موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ٧ سبتمبر / أيلول ٢٠٢٤
البابا في اليوم الأول من زيارته لبابوا غينيا الجديدة: الشعب الذي يصلي له مستقبل

أبونا :

 

في اليوم الأول من زيارته الرسوليّة إلى بابوا غينيا الجديدة، السبت 7 أيلول 2023، قام البابا فرنسيس بزيارة مجاملة للحاكم العام، وذلك في مقر الحكومة بالعاصمة بورت مورسبي، تلاها لقاء مع السلطات والمجتمع المدني وأعضاء السلك الدبلوماسي.

 

وفي فترة ما بعد الظهر، التقى قداسته أطفال Street Ministry، وهي منظمة تعتني بالقاصرين الفقراء، وأطفال Callan Services، وهي شبكة تعتني بالأشخاص من ذوي الإعاقة، وذلك في مدرسة كاريتاس الثانوية الفنيّة. واختتم البابا يومه بلقاء مع أساقفة بابوا غينيا الجديدة وجزر سليمان والكهنة والشمامسة والمكرسين والإكليريكيين وأساتذة التعليم المسيحي، في مزار العذراء مريم سيّدة المعونة.

 

الشعب الذي يصلي له مستقبل

 

وفي خطابه أمام السلطات والمجتمع المدني والسلك الدبلوماسي، حض البابا فرنسيس على "وقف دوامة" العنف القبلي الذي أدى إلى مقتل أعداد لا تحصى من الأشخاص وتشريد عشرات الآلاف. واعتبر أن هذا العنف "لا يسمح بالعيش في سلام ويعوق التنمية". كما تحدّث عن الموارد الطبيعية والبشرية في البلاد، داعيًا إلى "تنمية مستدامة وعادلة تعمل على تعزيز الرفاهية للجميع دون استثناء".

 

وقال: "إنّ بلدكم، إضافة الى الجزر واللغات، غنيّ أيضًا بموارد في الأرض والمياه. وهذه الخيرات يوجهها الله إلى المجتمع بكامله. ولو تطلّب استثمارها إشراك مهارات واسعة ومشروعات عالمية كبيرة، فمن العدل، في توزيع العائدات وفي استخدام القوى العاملة، أن تؤخذ في الاعتبار حاجات السكان المحليين، وذلك لتحقيق تحسن فعلي في ظروفهم المعيشية".

 

لكن قداسته أشار إلى أنّ وفرة الخيرات المادية لا تكفي لقيام مجتمع حيوي ومطمئن، مجتهد وفرح، بل تجعله ينطوي على نفسه، معتبرًا أن جفاف القلب يُفقده البوصلة ويُنسيه ميزان القيم الصحيح، وصولاً إلى حد فقدان الأمل بالمستقبل ومعنى نقل الحياة. من هذا المنطلق، شدّد على ضرورة توجيه الروح نحو واقع أسمى، لافتًا إلى أن قيم الروح تؤثر على بناء المدينة الأرضية وكل الحقائق الزمنية، فهي تبث الروح وتلهم وتقوي كل مشروع. وقال: إنّ الشعب الذي يصلي له مستقبل، وهو يستمد القوة والرجاء من السماء.

لنحافظ على نور الحب مشتعلاً

 

وبعد الظهر، التقى البابا فرنسيس الأطفال من ذوي الإعاقة والفقراء والمشردين، وأجاب على أسئلة عدد منهم.

 

انطلق بالقول: "لقد سألني أحدكم: لماذا لست مثل الآخرين؟". في الحقيقة، تبادر إلى ذهني إجابة واحدة فقط على هذا السؤال وهي: "لأنه لا أحد منا يشبه الآخرين: لأننا جميعًا فريدون أمام الله". وأكد "أن لكل واحد منا، في العالم، لديه دور ورسالة لا يستطيع أي شخص آخر القيام بها، وأن هذا الأمر، حتى ولو تطلب التعب والمشقة، يعطي بحرًا من الفرح، بطريقة مختلفة لكل شخص. إنَّ السلام والفرح هما للجميع".

 

"لا تهتموا المحدوديات، أو الأشياء التي نعرف كيف نفعلها بشكل أفضل أو الأشياء التي نكافح معها أو لا نستطيع فعلها أبدًا: "ليس هذا هو ما يحدد سعادتنا: وإنما الحب الذي نضعه في أي شيء نقوم به، ونعطيه ونناله". وأضاف: "علينا أن نعطي الحب على الدوام، ونقبل بأذرع مفتوحة الحب الذي نتلقاه من الأشخاص الذين يحبوننا: هذا هو أجمل وأهم شيء في حياتنا".

 

وقال: "لكي نجعل عالمنا أكثر جمالًا وسعادة، علينا أن نحب الله والآخرين من كل قلبنا! وأن نحاول أن نتعلم -حتى في المدرسة- كل ما يمكننا، وبأفضل طريقة ممكنة، وأن ندرس ونلتزم إلى أقصى حد في كل فرصة تتاح لنا لكي ننمو ونحسِّن ونصقل مواهبنا وقدراتنا". إنَّ الأمر أشبه بالاستعداد للقيام بقفزة كبيرة: "أولاً عليك أن تركّز وتوجّه كل قوتك وعضلاتك في الاتجاه الصحيح..." وكذلك نحن أيضًا: علينا أن نركز كل قوتنا على الهدف، الذي هو محبة يسوع وفيه المحبة لجميع الإخوة والأخوات الذين نلتقي بهم في طريقنا، ومن ثم أن نملأ بالاندفاع والحماس كل شيء وكل شخص بعاطفتنا!".

 

وبهذا المعنى، "لا أحد منا يشكل عبئًا، بل نحن جميعًا عطايا جميلة من الله، وكنز لبعضنا البعض!"، خلص البابا فرنسيس إلى القول وأضاف: "حافظوا دائمًا على هذا النور مشتعلًا، والذي هو علامة رجاء ليس لكم فقط، وإنما لكل شخص تلتقون به، ولعالمنا أيضًا، الذي قد يكون أحيانًا أنانيًا جدًّا وقلقًا بشأن أشياء لا تهم. حافظوا دائمًا على نور الحب مشتعلًا!".

كونوا شهودًا للشجاعة والجمال والأمل

 

من ثمّ التقى قداسته، في مزار مريم العذراء سيدة المعونة، أساقفة بابوا غينا الجديدة وجزر سليمان والكهنة والشمامسة والمكرسين والمكرسات والإكليريكيين ومعلمي التعليم المسيحي. وألقى كلمة تأمل فيها بثلاثة جوانب من مسيرتنا المسيحية والإرسالية: شجاعة أن نبدأ، وجمال أن نكون، ورجاء أن ننمو.

 

وأشاد قداسته بالمرسلين الأوائل، الأجانب والسكان الأصليين، الذين حملوا الإيمان إلى بابوا غينيا الجديدة، ولم يستسلموا حتّى ولو بدت جهودهم الأولى فاشلة. وقال: بفضل هؤلاء، وبفضل بداياتهم، والبدء مجددًا، ها نحن هنا اليوم نواصل السير قدمًا رغم التحديات بدون خوف، مدركين أننا لسنا وحدنا. وأوصى بأن يوجهوا "بداياتهم" لمن هم في الضواحي، إلى الفئات الأكثر معاناة بين سكان المدن ومَن يعيشون في مناطق نائية ومتروكة حيث لا تتوفر في بعض الأحيان حتى الضروريات.

 

ثم انتقل البابا فرنسيس للحديث عن الجانب الثاني، وهذا يذكّرنا بأن الكنز الأثمن في عينَي الآب هو نحن المجتمعين حول يسوع تحت رداء مريم، متحدين روحيًّا مع جميع الأخوة والأخوات الذين أوكلهم الرب إلينا والذين لا يمكنهم أن يكونوا هنا، موقدةً فينا الرغبة في أن يعرف العالم كله الإنجيل وفي أن نتقاسم قوته ونوره. وقال: إنّ جمال أن نكون لا يُختبر خلال الأحداث الكبيرة أو لحظات النجاح، بل في الأمانة والمحبة اللتين تلتزم من خلالهما بشكل يومي للنمو معًا.

 

وحول الجانب الثالث، فتحدث عن التعليم المسيحي من خلال الصور، وخاصة شخصيات إبراهيم واسحق وموسى، الذين آمنوا فنالوا عطية النسل. وقال: إنّ هذه علامة هامة، لأنها تشجعنا نحن أيضًا اليوم على الثقة في خصوبة عملنا الرسولي، فنواصل زرع بذار خير صغيرة في أخاديد العالم. فهذه البذور تبدو صغيرة كحبة خردل، إلا أننا حين نثق، ولا نتوقف عن نثرها، فإنها ستثمر بنعمة الله وتعطي حصادًا وفيرًا وأشجارًا بإمكانها أن تستقبل طيور السماء. وشدّد بالتالي على أهميّة مواصلة الكرازة بصبر وبدون إحباط أمام المصاعب.