موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
"خلق الله الإنسان ... ذكرًا وأنثى خلقهم، وباركهم وقال لهم: انموا واكثروا واملأوا الأرض وأخضِعوها وتسلّطوا على أسماك البحر وطيور السماء وكلّ حيوان يدبّ على الأرض" (تك 1: 27 و28). لكن الإنسان بدأ بتدمير الطبيعة تدريجيًا مع بداية الثورة الصناعية.
إنّ غرور الإنسان وانتهاكاته الممنهجة للطبيعة جعلته في حالة صراع معها! ولكن يستحيل على الإنسان أن ينفصل عن الطبيعة، بل ينبغي أن يُدرك أنّه كائن حي داخل نظام كوني رائع خلقه الله، وكفاه تعجرف أفسَدَه صفاء نفسه وتوازن العالم... وأصبحنا على وشك الانقراض .
تنعقد المؤتمرات بشأن تغيّر المناخ، وتستضيف المؤتمرات عادةً ممثلين عن أكثر من 197 دولة. كما وتهدف المؤتمرات إلى إجراء حوار بنّاء عن الغذاء وتغيّر المناخ، والتعامل مع مشكلات التغير المناخي الذي يهدّد العالم وإلى بناء روابط وشراكات جديدة لمواجهتها.
ينتظر العالم من المؤتمرات أهمّ القرارات والنتائج، وبذل الجهود لإصدار إعلان رفيع المستوى بشأن الحاجة إلى سياسات غذائية متكاملة لمواجهة تداعيات الطوارئ المناخية.
ودرجت العادة ألاّ تلتزم معظم الدول بقرارات المؤتمرات حول التغير المناخي. كما أنّ التوصيات البيئية العابرة في هذه المؤتمرات لا تؤدّي إلى نتيجة وهي عبارة عن حبر على ورق. وتفشل المجالس عادة في اعتماد نصّ أو قرار أو بيان بسبب الانقسامات بين أعضائه حول هذه القضية.
عناوين الحلول معروفة وتُعيد نفسها في كلّ مؤتمر: تقليص حجم غازات الاحتباس الحراري (ولا تأخذ الدول في الحسبان "إعادة تشكيل النظام الاقتصادي") لأنّ الدول الكبرى ليس من مصلحتها القيام بهذا التغيير الجذري. وتكمن المشكلة الكبرى في لامبالاة الإنسان وعدم مقدرته على التفاعل مع الطبيعة . لذلك وصلنا إلى أزمة التغيرات المناخية السريعة جداً في فترة زمنية قصيرة بسبب تحطيم الإنسان للمنظومات البيئية .
ويزيد الطين بلّة الاستهلاك المخيف للمواد المتجددة وغير المتجددة. الازدياد السكاني. حرق البلاستيك. كثرة وسائل النقل الحديثة .رمي النفايات في البحار والأنهار. القضاء على الغابات من أجل البناء الحجري وغيرها من المشاكل التي لا تُعدّ ولا تُحصى.
للأسف الشديد أتلف الإنسان الحياة الطبيعية والنظم البيئية، ممّا أدّى إلى تغيّرات مناخية وإلى احتباس حراري رهيب، يظهر على شكل كوارث طبيعية وأحداث مناخية متطرّفة مثل: الفيضانات والجليد في الصيف، والحرّ في الشتاء. العواصف غير العادية والحرائق المدمّرة. ارتفاع منسوب المياه غير المنتظر والفيضانات والسيول الجارفة بغير موسمها. ازدياد حجم الحرارة في الكتل الهوائية وجفاف البحيرات التي تُستعمل للري ممّا يسبّب انقراض الحيوانات والنباتات.
باختصار دكّ الإنسان النظام الذي يدعم حياته وخرّب الثروة الطبيعية والنباتية. أصبحت كلّ المناطق في العالم مهدّدة. منطقة حوض البحر المتوسط وشمال أفريقيا مُهدّدة بكارثة الجفاف الشديد وهذا بدوره يُتلف المزروعات. كما أنّ ذوبان الجليد القطبي تتفكّك كلّ المواد العضوية المخزونة في التراب من آلاف السنين، تتفكّك وتبعث في الهواء ثاني أكسيد الكربون ممّا يزيد الاحتباس الحراري. أما مناطق كندا وأمريكا فهي مهدّدة بكثرة الأمطار وبالإعصارات وبأحداث مناخية متطرّفة بشدّة. أي تهديد كوني مع اختلاف التهديد من منطقة إلى أخرى.
لو وضع كلّ فرد استراتيجية بيئية من أجل احترام الطبيعة لساهم بحلوله الفردية في التقليل من الكوارث نوعاً ما. كما أنّ الحيوانات بحاجة إلى رعاية ولكن بدل ذلك يكثر الصيد العشوائي الذي ينال منها. وكذلك صيد الطيور يضرّ الإنسان لأنّها تقتل الأفاعي والجرادين...
الكون بحاجة إلى استراتيجية بيئية عالمية موحدة في استبدال الطاقة بطاقات غير معهودة مثل الطاقة الشمسية والهوائية والمائية. وفي تغيير كلّ العقلية الاقتصادية وكلّ النظام في الانتاج على الصعيد العالمي، أي أن يقلّ الانتاج وبالتالي يقلّ الاستهلاك المبالغ به. وتغيير نظام المواصلات...
احتضن الفاتيكان في 4 تشرين الأول 2021 لقاءً بعنوان: "الإيمان والعلم، نحو COP26"، شارك فيه قداسة البابا فرنسيس وقادة أديان، وشدّدوا في ندائهم على ضرورة القيام بـعمل مناخي مشترك على كافة الأصعدة، وأن يكون للدول التي تتنعّم بالرخاء الدور الرئيسي في تقليص انبعاثات الكربون. وأن تتبنّى الحكومات الإجراءات الكفيلة بإيقاف ارتفاع درجة الحرارة عند 1.5 درجة ...
بعض الدول همّها الأوّل البيئة ولكن هذا لا يكفي لإنقاذ البشرية. ينبغي على القادة المشتركين في المؤتمرات اتخاذ أهداف بنّاءة : تقليص حجم غازات الاحتباس الحراري بحلول عام 2030. لأنّ هذه الغازات تُسهم في رفع درجة حرارة كوكب الأرض. كما ننتظر من هؤلاء القادة العمل على القضاء بشكل تام على الانبعاثات الكربونيّة بحلول عام 2050.
خاتمة
الكون هبة الله للإنسان يجب أن يحرسه ويرعاه ويكون أمينًا عليه... حينما خلق الله الإنسان قال: «ها قد أعطيتُكم كلّ عشب يُخرج بزرًا على وجه الأرض كلّها، وكلّ شجر فيه ثمر يُخرج بزرًا يكون لكم طعامًا. ولجميع وحوش الأرض وجميع طيور السماء، وجميع ما يدبّ على الأرض، ممّا فيه نفْس حيّة، أعطيتُ كلّ عشب أخضر مأكلاً». فكان كذلك (التكوين 1: 29-30).