موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ٢٢ نوفمبر / تشرين الثاني ٢٠٢٥

الملك الذي يفتح الفردوس… ملكوت يبدأ من القلب

بقلم :
الأب سالم لولص - الأردن
الملك الذي يفتح الفردوس… ملكوت يبدأ من القلب

الملك الذي يفتح الفردوس… ملكوت يبدأ من القلب

 

في ختام السنة الطقسيّة، تضع الكنيسة أمامنا حقيقة تُغيّر نظرتنا إلى الله وإلى ذواتنا وإلى مسيرة العالم: يسوع ملك الكون. لكن هذا اللقب لا يقودنا إلى القصور ولا إلى العروش الأرضيّة، بل إلى مكانٍ لم يكن أحدٌ ليتوقّعه: الصليب.

 

فبينما تبحث الشعوب عن قوّة الملك وسط مظاهر العظمة، يكشف لنا المسيح أنّ الملوكيّة الحقيقيّة لا تُقاس بالذهب ولا بالجيوش، بل بالقدرة على أن يُحبّ الإنسان حتى النهاية. ملكٌ يقف إلى جانب الضعيف، ويحمل عنه أعباءه، ويقترب من جروحه، ويعيد إليه كرامته. ملكٌ لا ينتظر أن يرفعه الناس، بل هو الذي ينحني كي يرفعهم.

 

في هذا المشهد الفريد، يتقدّم رجلٌ منسيّ، مصلوبٌ إلى جوار يسوع، فيُعلن أعظم فعل إيمان في اللحظة الأكثر ظلمة: "اذكرني". لم يقدّم تبريرًا، ولم يطلب معجزة، بل طلب قلبًا. وملكُ القلوب لم يرفضه، بل فتح له الفردوس بينما كانت الأرض تُغلق آخر أبوابها.

 

إنّ ملوكيّة المسيح هي ملوكيّة تحرير: تحرير من الظلمة، من الخوف، من الماضي، من الصورة الكاذبة التي نحملها عن أنفسنا. هو الملك الذي لا يأتي ليأخذ شيئًا من الإنسان، بل ليعيد إليه ما فقده: السلام الداخلي، القدرة على البدء من جديد، والشعور بأنّ الله أقرب ممّا نتصور.

 

وفي عالمٍ تتصارع فيه القوّات، وتتنافس فيه الأفكار، يبقى ملكوت المسيح مختلفًا: ملكوتٌ يبدأ من القلب، حين يتّسع للغفران بدل الانتقام، وللرجاء بدل اليأس، وللنور بدل الظلمة. إنّ ملكوت السماء لا يُشيّد بالسيطرة، بل بثقة أبناء يعرفون أنّ الله يعمل في خفايا الحياة ويحوّل صلباننا اليومية إلى أبواب نحو القيامة.

 

عيد يسوع الملك ليس ذكرى، ولا شعارًا، بل خيار حياة. إنّه دعوة لأن نسمح للمسيح أن يملك على قراراتنا، على علاقاتنا، على مخاوفنا، على أحلامنا. فحيث يملك المسيح، يولد الفردوس… وحيث يملك الحبّ، تبدأ حياة جديدة.