحياة وتكون أوفر".

 

أضاف: "الاختبار الكبير للصيد العجيب بقوة الإيمان بكلمة الله، عاشه الطوباوي "أبونا يعقوب" الذي جاب لبنان من سواحله إلى جباله يزرع الكلمة في قلوب الأطفال والشبيبة والشعب في المدارس والرعايا، وعلى الأخص في تحضير الأطفال للمناولة الأولى التي كان يريدها بسن مبكرة، ويردد: "إزرعوا القربان في قلوب الأطفال واحصدوا قديسين". عاش "أبونا يعقوب" تحدي الإيمان عندما بدأ مشاريعه الكبيرة في خدمة المحبة للمرضى على اختلاف أنواعهم والعناية بهم. بدأ حلمه الكبير أثناء الحرب الكونية الأولى وهو يرى عشرات الألوف من المسيحيين يموتون جوعًا وشنقًا ونفيًا، من دون أن يُقام صليب على قبورهم. باشر مشروعه ببركة رئيسه وفلس الأرملة. فرفع على تلّة جلّ الديب صليبًا عاليًا مع كنيسة على اسم سيدة البحر. وكبر المشروع ليصبح مستشفى لذوي الأمراض العقلية والنفسية والعصبية، وكان دير المسيح الملك لخدمة الكهنة المرضى والمسنين. وأسس من أجل إستمرار الرسالة والصيد العجيب جمعية راهبات الصليب اللواتي يتفانين في خدمة مؤسساتها بروح أبونا يعقوب، نذكر منها مستشفى دير الصليب الذي يخدم ألف مريض مقيم، ومستشفى السيدة - أنطلياس للمسنات، ومستشفى مار يوسف في الدورة، ومستشفى دير القمر للفتيات ذوات الحاجات الخاصة، بالإضافة إلى المدارس والمياتم والمراكز الاجتماعية والرسالية في لبنان والخارج. إنها حقًّا معجزة الصيد العجيب تتحقق يومًا بعد يوم".

 

تابع: "كم كنّا نتمنى لو أن المسؤولين المدنيين والسياسيين عندنا يتمتعون بذرة من الإيمان وشجاعة التحدي الذي يقتضيه، لَما كنّا نعيش في حالة الانهيار الكامل سياسيا واقتصاديا وماليا ومعيشيا واجتماعيا. كنّا نتمنى لو شاركت في تسمية الرئيس المكلَّف، أيًّا يكن المسمّى، شرائح نيابية أوسع لتترجم، بفعل إيجابي ودستوري وميثاقي، الوكالة التي منحها إياها الشعب منذ أسابيع قليلة، لاسيما أن الاستشارات هي إلزامية. هكذا تشعر جميع المكونات اللبنانية أنها تتشارك في كل الاستحقاقات الدستورية والوطنية. في كل حال نتوجّه بالتهنئة لدولة الرئيس نجيب ميقاتي على إعادة تكليفه. وندعو له بالتوفيق". وأضاف "إنّا من جديد نطالب بالإسراع في تشكيل حكومة وطنية لحاجة البلاد إليها، ولكي يتركّز الاهتمام فورًا على التحضير لانتخاب رئيس انقاذي للجمهورية. فلا تفسير لأي تأخير في التشكيل سوى إلهائنا عن هذا الاستحقاق الدستوري. لا يوجد أي سبب وجيه ووطني يحول دون تشكيل الحكومة وانتخاب الرئيس الجديد. وفي هذا الإطار، نناشد جميع الأطراف بأن تتعاون مع الرئيس المكلَّف بعيدًا عن شروط لا تليق بهذه المرحلة الدقيقة، ولا يتسع الوقت لها، ولا تساهم في تعزيز الوحدة الوطنية وصورة لبنان أمام العالم. وننتظر من الرئيس المكلَّف، بالمقابل، تشكيل حكومة على مستوى الأحداث، تشجع القوى الوطنية على المشاركة فيها، وتعزز الشرعية والنزعة السيادية والاستقلالية في البلاد وتجاه الخارج. هذه الأشهر الأربعة الباقية من عمر العهد، يجب أن تُخصَّص لخفض نسبة الحقد والانتقام والكيدية والمطاردات القضائية البوليسية التي لم يألفها المجتمع اللبناني. ويجب أن تُخصَّص للتخفيف من معاناة الناس، لضبط الأوضاع الأمنية، لتحييد لبنان، لإحياء التحقيق القضائي في جريمة المرفأ. ويجب أن تُخصَّص لتعديل خطة التعافي، لمواصلة المفاوضات الحدودية حول النفط والغاز، وخصوصًا لانتخاب رئيس جديد للجمهورية في أقرب وقت ضمانًا لوحدة الكيان اللبناني، ولاستمرار الشرعية، واستباقًا لأي محاولة لإحداث شغور رئاسي. نحن نرفضه. وضروري أن يتضمن برنامج الحكومة الجديدة التزامًا واضحًا بهذه القضايا".

 

وأشار إلى أنه "يكفي أن ننظر إلى حال الشعب اللبناني لتستيقظ الضمائر النائمة لدى الذين لديهم ضمير. يكفي أن ننظر إلى عذاباته اليومية ليرتفع المسؤولون إلى مستوى أزمة لبنان، ولتكف الجماعة السياسية عن العبث بمصير الوطن والمواطنين على مذبح مصالِحها الفئوية والشخصية. إن السياسة فن نبيل لخدمة الخير العام لا هواية، وهي في الأساس اختصاص ورسالة مشرّفة تُحتّم على كل من يود ممارستها أن يتحلى بالمسؤولية والجدية والنضوج والخبرة والإقدام وحسن التدبير والجرأة على إعطاء الأولوية للمواقف الوطنية على ما عداها، خصوصًا في هذا الوقت العصيب. فكل المعالجات لأزماتنا تبقى محدودة الفائدة ما لم نطرح القضية الوطنية بكل أبعادها من دون خوف أو عقدة أو حيرة. إذا عجز السياسيون، على ما يظهر، فإنّا ننادي من جديد بمؤتمر دولي خاص بلبنان لمعالجة مرضه بعد تشخيصه بجرأة وشجاعة".