موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
شهد دير القديسة كلارا في الطالبية احتفالاً بمناسبة الافتتاح الرسمي للمرحلة الأبرشية من دعوى تطويب وتقديس خادمة الله الأخت مريم للثالوث، وذلك بحضور المطران وليم شوملي، النائب البطريركي العام، الذي ترأس الصلاة والجلسة، والمطران بولس ماركوتسو والمطران إيلاريو أنطونياتسي، مندوب البطريرك في المحكمة الخاصة، والأب فرنشيسكو باتّون، حارس الأرض المقدسة، إلى جانب أعضاء محكمة الدعوى: الأب فيليبو مورلاكّي، محامي العدالة، والأخت مارينا فيشر، كاتبة العدل، الذين بدأوا رسميًا مهامهم في دراسة دعوى هذه الخادمة الأمينة، بمشاركة عدد من الكهنة والرهبان والراهبات.
ألقى المطران وليم شوملي الكلمة الرسمية نيابة عن الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا، بطريرك القدس للاتين، المتواجد حاليًّا في الفاتيكان، مشيرًا إلى أهميّة هذا الحدث الكنسي الكبير الذي يُضيء على شهادة حياة راهبة شابة، جمعت بين الألم والنعمة، وعاشت بإيمان عميق وهدوء بطولي. وتخلّل الجلسة أداء القسم من قبل أعضاء المحكمة والنائب العام التزامًا بمسؤوليتهم في هذا المسار الكنسي، الذي يشكل خطوة أساسية نحو التقديس.
وُلدت لويزا جاك في 26 نيسان 1901 في بريتوريا، جنوب إفريقيا، لأسرة بروتستانتية، وفقدت والدتها لحظة ولادتها، فعادت الأسرة إلى سويسرا، حيث نشأت تحت رعاية خالتها. عرفت منذ طفولتها هشاشة صحية عميقة ومعاناة داخلية، تراوحت بين نوبات من المرض الجسدي -لا سيما السل- وخيبات أمل عاطفية ومهنية قادتها إلى هاوية اليأس، حتى أنها كتبت في لحظة مظلمة: "الله غير موجود". لكن وسط هذه الظلمة، شعّت نور نعمة مفاجئة، حين رأت في رؤية راهبة ترتدي زيًا بنيًا داكنًا، ما أيقظ في قلبها شوقًا قويًا للحياة المكرسة ولسرّ الإفخارستيا. بدأت بعدها مسيرتها في البحث عن الله، مرورًا بتجربة ارتدادها إلى الكاثوليكية، التي واجهت خلالها صعوبات عديدة بسبب ضعف صحتها وقرب عهدها بالإيمان، لكنها ثابرت بإصرار حتى استقبلها دير الكلاريس في القدس سنة 1938، وهناك أخذت اسم "الأخت مريم للثالوث"، وبدأت صفحة جديدة من حياتها – حياة صلاة وصمت واستماع لصوت الرب في العمق.
توفيت الأخت مريم للثالوث في 25 حزيران 1942 عن عمر يناهز 41 عامًا، نتيجة إصابتها بحمى التيفوئيد، وتركَت إرثًا روحيًا غنيًا تم جمعه في كتيّب نُشر لاحقًا تحت عنوان "الحوار الداخلي"، وقد تُرجم إلى أكثر من إحدى عشر لغة. أكد عالم اللاهوت الشهير هانز أورس فون بالتازار، في تقديمه للطبعة الفرنسية من الكتاب، على أهمية السمات السائدة في روحانيتها: الاستماع الداخلي لصوت الرب، والوعي العميق بالراحة التي يتركها الله لمخلوقاته في الاستجابة له، ونذر التضحية كتعبير سامٍ عن التخلّي الكامل أمام مشيئة الله، في جوهر إفخارستي عميق.
هذا الحدث الكنسي لا يُعتبر فقط إعلانًا لمسيرة تقديس، بل أيضًا دعوة للعالم لاكتشاف القوة الكامنة في حياة خفية عاشتها راهبة في القدس، بين الجدران الصامتة، لتكون شاهدة على الرحمة الإلهية التي تحوّل اليأس إلى قداسة.
نحمدك أيها الثالوث الأقدس، لأن في رحلة الحياة ومصاعبها دائماً تقدم لنا شهوداً موثوقين لإنجيل السلام. وكما أرشدت خطوات خادمتك الأخت مريم للثالوث من ظلمة القلب إلى نور الرجاء، أغرس فينا نفس ثقتها المتواضعة ويقينها بحضورك الخلاصي.
حاملة في قلبها الشوق إلى وحدة كنيستك، لقد دعوتها إلى القدس لتوطّد وحدتها بسر خلاصك وتكشف لها القوة الطيبة للحياة الإفخارستية: التغلب على الشر بالخير. بشفاعة خادمة الله مريم للثالوث، امنحنا النعمة التي نطلبها منك... (اذكر النعمة التي تريدها) وإن شئت، فلتكن من بين الطوباويين، لكي يعرفك كثيرون ويمجّدوا اسمك. آمين.
يتلى: أبانا، السلام، المجد