موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الإثنين، ٣ أكتوبر / تشرين الأول ٢٠٢٢

صافرة القاطرة: البي بي سي

بشار جرار

بشار جرار

بشار جرار :

 

لأسباب أرجو أن يعفيني القراء الكرام من ذكرها، قرار إغلاق خدمات عشر لغات من بينها العربية والفارسية في راديو بي بي سي ليس سوى البداية. القاطرة تحركت، وصافرتها كل حسب توقيته المحلي وليس بالضرورة العالمي، هذا إن كان في الأصل ما زال بحسب بلدة غرينيتش الإنجليزية.

 

قاطرة هيئة الإذاعة البريطانية رأس حربتها كانت الإذاعة. كل شيء وارد، سواء داخل المنظومة الإعلامية البريطانية خاصة الفضائيات والمكاتب الإقليمية، أو خارجها من أسرة الناطقين بالعربية بتمويل لدولة بعينها أو حلف بعينه أو حتى المؤسسات الدينية التي صارت هي الأخرى لها فضائيات ومنصات إعلامية متعددة تخدم الدين كله أو طائفة أو مذهبا أو اتجاها سياسيا يميز بينها إلى حد التراشق الإعلامي.

 

ينسحب حديثي أيضا على الجهة، أو بالأحرى الجهات المقابلة، فالجماهير العريضة المستهدفة، فيها دول ونظم لها أجنداتها وأدواتها الناعمة والخشنة. فصار لبعضها شبكات إعلامية بعضها يتقاسم الأدوار لرفع العتب عنه داخليا أو خارجيا. كم من الدول العربية أقامت على أراضيها أو في المهجر، قنوات عملت ضمن تلك التوجهات التي لا تختلف في الجوهر المهني الإعلامي والإداري والتمويلي عن تلك التي سبقت إلى تأسيسها عواصم الغرب. الاستثناء الوحيد كانت قناة اقتحمت أو استدعيت للبث بلغة أجنبية من جزيرة في العالم العربي إلى فضاءات المعمورة بالاتجاهات الأربع، في تركيز واضح على ساحات بدا فيها تقسيم الأدوار جليا مع المؤسس والراعي الأول لمشروعها.

 

لمن يعرف الإنجليز وطول أناتهم ودهائهم وحرصهم على الوقت أكثر من المال، ما كان ليتم إنهاء أربعة وثمانين عاما من الخدمة دون غاية مدروسة وبعناية فائقة. القضية ليست ضغط نفقات ولا حتى مراجعة أولويات إنفاق. القضية باختصار في العبارتين التاليتين اللتين وردتا على لسان أول مذيع في أول بث أعلن عن بدء خدمة البث باللغة العربية. قال المذيع أحمد كمال سرور رحمه الله عام 1938 إن الخدمة هي الأولى لمنطقة «الشرق الأدنى» ولشعوبها و«لسانهم العربي الفصيح»..

 

ما عاد الشرق شرقا ولا الأدنى بأدنى. وما ظل لسان شعوب «الشرق الأوسط الجديد» بعد «فوضاه الخلاقة» و«ربيعه العربي» يرطن بلسان «عربي فصيح»..

 

الأموال سيعاد ضخها لصالح «الديجيتال» منصات لم يكن عبثا قبل سنوات عندما أفردوا لها مساحات داخل نشرات الأخبار وبعدها برامج قائمة بذاتها. رويدا رويدا، جرى تخفيف المحتوى «العربي الفصيح» لحساب هدم اللغة العربية (المكسرة) عمدا كتابة ونطقا ولحنا. حتى أتى عصر إفلات اللهجات من عقالها دون حرج من تمرير بعض النكات الخادشة للحياء والمسبّات إن لزم الأمر لضمان «تمرير الرسالة».. راجع محتوى الاعلام الأهلي والرسمي، التقليدي والجديد، وسترى العجب العجاب ومن الأطراف كلها من كان مع «النظام» ومن كان ضده على الساحات التي ابتليت بتداعيات ما وصفوها «ثورة الياسمين»!

 

طبعا، التاجر وإن كان من القطاع العام، لا يحب الخسارة. و«الطمع بالأجاويد» الذين سيشترون بعض المخلفات بالوزن القائم أو بعد تخفيف الحمولة، وهو ما يجري عادة فيما يطلقون عليه اسم «إعادة هيكلة»، وما هي إلا تهيئة للبيع أو للتلزيم -التشغيل عبر وكيل– «آوت سورسينغ»!

 

ختاما، تحية إجلال وإكبار لهيئة الإذاعة البريطانية في مدرستها الأم التي كانت وستبقى بحق مدرسة في الإعلام وفيهم نخبة من أساتذتنا الكبار الكبار، بعضهم شرفت بالخدمة تحت قيادتهم وبمعيتهم في مؤسستنا الأم التلفزيون الأردني..

 

أتمنى أن يستبق أصحاب القرار في الشأن الإعلامي السمع للصافرة، فالآتي في هذا الميدان الحساس كبير، وآن الأوان، ولو لمرة، استباق الأحداث لا الارتباك بتداعياتها..

 

(الدستور الأردنية)