موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الثلاثاء، ١٠ يونيو / حزيران ٢٠٢٥
البابا للسفراء البابويين: كونوا قادرين على بناء الجسور، ودائمًا إلى جانب الأقل حظًا
"أعتمد عليكم لكي يعرف الجميع في البلدان التي تعيشون فيها، أن الكنيسة دائمًا مستعدة لكل شيء بدافع المحبة، وأنها دائمًا إلى جانب الفقراء والمهمشين، وأنها ستدافع دائمًا عن الحق المقدّس في الإيمان بالله، وفي الإيمان بأن هذه الحياة ليست تحت رحمة قوى هذا العالم".

أبونا :

 

استقبل البابا لاون الرابع عشر، صباح الثلاثاء، في القصر الرسولي، الممثلين البابويين القادمين من مختلف أنحاء العالم، في لقاء غير اعتيادي، يعكس البعد الشامل لرسالة الكنيسة الكاثوليكية في خدمتها للسلام، والدفاع عن الكرامة الإنسانية، وتعزيز الحوار بين الشعوب والثقافات.

 

وجاء اللقاء في أعقاب الاحتفال بيوبيل الكرسي الرسولي، كمحطة تعبّر عن الشركة العميقة التي تجمع الحبر الأعظم بخدّام الرسالة في أطراف العالم، أولئك الذين يجسّدون بأمانة حضور بطرس في قلب المجتمعات البشريّة. وكما فعل باباوات آخرون في أول لقاء لهم مع ممثليهم الدبلوماسيين، أهدى البابا لاون كلًا منهم خاتمًا يرمز إلى ارتباطهم بخليفة بطرس، يحمل نقش "تحت ظل بطرس" (Sub Umbra Petri).

 

وقال في كلمته: "اشعروا دومًا بأنكم مرتبطين ببطرس، محفوظين من قِبَل بطرس، ومُرسَلين من قِبَل بطرس. فقط في الطاعة والشركة الفعلية مع البابا، يمكن لخدمتكم أن تكون فعّالة في بناء الكنيسة، في الشركة مع الأساقفة المحليين. تحلّوا دائمًا بنظرة تبارك، لأنّ خدمة بطرس هي أن يُبارك، أي أن يعرف كيف يرى الخير على الدوام، حتى ذاك الخفي، وذاك الذي هو في الأقليّة".

 

اتحاد في المسيح وفي الكنيسة

 

في مستهل كلمته، وفي كلمته، وجّه البابا تحيّة شكر وامتنان للممثلين البابويين، مشيدًا بما يحملونه من صورة حيّة للكنيسة الكاثوليكيّة بوصفهم جسورًا مفتوحة بين روما وأصقاع الأرض، ومثالًا لوحدة لا تستند فقط إلى التعاون المؤسّساتي، بل تنبع من الانتماء المشترك إلى المسيح الحيّ.

 

وقال: لا يوجد سلك دبلوماسي آخر متحّد مثل دبلوماسيي الكرسي الرسولي، كون الشركة "ليست مجرد تعاون وظيفي، ولا مجرّد انسجام فكري"، إنما "اتحاد في المسيح وفي الكنيسة"، لافتًا إلى أنّ "دبلوماسية الكرسي الرسولي، من خلال أعضائها، تُشكّل نموذجًا -وإنّ لم يكن مثاليًّا- ولكنه بالغ الأهميّة للرسالة التي تَحملها، ألا وهي رسالة الأخوّة الإنسانية والسلام بين جميع الشعوب".

خدمة لا غنى عنها

 

وفي حديث عفوي، أكد البابا لاون الرابع عشر إنّ خدمة الممثليين البابويين "لا غنى عنها"، مضيفًا أنّ مساعدتهم في اختيار المرشحين للأسقفيّة أمرٌ بالغ الأهميّة. وفي عودة إلى كلمته المعدّة، أعرب الحبر الأعظم عن امتنانه لخدمتهم في أولى خطواته في خدمته البطرسيّة، وبأنّه يقدّر بشكل خاص خبرتهم في فهم القضايا والمسائل المتلعقّة في أي بلد.

 

وقال "عندما تُعرض عليّ حالة ما تتعلق –مثلاً– بالكنيسة في بلد معيّن، يمكنني أن أعتمد على الوثائق، وعلى التأملات، وعلى المُلخّصات التي أعددتموها أنتم ومعاونُوكم"، مؤكدًا بأنّ "شبكة الممثليات البابويّة هي على الدوام ناشطة وفعّالة"، "وهذا الأمر هو مدعاة تقدير وشكر كبيرَين بالنسبة لي".

 

كما أشاد بأسلوبهم الرعوي وروح إيمانهم، مستذكرًا كلمات البابا بولس السادس الذي كان دبلوماسيًّا بامتياز، إذ قال "إنّ الحبر الأعظم، بواسطة ممثليه المقيمين في الدول المختلفة، يصبح شريكًا في حياة أبنائه، ويكاد ينخرط فيها، فيتعرّف بطريقة أسرع وأكثر أمانًا على حاجاتهم وعلى تطلعاتهم في الوقت عينه".

كونوا دائمًا نظرة بطرس

 

ثمّ انتقل قداسته إلى صورة من الكتاب المقدّس لتوضيح مهمّة الممثليين البابويين، وهي رواية شفاء بطرس الرسول للرجل المُعقد في سفر أعمال الرسل (3، 1-10). وقال يبدو أنّ الرجل الأعرج الجالس عند باب الهيكل ويطلب الصدقة، كأنّه صورة للإنسانيّة التي فقدت الرجاء واستسلمت لليأس. وقد خاطبه بطرس أنّه لا يملك مالاً ليقدّمه، لكنه سيعطيه كل ما يملك، قائلاً له: "باسم يسوع المسيح النّاصريّ امشِ!".

 

كذلك، أشار البابا إلى أنّ بطرس طلب من الرجل المُعقد أن ينظر إليه، مشدّدًا على "أنّ النظر في أعين بعضنا البعض، يعني أن نبني علاقة. وخدمة بطرس هي خلق علاقات وبناء جسور؛ والممثل البابوي هو، أولاً وبشكل خاص، في خدمة هذه الدعوة، هذا النظر في العيون".

 

وخاطبهم بالقول: "كونوا دائمًا نظرة بطرس! كونوا رجالاً قادرين على بناء علاقات حيث يكون الأمر أصعب. ولكن، في قيامكم بذلك، حافظوا على تواضع وواقعيّة بطرس، الذي يعرف جيدًا أنه لا يملك الحلّ لكلّ شيء؛ ولكنه يعرف أيضًا أنه يملك ما هو أهمّ: أي المسيح، المعنى الأعمق لكل وجود"، فأن "نعطي المسيح يعني أن نعطي المحبّة، وأن نشهد لتلك المحبة التي هي مستعدة لكلّ شيء".

الكنيسة دائمًا مستعدة بالمحبّة

 

وقال "أعتمد عليكم لكي يعرف الجميع في البلدان التي تعيشون فيها، أن الكنيسة دائمًا مستعدة لكل شيء بدافع المحبة، وأنها دائمًا إلى جانب الفقراء والمهمشين، وأنها ستدافع دائمًا عن الحق المقدّس في الإيمان بالله، وفي الإيمان بأن هذه الحياة ليست تحت رحمة قوى هذا العالم، بل يغمرها معنى سرّي".

 

أضاف "وحدها المحبة تستحق أن نؤمن بها، أمام ألم الأبرياء، ومصلوبي زمننا، الذين كثيرون منكم يعرفونهم بشكل شخصي، لأنكم تخدمون شعوبًا ضحايا الحروب، والعنف، والظلم، أو حتى ضحايا تلك الرفاهية الزائفة التي تُوهِم وتُحبِط".

أدوات شركة ووحدة في العالم

 

ودعا البابا ممثليه ليكونوا "مرسلين، ومبعوثين من قبل البابا لكي يكونوا أدوات شركة ووحدة، في خدمة الكرامة الإنسانيّة، من خلال تعزيز علاقات صادقة وبنّاءة أينما كانوا". وقال "لتستنر كفاءتكم على الدوام بعزم راسخ على القداسة. إنّ القديسين الذين خدموا في السلك الدبلوماسي للكرسي الرسولي، مثل القديس يوحنا الثالث والعشرين والقديس بولس السادس، هم أمثلة ساطعة في هذا المجال".

 

وخلص إلى القول: "إنّ حضوركم هنا اليوم يعزّز الوعي بأن دور بطرس هو أن يثبِّت الإخوة في الإيمان. وأنتم أول من يحتاج إلى هذا التثبيت لكي تصبحوا بدوركم رسله، وعلامات مرئية في كل ركن من أركان العالم. فليكُن لنا الباب المقدّس الذي عبرناه معًا جميعًا صباح أمس، حافزًا لنا لكي نكون شهودًا شجعانًا للمسيح الذي هو على الدوام رجاؤنا".