موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الإثنين، ٢٧ أكتوبر / تشرين الأول ٢٠٢٥
البابا لاون يرسم فاخوفسكي أسقفًا جديدًا ويكلّفه بمهمة سلام ورجاء في العراق

أبونا :

 

ترأّس البابا لاون الرابع عشر، مساء يوم الأحد الموافق 26 تشرين الأول 2025، القداس الإلهي الذي تضمّن الرسامة الأسقفيّة لرئيس الأساقفة الجديد ميروسواف ستانيسواف فاخوفسكي، المعيّن حديثًا سفيرًا بابويًا لدى جمهورية العراق.

 

وحثّ البابا المطران الجديد على «صون براعم الرجاء» و«تشجيع التعايش السلمي»، مذكّرًا إيّاه بأنّ الدبلوماسية الفاتيكانيّة «تنحدر من الإنجيل وتتغذّى من الصلاة». وقال إنّ العراق هو «أرض وسمها الألم والرغبة في النهوض من جديد»، لكنها غنية بإيمان مسيحي عريق لم تستطع العنف والحروب أن تطفئه.

 

وأشار البابا لاون إلى شعار الذي اختاره المطران لأسقفيته «المجد لله، والسلام للناس» واصفًا إيّاه بأنّه «برنامج حياة»، و«سعي دائم لكي يتجلّى مجد الله عبر السلام بين البشر». وقال: «هذا هو المعنى العميق لكل دعوة مسيحية، وبوجه خاص الدعوة الأسقفية: أن يجعل الإنسان من حياته شهادة منظورة لتسبيح الله ورغبته في مصالحة العالم معه».

 

تواضع

 

وأكّد البابا أن «التواضع» هو أوّل الملامح الأساسية للخدمة الأسقفية، مشيرًا إلى أنّ العشّار في إنجيل اليوم الذي يعترف بخطيئته. وقال: الراعي المتواضع «ليس تواضع الكلام، بل ذاك الذي يسكن في قلب من يعرف أنه خادم لا سيد، وراعٍ لا مالكًا للقطيع».

 

وأضاف: «يؤثر فيّ أن أفكّر في تلك الصلاة المتواضعة التي ما انفكّت، منذ قرون، ترتفع كالبخور من أرض ما بين النهرين. فالعشّار في الإنجيل له وجه الكثير من مؤمني الشرق الذين، في الصمت، يواصلون القول: ’اللهمّ ارحمني أنا الخاطئ‘. إن صلاتهم لا تنطفئ، واليوم تتّحد الكنيسة الجامعة بذلك النشيد المفعم بالثقة الذي يخترق الغيوم ويلمس قلب الله».

فلاح يزرع بصبر

 

وانطلاقًا من جذور المطران البولندية الريفية، شبّه البابا دور الأسقف بدور الفلاح: «يزرع بصبر، يعتني بالأرض باحترام، وينتظر الثمر برجاء». وأضاف: «الأسقف أمين على الوديعة لا مالك لها؛ رجل صلاة لا صاحب امتلاك. والرب يسلّمك مهمة لكي تعتني بها كما يعتني الفلّاح بحقلِه: كل يوم، بثبات وإيمان».

 

واستذكر قداسته سنوات خدمة المطران فاخوفسكي في السلك الدبلوماسي الفاتيكاني في السنغال وبولندا وفيينا، ثم في المنظمات الدولية في فيينا، ومن بعدها في أمانة سرّ الدولة، مشيدًا بما اتّسم به من حكمة وكتمان وأمانة. قال: «اليوم ينبغي أن تتحوّل هذه الموهبة الدبلوماسية إلى ’أبوّة رعوية‘ و’شهادة رجاء‘ في أرض مطبوعة بالألم ومتعطّشة إلى القيامة».

ليس كبقية الدبلوماسيين

 

وشدّد البابا على أنّ دور السفير البابوي «ليس دبلوماسيًّا كبقية الدبلوماسيين»، بل هو علامة عناية خليفة بطرس بجميع الكنائس، فهو يُرسَل لكي «يقوّي روابط الشركة، ويعزّز الحوار مع السلطات المدنية، ويحفظ حرية الكنيسة، ويسعى إلى خير الشعوب».

 

وقال إنّه يمثّل «وجه كنيسة ترافق وتواسي وتبني الجسور»، ومهمّته «ليست الدفاع عن مصالح ضيّقة، بل خدمة الشركة». وفي فسيفساء العراق الكنسيّة المتنوّعة –الكلدانية، السريانية، الأرمنية، اليونانية، واللاتينية- يُدعى السفير إلى أنّ «يحتضن الجميع ويصانوا بالمحبّة».

جذور رسولية

 

وأكد الحبر الأعظم على أنّ «الحضور المسيحي في بلاد ما بين النهرين هو قديم جدًا». واستعاد الجذور الرسولية للكنيسة في العراق، مشيرًا إلى أنّ «الرسول توما، وبعد خراب هيكل أورشليم، حمل البشارة إلى تلك الأرض، وأن تلميذيه أداي وماري أسّسا الجماعات الأولى. وفي تلك المنطقة تُتلى الصلوات باللغة التي كان يتحدث بها يسوع: الآرامية».

 

وقال: «هذه الجذور الرسولية هي علامة استمرارية لم يستطع العنف الوحشيّ الذي شهدته العقود الأخيرة أن يطفئها. لا بل، فإن أصوات الذين حُرموا الحياة ظلمًا في تلك الربوع لا تزال ترتفع: هم يصلّون اليوم من أجلك، ومن أجل العراق، ومن أجل السلام في العالم».

حفظ براعم الرجاء

 

وذكّر البابا لاون بأنّه، ولأول مرّة في التاريخ، زار حبر أعظم العراق في آذار 2021، حين قام البابا فرنسيس «كحاجٍ للأخوّة»، مذكّرًا بأنّ «الله، الذي خلق البشر متساوين في الكرامة والحقوق، يدعونا لكي ننشر المحبّة والمودّة والوئام». وأنّ الكنيسة الكاثوليكية في العراق «تريد أن تكون صديقة للجميع»، وتسعى إلى «الحوار البنّاء مع سائر الديانات من أجل السلام».

 

ثمّ خاطب البابا المطران الجديد قائلاً:

 

«أنت اليوم مدعو إلى متابعة هذا المسار: أن تحفظ براعم الرجاء، وتشجّع العيش المشترك السلمي، وتُظهر أن دبلوماسية الكرسي الرسولي تنبع من الإنجيل وتتغذّى بالصلاة. أيها المونسنيور ميروسلاف العزيز، كُن دائمًا رجلَ شركة وصمت، إصغاءٍ وحوار. اجعل في كلامك وداعة تبني، وفي نظرتك سلامًا يعزّي. وفي العراق، سيعرفك الناس لا بما ستقوله، بل بالطريقة التي ستُحبُّ بها».

المجد لله، والسلام للناس

 

وختم البابا عظته بالقول موكلاً رسالة الأسقف الجديد إلى مريم، ملكة السلام، وإلى القديسين توما وأداي وماري، وإلى شهود الإيمان الكثر في العراق، «لكي يكونوا لك رفقاء ونورًا في مسيرتك. ثم رفع الصلاة قائلاً: «ليُنِر مجد الله مسيرتك، وليسكُن سلام المسيح حيثما تضع قدماك. المجد لله، والسلام للناس».

 

وُلد رئيس الأساقفة فاخوفسكي في مدينة بيس (بولندا) عام 1970، ورُسِم كاهنًا عام 1996، والتحق بالسلك الدبلوماسي الفاتيكاني عام 2004، ثم عُيّن وكيلًا للعلاقات مع الدول عام 2019. ويتقن خمس لغات، والآن يبدأ خدمته سفيرًا بابويًا في العراق.