موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ١١ ابريل / نيسان ٢٠٢٠

هل للتجارب فوائد؟

بقلم :
الأرشمندريت نادر ساووق - الأردن
الأرشمندريت نادر ساووق

الأرشمندريت نادر ساووق

 

لا يوجد حياة بلا تجارب، لأنّه كما قيل: "بضيقات كثيرة ينبغي أن ندخل ملكوت الله" (أعمال 14: 22)، ولكن حيثما توجد التّجارب يوجد الله المنقذ، الّذي ينقذنا من الشّدائد والمخاطر، ويعطينا الصّبر والقوّة على تحمّلها. والسّؤال المطروح هُنا: هل للتّجارب فوائد؟

 

لا شكّ أنّ هناك فوائد كثيرة من التّجارب الّتي يسمح بها الله في حياتنا؛ فالتجارب الإلهيّة تقودنا إلى التّوبة والنّقاوة والاتّضاع. إنّ التّجارب الربّانيّة تختلف عن التّجارب الشّيطانيّة الّتي تقودنا إلى الخطيئة والكبرياء وفقدان السّلام الدّاخلي، أمّا الطّريق إلى الغَلَبَة عليها يكون باليقظة والصّلاة، كما قال لنا السّيد المسيح: "اسهروا وصلّوا لئلا تقعوا في التّجربة" (متى 26: 41).

 

أوّلاً أنواع التجارب

 

للتّجارب نوعان:

 

النّوع الأوّل تجارب من الشّيطان: وهي الّتي تدفعنا إلى ارتكاب الخطيئة؛ وبالتّالي هذه التّجارب ليست من الله، لأنّ الله مُنزّه عن الشّر. "وهو لا يُجرّب أحدًا" (يع 1: 13). ولهذا علّمنا السّيد المسيح أن نُصلّي قائلين: "ولا تدخلنا في تجربة، لكن نجّنا من الشّرير".

 

النّوع الثّاني تجارب يسمح بها الله؛ لكي يعلّمنا الصّبر والثّبات في الضّيقات، ويبني حياتنا الرّوحيّة. فكما تختبر النّارُ الذّهب وتنقيّه كذلك التّجارب تختبُر حقيقة إيماننا (راجع بطرس الأولى 1: 7). وهي الّتي ينطبق عليها قول الرّسول يعقوب: "احسبوه كلّ فرح يا أخوتي حين تقعون في تجارب متنوّعة" (يع 1: 2).

 

ثانياً: أهداف التّجارب الإلهيّة

 

يقول الرّسول بولس" "قد وُهِبَ لكم لأجل المسيح، لا أن تؤمنوا به فقط، بل أيضاً أن تتألّموا لأجله" (فيلبي 1: 29).

 

فالألم هبة إلهيّة، يسمح بها الله لأجل فوائد كثيرة وأهداف روحيّة، نذكر منها: التّوبة، التّنقية والوقاية.

 

1. التّوبة: فعندما يمرُّ المرء بتجارب يعيش فيها الألم ، يكون الألم وقتها بمثابة بوق من الله ليحثّنا على الرّجوع إليه، ولنثق بمحبته وعنايته. وعلى سبيل المثال "وباء الكورونا" الّذي اجتاح العالَم هو إحدى الرّسائل الرّبانيّة لتوبة البشريّة. طبعًا، لا نقول أنّ هذا الوباء عقاب من الله، فالله يحبّ العالَم ولكن لا يحبّ الشّر الّذي في العالَم، كما يقول القديس بورفيريوس:"الله لا يعاقب الإنسان، ولكن الإنسان يعاقب نفسه عندما يبتعد عن الله"، وبالتّالي على الإنسان في هذه الأزمات أن يرجع إلى الله بالتّوبة الصّادقة، وأنْ يُقدِّم توبة شخصيّة وجماعيّة على مثال أهل نينوى الّذين تابوا بالصّوم والدّموع. (راجع سفر يونان الفصل 3)

 

2. التّنقية: في الكتاب المقدّس صورتان توضّحان لنا بركة الألم كوسيلة للتّنقية والتّدريب والإعداد.

 

الصّورة الأولى هي صورة يوسف الصّدّيق، فقد صقلته المِحَن المختلفة الّتي تعرّض لها، فاحتمل الالآم ظُلماً من أخوته، وفي بيت فوطيفار تعرّض لتجربة قاسية من امرأة سيّده، وبسببها وضع أيضاً ظُلما في السّجن، ولكنَّ الله، في النّهاية، كلّلَ أمانته وطهارته وصبره، وأصبح يوسف الرّجل الثّاني بعد فرعون مصر (تك 41: 41–45).

 

والصّورة الثّانية فهي لأيوب البار. حين سمح الله له أن يدخل في تجارب متنوّعة كي ينقيّه من البِرّ الذّاتي، فصرخ قائلا:"بسمعِ الأذن قد سمعتُ عنكَ، والآن رأتك عيني" (أيوب 42: 5). وهكذا تنقّى أيوب من البِرّ الذّاتي وصار لنا مثالا في الصّبر (راجع يع 5: 11).

 

3. الوقاية: وهو الهدف الثّالث من التّجارب الّتي يسمح بها الله. أي الوقاية من الكبرياء كي نشعر بضعفنا وعجزنا، فنتّضعُ ونطلبُ المعونة الإلهيّة الّتي تسندنا وتقوّينا لاجتياز الطّريق الضّيّق. وهذا ما يُحدّثنا به بولس الرّسول عن اختباره قائلا:" ولئلّا أنتفخُ بالكبرياء من عَظمة ما انكشف لي، أُصِبْتُ بشوكةٍ في جسدي، وهي كرسول من الشّيطان يضربني لئلا أتكبّر" (2 كورنثوس 12: 7).

 

خاتمة

 

في خِضَمّ ما نمرُّ به من تجارب وضيقات عديدة؛ الله لا يتركنا وحيدين في مواجهة عواصف الحياة، بل يكون معنا، قائلا لنا: "لا تخافوا"، ويضيف: "في العالَم سيكون لكم ضيق، لكن ثقوا أنا غلبْتُ العالَم" (يو 16: 33). ومن هذا المُنطلق، مطلوبٌ منّا ألا يُسيطر علينا الخوف والقلق، وأنْ نتسلّح بالرّجاء والصّبر والصّلاة (راجع رومة 12: 12). وأن نثقَ بمحبّة الله لنا مهما كانت الضّيقات، لأنّها لخيرنا ومنفعتنا الرّوحيّة، وهذا ما يؤكّده لنا الرّسول بولس بقوله: "ونحنُ نعلمُ أنّ كلّ الأشياء تعملُ معاً للخير للّذين يحبّون الله، الّذين هم مدعوون حسب قصده" (رومة 8 : 28).