موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الثلاثاء، ١٤ يناير / كانون الثاني ٢٠٢٥

وتدب الحياة من جديد!

بقلم :
كارول علمات - الأردن
"حجاج الرجاء" يوم تدشين كنيسة المعمودية في المغطس، 10 كانون الثاني 2025 - عدسة: كارول علمات

"حجاج الرجاء" يوم تدشين كنيسة المعمودية في المغطس، 10 كانون الثاني 2025 - عدسة: كارول علمات

 

استيقظت حجارة المغطس على وقع أقدام حجاج الرجاء، بعد ليل ساده صمت مقدّس منتظرًا ولادة فجر جديد تحت سماء نطقت يوما: "هذا هو ابني الحبيب  فله اسمعوا". حول ضفاف نهر الأردن المقدس، تراقصت أشجار النخيل وتمايلت إجلالا لحدث تاريخي زلزل سبات النبات والحجر وحرك مياه نهر خالد فرحًا وابتهاجًا.

 

في صباح العاشر من كانون الثاني لعام 2025، أشرقت الشمس على أخفض بقعة في المعمورة، وقد زينت جدائلها بفسيفساء بشريّة حطت رحالها على أرض تقدّست بأقدام المسيح والرسل. وعلى خطى البابا القديس يوحنا بولس الثاني، سارت الجموع لتبحث عن صوت "سابق المسيح" الذي سكن يومًا برية الأردن وتغذى على نباتاتها وجرادها وعسلها البري وجال داعيًا إلى التوبة..

 

على خطى بابا السلام، جاءت القلوب النقية لترفع أكف الضراعة إلى حيث عرش الرحمة الإلهيّة من أجل أن تمطر السماء التي ازدانت بنجوم قادت المجوس إلى حيث مهد السلام، شآبيب الرحمة والخير، فتتلاقى مع مياه المعمودية المقدسة التي عمّد بها يوحنا المعمدان خالقه ومخلصه يسوع المسيح، وبها يجدّد كل حاج مواعيد معموديته، فيولد الرجاء من جديد.

 

في لحظة مهيبة من الزمن طال انتظارها، أضيئت شموع الرجاء، وتصاعد البخور صلاة وشكرًا من مذبح  الرب الذي دهنته الأيادي المباركة بزيت الميرون المقدّس، وعندئذ هبط الروح القدس من السماء الأقرب إلى الأرض وكأنه حمامة السلام التي رفرفت يومًا فوق نهر الأردن المبارك، مبشرة بولادة السلام من جديد، وشاهدة على رسالة العلاء هذه التي انطلقت من أرض تجذّرت تربتها بالقداسة إلى العالم أجمع.

 

ومن بطن التربة المقدسة ولد البنيان الجديد -الكنيسة الأيقونة- كنيسة معموديّة السيد المسيح، إيذانًا ببزوغ نجم المعمودية في بريّة يوحنا، دقت الأجراس ودوى صداها عاليًا، طارقًا أبواب الرجاء في عام يوبيلي مغلف بالرحمة، وعانقت أجراس المهد والقيامة فاكتمل المثلث الذهبي المقدّس.

 

عزفت ملائكة السماء سيمفونية الفرح على أوتار أفئدة زينت بحضورها المصلي مسكن الله الجديد، فرسمت بريشة الإيمان لوحة حياة أيقظت قوافل الأجداد والأجيال ليشهدوا على نور المعمودية الذي يشق صمت المكان مع كل حاج ينحني بتواضع أمام بيت القربان طالبًا البركات والنعم في أرض طالت السماء بقداستها ورافعة الأكف ضارعة لتبلسم جرحها العميق وتشفيه.

 

وهناك على ضفاف النهر النابض بالحياة، أطلّ يوحنا المعمدان الزاهد ولسان حاله يدعونا جميعًا، نحن حجاج الرجاء، إلى تجديد الإيمان والأمل في عام الرجاء الإلهي.

 

وبجانب المعمدان، يتكىء على جدار الزمن الوجه المبتسم لقديس صنع سلامًا ومرّ في عام اليوبيل الكبير، عام الألفين. هنا في هذا المكان الذي يكتب تاريخًا جديدًا، يقف بابا الشباب، بابا العائلة، يوحنا بولس الثاني، ممسكًا بيد أطفال يرتدون حلل المعمودية البيضاء، مخاطبًا الأسرة البشريّة لكي تعيد للعائلة قدسيتها وبألا تخاف من أن تشرّع أبوابها مجدّدًا للسلام والمحبة.

 

وبين الجموع الغفيرة، تلمح يد البابا المعلم التي باركت قبل عقد و نيف، الحجر الذي صار رأس الزاوية لكنيسة غدا المؤمنون حجارتها الحيّة، الشاهدة للمسيح على مر الأزمان.. تلمحها تبارك الجموع وتدعوها لسماع نداء السماء حيث صوت الله!!

 

وعلى جبل صخري.. رفرف علمان.. علم أردن القداسة وعلم  الفاتيكان صخرة بطرس، وكأنهما بهذا التآخي يجدّدان العزم على نشر المحبة والأخوة في درب الإنسانية.. وإليهما ترنو المقل بالصلاة لأرض مقدسة.. أرض الأردن الطهور لكي تتسربل دوما برداء السلام والازدهار بقيادتها الهاشمية الحكيمة، ولأجل الحبر الأعظم ومن انتدب لتدشين "قلعة البرية"، نرفع دعاءنا للعناية الإلهية لتهب الحكمة والتوفيق لبذر السلام في أرجاء المعمورة.

 

هنا.. على ضفاف النهر الخالد،

تعبق السماء برائحة البخور وتحلق حمائم السلام

وتدعو حجاج اليوبيل لينالوا بركة ونعمة!

هنا.. تعود الحياة إلى الحياة من جديد! هنا أرض المعمودية!

 

مبارك لنا وللأسرة البشرية جمعاء!