موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأحد، ١٧ ابريل / نيسان ٢٠٢٢
البابا في سبت النور: في الرؤية والسماع والإعلان ندخل في فصح الرب

فاتيكان نيوز :

 

ترأس عميد مجمع الكرادلة الكاردينال جوفاني باتيستا ري، مساء السبت 16 نيسان 2022، قداسًا احتفاليًا في بازيليك القديس بطرس بالفاتيكان لمناسبة العشية الفصحيّة (سبت النور) بحضور ومشاركة البابا فرنسيس إلى جانب لفيف من الكرادلة والاساقفة والكهنة والرهبان والراهبات والمؤمنين.

 

 

وفيما يلي عظة البابا فرنسيس التي ألقاها خلال القداس:

 

أثار العديد من الكتاب جمال الليالي التي تُنيرها النجوم. أما ليالي الحرب فتعبرها مسارات الموت المضيئة. في هذه الليلة، أيها الإخوة والأخوات، لنسمح لنساء الإنجيل أن يُمسكننا بأيدينا، لكي نكتشف معهنَّ بزوغ نور الله الذي يضيء في ظلام العالم. إنَّ هؤلاء النساء، وفيما كان الليل يتبدّد وكانت تبزغ أولى أنوار الفجر، ذهبن إلى القبر ليُطيِّبنَ جسد يسوع؛ وهناك عِشنَ خبرةً مروِّعة: اكتشفنَ أولاً أن القبر فارغ؛ ثم رأينَ رجلَين عليهما ثياب براقة قالا لهنَّ إنَّ يسوع قد قام. فأسرَعنَ فورًا لكي يُعلِنَّ الخبر للتلاميذ الآخرين. الرؤية والسَّماع والإعلان بهذه الأفعال الثلاثة ندخل نحن أيضًا في فصح الرب.
 

النساء رأينّ

 

إنَّ إعلان القيامة الأوّل لم يوكَل إلى صيغة لكي نفهمها وإنما إلى علامة لكي نتأمَّل بها. في مقبرة، بالقرب من قبر، حيث يجب أن يكون كل شيء منظمًا وهادئًا، "وجدت النساء أن الحجر قد دحرج عن القبر، فدخلن فلم يجدن جثمان الرب يسوع". وبالتالي، يبدأ عيد الفصح بقلب مخططاتنا رأسًا على عقِب، ويصل مع عطيّة رجاء يفاجئنا. لكن ليس من السهل أن نقبله. في بعض الأحيان -ويجب أن نعترف بذلك- لا مكان لهذا الرجاء في قلوبنا. ومثل نساء الإنجيل، تُسيطِر علينا أسئلة وشكوك، وأول ردة فعل إزاء العلامة غير المتوقعة هي الخوف، "خفنَ ونكَّسنَ وجوهَهُنَّ نحو الأرض".

 

غالبًا ما ننظر إلى الحياة والواقع بوجوهٍ مُنكَّسة نحو الأرض؛ نحدق النظر فقط في الحاضر الذي يمرُّ، ونشعر بالخذلان حول المستقبل، وننغلق على أنفسنا في احتياجاتنا، ونستقر في سجن اللامبالاة، بينما نستمر في التذمُّر والاعتقاد بأن الأمور لن تتغير أبدًا. وهكذا نظل بلا حراك أمام قبر الاستسلام والقدرية، وندفن بهجة العيش. مع ذلك، يريد الرب في هذه الليلة، أن يعطينا أعينًا مختلفة، تتَّقد برجاء أنَّ الخوف والألم والموت لن تكون لهم الكلمة الأخيرة علينا. بفضل فصح يسوع يمكننا أن نقوم بقفزة من اللا-شيء إلى الحياة، "والموت لن يتمكَّنَ بعد الآن من أن يسلبنا حياتنا": لقد عانقتها محبة الله اللامحدودة بشكل كامل وإلى الأبد. صحيح أنّه يمكن للموت أن يخيفنا ويشلنا. لكن الرب قد قام! لنرفع نظرنا ولنُزِل حجاب المرارة والحزن من أعيننا، ولننفتح على رجاء الله!

النساء سمعنّ

 

بعد أن رأينَ القبر فارغَا، قال لهنَّ رجلان عليهما ثياب براقة: لماذا تبحثن عن الحي بين الأموات؟ إنه ليس ههنا، بل قام". سيفيدنا أن نسمعَ هذه الكلمات ونرددها: إنّه ليس ههنا! في كل مرة ندَّعي بأننا فهمنا كل شيء عن الله، وأنّه يمكننا أن نصنِّفه في مخططاتنا، لنكرر نحن أيضًا: إنه ليس ههنا! وفي كلِّ مرّة نبحث فيها عنه فقط في العواطف العابرة أو في أوقات الحاجة، لنضعه بعدها جانبًا وننسى أمره في مواقف الحياة اليومية والخيارات الملموسة، لنكرر: إنه ليس ههنا! وعندما نفكر في أن نحبسه في أقوالنا وصيغنا وعاداتنا، وننسى أن نبحث عنه في أحلك زوايا الحياة، حيث هناك من يبكي ويكافح ويتألم ويرجو، لِنكرر: إنه ليس ههنا!

 

لنسمع نحن أيضًا السؤال الموجه إلى النساء: "لماذا تبحثن عن الحي بين الأموات؟". لا يمكننا أن نحتفل بعيد الفصح إذا بقينا في الموت؛ وإذا بقينا أسرى الماضي، وإذا لم تكن لدينا الشجاعة في الحياة لكي نسمح لله بأن يغفر لنا، وأن نتغير، وننقطع عن أعمال الشر، ونختار يسوع ومحبته؛ وإذا حوَّلنا الإيمان إلى مجرَّد تميمة، وجعلنا من الله مجرّد ذكرى جميلة للأزمنة الماضية، بدلاً من أن نلتقي به اليوم كالإله الحي الذي يريد أن يغيرنا ويغير العالم. إن المسيحية التي تبحث عن الرب بين حطام الماضي وتُغلقه في قبر العادة هي مسيحية بدون فصح. لكن الرب قد قام! لا نتسكَّعنَّ إذًا حول القبور، وإنما لنذهب لكي نكتشفه مجدّدًا هو الحي! ولا نخافنَّ من أن نبحث عنه أيضًا في وجوه الإخوة، وفي تاريخ الذين يرجون والذين يحلمون، وفي ألم الذين يبكون ويتألمون: لأنَّ الله موجود هناك!

النساء أعلنّ

 

ماذا يُعلنَّ؟ فرح القيامة. إنَّ الفصح لا يتمَّ لكي يعزِّيَ الذين حزنوا على موت يسوع، وإنما لكي يُشرِّعَ القلوب على الإعلان الرائع لانتصار الله على الشر والموت. لذلك، فإن نور القيامة لا يريد أن يُبقي النساء في نشوة المتعة الشخصية، ولا يقبل بمواقف خاملة، بل يولد تلاميذًا مرسلين يرجعون من القبر ويحملون للجميع إنجيل القائم من بين الأموات. لهذا السبب، بعد أن راَينَ وسمعنَ، ركضت النساء لكي يُعلِنَّ فرح القيامة للتلاميذ. كُن يعرفنَ أنَّ التلاميذ قد يعتبروهنَّ مجانين، والإنجيل يخبرنا أنَّ هذه الأقوال قد بدت لهم أشبه بالهذيان، لكنهنَّ لم يقلقنَّ على سمعتهنَّ، ولا عن الدفاع عن صورتهنَّ؛ لم يقِسنَ المشاعر، ولم يحسِبنَ الكلمات.

 

ما أجمل الكنيسة التي تركض بهذه الطريقة على دروب العالم! بلا خوف ولا تكتيكات وانتهازية، وإنما فقط مع الرغبة في حمل فرح الإنجيل للجميع. هذا ما نحن مدعوون إليه: أن نعيش خبرة القائم من بين الأموات ونشاركها مع الآخرين؛ أن ندحرج ذلك الحجر عن القبر، الذي غالبًا ما ختمنا به الرب، لكي ننشر فرحه في العالم. لنُقِم يسوع الحي من القبور التي حبسناه فيها، ولنُحرِّره من الشكليات التي سجنناه فيها في كثير من الأحيان؛ ولنستيقظ من سبات الحياة الهادئة التي وضعناه فيها أحيانًا لكي لا يزعجنا ويضايقنا. لنحمله إلى حياتنا اليومية: من خلال تصرفات سلام في هذا الزمن المطبوع بأهوال الحرب؛ من خلال أعمال مصالحة في العلاقات المقطوعة والشفقة إزاء المحتاجين؛ من خلال أعمال عدالة وسط عدم المساواة ومن خلال الحقيقة وسط الأكاذيب. ولاسيما من خلال أعمال المحبّة والأخوّة.

أيها الإخوة والأخوات، إنَّ رجاءنا يُدعى يسوع، لقد دخل إلى قبر خطيئتنا، ووصل إلى النقطة الأبعد التي ضعنا فيها، وسار عبر اضطراب مخاوفنا، وحمل ثقل اضطهاداتنا، ومن أحلك أعماق موتنا أيقظنا على الحياة وحوّل حزننا إلى رقص. لنحتفل بعيد الفصح مع المسيح! إنه حي ولا يزال اليوم يمر ويحول ويُحرِّر. معه لم يعد للشر سلطة، والفشل لا يمكنه أن يمنعنا من أن نبدأ من جديد، والموت أصبح ممرًا لبداية حياة جديدة. لأنه مع يسوع القائم من بين الأموات، لا يوجد ليل بدون نهاية؛ وحتى في أشدِّ أنواع الظلام حلكة، يُشرق نجم الصباح.