موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
ما هي التوبة وضرورتها وعلى من تفرض؟
التوبة باليونانية تعني تغيير الفكر والنية، وبالعبرية تعني تغيير الطريق واتخاذ اتجاه معاكس كليا، وهذا يعني عمليا موقفا جديدا واتجاها كاملا نحو الله. وهي ضرورية لتجنب الهلاك وشرط اساسي لنيل الخلاص.
والتوبة يجب ان تكون لله كما فعل الابن الشاطر عندما عاد الى ابيه تائبا وقال "قد خطئت الى السماء واليك" والرب نفسه يقول لنا "توبوا الي" لان المغفرة من عنده، "فاذا اعترفنا بخطايانا يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل اثم" يوحنا ٩/١
التوبة تفرض على جميع الخطأة ، ولنعلم اننا جميعا خطأة ولا نستطيع ان ننكر ذلك، فكما يقول القديس يوحنا الحبيب " اذا زعمنا اننا بلا خطيئة خدعنا انفسنا، ولم نكن على الحق، ،واذا اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل اثم" يوحنا ١/١٠، كما يقول ايضا: :اذا زعمنا أننا لم نخطيء جعلناه كاذبا ولم يكن كلامه فينا".
آيات عن التوبة في كلا العهدين ، القديم والجديد ...
في العهد القديم، يناشد الأنبياء مثل حزقيال وإرميا ويوئيل واشعيا وميخا ويوحنا المعمدان الناس مرارا أن يبتعدوا عن الخطيئة ويعودوا إلى الله.
حيث يقول حزقيال النبي: "المنافق اذا تاب عن جميع خطاياه التي صنعها، وحفظ جميع رسومي ،واجرى الحكم والعدل فإنه يحيا حياة ولا يموت ، جميع معاصيه التي صنعها، لا تذكر له، وببره الذي صنعه يحيا، العل مرضاي تكون بموت الخاطىء يقول الاله الرب، اليست يان يتوب عن طريقه فيحيا " كما يقول" انبذوا عنكم جميع معاصيكم، واصنعوا لكم قلبا جديدا وروحا جديدة".
وما يقوله إرميا النبي "هذا ما يقوله الرب: إذا تبت أرجعك لتعبدني، وإذا نطقت بكلام لائق غير رديء تكون الناطق باسمي" ١٩/١٥. ويقول ايضا "إن تابت أورشليم تتذكر أبوة الله ورعايته لها في برية سيناء، وتسميه أليف صباها، حيث تمتعت بعشرته وفرحت برعايته".
وهو يدعو الشعب الى الرجوع إلى الله، "يا اورشليم ارجعي الى الله"، فلا حل لكل مشاكلهم إلا بالإيمان بالله والحياة معه. والثقة في رحمته، فهو رؤوف وحنون جدا وغفور.
كما يدعو الى عدم التمادي بالخطيئة ، ولكن إن سقطت فيها، إرجع سريعا إلى الله لئلا يتخلى عنك فتصيبك ضيقات كثيرة وهو يسمح بها لمحبته لك فترجع إليه لتجد خلاص نفسك.
والله يقصد من الضيقات رجوع أولاده العصاة إليه فهو أبوهم حتى وهم في خطاياهم ويطلب خلاص نفوسهم، وكم تكون فرحته بتوبتهم ورجوعهم إليه واعترافهم بأنه إلههم، وليس الآلهة الغريبة والشهوات الشريرة.
كما يستكمل ارميا بركات التوبة، عندما يكثر المؤمنون ايمانهم بالله فلا يحتاجون رمزا لحضور الله، وهو تابوت العهد، بل تكون أورشليم، أي كنيسة العهد الجديد، كرسيا للرب وتنتشر في كل مكان فتؤمن الأمم بالمسيح ويتوبون عن زيغانهم وعنادهم في الخطية.
ما نجد في العهد القديم، يوئيل النبي يدعونا الى توبة القلب ويقول "توبوا الي بكل قلوبكم.. مزقوا قلوبكم لا ثيابكم".
كما يدعونا اشعيا النبي الى التوبة "أزيلوا شر أعمالكم، من امام عيني وكفوا عن الاساءة" اشعيا ١٦/١، وايضا "يذكرنا بان الله يغفر لنا زلاتنا وخطايانا بقوله "انه لو كانت خطاياكم كالقرمز تبيض كالثلج، ولو كانت حمراء كصبغ الدود تصير كالصوف"١٧/١.
وان الله يحب توبة الخاطىء "المنافق اذا تاب عن جميع خطاياة التي صنعها، وحفظ جميع رسومي واجرى الحكم والعدل فانه يحيا حياة ولا يموت" ٢١/٨.
وهناك ميخا النبي الذي يطالبنا بالرجوع الى الله الغفور "من هو اله مثلك، غافر الاثم، وصافح عن المعصية، لبقية ميراثة؟ لا يمسك الى الابد غضبه لانه يحب الرحمة، سيرجع ويرأف بنا، ويدوس آثامنا ويطرح في اعماق البحر خطايانا" ميخا ١٤/٧.
ويوحنا المعمدان الذي نبه الناس الى ضرورة التوبة" أعدوا طريق الرب واجعلوا سبله قويمة… يا اولاد الافاعي، من دلكم على الهرب من السخط الآتي، اثمروا ثمارا تليق بالتوبة، ها ان الناس موضوعة على أصل شجرة، فكل شجرة لا تثمر ثمرا جيدا تقطع وتلقى بالنار".
التوبة في العهد الجديد
يؤكد يسوع نفسه على أهمية التوبة في تعاليمه... وهو الذي أسس سر التوبة بعد قيامته من بين الأموات عندما ظهر لتلاميذه وقال لهم: "السلام لكم. كما أرسلني الآب أنا أرسلكم، ولما قال هذا نفخ فيهم وقال لهم خذوا الروح القدس، مَن غفرتم خطاياهم تغفر لهم ومَن أمسكتم خطاياهم أُمسِكت" (يو21:20-23).
فالتوبة هي سر الهي يحصل به التائب، بقوة الروح القدس، على الصفح عن جميع خطاياه التي أقترفها بعد المعمودية واعترف بها بواسطة الكاهن، فيتجدد تبريره ويتقدس ثانية ويتصالح مع الله من جديد. لهذا يعتبر سر التوبة بمثابة معمودية ثانية، أي سر مصالحة الإنسان مع الله بعد المعمودية.
في التوبة يتغير الإنسان ويتحوّل الى الله. ولهذا فالتوبة تخص الذي خطئوا وابتعدوا عن الرب كما تخص كل الذين يعيشون مع الرب. وهي تبقى دعوة قائمة دائمة حتى الموت لكلّ مؤمن.
ومن هنا يتوجب علينا الى الاعتراف بخطايانا في كرسي الاعتراف، آخذين بالاعتبار أن طالب الإعتراف لا يعترف لشخص الكاهن بل يعترف لله أمام الكاهن الذي يمثل الكنيسة وينوب عنها كشاهد على عودة الخاطئ إلى الله والناس ويتضرع باسم الكنيسة من أجل التائب العائد ليقبل الله عودته إلى شركته، عبر قبول الكنيسة له مجددا في شركتها. والكاهن يمنح الشخص المعترف الحل من الخطايا التي اعترف بها باسم الثالوث الأقدس، بقوة السلطان المعطى للكنيسة من يسوع المسيح بالروح القدس.
"لقد حان الوقت واقترب ملكوت الله. فتوبوا وآمنوا بالبشارة"، كما يقول القديس مرقص بقدوم يسوع اصبح الوقت مناسبا للتوبة، واصبحت التوبة ممكنة، وبما انها ممكنه فاصبحت واجبة، على الانسان ليقبلها ويعمل بها لئلا ينحدر الى درك العبودية والموت الابدي
واخيرا لتكن توبتنا توبة القلب والجسد،
فالمرء مركب من نفس وجسد، وعمله خير او شر، ناتج عن احد هذين العنصرين، فلنعمل الخير بان ننويه في قلبنا، وان ننفذه بواسطة الجسد. ولنتجنب عمل الشر الذي ننويه ايضا في قلبنا وننفذه بالجسد، حتى ننال المكافأة والخلاص.
الرب يطلب توبة القلب لانه من القلب يأتي الصلاح او الشر، وفي انجيل متى "طهر اولا باطن الكذب والصفحة، ليصير الظاهر مثله طاهرا" ٢٦/٢٣، وكلما كان قلبنا نقيا نستحق رؤية الله، " طوبى لانقياء القلوب فانهم يشاهدون الله" متى ٨/٥، ومن فيص القلب يتكلم اللسان، والرجل الطيب من كثرة الطيب يخرج الطيب، والرجل الخبيث يخرج الخبيث.
فالقلب هو المستودع الذي يخرج منه كل شيء، المحبة والبغض، الايمان والشك، الفضيلة والرذيلة، القداسة والكفر، فمن القلب تتولد القداسة، ومن كان قلبه شريرا عبثا تقدسه شفتاه، فمن القلب ينبثق نور الايمان ومن كان قلبه مظلما فعبثا يستنير من الخارج.
لتكن توبتنا بالتخلي عن الشر والكف عن الاساءة، وبالرجوع الى الله الغفور، فالله يحب توبتنا، ولا ننسى في زمن الصوم من توبة الجسد الى جانب توبة القلب، بالاكثار من اعمال الرحمة والخير والصدقة والعطاء والاحسان والانصاف، وافتقاد الايتام والارامل وكل من هم في عوز، وكل ذلك يجعل الرب يستجيب الى توبتنا.