موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
عشيّة افتتاح الدورة الثانية للجمعية العامة العادية السادسة عشر لسينودس الأساقفة حول السينودسية، ترأس البابا فرنسيس، الثلاثاء 1 تشرين الأول 2024، رتبة توبة في بازيليك القديس بطرس، تخللها شهادات حياة وطلب للمغفرة باسم الجميع في الكنيسة.
وللمناسبة ألقى قداسته تأملاً قال فيه: كما يذكّرنا سفر ابن سيراخ، "صَلاةُ المُتَواضِعِ تَختَرِقُ الغُيومَ". نحن هنا متسولون لرحمة الآب. الكنيسة هي على الدوام كنيسة الفقراء بالروح والخطأة الذين يبحثون عن المغفرة، وليست فقط للأبرار والقديسين، بل هي كنيسة الأبرار والقديسين الذين يعترفون بأنهم فقراء وخطأة.
تابع: لقد أردت أن أكتب طلبات المغفرة التي قرأها بعض الكرادلة، لأنَّه كان من الضروري أن نسمِّيَ خطايانا الرئيسية بأسمائها. إنَّ الخطيئة هي على الدوام جرح في العلاقات: العلاقة مع الله والعلاقة مع الإخوة والأخوات. لا أحد يخلص بمفرده، ولكن صحيح أيضًا أن خطيئة شخص تؤثر على الكثيرين: كما أن كل شيء مرتبط في الخير، كذلك هو في الشر. إنَّ الكنيسة في جوهرها للإيمان والإعلان هي علائقية على الدوام، وفقط من خلال علاج العلاقات المريضة يمكننا أن نصبح كنيسة سينودسية. كيف يمكن أن نكون صادقين في رسالتنا إذا لم نعترف بأخطائنا ولم ننحنِ لكي نعالج الجراح التي تسببنا بها بخطايانا؟ يبدأ علاج الجراح بالاعتراف بالخطيئة التي ارتكبناها.
أضاف: يقدّم لنا إنجيل لوقا الذي سمعناه رجلين، فريسي وعشار، وكلاهما ذهب إلى الهيكل للصلاة. أحدهما وقف بشموخ، والآخر بقي في الخلف لا يُريدُ ولا أَن يَرَفعَ عَينَيهِ نَحوَ السَّماء. ملأ الفريسي المشهد بشخصيته التي تجذب الأنظار، فارضًا نفسه كنموذج. بهذه الطريقة يعتقد أنه يصلي، لكنه في الحقيقة يحتفل بنفسه، ويخفي هشاشته في أمانه الزائف. ماذا يتوقع من الله؟ هو ينتظر مكافأة على استحقاقاته، وبهذه الطريقة يحرم نفسه من مفاجأة الخلاص المجاني، ليصنع إلهًا لا يستطيع أن يفعل شيئًا سوى المصادقة على شهادة كمال مزعومة. إنَّ "الأنا" الخاص به لا يترك فسحة لأي شيء أو أي شخص، ولا حتى لله.
تابع: كم من مرة في الكنيسة نتصرف بهذه الطريقة؟ كم من مرة شغلنا كل الفسحات نحن أيضًا، بكلماتنا وأحكامنا وألقابنا، وقناعتنا بأن لدينا استحقاقات فقط؟ وبهذه الطريقة يستمر ما حدث عندما كان يوسف ومريم، وابن الله في حشاها، يقرعون الأبواب طلبًا للضيافة. سيولد يسوع في مذود لأنّه، كما يخبرنا الإنجيل، "لم يكن لهما موضع في الـمضافة". نحن اليوم جميعًا مثل العشار، لا نريدُ ولا أَن نرَفعَ عَينَينا نَحوَ السَّماء ونشعر بالخجل بسبب خطايانا. ومثله، نبقى في الخلف، تاركين المكان الذي احتلّته الغطرسة، والنفاق، والكبرياء. لا يمكننا أن ندعو اسم الله بدون أن نطلب المغفرة من الإخوة والأخوات، ومن الأرض ومن جميع المخلوقات. وكيف يمكننا أن نكون كنيسة سينودسية بدون مصالحة؟ كيف يمكننا أن نقول إننا نريد أن نسير معًا دون أن نمنح وننال المغفرة التي تعيد الشركة في المسيح؟ إنَّ المغفرة التي نطلبها ونمنحها تولِّد تناغمًا جديدًا لا تتعارض فيه الاختلافات، وحيث يمكن للذئب والحمل أن يقيما معًا. أمام الشر والألم البريء نسأل: أين أنت يا رب؟ ولكن علينا أن نوجّه السؤال إلى أنفسنا، ونسأل عن المسؤوليات التي لدينا عندما نفشل في إيقاف الشر بالخير.
أضاف: لا يمكننا أن نتظاهر بأننا نحلُّ النزاعات عن طريق تغذية العنف الذي يصبح أكثر وحشية، أو أن نخلص أنفسنا من خلال التسبب بالألم، أو أن ننقذ أنفسنا بموت الآخر. كيف يمكننا أن نسعى وراء سعادة دُفِعَت بثمن تعاسة إخوتنا وأخواتنا؟ عشية بداية الجمعية العامة لسينودس الأساقفة، يشكل الاعتراف فرصة لكي نستعيد الثقة في الكنيسة وإزاءها، تلك الثقة التي تحطمت بسبب أخطائنا وخطايانا، ولكي نبدأ في شفاء الجروح التي لا تزال تنزف، ونكسر "قيود الشر". هذا ما نقوله في صلاة الـ"Adsumus" التي سنبدأ بها غدًا الاحتفال بالسينودس: "نحن هنا تُثقِّلنا بشرية خطيئتنا". نحن لا نريد أن يثقِّل هذا العبء مسيرة ملكوت الله في التاريخ.
وخلص البابا فرنسيس إلى القول: لقد قمنا بدورنا، حتى فيما يتعلّق بالأخطاء. نواصل الرسالة على قدر ما أُعطي لنا، ولكننا نتوجّه الآن إليكم أيها الشباب الذين تنتظرون منا تسليم الشهادة، ونطلب أيضًا منكم المغفرة إذا لم نكن شهودًا صادقين. واليوم في عيد القديسة تريزيا الطفل يسوع، شفيعة الرسالات، نحن نطلب شفاعتها. أيها الآب، نجتمع هنا مدركين أننا بحاجة إلى نظرة محبتك. إنَّ أيدينا فارغة، ولا يمكننا أن نحصل إلا على ما يمكنك أن تقدمه لنا. نسألك المغفرة على جميع خطايانا، ساعدنا لكي نرمِّم وجهك الذي شوهناه بعدم أمانتنا. نطلب المغفرة، ونشعر بالخجل، من أجل الذين جُرحوا بسبب خطايانا. أعطنا شجاعة التوبة الصادقة من أجل ارتداد حقيقي. نطلب ذلك متضرِّعين إلى الروح القدس لكي يملأ بنعمته القلوب التي خلقتها، بالمسيح يسوع ربنا. آمين.