موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الإثنين، ٥ فبراير / شباط ٢٠٢٤

أبو زيد وبدر

بشار جرار

بشار جرار

بشار جرار :

 

قدّم محبو فقيدي الأردن والأسرة الإعلامية الأستاذ صلاح أبو زيد والأخ عوني بدر مع حفظ الألقاب، قدّموا واجب العزاء لهاتين القامتين الفذتين، كتب الله مقامهما في عليين.

 

قد لا يعلم بعض الأردنيين -خاصة من جيل الألفية الجديدة- قدر هذين البطلين. فكلمة الحق بطولة، والموقف الجريء الراسخ الثابت في توثّبه للدفاع عن المئوية الأولى من عمر المملكة، بطولة أيضا لها أثمانها.

 

ليت الثمن في مهنة المتاعب، التعب وحده. فمن الأثمان الإنهاك والإعياء والإفناء في الدم والأعصاب، وما هو أثمن كالعمر الذي نحرص جميعا على قضائه بهناء مع أسرنا وأحبابنا وفي الوطن، ما استطعنا إلى ذلك سبيلا.

 

للعزاء مجالسه وللتأبين محافله، ولهؤلاء الرجال الرجال الذين ما غيروا أبدا وما بدلوا تبديلا، سجل حافل في خدمتهم للوطن وللعرش المفدى. أبا عماد وأبا ميس رحمة الله عليهما، خدما سيدنا الراحل العظيم الحسين وسمو الأميرة بسمة بارك الله في عمرها وقدّما من خبراتهما الكثير لمن ساروا على دروبهم في هذه المهنة التي تثبت يوما أكثر من قبله، أن الإعلام سلاح أكثر مضاء وفعالية أحيانا من المدفعية والطيران والصواريخ والمقاومات الأرضية. لا بل صار الإعلام في زمن الكذب والدجل والدس والهلس والتدليس كما القوات الخاصة في المهام الخاصة والخطرة، بما فيها تلك التي توصف بالفدائية.

 

الجميل في ذكراهما العطرة ذلك التنوّع -وليس في الأمر مقارنة بل مقاربة- التنوع في فروسية الكلمة لدى الرجلين. عرف عن الأستاذ صلاح أبو زيد مقارعة أعتى وسائل الإعلام العدائيّ في زمانه بفروسية عز نظيرها، وعرفت أخانا عوني بالثبات والإقدام الهادئ الوديع لكتابة خبر «السهل الممتنع». لطالما حدثنا بأخباره وتقاريره عن أخت الحسين وعمة أبي الحسين وشقيقة الحسن، الأميرة بسمة أثناء رعايتها الكثير من الأيادي البيضاء في حقوق المرأة وفي التنمية في الأماكن النائية، وحملات البر والإحسان في كل رمضان حيث كان أبو ميس -الأردني المسيحي العامر قبله بالإيمان وبثمار اتّباعه الأمين لخطى السيد المسيح- كان حريصا على الامساك حتى عن شربة الماء فظنه كثيرون أنه يشارك الزملاء صيامهم الرمضاني، وقد كان رحمه الله غير مقل إطلاقا في عدد السجائر المحترقة في يساره لحين إنجاز الخبر بيمينه صياغة ومونتاجا وحتى انتهاء قراءته في نشرة الأخبار الرئيسية بصوت عدنان الزعبي بارك الله في عمره أو أي من زملائه الأعلام الكبار في شاشة الأردن الأولى والوحيدة في ذلك الزمان.

 

قبل سنوات سمعت بفرح عن تدريس الثقافة الإعلامية -قيل في المدارس والجامعات كمتطلب اختياري. أتساءل هل سيقرأ أبناؤنا وأحفادنا عن بعض ما قدمه هؤلاء الكبار؟ والسؤال الأكبر الذي أطرحه وفاء لهتين القامتين، هل لدينا ما يديم الاتصال والتواصل والنهل من معين خبراتهم الفذة وممن مازالوا أحياء كراما بين ظهرانينا في الوطن أو المهجر؟

هنا في بلاد العم سام، لا يتقاعد الإعلامي، تماما كما في مهن أخرى حساسة تقوم على المعرفة والخبرة التراكمية. هنا يستخدم مصطلح قدامى الإعلاميين «ميديا فيتيران» تماما كما هم المحاربون القدامى من العسكريين ورجال الأمن والدفاع المدني. الفارق أن حروب الإعلامي لا تنتهي، ما دام في القلب نبض وفي الصدر نفس ينطق بكلمة أو يخط سطرا أو حرفا في خدمة الأردن والذود عن حماه.

 

(الدستور الأردنية)