موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
بَعْدَ إِعصارٍ مِن الأَحداثِ يَومَ الجُّمُعة، صَمْتُ السَّبتِ أَطبَقَ سُلطَتَهُ على المَشهد، هُدوءٌ عَمَّ الدُّنيا، خَفُتَ ضَجيجُ العالم، صَمَتَت البَشريَّةُ والمَلائِكَة لَعَلَّهم يُدرِكون ماذا حَدَثْ، إِلهُ الكَون الذي أصبحَ عَبداُ، مَصدَرُ الحَياةِ دَخلَ في جُبِّ المَوتِ، مشهدٌ مُريب لم يَكنُ لَهُ أيُّ تفسيرٍ. لكنْ لنَتَأمل معاً.
كَما أَنَّ الله بَعدَ أَنْ انتَهى مِنْ خَلقِ العالَمَ، بِأَرضِهِ وَسماءِهِ، بِمياهها ويَبَسِها، بِحيواناتِها وسَمَكها وطُيورِها، وبَعدَ أَنْ خَتَمَ أَعمالَه بِخلقِ الإِنسان، استراحَ في اليَومِ السَّابِع أيّ يَومِ السَّبت، هكذا يَستريحُ المَسيح في ذاتِ اليوم، بَعدَ أَنْ انتَهى مِنْ عَمَلِهِ على الأرضِ، عَلَّم ما كان عَلَيهِ أَنْ يُعَلِّم وما سَمِعَهُ مِنْ الآب، بَعدَ أَنْ شَفى مرضانا -الجَّسَدّيين مِنهُم والرّوحيّين- فَنَظر مِن أعلى صَليبِهِ إلى كُلِّ ما فَعَل فَوَجَدَ أَنَّهُ "حَسَنٌ جِداً" (تكوين 1: 31) فقال "تَمَّ كُلُّ شَيء"(يوحنا 19: 30)، "فَلَفَظَ الرّوح" (مرقس 16: 37)، واستَراح في قبرهِ يَومَ السبت.
نَعَم عمَّ الصَّمتُ الدُّنيا، لكنَّ الجَّحيمَ كانَ يُصارِعُ عَدوّها الأَوحد، مَنْ كانَت تَهابُ هذا اليّوم، وتَنتظره بِخوفٍ لأنَّه لا مَهربَ مِنْ إِلهٍ لا يَرضى على نَفسِه أَنْ يَرى أبناءَهُ يَسيرون إِلى التَهلُكة ويَبقى صامِتاً، فَماتَ وَنَزَلَ إِلى الجَحيمِ، جاءَ لِيَكسِرَ أَغلالَ العُبوديّة التي استَحوَذَتْ عَلى أَرواحِ الأَبرار، لَمْ يَأتي ليُحَرِّرَ فَقَطْ بَلْ لِيُبَشِّرَ بِالبِشارَةِ العَظيمةِ، فَإِنَّ أَوَل مَنْ سَمِعَ البِشارة هُم الأَموات، "أميت في جسده ولكنه أحيي بالروح،فذهب بهذا الروح! يبشر الأرواح التي في السجن أيضا." (1بطرس 3: 18-19). لِأَنَّ الله لا يَنسى مَنْ عاشَ وأَسلَمَ حَياتَهُ بِالإيمانِ لَهُ، مَن عاشوا بِالإيمانِ مُنتَظرينَ مَجيءَ المُخَلِّص، بَشَّرَ الأمواتَ وحَرَّرَهُم وَنَقَلَهُم لِلفِردَوس لِيُرافِقوا ذاكَ الّلصِّ التائِبِ، مُغتَصِبِ المَلكوت، مَنْ عاشَ فِعلاً جُملَةَ المَسيحِ "فهكذا يصير الآخرون أولين والأولون آخرين" (متى 20: 16). فالمَلكوت كانَ مُغلَقاً أَمامَ الجَّميع قَبْلَ أَنْ يَفتَحَها رَبُّ السَّماءِ، بِمُفتاحِ الفِداء.
قامَ المَسيحُ وَتَرَكَ قَبرَهُ الفارِغ عَلامَةً على انتِصارِهِ، انتِصارَهُ على الموتِ، انتِصارَهُ على آخِرِ عَدوٍّ لِلبَشريّة "وآخر عدو يبيده هو الموت" (1كورنثوس 15: 26)، انتِصارَهُ على أَكبَرِ مَخاوِفِ البَشريّة –إِلى الآن لِلأسف- انتِصارَهُ على كُلِّ الحُدودِ التي رَسَمَهَا الإِنسانُ لِنَفسِهِ، انتِصارَهُ على السّجنِ الذي بَناهُ الإِنسانُ بِيدِهِ لِنَفسِهِ، وَسَجَنَ نَفسَهُ بِانغِلاقِهِ على ذاتِهِ، قامَ الرَبُّ فَفَتَحَ لنا بابَ مشارَكَتِه بهذا الانتِصار، لكن، هَل نَحنُ واعونَ لِمَفاعيل هذا الانتِصار، وما تَأثيرهُ على حياتي؟.
منِ أجملِ مشاهد القيامَةِ هي مَشهدُ التِقاء المَسيحِ بالمَجدليّة (يوحنا 20: 11-18)، في هذا المَشهَد سَاُشارككم بتأملٍ واحِدٍ صغير ننطلق به لعَيشِ حياةٍ مُختَلِفة عَن ما كانت قَبلَ القيامة:
في الوقتِ الذي قَدْ تَضَعُ انشِغالات الحياةِ غَشاوةً على عُيونِنا وانشِغالِنا بالنَّظَرِ والتَّركيزِ على الشَّر والكَوارثِ والوَباءات المُنتَشِرةِ في عالَمِنا اليوم، قَدْ تَحول إلى عَدَمِ رؤيتنا المَسيحِ القائِمِ والمُنتَصِرِ على الموتِ، كما لَمْ تَعرِف المجدليّة سَيِّدَها، يُفاجئُنا الرَّبّ بِمعرِفَتِه لنا بِأَحبّ الأسماءِ لدينا "دَعَوتُكَ باسمِكَ" (أشعياء 43: 1)، وبهذا عَلينا أَنْ نَعي أَنَّ اللهَ مَعَنا وَلَنْ يَترُكَنا مَهما آلت إِليهِ الظروف مِنْ سوء.
فَلنَعِش مِن الآنَ، ما يَليقُ بِخَلاص المسيح، ولنَكن كالمِصباحِ الذي لا يَنغَلِقُ على ذاتِهِ وَيحبِسَ نورَهُ بِداخِلِهِ بَلْ يُضيءُ لِكُلِّ مَنْ حَولَهُ، وَلنَكُن كَمريمَ المِجدليّة مُبَشرين بِهذا الخلاصِ في العالمِ أَجمَع.
المَسيح قام حقّاً قام، وبِقِيامَتِه أقامَنا لِحياةٍ أبَديّة.
كُلُّ عامٍ وأنتم بألفِ خَير.