موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ١٨ نوفمبر / تشرين الثاني ٢٠٢٣

وما زالت التغطية مستمرة!

بشار جرار

بشار جرار

بشار جرار :

 

وكأنها حرب بعيدة، فيما برقها ورعدها على مسافة بضع غيمات. انتقاء بعض المفردات وتركيبها حروفا على صور في مشاهد لها أيضا أصواتها الطبيعية، موجع دائما وأحيانا لا يعالجه بل يوحي باعتياد الألم أو التعايش معه.

 

ماذا يعني الإعلان المصحوب بصور سريعة وأصوات مثيرة-تثير الغضب والحزن وأشياء أخرى- في التغطيات المباشرة والمتواصلة؟ ماذا تعني عبارة «ومازالت التغطية مستمرة» أهي تغطية للحدث أم عليه؟ وتزيد بعض القنوات البعيدة من الاستفزاز والشحن لمشاعر المشاهدين والمتفرجين، بأن يقوم ناقلو الحدث من الاستوديوهات الآمنة المكيّفة والمرفّهة، بالاعتذار من مراسل منهك مكلوم في معظم الأحيان، مراسل ميداني في قلب الحدث، يقاطعونه بأن لا بد من تفعيل بند الصمت في التغطية، وفقا لنظريات التدريب الإعلامي، فيصمت الجميع، لتتكلم الصورة ويسمع المتلقي لتلك الرسالة الإعلامية المباشرة، صوت القصف ثم الانفجار، ترافقه صيحات ذات مفردات دينية أو حزبية، ومن ثم صمت آخر، لسماع أنّات وصراخ الضحايا ونفير سيارات الإسعاف إن سلمت، أو وجدت وقودا لتشغيلها. ينسى بعض من يتعاطون مع رسالة الإعلام وأمانة الصحافة وكأنه «شو» استعراض تتخلله دعايات سياسية أو تجارية، ينسون أن الجمهور ليس مشاهدا ولا متفرجا، وإنما أخ وشقيق وجار وصديق زميل.

 

مما يزيد من بعض سمات معشر المشتغلين في مهنة الشقاء لا المتاعب كما كانت تسمى قبل عصر الانفجار المعلوماتي والانفلات الأخلاقي والضياع الروحي، مما يزيد من سمات الغرابة وأحيانا الفظاظة، التعامل مع مأساة إخوتنا في غزة وكأنه حدث بحاجة لأن يذكّروننا كمتلقين أن لآلة الحرب عذابات بالصوت والصورة، مهما زخرفها بعض المنتجين في غرف الأخبار برسومات «غرافيكس» وحركات «الأنيميشين» وستوديو المحاكاة غير الحقيقية «فيرتشيوال رياليتي».

 

ما هي الرسالة؟ تحقيق التعاطف؟ التحريض على التفاعل؟ ما ظننت الجمهور بحاجة إلى ذلك، لا وطنيا ولا إقليميا ولا عالميا. الرسالة الأهم هي توظيف تلك المشاعر الحزينة والأرواح المتألمة، لما فيه وقف القتال والقتل والتقتيل. ومن ثمّ يكون الإسعاف، ومن بعد لا بد من المكاشفة والمحاسبة للجميع، بمن فيهم المصرون على تكرار الأخطاء ذاتها، إعلاميا وسياسيا.

 

المسؤولية الأكبر لتلك الرسائل التي تبث في قنوات ومنصات متعددة اللغات. وهي سمة انتشرت في العقد الأخير في كثير من القنوات العربية والأجنبية. هل نوجّه كمرسلي الرسائل الإعلامية والسياسية ما يستقبله المتلقي خاصة لدى الطرفين المنخرطين مباشرة بحرب السابع من أكتوبر والدول القادرة على إنهائها، بدلا من أن يصدها ويزيد من عدائه للقضية ولمن يظن خدمتها؟ تلك مسؤولية وأمانة في أعناقنا خاصة من يتصدى لمكافحة الشائعات والتعتيم والتضليل الإعلامي، تماما كما هي تلك الدماء الزكية التي سفكت على مدى أربعين يوما حتى الآن، على يدي كل من تسبب ودعم هذه المقتلة وهذا العبث الدامي وهذه العدمية الانتحارية..

 

(الدستور الأردنية)