موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ٢٣ نوفمبر / تشرين الثاني ٢٠٢٣

يسوع ملك الملوك ورب الأرباب

بقلم :
بسام دعيبس - الأردن
يسوع ملك الملوك ورب الأرباب

يسوع ملك الملوك ورب الأرباب

 

 يوجد في الكتاب المقدس اسماء والقاب كثيرةللسيد المسيح ، تعكس طبيعته، ومكانته بالنسبة للثالوث الاقدس والوحدة مع الله، وعمله على الأرض من أجلنا، ومن هذه الاسماء والالقاب.

 

 حسب طبيعته… الرب يسوع حجر الزاوية، بكر كل خليقة، رأس الكنيسة، القدوس، الديان، ملك الملوك ورب الارباب، نور العالم، رئيس السلام، ابن الله، ابن الانسان، الكلمة، كلمة الله، كلمة الحياة حسب مكانته للثالوث والوحدة مع الله… الرب يسوع هو الألف والياء، عمانوئيل، أنا هو، رب الكل، الاله الحقيقي حسب عمله على الارض … الرب يسوع رئيس الايمان ومكمله، خبز الحياة، العريس، المخلص، الراعي الصالح، رئيس الكهنة، حمل الله، الوسيط، الصخرة، القيامة والحياة، الكرمة الحقيقة، الطريق والحق والحياة.

 

 يسوع ملك الملوك ورب الارباب (رؤيا ١٦:١٩)… ان عبارة "ملك الملوك ورب الأرباب" في الكتاب المقدس تشير االى سلطة يسوع وقوته، الوهية يسوع وتفوقه، وقد تحدث الكتاب المقدس بعهدية القديم والجديد وفي كل الاناجيل ،وفي سفر الرؤيا عن ذلك، ونستطيع القول ان يسوع هو السلطة العليا على كل الخليقة ، سواء في السماء أو على الأرض، ولقبه يدل على دوره المزدوج كمخلصنا وربنا. وإن فهم يسوع كملك الملوك ورب الأرباب يقوي إيماننا وعلاقتنا به، ودوره كديان نهائي للبشرية جمعاء، هذا وإن إدراكنا لسلطة يسوع المطلقة يلهمنا أن نخضع له ونخدمه بكل إخلاص.

 

كما ان عبارة "ملك الملوك ورب الأرباب" تدل على دور يسوع المسيح كملك ومخلص لديه القوة ليخلصنا من الخطيئة والموت والانفصال الأبدي عن الله، كما تجلت تضحيته على الصليب وقيامته من الأموات وانتصاره على هؤلاء الأعداء الروحيين ، مما جعل الخلاص ممكنًا لكل من يؤمن به (يوحنا 3:16).

 

ويسوع كرب له سلطان على حياتنا، وهذا يعني أننا مدعوون للخضوع لحكمه واتباع وصاياه ، والاعتراف بسيادته في جميع جوانب حياتنا (لوقا 6:46)، من خلال الاعتراف بأن يسوع هو ملكنا وربنا ، يمكننا اختبار ملء حبه ونعمته وقدرته على التغيير.

 

يقول القديس بولس الرسول "أخضعت كل شيء تحت قدميه، لأنه إذ أخضع الكل له لم يترك شيئا غير خاضع له، على أننا الآن لسنا نرى الكل بعد مخضعا له" (عب2: 8 )، ولكن الآن صار الكل خاضعًا إما بالحب أو خاضعًا تحت قدميه "قال الرب لربي اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئا لقدميك" (مز110: 1). وسيأتي المسيح كرأس للكنيسة الواحدة التي أسسها التي هي جسده لتخضع لله في طاعة كاملة (1كو15: 28).

 

 هذا وعندما نتكلم عن يسوع الملك، لا بد لنا ان نتكلم ايضا عن ملكوت الله الذي هو محور تعاليم يسوع في الانجيل، وتظهر كلمة ملكوت الله اكثر من أية كلمة اخرى في الاناجيل الاربعة، وقد بدأ يسوع حياتة العلنية بالتبشير بالملكوت: قد تم الزمان واقترب ملكوت الله فتوبوا واّمنوا بالبشارة.

 

إن ملكوت الله يتجلى في الكتاب المقدس في اكثر من مكان، وبعض المزامير توضح لنا ان الله ملك في شعبه، وان الله لا يصير ملكا بل هو الملك، عرشه ثابت منذ البداية، وأقله منذ الطوفان، والمسيح هو الرب الاله منذ الأزل، كما تظهر المزامير ملك الله الذي يظهر بشكل خاص في الخلق، وتذكر بحرب الله مع قوى الشر وانتصاره عليها في نهاية الازمنة، ويبين الكتاب ان الرب ملك الكون وهو ملتحف بالبهاء والعظمة.

 

وتظهر قدرة يسوع وسلطته على الطبيعة، وان هذا الملك القدير يسكن في هيكله، وملكه منذ الازل اي قبل بداية الخليقة، وان عرش الله في السماء هو عرشة على الارض ايضا، وحضوره في السماء والارض يجعل الكون ثابتا بقوة عظمته، وسيظل يسيطر على اعدائه بيده، ويملك عليهم الى الابد.

 

لقد ظهر الرب لأشعيا النبي في هيكل أورشليم بصورة ملك، وسمّيت صهيون مدينة الملك العظيم، وعندما يعود شعب الله من المنفى يعلن له أشعيا : الله ملك، وملكه سيظهر لكل قوات السماء. لقد ولدت فكرة "الله ملك" منذ القديم، في أيام الخروج والقضاة، إن لم يكن في أيام صموئيل. فالله ملك وهو يقود شعبه ويخلصه ويحارب عنه، ويعمل له كل ما يعمله ملك من أجل مملكته.

 

ويبقى السؤال الكبير إذ كيف تنصب الكنيسة يسوع ملكا بينما كان يسوع نفسه يرفض أن يدعوه الناس ملكا، ولدى دخوله أورشليم، يخبرالإنجيل أن الناس أخذوا سعف النخل وبدأوا يهتفون هوشعنا لابن داود، هوشعنا لملك إسرائيل، أما يسوع فبعد أن امتطى جحشًا ابن أتان ودخل أورشليم، ومن ثم ترك الجموع التي حاولت تنصيبه ملكا.

 

وحتى نستطيع ان نفهم بشكل أفضل معنى ملوكية يسوع.… كان "ملكوت الله" محور تبشير يسوع، وقد أساء اليهود في زمانه، الذين كانوا يعتقدون بأن المسيح سيعيد أمجاد ملك داود، لهذا السبب نرى أم يوحنا ويعقوب تسعى إلى تأمين مستقبل ولديها ليجلسا عن يمين الملك.

 

أن يسوع لم يرفض لقب "ملك" إلا عندما فهم الملك بحسب النظرة السياسية المحضة، أما عندما كان يتحدث عن ملكوت الله كملكوت حب وبر وحق فلم يكن يرفض هذا اللقب، لا بل كان يوضحه. نرى هذا الأمر في لقاء يسوع بالسامرية، حيث يصرح علانية بأنه المسيح المنتظر، ملك إسرائيل. نرى واقعة أخرى في لقاء يسوع الأخير ببيلاطس خلال الآلام، عندما يستجوبه بيلاطس بشأن اتهامه بأنه ملك اليهود: "أأنت ملك؟"، فيجيب يسوع: "أنت قلت. أنا ملك"، موضحًا مباشرة أن "ملكوته ليس من هذا العالم، ولا يتبع معايير هذا العالم.

 

"إن ملكوت الله هو حاضر في وسطكم"، ما نستشفه من كلام يسوع، هو ان الملكوت هو في اعماق انفسكم، ويعتمد على ارادتكم وسلطانكم ان تقبلوه او ترفضوه، أن الملكوت ليس مكانًا أو سلطنة بل شخصًا، هو شخص يسوع المسيح. الولوج في ملكوت الله هو الدخول في علاقة متينة مع المسيح الذي يقودنا إلى الآب عن طريق الصليب، فكل انسان يقبل التبرير بالايمان بالمسيح، ويتزين بكل فضيلة، يحسب اهلا لملكوت السموات.

 

ملكوت الله يعني الفرح الذي يغرسه الروح القدس في داخلكم، انه يعني معرفة الحق والابتهاج بالفضيلة. ما من طريق آخر لفهم ملوكية المسيح إلا هذا: أن يعي المرء أن مواجهة الشر بالشر هو فشل، هو هزيمة ورضوخ لمنطق الشر. قوة المسيح، هي قوة الحب، وملكوته هو ملكوت الحب الذي يقول: "لا تدع الشر يغلبك، بل اغلب الشر بالخير". ولذا فالمسيح هو ملك لأنه أحبنا حبًا لا يضاهيه حب لأنه بذل نفسه لأجل أحبائه، وبهذا الحب الكبير هدم سور العدواة وصار هو سلامنا.

 

ليس لدينا مملكة في هذه العالم، بل ننتظر في الرجاء السعيد تجلي ربنا وإلهنا العظيم يسوع المسيح. هذا الانتظار المسيحي ليس سلبيا، ليس كسلا وبطالة، بل هو عمل وجهد في بناء ملكوت المسيح، حيث تملك المحبة فهناك يملك المسيح، وعليه لنسجد ليسوع ملك الاكوان وسيد الازمان كما سجد له المجوس، ونعكف على عبادته وحمده، وان نكون من اصحاب اليمين، لكي يشملنا برحمته ويدخلنا في جنته عندما نراه ملكا للكون وديانا للعالمين وصاحب الحكم والقضاء في الارض والسماء.

 

باعترافنا بأن يسوع ملك الملوك ورب الأرباب، نجد مصدر قوة ورجاء عظيمين في رحلتنا الروحية، فيسوع الذي يمتلك كل سلطان وكل قوة هو إلى جانبنا، ويعمل لصالحنا، ويتشفع من أجلنا (رومية 8:34). بغض النظر عن المحن والضيقات التي نواجهها، يمكننا أن نثق به وبوعوده، فيعطينا أساسا ثابتا نبني عليه إيماننا، عندما ننمو في فهمنا لسلطته، ونسلم حياتنا اليه، ولمشيئته بتوجيه كل خطواتنا، عندئذ نطمئن أنه سيحقق أهدافه في حياتنا وفي العالم من حولنا.

 

تبارك الاتي باسم الرب، تباركت الممكلة الاتية، مملكة ابينا دؤاد، تبارك من استوى ملكا مدى الازمان ومن يبارك شعبه بالسلام، تبارك من لا بد له وان يملك حتى يجعل جميع اعدائه تحت قدميه والموت اخر عدو يبيده، تبارك الحمل الذبيح الذي هو الاهل لان ينال القدرة والغنى والحكمة والعزة والاكرام له المجد والعزة ابد الدهور.

 

يا يسوع الملك... اسبحك واشكرك من اعماق قلبي، فانت توقظني يوميا على الايمان والرجاء والمحبة... اسبحك واشكرك لانك تغمرني في كل يوم جديد بالعافية والامل والفرح، ومحبةً الذين يشاركوني تسبحتك وتقديم الشكر لك، لك الشكر والتسبيح ايها الرب المسيح… وكل عام عام ويسوع الملك، يملك على حياتكم وقلوبكم، وجميعكم بخير.