موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ١٧ نوفمبر / تشرين الثاني ٢٠٢٢
أندريا تورنييلي يكتب: تسعة أشهر من الحرب: جرح يعنينا كمسيحيين"
كتب مدير التحرير في دائرة الاتصالات الفاتيكانية

فاتيكان نيوز وأبونا :

 

تقترب أوكرانيا من نهاية الشهر التاسع منذ بداية الحرب العدوانيّة الروسيّة المروعّة. تسعة أشهر هي المدة التي تتكوّن فيها الحياة البشريّة في رحم الأم قبل أن تخرج إلى النور، لكن ما يحصل في نفس الفترة الزمنيّة في أوكرانيا ليس عبارة عن تكوينٍ للحياة، إنما للموت والحقد والدمار.

 

 

مسيحيّة واحدة مشتركة

 

هنالك جانب واحد من هذه الحرب لا نتذكره دائمًا: إنّه صراع بين شعبين ينتميان إلى الإيمان نفسه بالمسيح، ويتقاسمان المعموديّة نفسها. ففي تلك المنطقة الجغرافيّة، ارتبطت المسيحيّة بعموديّة شعوب الروس عام 988، بعدما شاء فلاديمير الكبير، وبعد معموديته في خيرسون، أن تنال عائلته وشعب كييف سر العماد في مياه نهر دنيبر. بالتالي، فإنّ المسيحيين الروس والأوكرانيين يشتركون في نفس الليتورجيا الإلهيّة والروحانيّة التي تنتمي إلى الكنائس الشرقيّة.

 

يوجد اليوم ميل لإخفاء هذا الانتماء المشترك للإيمان والتقاليد الليتورجية، لأسباب مرتبطة بالبروباغاندا الحربيّة: عندما يقاتل الإنسان ويَقتل عليه أن ينسى وجه الآخر وإنسانيته، كما كان يقول نبي السلام المطران تونينو بيلّو، وينبغي أن ينسى المقاتل أيضًا أن الآخر يتقاسم معه المعموديّة نفسها.

 

إنّ الحرب التي اندلعت في قلب أوروبا، هي حرب بين المسيحيين، لذا فإنّ الجرح أصبح أكثر إيلامًا لأتباع يسوع. نحن لا نواجه صراعًا يمكن تصنيفه على أنّه "صراع بين الحضارات"، وهي نظرية اشتهرت بعد هجمات 11 سبتمبر 2001، الإسلاميّة الصبغة، لتحديد الاختلافات بين "نحن" و"هم". لا. هنا، فإنّ المهاجِمين والمهاجَمين يقرأون الإنجيل نفسه!

 

 

جروح الحرب

 

إنّ الاستياء الذي قد ينجم عن هذه الملاحظة يمكن أن يدفعنا على التفكير بالدرب الطويلة التي ينبغي أن تجتازها الرسالة الإنجيليّة كي تلوج قلب المسيحيين وتتغلغل في ثقافتهم، من أجل الاقتداء بمثل الرب يسوع الذي طلب من بطرس في بستان الزيتون أن يضع سيفه في غمده.

 

يمكن أن يقودنا هذا الواقع على السعي إلى التمييز بين "مسيحيتنا" والمسيحيين الميالين إلى الحروب والذين يضعون الأيقونات على رايات الجنود ويسعون إلى تبرير العدوان والعنف بواسطة الخطابات الدينية، كما كان يحصل في الغرب منذ فترة قصيرة.

 

لكن هذا الموقف ليس إلا محاولة للهروب، ومحاولة لتبرير الذات، كي لا يبقى الجرح الذي سببته هذه الحرب مفتوحًا. بدلاً من ذلك، يعلمنا الصراع الدائر في أوكرانيا أنّ الانتماء إلى تقليد مشترك، بأنّ التمسّك بهوية وثقافة نشأتا من إعلان الإنجيل نفسه، ليسا كافيين من أجل حماية أنفسنا من الانزلاق نحو همجية العنف والحقد والحرب القاتلة.

 

 

السلام من خلال المسيح وحده

 

إنّ إبقاء هذا الجرح مفتوحًا، يعني أن نتذكر يوميًّا أن إيماننا وتقاليدنا الدينية ليست من المكتسبات.

 

إنّه يعني أن نتذكّر أنّه لا يمكننا التصرّف كمسيحيين إلا من خلال النعمة، وليس التقاليد أو الثقافة.

 

هذا يعني أن نتذكر كلمات يسوع الذي قال لتلاميذه: "بدوني لا تستطيعون أن تفعلوا شيئًا"، كي نعود من جديد إلى التواضع ونبحث عنه، هو الحيّ والحاضر اليوم، ولنبتهل منه عطية السلام.