موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأحد، ١٧ يناير / كانون الثاني ٢٠٢١

82 عامًا على يوم الشجرة

رمزي الغزوي

رمزي الغزوي

رمزي الغزوي :

 

مرَّ يوم الشجرة متسللاً، ربما لأنه صدف يوم الجمعة مع رفع الحظر. مر اليوم ولم يرشح عنه سوى تقرير عن احتفال رسمي يرينا كيف زرع المسؤول ومرافقوه الشجرة وهم بكامل هندامهم وربطات أعناقهم الهفهافة وكماماتهم، ودون أن تتحنّى أو تتعطر أياديهم بالتراب. زرعوا أشجاراً ربما ستموت بعد أيام قليلة لأنننا سننسى أين زرعناها.

 

وما يمؤلم أكثر، أن مثل هذه الاحتفالات تنتهي عادة لحظة مغادرة هذا المسؤول، وقد يُنسى أن يُسحب البساط الأخضر، الذي مد كي لا تتلوث قدماه بالطين، ولهذا صار من الموضة الدارجة أن ترصف بدل من البساط بضع بلاطات رخامية متلاصقة كرصيف، تؤمن الحماية من الطين.

 

بصراحة مللنا أن نحتفل بيوم الشجرة بهذه الطريقة الاستعراضية غير المجدية، ولو أن تقريراً أعيد علينا من سنوات سابقة لما انتبهنا، فكلها متشابهة. وبصراحة أكثر، فقد مللنا أن يستعرض علينا المسؤول مهارته في طمر فسيلة بعد أن يقشرها له موظف، وآخر يلقمها للحفرة، ثم يهيل عليها تراباً بمجرفة جديدة بِكر، ويمضي وهو يعرف أن الحفل الذي بدأ به، سينتهي مع مغادرته!. فكم من فسائل أشجار بقيت لتموت في أكياسها السوداء جوار حفرها، دون أن تزرع. فارحمونا من هذا التصنع المكرور الممجوج!

 

نحن بدأنا الاحتفال بيوم الشجرة قبل 82 سنة. فأين ما زرعناها طيلة تلك الاحتفالات والسنوات؟ نحن كل عام نحتفل دون أن يزداد غطاؤنا الشجري، بل يضمحل بفعل مجازر التقطيع، كي تعمر مواقد  بحطب السنديان والملول والقيقب؟!، فأين الغابات التي من المفترض أنها تألقت منذ ذلك التاريخ وصار لها ظلال وارفة؟!، فقد مضت عقود ونحن نحتفل ولا شيء غير نحتفل.

 

نريد أن نعيد النظر بسياساتنا التشجيرية، ولهذا قد يكون اقتراح تتشكل هيئة وطنية عليا للشجرة مناسباً، ليكون عملنا للشجرة طول فصل كامل، وليس يوماً بائساً يمر دون أن يشعر به أحد!

 

وماذا أعددنا للشجرة ولغطائنا النباتي المتلاشي ليواكب هذا التمدد الأخطبوطي للإسمنت، وغاباته الصماء، فماذا لو فرض، على كل مستثمر أن يغرس شجرة حرجية أو مثمرة في أراضينا الجرداء، عوضاً عن كل متر مربع يغرسه من إسمنت في ترابنا على الأقل.

 

بدلاً من الزراعة الاحتفالية، أطالب المسؤولين بأخذ جولة خاطفة في غابات عجلون ودبين وزي، كي يروا كيف فعلت المناشير النهمة والشرهة بأشجار عمرها مئات السنين فجزت بلحظات، وتركت مكانها بعضاً من النشارة. احموا ثروتنا الشجرية قبل أن تمثلوا علينا بغرس فسيلة ستموت من قلة العناية والحماية!

 

(الدستور الأردنية)