موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
النص الإنجيلي (يوحنا 1: 29-34)
29 وفي الغَد رأَى يسوعَ آتِياً نَحوَه فقال: ((هُوَذا حمل الله الَّذي يَرفَعُ خَطيئَةَ العالَم. 30 هذا الَّذي قُلتُ فيه: يأتي بَعْدي رَجُلٌ قد تَقَدَّمَني لأَنَّه كانَ مِن قَبْلي. 31 وأَنا لم أَكُنْ أَعرِفُه، ولكِنِّي ما جِئْتُ أُعَمِّدُ في الماء إِلاَّ لِكَي يَظهَرَ أَمْرُه لإِسْرائيل)). 32 وشَهِدَ يوحَنَّا قال: ((رَأَيتُ الرُّوحَ يَنزِلُ مِنَ السَّماء كأَنَّه حَمامَة فيَستَقِرُّ علَيه. 33 وأَنا لَم أَكُنْ أَعرِفُه، ولكِنَّ الَّذي أَرسَلَني أُعَمِّدُ في الماءِ هو قالَ لي: إِنَّ الَّذي تَرى الرُّوحَ يَنزِلُ فيَستَقِرُّ علَيهِ، هو ذاكَ الَّذي يُعَمِّدُ في الرُّوحَ القُدُس. 34 وَأَنا رأَيتُ وشَهِدتُ أَنَّه هو ابنُ الله)).
مقدمة
قدّم إنجيل الأحد (يوحنا 1: 29-34) صورة يوحنا المعمدان، "نَبِيِّ العَلِي" (لوقا 1: 76)، ومُهيئ طريق المسيح ومُبشِّر بظهوره الموعود (لوقا 1: 5-25) والشاهد للنور (يوحنا 7:1)؛ وجاء يشهد أنَّ يسوع هو و"حمل الله الَّذي يَرفَعُ خَطيئَةَ العالَم" (يوحنا 1: 29، 33)؛ ومن هنا تكمن أهمية البحث في وقائع النص وتطبيقاته.
أولا وقائع النص الإنجيلي (يوحنا 1: 29-34)
29 وفي الغَد رأَى يسوعَ آتِياً نَحوَه فقال: ((هُوَذا حمل الله الَّذي يَرفَعُ خَطيئَةَ العالَم.
تشير عبارة " في الغَد " إلى اليوم الذي فيه أرسل اليهود من اورشليم البعثة لاستجواب يوحنا المعمدان "إِذا لم يكُنِ المسيحَ ولا إِيلِيَّا ولا النَّبِيّ، فلِمَ يُعمِّدُ إِذاً؟" فأدّى شهادته في المسيح قدَّامهم (يوحنا 1: 25)؛ أمَّا عبارة "رأَى يسوعَ آتِياً نَحوَه " فتشير إلى مجيء يسوع إلى يوحنا المعمدان في بدء خدمته العلنية، لأنه بحاجة لشهادة وإعلان حتى يعرفه الناس، لأنَّها لحظة تسليم وتسلُّم، المسيح أتى ليوحنا المعمدان لمنحِه الفرصة للشهادة له ويستلم تلاميذ الذين أعدهم له المعمدان مثل يعقوب ويوحنا ابنا زبدى وبطرس وأندراوس؛ يعلق الراهب البندكتي روبير من دوتز " فهو كان يتوق إلى رؤيته مرّة أخرى لأنّ رؤية الرّب يسوع كانت الخلاص لمَن يعترف به، والمجد لمَن يُعلنه والفرح لمَن يشير إليه. "(عظة عن إنجيل القدّيس يوحنّا). أمَّا عبارة "فقال" فتشير إلى شهادته على مسمع الجمع الذي أجتمع إليه. أمَّا عبارة "رأَى يسوعَ" فتشير إلى توق يوحنا لرؤية الرّب يسوع، هذه الرؤية كانت الخلاص لمَن يعترف به، والمجد لمَن يُعلنه والفرح لمَن يشير إليه. أمَّا عبارة "هُوَذا حمل الله" فتشير إلى رؤية المعمدان وإدراك أن يسوع أصبح جسدًا، وهذا الجسد هو حمل الله كونه ذبيحة الخطيئة لخلاص الجميع، وأنه المرموز إليه بكل الذبائح التي قُدمِّت في العهد القديم كفارة عن الإثم (الأحبار 5: 6). والحمل يُقدَّم كذبيحة صباحية وذبيحة مسائية. وهذه العبارة تلمّح إلى نبوءة أشعيا النبي التي تقول "عُومِلَ بِقَسوَةٍ فتَواضَع ولم يَفتَحْ فاهُ كحَمَلٍ سيقَ إلى الذَّبْحِ كنَعجَةٍ صامِتَةٍ أَمامَ الَّذينَ يَجُزُّونَها ولم يَفتَحْ فاهُ " (أشعيا 53: 7) ، وبالتالي فهذه الذبيحة تدل على موت يسوع التكفيـري، بدمج صورتين تقليديتين: فمن جهة صورة العبد المتألم (أشعيا 52: 13) الذي يأخذ على عاتقه خطايا جماعة الناس والذي، مع انه بريء يُقرّب نفسه تقدمة حَمَل " كحَمَلٍ سيقَ إلى الذَّبْحِ " (أشعيا 53: 7 ) ، ومن جهة أخرى، صورة حمل الفصح، رمز فداء إسرائيل ، إذ هو علامة حماية العبرانيّين من اللعنة التي أصابت المصريّين. "فَيكونُ الدَّمُ لَكم عَلامةً على البُيوتِ الَّتي أَنْتُم فيها، فأَرى الدَّمَ وأَعبُرُ مِن فَوقِكم، ولا تَحِلُّ بِكُم ضَربَةٌ مُهلِكة، إِذا ضَرَبتُ أرضَ مِصْر" (خروج 12: 13)، كما ورد في تعليم بولس الرسول "فقَد ذُبِحَ حَمَلُ فِصْحِنا، وهو المسيح "(1 قورنتس 5: 7)، وأكَّدت رؤية يوحنا الحبيب هذا التعليم "الحَمَلُ الذَّبيحُ أَهلٌ لأَن يَنالَ القُدرَةَ والغِنى والحِكمَةَ والقُوَّةَ والإِكْرامَ والمَجدَ والتَّسْبيح" ( رؤيا 5: 12)؛ ويُليق بالمسيح أن يكون ذبيحة، لأنه كان حملا " الَّذي لا عَيبَ فيه ولا دَنَس" ( 1 بطرس 1: 19). ويعلق الأسقف جاك بوسويه " ها هو الحمل الوديع، والمتواضع، والصبور، بدون حيلة، بدون غشّ، الذي سيُذبح من أجل كلّ الخطأة". أدرك يوحنا المعمدان حينئذٍ أن يسوع هو حمل الله، إذ اختار الله الآب ابنه الحبيب ليُكرِّسه لأجل فداء العالم. وبدلاً من تقديم البشر ذبائح أراد الله في تكريس وتقديم ابنه أنّ يكون ذبيحة الحمل الّذي يجد ملئها في وقت الفصح، إذّ يُقِّدم ذاته طواعية لأجل البشر على الصلّيب. من الآن فصاعداً لسنا بحاجة لتقديم الذبائح السلاميّة، أو ذبائح التوبة والغفران، بقدر ما أنّ نقبل هذا المسيح الّذي يأتي لحياتنا حاملاً الخلاص ونازعًا خطايانا لاستعادة العلاقة بالله من خلاله. أمَّا عبارة "هُوَذا" فتشير إلى يسوع المسيح كما تكلم عنه يوحنا المعمدان وهو يخاطب الفرّيسيّين الذين يستمعون إليه، ولكنّهم لم يُقرّوا أنّ يسوع هو المسيح، ولهذا قال لهم يوحنّا، " هُوَذا حمل الله الَّذي يَرفَعُ خَطيئَةَ العالَم"؛ أمَّا الفعل "يَرفَعُ" في اللغة اليونانية αἴρω (معناها إمَّا "حمل، أخذ على عاتقه، وإمَّا أزال ما أخطأه الآخر إليه) فتشير إلى المهمة المحددة والوحيدة لهذا الحمل الجديد هي حمل خطيئة العالم على كتفيه، كما ورد في رسالة يوحنا " إِنَّ خَطاياكم غُفِرَت بِفَضْلِ اسمِه" (1يوحنا 2: 12). وجاءت صيغة الفعل في المضارع αἴρων بمعنى الاستمرارية يرفع ويظل يرفع (يزيل) خطايا العالم، كما جاء تعليم يوحنا الرسول "تَعلَمونَ أَنَّه قد ظَهَرَ لِيُزيلَ الخَطايا"(1 يوحنا 3: 5)؛ أمَّا عبارة "خَطيئَةَ" فتشير إلى صيغة المفرد للدلالة على المعنى الكلي لخطايا العالم، باعتبار أنَّ كل خطايا العالم جُعلت حِمْلا واحد ليحمله المسيح. فالخطيئة هي المشكلة الكبرى للإنسان، وليس بمقدور قواه الذاتية وحدها الخلاص منها دون ذبيحة حمل الفصح ربنا. المسيح هو الذي حرَّر الإنسان من الخطيئة، إذ قدّم الخلاص لكل العالم. لكن الذي يخلص هو من يؤمن ويتعمّد، كما جاء في تعليم المسيح "فمَن آمَنَ واعتَمَدَ يَخلُص، ومَن لَم يُؤمِنْ يُحكَمْ عَليه"(مرقس 16: 16)؛ أمَّا عبارة "يَرفَعُ خَطيئَةَ العالَم" فتشير إلى خطيئة كل إنسان، خطيئة كل فرد. رفع يسوع عن الناس الخطيئة الأصلية والخطيئة الفعلية وعقوباتها وسلطتها عليهم. رفع يسوع الخطيئة عن غيره بوضعه إياها على نفسه، وَفقا نبوءة أشعيا " قَرَّبَت نَفسُه ذَبيحَةَ إِثمٍ ... وهو يَحتَمِلُ آثامَهم" (أشعيا 53: 10-11). وصرّح الرسول بطرس بذلك "وهو الَّذي حَمَلَ خَطايانا في جَسَدِه على الخَشَبة" (1 بطرس 2: 24). فيسوع يزيل خطايا العالم، كما ورد في رسالته "تَعلَمونَ أَنَّه قد ظَهَرَ لِيُزيلَ الخَطايا ولا خَطيئَةَ لَه" (1 يوحنا 3: 5). وها هو بيلاطس نفسه الذي حكم عليه يقول: فلَم أَجِدْ على هذا الرَّجُلِ شيئاً مِمَّا تَتَّهِمونَه به "(لوقا 123: 14)، ولمَّا أسلمه غسل يديه قائلًا:" أَنا بَريءٌ مِن هذا الدَّم" (متى 27: 24). وهناك أيضا شهادة اللص اليمين عن يسوع البار الذي بلا خطيئة، إذ انتهر زميله قائلًا: " أَمَّا نَحنُ فعِقابُنا عَدْل، لِأَنَّنا نَلْقى ما تَستوجِبُه أَعمْالُنا. أَمَّا هو فلَم يَعمَلْ سُوءً" (لوقا 23: 41). وهنا يأتي تحقيق صورة "عبد الله" في يسوع الّذي يطيع الآب متجسداً، ويصير الحمل الّذي يحمل الخلاص للعالم من خلال رفع خطايا البشرية بأجمعها. أمَّا عبارة " العالَم " فتشير إلى كل البشر وليس اليهود فقط، كما زعم البعض. قدّم المسيح الخلاص مجانا لكل إنسان بدليل قول الرسول بولس " ذلك بِأَنَّ اللهَ كانَ في المَسيحِ مُصالِحًا لِلعالَم وغَيرَ مُحاسِبٍ لَهم على زَلاَّتِهم " (2 قورنتس 5: 19). وفي موضع آخر يقول يوحنا الرسول " إِنَّه كَفَّارةٌ لِخَطايانا لا لِخَطايانا وحْدَها بل لِخَطايا العالَمِ أَجمعَ" (1يوحنا 2: 2). وشهادة يوحنا المعمدان هي أوضح شهادة عن المسيح قدَّمها إنسان مملوء بالرُّوحَ. لقد أعدّ الله منذ البدء يوحنّا المعمدان ليأتي ويبشّر بحضور مخلّصنا، "حمل الله" هوذا الذي يخلِّصُ من الموت؛ هوذا الذي يُحطِّم الخطيئة. فعلينا أن ننظر إلى يسوع بعين العبادة والشكر والمحبة والإيمان لخلاصنا الآن، وتعزيتنا عند موتنا، وتمجيدنا في السَّماء.
30 هذا الَّذي قُلتُ فيه: يأتي بَعْدي رَجُلٌ قد تَقَدَّمَني لأَنَّه كانَ مِن قَبْلي.
تشير عبارة "يأتي بَعْدي رَجُلٌ قد تَقَدَّمَني لأَنَّه كانَ مِن قَبْلي" إلى شهادة أدَّاها يوحنا المعمدان سابقا "هذا الَّذي قُلتُ فيه: إِنَّ الآتيَ بَعْدي قد تَقَدَّمَني لأَنَّه كانَ مِن قَبْلي" (يوحنا 1: 15). أدرك يوحنا المعمدان أن وجود يسوع الأزلي أصبح جسدًا، وهو حمل الله، كما يؤكد يوحنا الإنجيلي "الكَلِمَةُ صارَ بَشَراً فسَكَنَ بَينَنا" (يوحنا 1: 14)، وكان قد أشار إليه أنه الآتي، وهنا نفسه حاضرٌ. أمَّا عبارة "يأتي بَعْدي" فتشير إلى يوحنا الذي جاء قبل يسوع المسيح على الأرض، لكن المسيح كان موجوداً قبل يوحنـا، لأنه الكلمة المولود قبل الزمن. يوحنا المعمدان يأتي كسابق للمسيح كما تنبأ ملاخي النبي "هاءَنَذا مُرسِلٌ رَسولي فيُعِدُّ الطَّريقَ أَمام" (ملاخي 1:3). ولكن المسيح الأزلي كان قبله في الزمان والبهاء والعظمة والمجد. أمَّا عبارة " قَبْلي" فتشير إلى شهادة يوحنا المعمدان الذي يلمِّح إلى يسوع الذي جاء بعده في التاريخ، وحيث أنه صار جسداً، فقد دخل في الزمن، في تاريخ البشر لكن يفوقه في أصله ورسالته الإلهية؛ وبالرغم من أنَّ يوحنا كان واعظا مشهوراً وقد جذب إليه جموعا كثيرة، إلاَّ انه أعطى يسوع المكانة الأسمى "أَنتُم بِأَنفُسِكم تَشهَدونَ لِي بِأَنِّي قُلتُ إِنِّي لَستُ المَسيح، بل مُرسَلٌ قُدَّامَه. مَن كانَت لَه العَروس فهوَ العَريس. وأَمَّا صَديقُ العَريس الَّذي يَقِفُ يَستَمِعُ إِلَيه فإِنَّه يَفرَحُ أَشدَّ الفَرَحِ لِصَوتِ العَريس" (يوحنا 3: 28-29)، وذلك دليل على تواضع يوحنا كما صرّح "لا بُدَّ له مِن أَن يَكبُر. ولا بُدَّ لي مِن أن أَصغُر" (يوحنا 3: 30).
31 وأَنا لم أَكُنْ أَعرِفُه، ولكِنِّي ما جِئْتُ أُعَمِّدُ في الماء إِلاَّ لِكَي يَظهَرَ أَمْرُه لإِسْرائيل
تشير عبارة " لم أَكُنْ أَعرِفُه" إلى يوحنا المعمدان الذي لم يعرف يسوع شخصيًا، لأنه أَقامَ في البَراري إلى يَومِ ظُهورِ أَمرِه لإِسرائيل (لوقا 80:1)، ولم يعرف يوحنا أن يسوع هو المسيح إلى أن رأى الرُّوحَ القدس يستقر عليه في أثناء اعتماده (يوحنا 1: 32-33). ومن هذا المنطلق، نستنتج أن أحداث المعمودية، هي التي كشفت عن هوية يسوع المسيح، حمل الله وابن الله. ويعلق العلامة أريجين "وإن كان قد عرفه وهو لا يزال في رحم أمه (لوقا 1: 41-44) بالتأكيد لم يعرف كل شيء عنه، وربما لم يكن يعرف أنه ذاك "الذي يعمد بالرُّوحَ القدس والنار"؛ قصد يوحنا أنْ يُبين لليهود أن شهادته بان يسوع هو المسيح مبنيَّة على إعلان الله لا على معرفته الشخصية. ويُعبّر البابا فرنسيس من خلال هذه الكلمات الثلاثة عن موقف يوحنا تجاه دعوته " موقف يجب أن يميّز كل دعوة. فكل منا مدعو في دعوته الشخصية أن يتجاوز ما يستطيع فهمه وأن يسير وراء الرب بتواضع وطواعية. هكذا فعل إبراهيم، هكذا فعل موسى، وهكذا فعل يوحنا المعمدان… هكذا أنا أيضًا مدعو لفعل ذلك إذا أردتُ أن أكتشف الرب في حياتي، لأن حضور الرب في حياة الإنسان هو في صيغة المستقبل والمصير" (خطبة البابا فرنسيس 3/1/2017). أمَّا عبارة "ما جِئْتُ أُعَمِّدُ في الماء إِلاَّ لِكَي يَظهَرَ أَمْرُه لإِسْرائيل" فتشير إلى الله الذي أرسل يوحنا المعمدان ليعمِّد التائبين كعلامة على توبتهم، وبالتالي لكي يتمكّنوا من معرفة المسيح، والأهم لكي يُعمِّد المسيح، فيؤسس المسيح سر المعمودية. أن تقديم هذه الشهادة أمر أساسي في إرسالية يوحنا المعمدان. أمَّا عبارة " أُعَمِّدُ في الماء " فتشير إلى التطهير الرُّوحَي الذي ُيهيئ الطريق للمسيح. أمَّا عبارة "إِسْرائيل" وهو اسم عبري יִשְׂרָאֵל ومعناه " الله يصارع" أو يجاهد مع الله" للدلالة على يعقوب، ابن إسحاق ورفقة، لكن هنا تدل كلمة إسرائيل على نسل يعقوب أي أسباط إسرائيل الاثني عشر(التكوين 34: 7)، بل بالأحرى إلى "إسرائيل" بمعنى روحي أي شعب الله الرُّوحَي الأمين ( أشعيا 49: 3)، ويوضّح ذلك بولس الرسول إذ يفرّق بين إسرائيل حسب الجسد وإسرائيل حسب الرُّوحَ قائلا " أُولئِكَ الَّذينَ هم بَنو إِسرائيل ولَهُمُ التَّبَنِّي والمَجْدُ والعُهود والتَّشريعُ والعِبادَةُ والمَواعِدُ والآباء، ومِنهمُ المسيحُ مِن حَيثُ إِنَّه بَشَر، وهو فَوقَ كُلِّ شيءٍ إِلهٌ مُبارَكٌ أَبَدَ الدُّهور. آمين"(رومة 9" 4-5).
32 وشَهِدَ يوحَنَّا قال: ((رَأَيتُ الرُّوحَ يَنزِلُ مِنَ السَّماء كأَنَّه حَمامَة فيَستَقِرُّ علَيه.
تشير عبارة " رَأَيتُ الرُّوحَ يَنزِلُ مِنَ السَّماء كأَنَّه حَمامَة فيَستَقِرُّ علَيه" إلى العلامة التي أعطاها الله ليوحنا المعمدان ليعرف أن يسوع هو المسيح ابن الله. فقد رأى يوحنا رؤيا غير عادية، رأى حَمامَة وعرف أنها هـــي الرُّوحَ القدس الذي حــــلّ على المسيح بهيئة حَمامَة رمزًا للسلام. فالمسيح هو أمير السلام؛ ومن هذا المنطلق، يشهد يوحنا المعمدان أنَّ هناك علاقة بين يسوع والروح القدس، حيث أنَّ كل ما سيفعله يسوع يتمُّ بشراكة وعبر الروح القدس. أمَّا عبارة "فيَستَقِرُّ علَيهِ" فتشير إلى حلول الرُّوحَ القدس حلولا دائما ثابتا على المسيح كما تنبأ أشعيا "يَحِلُّ علَيه روحُ الرَّبّ روحُ الحِكمَةِ والفَهْم روح المَشورَةِ والقُوَّة روحُ المعرفةِ وتَقوى الرَّبّ" (أشعيا 11: 2)، بعكس حلول روح الربّ على الأنبياء في القديم، حلولاً مؤقّتاً، لإداء مهمّة ما، أو شهادة ما. ونرى هنا صورة مباركة لعمل الأقانيم الثلاثة متّحدة معاً، الآب المُرسِل، والابن المُكرَّس، والرُّوحَ الحالّ. وكما يشهد يوحنا المعمدان الذي رأى وأمن، على العلاقة بين يسوع والروح القدس كذلك يشهد يوحنا الإنجيلي على هذه العلاقة عند الصليب حيث يودع يسوع روحه إذ "رأَى شَهِد، وشَهادَتُه صَحيحة" (يوحنا 19: 35). وهنا تتحقق شهادة المعمدان مع شهادة يوحنا الحبيب، حيث أسلم يسوع الروح من اجل مشاركتها مع كل واحد منا.
33 وأَنا لَم أَكُنْ أَعرِفُه، ولكِنَّ الَّذي أَرسَلَني أُعَمِّدُ في الماءِ هو قالَ لي: إِنَّ الَّذي تَرى الرُّوحَ يَنزِلُ فيَستَقِرُّ علَيهِ، هو ذاكَ الَّذي يُعَمِّدُ في الرُّوحَ القُدُس.
تشير عبارة "أَنا لَم أَكُنْ أَعرِفُه" إلى تكرار ما قيل سابقا "أَنا لم أَكُنْ أَعرِفُه" (يوحنا 1: 31). لا يعني يوحنا هنا معرفة بشرية ليسوع، لأنه كان مرتبطًا به بصلة قرابة حيث أنَّ اليصابات أمُّ يوحنا، ومريم العذراء، أمُّ يسوع كانتا قريبتين (لوقا 1: 36)، ولكن معرفة مسيحانية، بمعنى يوحنا لم يكن يعرف يسوع انه المسيح. أمَّا عبارة "أَرسَلَني" فتشير إلى الله الذي أمر يوحنا أن يعمِّد. أمَّا عبارة "أُعَمِّدُ في الماءِ" فتشير إلى معمودية التوبة للهرب من الغضب الآتي (متى 3: 7)، لانَّ معمودية المسيح الآتي تحمل معها دينونة (متى 3: 12)؛ فكانت معموديّة يوحنّا تعني أمرين: الغُسل والتنقية وهو رمز للغسل الرُّوحَي، أي للتنقية من كلّ عيب. وهي تعني أيضاً التكريس والتخصيص لحياة ٍجديدةٍ، وهدفٍ جديد ٍوغايةٍ أسمى. أمَّا عبارة " قالَ لي" فتشير إلى وعد الله ليوحنا المعمدان بتعريفه هوية المسيح؛ أمَّا عبارة "إِنَّ الَّذي تَرى الرُّوحَ يَنزِلُ فيَستَقِرُّ علَيهِ" فتشير إلى علامة أعطاها الله ليوحنا كي يعرف المسيح. وأمَّا عبارة "هو ذاكَ الَّذي يُعَمِّدُ في الرُّوحَ القُدُس" فتشير إلى شهادة يوحنا للمسيح الذي مفادها، أنَّ هدف معمودية يسوع بالرُّوحَ القدس لكل المؤمنين هو تقويتهم ليحيوا حياة الله والشركة معه وينادوا برسالة الخلاص. وقد بدأت هذه المعمودية يوم العنصرة (أعمال الرسل 2) بعد قيامة يسوع من الأموات وصعوده إلى السَّماء؛ ويُعلق القديس أوغسطينوس "إن سلطان المعمودية العظيم هو للرب وأنه يردَّه لنفسه سواء كان حاضراً هنا على الأرض أو عند غيابه بالجسد في السَّماء، لئلا يقول بولس: "معموديتي"، كي لا يقول بطرس: "معموديتي". انظروا وانتبهوا لكلمات الرسل. لم يقل أحدهم: "معموديتي". مع وجود إنجيل واحد للكل، لكنك تجدهم يقولون: "إنجيلي"، ولا تجدهم يقولون "معموديتي". فمن يتعمد بمعمودية الرب يتمتّع باستنارة الحياة، لأنّ نور حكمة الربّ يُشرق في حياته، ومشيئة الربّ تصبح واضحة أمامه، وقصد الربّ يتّضح أمامه. وهو يتمتّع أيضاً بقوّة الحياة. فروح الربّ لا يهبنا معرفة ما هو صواب وحقّ فحسب، بل يُعطينا القوّة لاتّباع هذا الصواب، والعمل بما هو حقّ والمقدرة لمجابهة مشكلات الحياة والانتصار عليها. وهو يتمتّع أيضا بنقاوة الحياة لان معمودية يسوع هي معموديّة النار (متّى 3، 11). إنّها معموديّة التي تنقِّي من كل خطيئة وغش. وبكلمة، تتميز معمودية يوحنا الذي هي بالماء عن معمودية يسوع الذي هي في الرُّوحَ. وبهذه المعمودية يهب المسيح حياة روحية لنفس الإنسان المؤمن به.
34 وَأَنا رأَيتُ وشَهِدتُ أَنَّه هو ابنُ الله.
تشير عبارة " وَأَنا رأَيتُ وشَهِدتُ "إلى تأكيد وتقرير، فكأن يوحنا يقول رأيت جليًا وأيقنت تمامًا ومنذ ذلك الحين شهدت علانية أنَّ يسوع هو المسيح، حمل الله الذي يضحى بحياته ويبذل نفسه في سبيل أحبائه ليُحرِّرهم من الخطيئة، وهو بالتالي ابن الله. في الواقع، لا يستطيع الإنسان العادي أن يفعل ذلك. يسوع وحده يستطيع فعله، بصفته إله، ولكنه ابن الإنسان أيضاً. يوحنا المعمدان وحده رأى وسمع وشهد تجلِّي الثالوث الأقدس في وحدة تظهر سر محبة الله. أمَّا عبارة "ابنُ الله" فتشير إلى إعلان صريح عن ألوهية الكلمة انه الله (يوحنا 1: 14). هنا نجد شهادة علنية من المعمدان، أن يسوع هو ابن الله المسيح المنتظر؛ وإن فعل المضارع ἐστιν في العبارة " أَنَّه هو ابنُ الله " οὗτός ἐστιν ὁ υἱὸς τοῦ θεοῦ. يخص الابن وحده الذي " في البَدءِ كانَ الكَلِمَة والكَلِمَةُ كانَ لَدى الله والكَلِمَةُ هوَ الله " (يوحنا 1:1)، فهو وحده الذي يقال له: "هو ابني "إذ هو على الدوام ابن اللٌه. وتكرَّر هذا اللقب عن يسوع المسيح في العهد الجديد ما يقرب من (44) مرة، والمسيح بما انه ابن الله فهو إله بكل الكمالات غير المحدودة التي تخصُّ الجوهر الإلهي (يوحنا 1: 1-14) والابن مساو لله في الطبيعة (يوحنا 5: 17-25). فمن يرى ويعرف يشهد. وكثيرون أعطاهم الرُّوحَ القدس أن ينطقوا بأن المسيح هو ابن الله على خطى يوحنا المعمدان مثل بطرس الرسول (متى 16: 17)، ونثنائيل (يوحنا 1: 49)، ومرثا أخت لعازر (يوحنا 26:11-27). وأمَّا عبارة "ابن الله" فتشير إلى مقدار المحبة والتعاون والتساوي في الطبيعة بين الأقنوم الأول (الآب) والأقنوم الثاني (الابن) في الثالوث الأقدس. وقد قال المسيح عن نفسه انه ابن الله (يوحنا 5: 17) وقد اتهمه كهنة اليهود وحكموا عليه لأنه قال انه المسيح ابن الله (متى 26: 63-66). هذا التعبير "ابن الله" يعلن سرّ تجسّد الكلمة العظيم في الجسد، الله الذي صار إنسانًا، ابن الله الذي صار ابن مريم. يسوع تجسد ليدعونا للشركة معه ويستعيد علاقة بنوتنا لله الآب من خلال حمل خطايانا. يا له من حب عظيم أن يصبح ابن الله كحمل الله لخلاص كلّ إنسان على الصليب (يوحنا 13: 1-19: 42). ويُعلق القديس كيرلس" أمَّا أنت فيُقال لك: "الآن تصير ابن الله " إذ لا تحمل بنوة طبيعية بل تتقبلها بالتبني. يسوع ابن سرمدي، أمَّا أنت فتقبلت النعمة مؤخرًا". لا أحد يُعمِّد بالرُّوحَ القدس ويهب الناس المواهب الرُّوحَية ما لم يكن هو الله. وجد يوحنا في مجيء يسوع معنى لحياته واكتمالاً لرسالته وهي الشهادة ليسوع انه "حمل الله، وانه هو ابن الله". وهكذا شهد يوحنا أنّ الله واحد في ثلاثة أقانيم، وأنّ يسوع هو ابن الله. وهذا ما شاهده وشهد به.
ثانياً: تطبيقات النص الإنجيلي (يوحنا 1: 29-34)
بعد دراسة موجزة عن وقائع النص الإنجيلي وتحليله (يوحنا 1: 29-34)، نستنتج انه يتمحور حول شهادة يوحنا المعمدان بتعابير نبوية عن يسوع المسيح المنتظر هو "حمل الله " وابن الله". فكانت مهمته تقوم بتوجيه الشعب إلى يسوع المسيح الذي كانوا يتطلعون إليه لكي يعرفوه كما عرفه هو نفسه. ومن هذا الإطار يمكن أن نطرح سؤالين: ما معنى حمل الله؟ وما معنى ابن لله؟
1) ما معنى يسوع المسيح "حمل الله"؟
لم يكن يعرف يوحنا المعمدان أنَّ يسوع هو المسيح المنتظر، لكنه عرفه من خلال ما كشف الله له يوم اعتماد يسوع على يده. ولمّا جاء يسوع إلى يوحنا المعمدان لإعلان خدمته العلنية من خلال المعمودية، عرف يوحنا المعمدان أن يرى يسوع الآتي إليه (يوحنا 1: 34)، وعرف أن يتجاوز المظاهر الخارجية كي يسبر غور شخصية يسوع، فقدّمه إلى الناس بقوله " هُوَذا حمل الله الَّذي يَرفَعُ خَطيئَةَ العالَم" (يوحنا 1: 29)، وذلك لانَّ الله عيَّن يسوع المسيح منذ الأزل ذبيحة إثم، ووعد بانه يكون كذلك في النبوءات والرموز، ثم قام بإرساله من السَّماء ليكون ذبيحة فاستحق أن يسمَّى "حمل الله" تمييزاً عن سائر الحملان كما جاء في تعليم بولس الرسول "ذاكَ الَّذي جَعلَه اللهُ كَفَّارةً في دَمِه بِالإِيمان ليُظهِرَ بِرَّه، بإِغْضائِه عنِ الخَطايا الماضِيَةِ في حِلمِه تَعالى ( رومة 3: 25) وأخيرًا قَبِله الله ذبيحة إثم بدل عالم الأثمة. وباختصار، تدل عبارة " حمل الله " التي وردت مرتين (يوحنا 1: 29، 36) على أنَّ يسوع هو المسيح المنتظر، حمل الله الذي يُمثل من ناحية عبد الله المتألم، ومن ناحية أخرى يُمثل حمل الفصح. وتعلق القدّيسة تيريزيا -بينيديكت الصليب (إيديث شتاين) " لماذا اختار الربّ بنفسه الحمل لكي يكون رمزًا له بامتياز؟ لأنّه كان بريئًا كالحمل، ومتواضعًا كالحمل، ولأنّه كان قد أتى لكي "يُساق كَحَمَلٍ إلى الذَّبْحِ" (أشعيا 3: 7)"(عرس الحمل -14/09/1940).
ا) يسوع حمل الله الَّذي يَرفَعُ خَطيئَةَ العالَم
أشار يوحنا المعمدان إلى يسوع بعبارة " حمل الله الَّذي يَرفَعُ خَطيئَةَ العالَم " (أشعيا 53: 7، 12). كانت صورة الحمل واضحة لليهود، وهي حمل الذبيحة في الهيكل: في كل صباح ومساء يُقدَّم حمل ذبيحة (الأحبار 5: 6-7) في الهيكل عن خطايا الشعب تكفيرا عــن الذنوب وَفقا للشريعة الموسوية (خروج 29: 38-42). ويُعلق العلاَّمة أُريجين "أن خروفين حوليين كانا يُقدمان كل يوم دائمًا، واحد كتقدمة صباحية دائمة، والآخر كتقدمة مسائية دائمة." وعندما كان إرميا النبي يعاني اضطهاد أعدائه، أخذ يشبه نفسه بحمل فقال "كنتُ أَنا كَحَمَلٍ أَليفٍ يُساقُ إلى الذَّبْح " (إرميا 11: 19).
تنبا أشعيا أنَّ المسيح، عبد الله المتألم سيُقاد إلى الذبح كحمل "كحَمَلٍ سيقَ إلى الذَّبْحِ كنَعجَةٍ صامِتَةٍ أَمامَ الَّذينَ يَجُزُّونَها ولم يَفتَحْ فاهُ "(أشعيا 53: 7). وهذا النص يُنبئ عن مصير المسيح، على نحو ما قام الشماس فيلبّس بتفسيره إلى خازن ملكة الحبش (أعمال 8: 31-35). ويرجع أصحاب الأناجيل إلى هذا النص عندما يوضِّحون أن المسيح "ظل صامتاً " أمام المجلس (متى 26: 63)، وأنه لم يجب بيلاطس بشيء (يوحنّا 19: 9). وطُبقت صورة عبد الله المتألم على المسيح الذي كان مزمعاً أن يموت ليكفِّر عن خطايا شعبه. ويعلق القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم "ذكر الإنجيل شهادة النبي الرائعة والمدهشة أكثر من الوقائع نفسها: "لقَد حَمَلَ هو آلاَمَنا واحتَمَلَ أَوجاعَنا" (أشعيا 53: 4). هو لم يقل: "أزال آلامنا"، بل قال: "حَمَلَ آلاَمَنا واحتَمَلَ أَوجاعَنا"، ممّا يعني، برأيي، أنّ النبي كان يتكلّم عن الخطيئة أكثر منه عن أمراض الجسد، ممّا يتطابق مع كلمة يوحنّا المعمدان: "هُوَذا حَمَلُ اللهِ الَّذي يَرفَعُ خَطيئَةَ العالَم" (يو1: 29).
كان دفْعُ عقوبة الخطيئة، يتمُّ بتقديم ذبيحة، حيث مات الرب يسوع على الصليب كذبيحة كاملة تامة. بهذه الطريقة دفع يسوع بموته ثمن خطايانا كي ننال الغفران " فقَد ذُبِحَ حَمَلُ فِصْحِنا، وهو المسيح" (1قورنتس 5: 7)، ويدل يوحنا الإنجيلي بعبارة حمل الله يرفع خطيئة العالم على موت يسوع التكفيري. ولذلك فان موته يُشكل مظاهر التضحية القربانية والنيابية والفدائية. وهنا تتضح هوية يسوع المسيح المخلص الذي يحمل خطايانا بسفك دماءه الطاهرة، وهذا هي قمة التضحية والبذل والعطاء والمحبة. "لَيسَ لأَحَدٍ حُبٌّ أَعظمُ مِن أَن يَبذِلَ نَفَسَه في سَبيلِ أَحِبَّائِه" (يوحنا 15: 13).
نستنتج مما سبق أنَّ المسيح هو قبل كل شيء ابن لله الذي صار بشراً. وكونه ابن الله وابن الإنسان أصبح أداة فريدة للخلاص وذبيحة الكفارة والفداء، إذ حمل خطايا الناس وكفّر عنهم ما اقترفوه أمام الله، لذلك فهو حقا حمل لله الذي يحمل خطيئة العالم والذي يساق إلى الذبح في عيد الفصح. وهكذا رأى المعمدان في يسوع، حمل الله، لخلاص لهذا العالم. أتى يسوع ليس فقط ليرفع خطيئتنا بل ليحملها أيضًا ويضعنا على درب الله. أتى حملاً وديعًا متواضعًا ليبذل نفسه عنّا. ونستنتج أيضا أنَّ شهادة يوحنّا المعمدان عن يسوع أنّه "حمل الله" لها طابع نبويّ، تُلقي الضوء على حدث الفداء كما جاء في رؤية يوحنا " أَنَّكَ ذُبِحتَ وافتَدَيتَ للهِ بِدَمِكَ أُناسًا مِن كُلِّ قَبيلَةٍ ولِسانٍ وشَعبٍ وأُمَّة" (رؤية 5: 9). المسيح هو حمل الله الوديع وعبد الله المتألِّم والمنتصر بآلامه وصلبه وموته وقيامته.
ب) يسوع حَمَلُ الفصح
حمل الفصح هو حَمَلٌ تامٌّ ذَكَرٌ حَولِيٌّ الذي أمر الله كل أسرة أن تذبحه، وتأكله ليلاً، وتنضح بدمه عضادتي بابها. وبفضل هذه العلامة يفتديهم (خروج 12: 5). دم حمل الفصح افتدى الله العبرانيين من عبودية مصر، فمكّنهم من أن يُصبحوا " مَملَكةً مِنَ الكَهَنَة وأُمَّةً مُقَدَّسة" (خروج 19: 6) يربطهم بالله ميثاق عهد وتحكمهم شريعة موسى. ويُعلق الرابي اليعازر " هناك قيمة فدائيّة لدم الحمل "بسبب دم عهد الختان، وبسبب دم الفصح، قد خلَّصتْكم من مصر". وفي عيد الفصح، وهو أكبر الأعياد اليهودية وأهمها، كان اليهود يُقدّمون أعدادا كبيرة من ذبائح الحملان وهي ترمز إلى حمل الفصح (خروج 12: 1-28) الذي يرمز بدوره إلى فداء إسرائيل. يعلق القدّيس كيرلُّس الأورشليمي "لقد طرد الحمل الفصحي شبح الموت في زمن موسى؛ فكم بالحريّ "حَمَلُ اللهِ الَّذي يَرفَعُ خَطيئَةَ العالَم" (يوحنا 1: 29)، أ فليسَ هو أكثر قدرةً على تحريرنا من خطايانا؟ " (التعليم المسيحي العمادي الثالث عشر)
رأى التقليد المسيحي في المسيح أنَّه "حمل الفصح الحقيقي. ويُعلق العلاَّمة أريجين "صار حمل الله حملًا صغيرًا بريئًا يُقاد للذبح لكي ينزع خطيئة العالم "، ويفسّر القديس أوغسطينوس معنى الحمل الفصحى بقوله: "هوذا حمل الله. إنه ليس بفرعٍ ممتدٍ من آدم، إنما استمدَّ منه الجسد، ولم يأخذ خطيئة آدم. إنه لم يأخذ الخطيئة عليه من العجين الذي لنا، إنما هو الذي ينزع خطايانا. إنه حمل الله. فقد اعتادت البشرية أن تقدِّم الذبائح لله لمراضاته. أمَّا هنا فالذي يُعد ُّالذبيحة هو الله الآب نفسه الذي يقدّم ابنه الوحيد ذبيحة " كما ورد في تعليم بطرس الرسول "قَد عَلِمتُم أَنَّكم لم تُفتَدَوا بِالفاني مِنَ الفِضَّةِ أَو الذَّهَب مِن سيرَتِكمُ الباطِلَةِ الَّتي وَرِثتُموها عن آبائِكم، بل بِدَمٍ كريم، دَمِ الحَمَلِ الَّذي لا عَيبَ فيه ولا دَنَس، دَمِ المسيح"(1 بطرس 1: 18-19). ويعلق العلامة أريجين "أية عظمة لحمل الله الذي ذُبح لكي يرفع الخطيئة ليس عن قليلين بل عن كل العالم "لأنه " وإِن خَطِئ أَحدٌ فهُناك شَفيعٌ لَنا عِندَ الآب وهو يسوعُ المَسيحُ البارّ. إِنَّه كَفَّارةٌ لِخَطايانا لا لِخَطايانا وحْدَها بل لِخَطايا العالَمِ أَجمعَ " (1 يوحنا 1: 1-2). إذ هو مخلص كل البشر ولا سيما المؤمنين (1 طيموتاوس 4: 10)".
انتظر شعب إسرائيل مسيحا مجيداً ينتصر على الأعداء، فإذا مسيح، حمل الله في خط العبد المتألم الذي يُخلص شعبه بآلامه وموته، كما جاء في شهادة يوحنا المعمدان (يوحنا 1: 29-34). إن المسيح هو الحمل الصحيح أي بلا عيب ولا دنس الذي يفتدي البشر بثمن دمه. إنه قد افتداهم من "الأرض" (رؤيا 14: 3)، ومن "العالم الشرير المستسلم للفساد نتيجة عبادته للأصنام كما اكّد بطر الرسول " فلا تَتبَعوا ما سَلَفَ مِن شَهَواتِكم في أَيَّامِ جاهِلِيَّتِكم" (1 بطرس 1: 14) ويُمكنهم من الآن فصاعداً تجنب الخطيئة (1 بطرس 1: 5) ليكوّنوا "مملكة الأحبار" الجديدة و"الأمة المقدسة" الحق (1 بطرس 2: 9 و10) مقدِّمين إلى الله عبادة روحية، نابعة من حياة لا عيب فيها (1 بطرس 2: 5). الكفر بحب الله لا يكفّر عنه إلاَّ بالحب، وعصيان الله لا يكفر عنه إلاَّ بالطاعة.
يرجع التقليد الذي يرى في المسيح حمل الفصح الحقيقي، إلى بدء المسيحيّة ذاتها. فبولس الرسول يحثّ مؤمني كنيسة قورنتس على العيش كفطير في الطهارة والحـق، بما أنه "فقَد ذُبِحَ حَمَلُ فِصْحِنا، وهـــــــو المسيح" (1 قورنتس 5: 7). ولا يعرض الرسول هنا تعليماً جديدا عن المسيح-الحمل، ولكنه يستند إلى تقاليد طقسيّة خاصة بالفصح المسيحي ترجع إلى قبل سنة 57. فإن حادث موت المسيح ذاته هو أساس هذا التقليد. قد أسلم يسوع للموت عشية عيد الفطر (يوحنا 18: 28) أي يوم تهيئة الفصح، بعد الظهر (يوحنا 19: 14)، في الساعة ذاتها التي تفرض الشريعة ذبح الحملان في الهيكل. وبعد موته، لم يكسر الجنود ساقيه مثلما كسروا ساقي المصلوبين الآخرين (يوحنا 19: 33). ونستنتج مما سبق إن يوحنا الإنجيلي يرى في هذه الواقعة تطبيقاً لشريعة طقسية بشأن الحمل الفصحى (يوحنا 19: 36).
2) ما معنى يسوع المسيح "ابن لله"؟
تكشف الأناجيل الإزائية وإنجيل يوحنا وفي رسائل القديس بولس الرسول معنى يسوع المسيح ابن الله
أ) أبن الله في إنجيل متى ومرقس ولوقا
لم يشهد يوحنــــــا المعمدان أن "يسوع حمل الله الَّذي يَرفَعُ خَطيئَةَ العالَم" فحسب، إنما شهد أيضا أنَّ يسوع "هو ابنُ الله"(يوحنا 1: 34). إن لقب ابن الله، يقترن عادة بلقب المسيح كما جاء في شهادة بُطرس الرسول "أَنتَ المسيحُ ابنُ اللهِ الحَيّ" (متى 16: 16). ولذلك فإنَّ لقب "ابن الله " هو لقب مسيحاني مرتبط برباط وثيق وثابت الذي يوحّده بالآب، لكنه قد يختلط بالطابع الأرض السياسي، كما هو الحال في تجارب يسوع الثلاثة (متى 4: 3-7). وتدارك يسوع هذا الالتباس، وأكَّد لتلاميذه الطابع المسيحاني لابن الله " بَدأَ يسوعُ مِن ذلِكَ الحينِ يُظهِرُ لِتَلاميذِه أَنَّه يَجِبُ علَيهِ أَن يَذهَبَ إلى أُورَشَليم ويُعانِيَ آلاماً شَديدة مِنَ الشُّيوخِ وعُظَماءِ الكَهَنَةِ والكَتَبَة ويُقتَلَ ويقومَ في اليومِ الثَّالث" (متى 16: 21).
أحسَّ يسوع في هذا الالتباس خاصة عندما طرح قيافا عظيم الكهنة السؤال الأساسي: " أَستَحلِفُكَ بِاللهِ الحَيّ لَتَقولَنَّ لَنا هل أَنتَ المسيحُ ابنُ الله " (متى 26: 63)، فأجابه بطريقة غير مباشرة مُنبئاً عن مجيئه كديان أعلى بصفته ابن الإنسان "فقالَ له يسوع: "هو ما تقول، وأَنا أَقولُ لكم: سَتَرونَ بعدَ اليومِ ابنَ الإنسانِ جالِساً عن يَمينِ القَدير وآتِياً على غَمامِ السَّماء" ( متى 26: 64)؛ وهكذا اتسم لقب المسيح وابن الإنسان بمعنى إلهي محض، أبرزه لوقا بوضوح في إنجيله لما سأله شُيوخِ الشَّعْبِ مِن عُظَماءِ كَهَنَةٍ وكَتَبَة " أَفأَنتَ ابنُ اللهِ ؟ " فقالَ لَهم: "أَنتُم تَقولونَ إنِّي هو" (لوقا 22: 70). لكن موت يسوع على الصليب بدَّد كل التباس كما جاء في اعتراف قائد المائة "كانَ هذا الرَّجُلُ ابنَ اللهِ حَقّاً! "(مرقس 15: 39).
كشفت الأناجيل الثلاثة طبيعة علاقات يسوع مع الله، فهو "الابن". تسود ألفة عميقة بين الاثنين، وهذه الألفة تتطلب "المعرفة" المتبادلة الكاملة والمشاركة الشاملة، كما صرّح يسوع "قد سَلَّمَني أَبي كُلَّ شَيء، فما مِن أَحَدٍ يَعرِفُ الابنَ إِلاَّ الآب، ولا مِن أَحدٍ يَعرِفُ الآبَ إِلاَّ الابْن ومَن شاءَ الابنُ أَن يَكشِفَه لَه" (متى 11: 27). ومن هذا المنطلق، يخاطب يسوع الله ويدعوه " أَبَّا، يا أَبَتِ" (مرقس 14: 36). وهكذا وضّح يسوع المعنى الكامل لقبه "ابن الله" بانه المسيح المنتظر.
ب) ابن الله في إنجيل يوحنا
يحتل موضوع البنوة الإلهية مكاناً مرموقاً عند القديس يوحنا الرسول. يسوع يتحدث بعبارات واضحة عن العلاقات بين الابن والآب: تقوم بينهما وحدة في العمل والمجد " الحَقَّ الحَقَّ أَقولُ لَكم: لا يَستَطيعُ الابنُ أَن يَفعَلَ شيئاً مِن عندِه بل لا يَفعَلُ إِلاَّ ما يَرى الآبَ يَفعَلُه. فما فَعَلَه الآب يَفعَلُه الابْنُ على مِثالِه "(يوحنا 5: 19). ويمنح الآب كل ما هو له لأبنه لأنه يحبُّه " إِنَّ الآبَ يُحِبُّ الابن فجَعَلَ كُلَّ شيءٍ في يَدِه"(يوحنا 3: 35) ويعطيه سلطة إحياء الموتى "فكَما أَنَّ الآبَ يُقيمُ الموتى ويُحيِيهِم فكَذلِكَ الِابنُ يُحيِي مَن يَشاء" (يوحنا 5: 21)، وسلطة القضاء "لِأَنَّ الآبَ لا يَدينُ أحَداً بل أَولى القَضاءَ كُلَّه لِلاِبْن"(يوحنا 5: 22).
عندما يرجع يسوع إلى الله، يُمجِّد الآب الابن لكي يُمجده الابن "مَجِّدِ ابنَكَ لِيُمَجِّدَكَ ابنُكَ"(يوحنا 17: 1). وهكذا تتجلى عقيدة التجسد بكل أبعادها: أرسل الله ابنه الواحد إلى العالم لخلاص العالم " ما ظَهَرَت بِه مَحبَّةُ اللهِ بَينَنا هو أَنَّ اللهَ أَرسَلَ ابنَه الوَحيدَ إلى العالَم لِنَحْيا بِه. وما تَقومُ عَلَيه المَحَبَّة هو أَنَّه لَسنا نَحنُ أَحبَبْنا الله بل هو أَحَبَّنا فأَرسَلَ ابنَه كَفَّارةً لِخَطايانا" (1 يوحنا 4: 9-10). وهذا الابن الواحد هو الذي يُخبر عن الله، كما جاء في إعلان يسوع المسيح "إِنَّ "اللهَ ما رآهُ أَحدٌ قطّ الابنُ الوَحيدُ الَّذي في حِضْنِ الآب هو الَّذي أَخبَرَ عَنه"(يوحنا 1: 18)، ويمنح البشر الحياة الأبدية التي تأتي من الله " هذِهِ الشَّهادةُ هي أَنَّ اللهَ وَهَبَ لَنا الحَياةَ الأَبدِيَّة وأَنَّ هذهِ الحياةَ هي في ابنِه. مَن كانَ لَه الابنُ كانَت لَه الحَياة. مَن لم يَكُنْ لَه ابنُ الله لم تَكُنْ لَه الحَياة"(1 يوحنا 5: 11-12).
العمل المطلوب هو الإيمان بالابن كما يناشد يسوع "عَمَلُ اللهِ أَن تُؤمِنوا بِمَن أَرسَل" (يوحنا 6: 29). من يؤمن بالابن له الحياة الأبدية" فمَشيئةُ أَبي هيَ أَنَّ كُلَّ مَن رأَى الِابنَ وآمَنَ بِه كانَت له الحياةُ الأَبَدِيَّة وأَنا أُقيمُه في اليَومِ الأَخير" (يوحنا 6: 40)، وأمَّا من لم يؤمن به فيُحكم عليه " مَن آمَنَ بِه لا يُدان ومَن لم يُؤمِنْ بِه فقَد دِينَ مُنذُ الآن لِأَنَّه لم يُؤمِنْ بِاسمِ ابنِ اللهِ الوَحيد"(يوحنا 3: 18).
ج) ابن الله في رسائل بولس الرسول
أصبح موضوع البنوَّة الإلهية عند بولس الرسول نقطة انطلاق لفكر لاهوتي أكثر تعمقاً: "فلَمَّا تَمَّ الزَّمان، أَرسَلَ اللهُ ابنَه مَولودًا لامرَأَةٍ" (غلاطية 4: 4) لكي يُتمَّ بموته الصلح بيننا وبينه "فإِن صالَحَنا اللهُ بِمَوتِ َابِنه ونَحنُ أَعداؤُه، فما أَحرانا أَن نَنجُوَ بِحَياتِه ونَحنُ مُصالَحون"(رومة 5: 10).
أمَّا الآن فقد أقامه الله في القدرة (رومة 1: 4) فهو يدعونا لمشاركته " هو اللهُ أَمينٌ دَعاكُم إلى مُشارَكةِ اَبنِه يسوعَ المسيحِ رَبِّنا"(1قورنتس 1: 9)، إذ انه نقلنا إلى ملكوته " فهو الَّذي نَجَّانا مِن سُلْطانِ الظُّلُمات ونَقَلَنا إلى مَلَكوتِ ابنِ مُحَبَّتِه"(قولسي 1: 13). وبناء على ذلك، إن الحياة المسيحية في مفهوم بولس الرسول هي حياة "في الإِيمانِ بِابنِ اللهِ الَّذي أَحبَّني وجادَ بِنَفْسِه مِن أًجْلي"(غلاطية 2: 20)، وهي انتظار اليوم الذي فيه يأتي من جديد من السماوات " إِنَّ عَرْشَكَ أَللَّهُمَّ لأَبَدِ الدُّهور، وصَولَجانَ الاِستِقامَةِ صَولَجانُ مُلْكِكَ" (العبرانيين 1: 8).
أخيرًا، تطبّق الرسالة إلى العبرانيين على المسيح ما جاء في المزمور 39 " لِذلِكَ قالَ المسيحُ عِندَ دُخولِه العالَم: لم تَشَأْ ذَبيحَةً ولا قُرْبانًا ولكِنَّكَ أَعدَدتَ لي جَسَدًا. لم تَرتَضِ المُحرَقاتِ ولا الذَّبائِحَ عن الخَطايا. فقُلتُ حينَئذٍ وقَد كانَ الكَلامُ عَلَيَّ في طَيِّ الكِتاب): هاءَنَذا آتٍ، أَللَّهُمَّ لأَعمَلَ بمَشيئَتِكَ " (عبرانيين 10: 5-6).
استخدم صاحب الرسالة إلى العبرانيين لقب " ابن الله" عن المسيح بنوع خاص في التحدث عن عمل الفداء العظيم الذي أجراه يسوع المسيح، النبي الأعظم، والكاهن الأعظم والملك الأعظم. فهو النبي الأعظم لأنه "كَلَّمَنا في آخِرِ الأَيَّام هذِه بِابْنٍ جَعَلَه وارِثًا لِكُلِّ شيء وبِه أَنشَأَ العالَمِين"(عبرانيين 1: 2)، وانه الكاهن الأعظم، لأنه "المسيحُ لم يَنتَحِلِ المَجْدَ فيَجعَلَ نَفْسَه عَظيمَ كَهَنَة، بل تَلَقَّى هذا المَجْدَ مِنَ الَّذي قالَ لَه: ((أَنتَ ابنِي وأَنا اليَومَ وَلدتُكَ"(عبرانيين 5: 5) وهو أيضا الملك الأعظم لأنه " وفي الاِبْنِ يقول: ((إِنَّ عَرْشَكَ أَللَّهُمَّ لأَبَدِ الدُّهور، وصَولَجانَ الاِستِقامَةِ صَولَجانُ مُلْكِكَ" (عبرانيين 1: 8).
الخلاصة
بعدما قبِلَ يوحنا المعمدان أن يُعمد يسوع (لوقا 3: 21)، رأى فيه حمل الله الذي يرفع خطايا العالم (يوحنا 1: 29) ورأى فيه "ابن الله الحي (يوحنا 1: 34). وهكذا كشف يوحنا المعمدان أن يسوع هو في الوقت نفسه العبد المتألم الذي يساق صامتا إلى الذبح (أشعيا 53: 7)، الذي يحمل خطيئة الكثيرين (أشعيا 53: 12)، والحمل الفصحى رمز افتداء بني إسرائيل في الفصح الأول (خروج 12: 3-12). ورسالة الابن، "حمل الله" و"ابن الله" ليست محصورة في ذاته بل ليجعلنا أبناء لله بفضله. فكل حياة المسيح تُعبِّر عن رسالته الخلاصية، وهي أن يخدم ويبذل نفسه فداء عن الكثيرين " لأَنَّ ابنَ الإِنسانِ لم يَأتِ لِيُخدَم، بل لِيَخدُمَ ويَفدِيَ بِنَفْسِه جَماعةَ النَّاس" (مرقس 10: 45).
أمَّا الإيمان بالله فهو الإيمان بمن أرسله، "ابنِهَ الحَبيب (مرقس 1: 13). ويسوع نفسه قال لتلاميذه: " إنَّكم تُؤمِنونَ بِاللهِ فآمِنوا بي أَيضاً" (يوحنا 1:14). اعترفت الكنيسة سنة 325، في مجمع نيقيه المسكوني الأول، أنَّ الابن "واحد في الجوهر" مع الآب، أي انه هو والآب إلهٌ واحد. والمجمع المسكوني الثاني، المنعقد في القسطنطينية سنة 381، احتفظ بهذا التعبير في صياغة قانون إيمان نيقيه، واعترف بقوله "يسوع المسيح، ابن الله الوحيد، المولود من الآب قبل جميع الدهور، نورٌ من نور، إلهٌ حقٌّ من إله الحق، مولودٌ غيرُ مَخلوق، مساوٍ للآب في الجوهر". وهنا يكمن السر في شخصية يسوع الناصري الذي حاول يوحنا المعمدان أن يعلنه ويشهد به كي نحيا الخلاص من خلال علاقتنا البنويّة بالله أبينا. وجد يوحنا المعمدان في مجيء يسوع معنى لحياته واكتمالاً لرسالته. هل ممكن أن نكون على ضفاف نهر الأردن مع يوحنا كي نتعرف على علامات مرور الربّ في حياتنا كحمل الله وابن الله كي نجد معنى لحياتنا.
دعاء
يا حمل الله، يا حامل خطيئة العالم ارحمنا، يا حمل الفصح، وابن ألآب السماوي، كما شهد يوحنا المعمدان، ارفع، يا رب، عنا خطايانا، وأعطنا إيمانا كي نعترف بك إلهًا وربًّا ومخلصا، ونعرفك من خلال شهادة كلمتك في الكتاب المقدس، وفي الجماعة المجتمعة باسمك، وفي القربان الأقدس، وفي الكهنة. فنبتعك بإيمان وفرح ونكون شهود لك وإلى إنجيلك الطاهر بالقول والفعل. آمين