موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
مُقَدِّمَةٌ
في خَميسِ الصُّعودِ نُعَيِّدُ صُعودَ رَبِّنا وإِلَهِنا ومُخَلِّصِنا يَسوعَ المَسيحِ إلى السَّماءِ، بَعدَ أَربَعينَ يَومًا مِن قِيامَتِهِ وظُهورِهِ لِلتَّلاميذِ، كما جاءَ في سِفرِ أَعمالِ الرُّسُلِ: يَسوعُ هذا الَّذي رُفِعَ عَنكُم إِلى السَّماءِ، سَيأتي كما رَأَيتُموهُ ذاهبًا إِلى السَّماءِ" (أَعمالُ الرُّسُلِ 1: 11).
إنَّ صُعودَ يسوعَ إلى السَّماءِ هو تَتويجٌ لأَفراحِ القِيامَةِ. صَعِدَ يسوعُ بَعدَ أَن أَتَمَّ عَمَلَ الفِداءِ، وأَكمَلَ خُطَّةَ الخَلاصِ، عائِدًا إلى مَلَكوتِهِ، وواعدًا تَلاميذَهُ بِإِرسالِ الرُّوحِ القُدُسِ (يوحنّا 18: 36). ومِن هُنا نَطرَحُ السُّؤالَ: ما هي أَبعادُ عيدِ الصُّعودِ، وكيف نَعيشه؟
يُمكِنُنا أن نُميِّزَ ثلاثَةَ أَبعادٍ لِعيدِ الصُّعودِ، على صَعيدِ المسيحِ، والكَنيسةِ، وحَياتِنا الشَّخصيَّةِ.
أوّلًا: الصُّعودُ على صَعيدِ المسيحِ
تَرِدُ كَلِمَةُ "صُعود" مِن العِبريّة יַעֲלֶה، كما في المزمور: "مَن ذا الَّذي يَصعَدُ جَبَلَ الرَّبِّ؟ ومَن ذا الَّذي يُقيمُ في مَقَرِّ قُدْسِهِ؟" (مزمور 24: 3). ويَحمِلُ صُعودُ المَسيحِ ثلاثَةَ أَبعادٍ، وهي: تَمجيدُهُ، وتَسامِيهِ على الكَونِ، وتَمهيدٌ لِعَودَتِهِ.
1) الصُّعودُ تَمجيدٌ للمسيحِ السَّماويّ
قبل أن يَحلَّ الكلمةُ الأزليُّ في الزمانِ، كانَ الابنُ في حَضنِ الآبِ، كـ"كَلِمَةٍ" و"حِكمَةٍ". وبصُعودِهِ إلى السَّماءِ، إلى يَمينِ الآبِ، عادَ إلى العالَمِ السَّماويِّ الَّذي منه نَزَلَ، أي إلى مَسكَنِ الأُلوهِيَّةِ، كما يقول سِفر الرُّؤيا: "يسوعُ المسيحُ الشّاهِدُ الأمينُ... الَّذي أَقامَهُ اللهُ مِن بَينِ الأَموات" (رؤيا 1: 5). نَزَلَ الرَّبُّ إلينا رَحمَةً بِنَا لِيَفتَقِدَنا (مزمور 144: 5)، وبِصُعودِهِ رَبَطَ السَّماءَ بالأَرضِ، كما جاء في إنجيل يوحنّا: "سَتَرَونَ السَّماءَ مُنْفَتِحَةً، ومَلائِكَةَ اللهِ تَصعَدُ وتَنزِلُ على ابنِ الإِنسانِ" (يوحنّا 1: 51). وَجُلوسُ يَسوعَ عن يَمينِ اللهِ يُعني أَنَّهُ أَكمَلَ عَمَلَ الخَلاصِ، وأَنَّ لهُ سُلطانًا ومَجدًا، وقد تُوِّج مَلِكًا. وهكذا، فإنَّ صُعودَهُ هو تَعبيرٌ عن مَجدِهِ السَّماويِّ، كما يُشير القدّيس بطرس: "لَم يَصعدْ داودُ نَفْسُه إلى السَّمَواتِ، بل يقول: قالَ الرَّبُّ لِرَبّي: اجْلِسْ عن يَمينِي" (أعمال 2: 34).
ومن ناحيةٍ أُخرى، يُشيرُ صُعودُ المَسيحِ إلى الدُّخولِ النِّهائيِّ لِناسوتِ يسوعَ إلى مَقَرِّ اللهِ السَّماويِّ، حَيثُ يَختَفي الآنَ عن أَعيُنِ البَشَرِ، في انتظارِ عَودتِهِ في المَجدِ (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، رقم 665). وفي الليتورجيا السُّريانيّة، نَجِدُ صَلاةً تُجَسِّدُ تَمجيدَ المسيحِ بصُعودِهِ إلى السَّماءِ: "نَزَلَ رَبُّنا بَحثًا عن آدَم، وبَعدَ أَن وَجَدَ مَن كانَ ضائِعًا، حَمَلَهُ على كَتِفَيْهِ، وبِالمَجدِ أَدخَلَهُ السَّماواتِ مَعَهُ (لوقا 15: 4). أَتى وأَظهَرَ لَنا أَنَّهُ الله؛ ولبِسَ جَسَدًا وكَشَفَ لَنا أَنَّهُ إنسان. نَزَلَ إلى الجَحيمِ وبَيَّنَ لَنا أَنَّهُ مات؛ صَعِدَ وتَمَجَّد، وأَظهَرَ لَنا أَنَّهُ كبيرٌ. فَليَتَبارَك مَجدُه!
2) الصُّعودُ دَلالةٌ على تَسامي المسيحِ على الكَونِ والقُوَّاتِ السَّماويَّةِ
إنَّ صُعودَ المَسيحِ إلى السَّماءِ يُعبِّرُ عن تَساميِهِ وسُلطانِهِ الكَونِيّ، كما يشير إليه القدّيس بولس: "ومَتى تَمَّتِ النِّهايَةُ، يُسَلِّمُ المَسيحُ المُلكَ إلى اللهِ الآبِ، بَعدَ أَن يُبيدَ كُلَّ رِياسةٍ، وكُلَّ سُلطانٍ، وكُلَّ قُوَّةٍ" (1 قورنتس 15: 24). فالمسيحُ الجالسُ عن يَمينِ الآبِ، يَتَقَلَّدُ، منذ الآن، السِّيادَةَ على الكَونِ، كما جاء في رسالة أفسس: "أَقامَهُ مِن بَينِ الأَمواتِ، وأَجلَسَهُ عن يَمينِهِ في السَّمَواتِ، فَوقَ كُلِّ رِياسةٍ وسُلطانٍ وقُوَّةٍ وسيادةٍ، وفَوقَ كُلِّ اسمٍ يُسَمَّى، لا في هذا الدَّهرِ فقط، بل في الآتي أيضًا" (أفسس 1: 20-21).
ويُؤكِّد لنا إنجيلُ متّى سُلطانَ يسوعَ، ليس فقط في السماء، بل أيضًا على الأرض: "دُفِعَ إليَّ كُلُّ سُلطانٍ في السَّماءِ وعلى الأرضِ" (متى 28: 18). هذا السُّلطانُ السَّماويُّ لم يَكُن نتيجة القوّة البشريّة، بَل هو نَصرٌ حَقَّقَهُ المسيحُ بالصَّليبِ، كما قال بولس الرّسول: "جَرَّدَ الرِّئاساتِ والسُّلطاتِ، وأَشْهَرَهم علنًا، وقادَهم في مَوكِبِ نَصرِهِ" (كولسي 2: 15). وقد نالَ هذا التَّمجيدَ بِطاعَتِهِ الكامِلَةِ للآبِ، حتى الموتِ موتِ الصَّليبِ، كما نقرأ في رسالة فيلبي: "فهو في صُورَةِ الله، لم يَعتبِرْ مُساواتَهُ للهِ غَنيمَةً، بل تَجرَّدَ... فوَضَعَ نَفسَهُ وأَطاعَ حتَّى الموتِ، موتِ الصَّليب. لذلك رَفَعَهُ اللهُ أَيضًا، وأَعطاهُ اسمًا فَوقَ كُلِّ اسم..." (فيلبي 2: 6-11).
وعليه، فإنَّ صُعودَ المسيحِ هو امتدادٌ لِقِيامَتِهِ واستِمرارٌ لِعملِ الفِداءِ والخَلاصِ. فالسَّماءُ تَستَقبِلُ مَن أَكمَلَ مَهمَّةَ التَّجسُّدِ والخَلاصِ، وتمجِّدُهُ على طاعَتِهِ. وقد عبّر القدّيس قُبريانُس عن هذا المَشهدِ المجيدِ بصُعودِ الإلهِ المُتجسِّدِ قائلاً: "لا لِسانَ بَشَريٌّ ولا مَلائِكيٌّ يَستَطيعُ أن يَصِفَ كما يَجِب، عَظيمَ الاِحتِفالِ والإِكرامِ الَّذي صارَ للإِلهِ المُتجسِّدِ بصُعودِهِ في هذا اليومِ".
3) الصُّعودُ تَمهيدٌ لِعَودَةِ المسيحِ في مَجيئِهِ الثّاني
إنَّ الوَعدَ المَوجَّهَ إلى الرُّسُلِ في وقتِ الصُّعودِ يُشكِّلُ أساسًا راسخًا للرَّجاءِ المسيحيِّ: "إِنَّ يَسوعَ هذا الَّذي رُفِعَ عَنكُم إِلى السَّماءِ، سَيأتي كما رَأَيتُموهُ ذاهبًا إِلى السَّماءِ" (أعمال 1: 11). تُقيمُ هذه العِبارَةُ ارتباطًا عَميقًا بين ارتِفاعِ المسيحِ إلى السَّماءِ وبين عودَتِهِ الثّانية في نِهايةِ الأَزمنة، عِندَ التَّجديدِ الكُلِّيِّ الشَّاملِ: "الَّذي يَنبَغي أَن يَحتَفِظَ بِه السَّماءُ إلى أَزمنةِ إِعادةِ كُلِّ شيءٍ" (أعمال 3: 21). فكما انطلقَ يسوعُ إلى السَّماءِ، سيعودُ من السَّماءِ بالمَجدِ عَينِهِ: "إِنَّ الرَّبَّ نَفسَهُ، عندَ الهُتافِ، وصَوتِ رَئيسِ المَلائِكَةِ، ونَفخِ بوقِ اللهِ، سَيَنزِلُ مِنَ السَّماءِ» (1 تسالونيقي 4: 16).
وسَيَظْهَرُ على الغَمامِ، كما رأى يوحنّا الرّائي: "رَأَيتُ سَحابَةً بَيضاء، وعلى السَّحابَةِ جالِسٌ كابنِ إِنسانٍ، على رَأسِهِ إِكْليلٌ مِن ذَهَبٍ، وفي يَدِهِ مِنْجَلٌ حادّ" (رؤيا 14: 14). وفي الوقتِ عَينِه، يَصعدُ مُختارُوهُ لِمُلاقاتِهِ، كما يقول بولس الرّسول: "سَنُخطَفُ جَميعًا معهم على السُّحُبِ، لِمُلاقاةِ الرَّبِّ في الهَواء" (1 تسالونيقي 4: 17).
وهكذا، فإنَّ التَّاريخَ البَشَريَّ يَتحرَّكُ نَحوَ نُقطَةٍ مَفصليَّةٍ هي مَجيءُ يسوعَ المَسيحِ ثانيَةً، لِيَدينَ العالَمَ، ويَملِكَ على كُلِّ المَسكونَةِ. لذلك، فإنَّ صُعودَ الرّبِّ لا يَعني غِيابَه، بل هو وَعدٌ بالرُّجوعِ. ومن هذا المُنطَلَق، يُدعَى المُؤمنونَ إلى السَّهرِ والتَّهيُّؤِ لمَجيئِهِ المُفاجِئِ: "فَإِنَّ يَومَ الرَّبِّ سيَأتي كَالسَّارِقِ في اللَّيلِ" (1 تسالونيقي 5: 2).
ثانيًا: الصُّعودُ على صَعيدِ الكنيسة
إنَّ الصُّعودَ على مُستوى الكنيسةِ هو إعلانٌ عن تَمجيدِها بحُلولِ الرُّوحِ القُدُسِ. فَتَمجيدُ المسيحِ في صُعودِهِ كانَ لا بُدَّ أن يَسبِقَ تَمجيدَ الكنيسةِ، لأنَّه بالصُّعودِ أَعدَّ لَها السَّبيلَ لِتَقَبُّلِ الرُّوحِ المُقَدَّسِ. لقد صَعِدَ يسوعُ إلى السَّماءِ لِيُرسِلَ الرُّوحَ القُدُسَ ليَحلَّ مَحلَّهُ في حياةِ التَّلاميذِ، كما وَعَدَهُم قَائِلًا: "سَتنزِلُ الرُّوحُ القُدُسُ علَيكُم، فَتَنالُونَ قُدرَةً، وتَكونونَ لي شُهودًا في أُورَشَليمَ وكُلِّ اليهودِيَّةِ والسَّامِرَةِ، حتَّى أَقاصي الأَرضِ" (أعمال الرُّسُل 1: 8).
إذًا، صَعِدَ المسيحُ إلى السَّماءِ لكي يُرسِلَ رُوحَهُ القُدُوس، فيَكونُ حُضورُهُ في الكنيسةِ لا كمَن هو مَعَنا فقط، بل فينا أيضًا. فالحُضورُ المَعَنا محدودٌ، أَمَّا الحُضورُ فينا فهو غيرُ محدودٍ، وهو ثَمرَةُ سِرِّ الرُّوحِ القُدُسِ. هذا ما يُؤكِّدُهُ بولسُ الرّسولُ في صَلاتِهِ لأَهلِ أَفسس، قائلًا: "أَن يُقيمَ المسيحُ في قُلوبِكم بالإِيمانِ" (أفسس 3: 17). وهذا الإِقامَةُ في القلبِ تَتمُّ بفِعلِ الرُّوحِ القُدُسِ، الَّذي أَرسَلَهُ المَسيحُ مِن السَّماءِ بعدَ صُعودِهِ، ليُؤسِّسَ الكنيسةَ، ويُحييها، ويَجعلَها شاهِدَةً لِقِيامَتِهِ إلى أَقاصي الأَرضِ.
ثالثا: الصُّعودُ على صَعيدِنا
إنَّ صُعودَ المسيحِ لا يَخصُّه وحدَه، ولا يَقتصرُ على الكنيسة كجماعةٍ فَقط، بَل يَشمَلُ كُلَّ مؤمنٍ به. ولِصُعودِهِ على صَعيدِ حياتِنا بُعدانِ رئيسيّان:
1) صُعودُ يسوعَ لِيَشفَعَ فينا في حَضرَةِ الله (عبرانيين 9: 24)
بِصُعودِهِ، لم يَغِبِ المسيحُ عنّا، بل صارَ شَفيعًا لنا عندَ الآبِ، كما يُؤكِّدُ الكتابُ المقدّس: "لأَنَّهُ يُقيمُ إلى الأَبَدِ، فهو يَقدِرُ أَيضًا أن يُخَلِّصَ إلى التَّمامِ الَّذينَ يَتَقَدَّمونَ به إلى الله، إِذ هو حيٌّ في كُلِّ حينٍ لِيَشفَعَ فيهم" (عبرانيين 7: 25). إنَّ المسيحَ الصَّاعِدَ إلى السَّماءِ، يحملُ طبيعتَنا البَشريَّةَ، ويَعرِفُ ضُعفَنا، ويَقفُ أمامَ الآبِ لا لِيُدِينَنا، بل لِيُدافِعَ عنّا بالمَحبَّةِ والرَّحمةِ، لأنَّهُ "لَيسَ لَنا رَئيسُ كَهَنَةٍ غَيرُ قادرٍ على مُشارَكَةِ ضُعفِنا" (عبرانيين 4: 15).
تُصوِّرُ الرِّسالةُ إلى العِبرانيين صُعودَ المسيحِ في ضوءِ نَظرتِها إلى العالَمِ السَّماويِّ، الَّذي تَقومُ فيه حقائقُ الخَلاصِ الأبديّ، ونَحوهُ تتَّجِهُ مسيرةُ البَشرِ كَغايةٍ أخيرةٍ. إنَّ الكاهِنَ الأَعظمَ، يسوعَ المسيحَ، صَعِدَ أَوَّلَ الجميعِ، لِيَجلِسَ عن يَمينِ اللهِ في الأعالي: "وبَعدَما أَتمَّ تَطهيرَنا مِن خَطايانا، جَلَسَ عن يَمينِ الجَلالِ في العُلى" (عبرانيين 1: 3)، وقد صَعِدَ إلى السَّماء فَوقَ المَلائِكَةِ: "وصارَ أسمى مِنَ المَلائِكَةِ، بمِقدارِ ما وَرِثَ اسمًا أَفضلَ مِن أَسمائِهم" (عبرانيين 1: 4–9). وهو الآن، بَعدَ أن اجتازَ السَّماواتِ (عبرانيين 4: 14)، "قد دَخَلَ إلى السَّماءِ عَينِها، لِيَظهَرَ الآنَ أمامَ وَجهِ اللهِ مِن أَجلِنا" (عبرانيين 9: 24).
فهو الشَّفيعُ الأَزليُّ الَّذي يُقيمُ دائمًا في حضرةِ الآبِ، يُقدِّمُ دَمَهُ ذَبيحةً حيَّةً، لا مرَّةً واحدةً كما في العهدِ القديم، بل في كُلِّ آنٍ، لِيَضْمَنَ لنا فيضَ الرُّوحِ القُدُسِ، ويُؤَكِّدَ وُعودَ الخلاصِ الأبديّ. هذا ما يُؤَكِّدُهُ أيضًا التَّعليمُ المسيحيُّ للكنيسةِ الكاثوليكيَّة: "المسيحُ، الكاهنُ الأَعظمُ "في الخَيراتِ المُقبِلةِ"، يَدخُلُ إلى القُدسِ السَّماويِّ، ويَتشَفَّعُ فينا باستِمرارٍ، كَشَفيعٍ دائمٍ، يُفيضُ علينا الرُّوحَ القُدُسَ" (ت ك 667).
2) الصُّعودُ لإِعدادِ مَكانٍ لَنا في السَّماءِ
يَعودُ الرَّبُّ يَسوعُ بِالمَجدِ إلى الآبِ، لا لِيَغيبَ عنّا، بل لِيُعِدَّ لَنا مكانًا، كما وعدَ في خطابِهِ الوداعيِّ: "لا تَضطَرِبْ قُلوبُكُم. أَنتُم تُؤمِنونَ بِاللهِ فآمِنوا بي أَيضًا. في بَيتِ أَبي مَنازِلُ كثيرة. ولَو لم تَكُنْ، أَتُراني قُلتُ لَكم: إِنِّي ذاهِبٌ لأُعِدَّ لَكُم مُقامًا؟ وإذا ذَهَبتُ وأَعددتُ لَكم مُقامًا، آتي أَيضًا وأَخُذُكم إِليَّ، لِتَكونوا أَنتُم أَيضًا حَيثُ أَكونُ أَنا" (يوحنّا 14: 1–3).
فيسوعُ، رأسُ الكنيسةِ، صَعِدَ إلى ملكوتِ الآبِ المَجيدِ، وبهذا سبقَنا إلى الحياةِ الأبديّة، لكي يُهَيِّئَ لنا السَّبيلَ إلى منزلِ الآبِ. فهو لا يَعد فقط بمكان، بل بعلاقةِ شركةٍ أبديةٍ معه، حيث نكون إلى الأبد في حَضرته. هذا ما تُؤكِّدُه الكنيسةُ الكاثوليكيّة في تعليمِها: "إنَّ يسوعَ المسيحَ، رأسَ الكنيسةِ، سبقَنا إلى ملكوتِ الآبِ المَجيد، لكي نَحيا نحن، أعضاءَ جَسَدِهِ، في رَجاءِ أن نَكونَ يومًا مَعهُ إلى الأبد" (التعليم المسيحيّ، رقم 666).
إنَّ هدفَ صُعودِ المسيحِ هو أن نَكونَ حيثُ هو، نَتَمَتَّعُ بِرُؤيَتِهِ، ونُشارِكُهُ المَجدَ. إنَّهُ يَفتحُ لنا بابَ السَّماءِ، ويَرفعُ نظرَنا من الأرضِ إلى العُلى، حتّى نَعيشَ على هذه الأرضِ كأُناسٍ لهم وطنٌ في السَّماءِ (راجع فيلبي 3: 20). وفي هذا السِّياق، يُعلّق القدّيس أوغسطينوس قائلاً: "إنَّ قَلبي يَبقى مُضطَرِبًا، إلى أَن يَستَريحَ فيكَ... يَستَريحَ فيكَ يا الله". إنَّه اشتياقُ القلبِ البشريِّ إلى الوطنِ السماويِّ، حيث يسكنُ الحبيبُ، وهذا ما عبّرت عنه الكاتبةُ الروسيّةُ التأمُّليّة زِنتا مورينا في كتابِها الجميل: "جُذورُنا في السَّماءِ"، حيث تُشير إلى أنَّ أصالتَنا لا تكمُنُ على الأرض، بل في ذاك المكانِ الذي أَعدَّهُ لنا يسوعُ في حضنِ الآب. وبصُعودِهِ، يُظهِرُ لنا يسوع أينَ هُوَ مَنزِلُنا الحقيقيّ، لِنَفهمَ أنَّ الأرضَ ليست سوى مَعبَرٍ مؤقَّتٍ إلى الراحةِ الأبديةِ، كما قال: "في بَيتِ أَبي مَنازِلُ كثيرة» (يوحنّا 14: 2).
رابعًا: كيفَ نَعيشُ روحانيَّةَ عيدِ الصُّعودِ؟
من أَبعادِ عيدِ الصُّعودِ تَنبَعُ رُوحانيَّتُهُ المُتكامِلَةُ، وهي روحانيَّةٌ مُؤسَّسَةٌ على الرَّجاءِ، لأنَّها تَجعلُ المسيحيَّ يَحيا مُنذُ الآنَ في حَقيقَةِ العالَمِ الجَديدِ الَّذي يَملِكُ فيهِ المسيحُ. فَعَلَى المسيحيّين، وهم في انتظارِ تِلكَ السّاعة، أَن يَظلّوا مُتَّحِدينَ بسيِّدِهم المُمجَّد، بِفَضلِ الإيمانِ وأَسرارِ الكنيسةِ. ولذلك يُطالِبُنا الرَّسول بولس قائلًا: "إِذا كُنتُم قد قُمتُم معَ المسيحِ، فاسعَوا إِلى الأُمورِ الَّتي في العُلى، حَيثُ المسيحُ قد جَلَسَ عن يَمينِ الله. فاهتَمُّوا بِما هو في العُلى، لا بِما هو على الأرض، لأَنَّ **حَياتَكُم مُحتَجِبَةٌ معَ المسيحِ في اللهِ" (قولسي 3: 1–3).
فمَدينةُ المؤمنِ الحقيقيِّ كائِنةٌ في السَّماواتِ (فيلبي 3: 20)، والبيتُ السَّماويُّ ينتظرُهُ (2 قورنتس 5: 1)، وهو في الحقيقة المسيحُ المُمَجَّدُ نفسُهُ، كما يقول بولس: "سَيُغَيِّرُ جَسَدَنا الوَضيعَ، فيُجَعِلُه على صُورةِ جَسَدِهِ المُمَجَّد" (فيلبي 3: 21)، وهو "الإنسانُ السَّماويُّ" (1 قورنتس 15: 45–49). لكن، هذه الرّوحانيَّة لا تَدعونا إلى الاِنسِلاخِ عن العالَمِ، بل إلى أن نَحيا فيهِ بطريقةٍ جديدةٍ، كما علَّمَنا المسيح، نُحَرِّكُ العالمَ نَحوَ المجدِ الَّذي يَدعونا اللهُ إليه.
الصُّعودُ عيدُ الاعترافِ بالمسيحِ رَبًّا ومُخلِّصًا. إنَّهُ عيدُ الاعترافِ بالمسيحِ الَّذي ارتَفَعَ ليَجتَذِبَ الجميعَ إليهِ، وليَصلَ إِنجيلُهُ إلى أَقاصي الأَرضِ. ومن هنا، علينا أن نَواصِلَ كَرازَةَ البُشرى كما أَوصانا: "إِنِّي أُولِيتُ كُلَّ سُلطانٍ في السَّماءِ وعلى الأَرض، فاذهَبوا وتَلمِذوا جَميعَ الأُمَم، وعمِّدوهم بِاسْمِ الآبِ والابنِ والرُّوحِ القُدُس، وعلِّموهم أَن يَحفَظوا كُلَّ ما أَوصَيتُكُم به، وها أَنا مَعَكُم طَوالَ الأَيّامِ إلى نِهايةِ العالَم" (متى 28: 18–20). فالتَّلاميذُ لم يَعيشوا كُلَّ الأَيّامِ، لكنَّ الكنيسةَ باقِيَةٌ إلى الأبدِ (أعمال 1: 4–9). وعلينا أن نُعلِنَ اِنتِظارَنا لِمَجيئِهِ الثّاني، لأنَّهُ سيَأتي كما صَعِد. ولهذا، نُردِّدُ في قانون الإيمان: «ونَنتَظِرُ قِيامَةَ الأَمواتِ، وحَياةَ الدَّهرِ الآتي. آمين".
ومع اللِّيتورجيَّا السُّريانيَّة، نَرتِّل:
"يومُ وِلادَتِهِ، فَرِحَت مَريَم؛
يومُ مَماتِهِ، تَزَلزَلَتِ الأَرضُ؛
يومُ قِيامَتِهِ، تَزَعزَعَت ظُلماتُ الجَحيمِ؛
يومُ صُعودِهِ، اِغتَبَطَتِ السَّماوات.
فلِيَتَبارَك صُعودُه!"
ويَقول القدّيس أبيفانوس: "هذا اليومُ هو مَجدُ بَقيَّةِ الأَعيادِ وشَرفُها، لأنَّهُ يَتَّضِحُ أنَّ الرَّبَّ أَكمَلَ في هذا العيدِ عَمَلَ الرّاعي العظيم" (لوقا 15: 4–7). إنَّ الكنيسةَ تدعونا اليومَ لنَحمِلَ مسؤوليَّةَ الشَّهادةِ لرسالةِ الإِنجيلِ، الَّتي ترَكَهَا لنا السَّيِّدُ المسيحُ، وإِعلانِها بِعَونِ الرُّوحِ القُدُسِ وَإِرشادِهِ. فَليُؤَيِّدْنا الرَّبُّ في مَسيرَتِنا، ولْيُثَبِّتْ شَهادَتَنا، كُلٌّ في مَوقعِه، وحَسَبَ طاقَتِهِ، لِنُواصِلَ الرِّسالَةَ الَّتي بَدَأَها يسوعُ، ونَصيرَ لا شهودَ عِيانٍ فَقط كَما الجَماعَةِ المسيحيَّةِ الأولى، بل شُهودًا عنهُ بالإيمانِ، والحُبِّ، والرَّجاءِ.
وفي هذا العَصر، تَزايدَ اضطهادُ المسيحيّين أَكثرَ من أَيِّ عَصرٍ مَضى. لكنَّ العَداءَ، والخَطيئةَ، والخَوفَ، والرُّعبَ، والمعاناةَ، لا تَحمِلُ الكَلِمَةَ الأَخيرة. بل إنَّ المسيحَ الصاعِدَ هو الَّذي سيَعودُ بالمَجدِ والبَهاءِ، ويَفرِضُ سُلطانَهُ على مَمالِكِ هذا العالَمِ.
خامسا: في أيّ مزار يُحيي المؤمنون ذكرى صعود الرب؟
بُني مزار الصعود على قِمّة جبل الزيتون في القدس، حيث يُحيي المؤمنون ذكرى صعود الربّ يسوع إلى السماء. ويَروي الإنجيلي لوقا أنَّ السيّد المسيح، بعد أربعين يومًا من قيامته:"خَرَجَ بِهِم إِلى القُربِ مِن بَيتَ عَنْيا، ورَفَعَ يَدَيهِ فَبارَكَهُم. وبَينَما هو يُبارِكُهم، اِنفَصَلَ عَنهُم ورُفِعَ إِلى السَّماءِ"(لوقا 24: 50–52؛ راجع أعمال الرسل 1: 1–12).
البناء الأول: في سنة 378 م، شيَّدت بومينا، وهي امرأة تقيّة من العائلة الإمبراطورية، كنيسة بيزنطيّة عُرِفَت باسم "إمبومن"، أي "على المرتفع". وقد بُنيت بشكلٍ مستديرٍ ومن دون سقف، كي تُشير إلى الانفتاح على السماء. وكان في وسطها الصخرة المباركة حيث يُقال إن المسيح ترك أثر قدميه الطاهرتين عند الصعود. وقد رُصِفَت الأرضيّة بالفسيفساء.
الهدم والترميم
- سنة 614 م، دَمَّر كسرى، ملك الفُرس، كنيسة الصعود.
- سنة 616 م، رمّمها البطريرك مودستوس.
- وبعد الفتح العربي سنة 638 م، حافظ المسلمون على الكنيسة.
- لكن، في عام 1009 م، أمر الحاكم بأمر الله الفاطمي بهدمها.
العهد الصليبي وما بعده: في القرن الثاني عشر، بنى الصليبيّون كنيسة مثمّنة الشكل على أنقاض ما تهدّم، وجعلوا في وسطها بناءً مستديرًا يحتوي على مذبح تحتَه الصخرة الدالّة على موضع صعود الرب. لكن، في سنة 1187 م، هدم صلاح الدين الأيوبي الكنيسة، ولم يُبقِ سوى المزار المثمّن الشكل الذي لا يزال قائمًا حتى اليوم. وفي سنة 1198 م، تحوّلت ممتلكات الكنيسة إلى وقفٍ إسلاميّ. ثمّ أقام المسلمون قبّة فوق المزار عام 1200 م، ولم يُوضَع فوقها صليبٌ ولا هلالٌ، بل عمودٌ رخاميّ يُشير إلى أنّ هذا المكان هو بيت صلاة لجميع المؤمنين. ويؤيّد القرآن الكريم رواية الصعود، بقوله: "إِذْ قالَ اللهُ: يا عيسى، إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ" (سورة آل عمران، الآية 55).
إحياء الذكرى: في كل سنة، يتوجّه الآباء الفرنسيسكان ومعهم الطوائف المسيحية الأُخرى – الروم الأرثوذكس، والأرمن، والأقباط، والسريان – إلى هذا المقام المقدّس في عشية عيد الصعود، حيث يقضون الليل هناك تحت الخيام. وفي صباح العيد، يتجمّع المؤمنون للاحتفال بالقداس الإلهيّ، وتلاوة التسابيح، وصلوات المزامير، في أجواء من الخشوع والفرح الرّوحي.
يقول القديس أوغسطينوس متأمّلًا: "هنا عاشَ المسيحُ. وهنا آثارُ قَدَميهِ الطاهرتين. فلنُؤَدِّ له الإكرام حيث أراد أن يَقف في المكان الأخير. ومِنهُ صعد إلى السماء، وأرسل تلاميذَه إلى العالم". ونختم بما وعدنا به الرّبّ يسوع: "وها أَنا معَكُم طَوالَ الأَيّامِ، إِلى نِهايةِ العالَم" (متى 28: 20).
خُلاصة
ويَحمِلُ صُعودُ المسيحِ ثلاثَةَ أَبعادٍ رئيسيّة: تَمجيدُهُ: بصُعودِهِ، عادَ الابنُ إلى المَجدِ الَّذي له مِنذُ الأزلِ عِندَ الآبِ (راجع يوحنّا 17: 5). فالمَجدُ هو سِرُّ حَقيقةِ كَينونةِ المسيحِ الإلهيّةِ. تَسامِيهِ على الكَونِ: بَصُعودِهِ، أَظهَرَ يسوعُ سُلطانَهُ على كُلِّ خَليقَةٍ، وجَلَسَ عن يَمينِ الآبِ، أي في مركزِ القُوَّةِ والمَجدِ والسِّيادَةِ الكونيّةِ (راجع أفسس 1: 20-23). تَمهيدٌ لِعودَتِهِ: صُعودُ المسيحِ لا يَعني غِيابَهُ، بَل هو تَهيِئَةٌ لِعودَتِهِ المَجيدَةِ في نِهايَةِ الزَّمانِ، كما وَعَدَ المَلَكُ الرُّسُلَ: «سَيَأتي كما رَأَيتُموهُ ذاهبًا» (أعمال 1: 11).
تَحتفِلُ الكنيسةُ بِعيدِ الصُّعودِ لأنَّهُ تَتويجٌ لِسِرِّ الخَلاصِ، وبَدءُ الرَّجاءِ الإِسكاتولوجيّ في المَجدِ الأبديِّ.
أوّلًا: نَفرَحُ لأنَّ الَّذي نَزَلَ هو الَّذي صَعِدَ.
تحتفلُ الكنيسةُ بعيدِ الصُّعودِ لِنَفرَحَ، لأنَّ الَّذي نَزَلَ مِنَ السَّماءِ لأَجلِ خَلاصِنا، هو نَفسُهُ الَّذي صَعِدَ أَيضًا فَوقَ جَميعِ السَّماواتِ، لِيَملِكَ على الأُمَمِ، كَما جاء في المزمور: "اللهُ يَجلِسُ على عَرشِ قُدسِهِ» (مزمور 47: 8)، و"الَّذي نَزَلَ هو نَفسُهُ الَّذي صَعِدَ فَوقَ السَّماواتِ كُلِّها، لِيَملأَ كُلَّ شيءٍ" (أفسس 4: 9–10). ولهذا، تُطالِبُنا الكنيسةُ أن نُجدِّدَ إيمانَنا كُلّما نَتلو قانونَ الإيمانِ، قائلين: "وَصَعِدَ إلى السَّماءِ، وَجَلَسَ عن يَمينِ الآب". هذا هو إيمانُ الرُّسُلِ، وإيمانُ الكنيسةِ الأولى، وهو أيضًا إيمانُنا اليوم.
ثانيًا: نُمجِّدُهُ لأنَّهُ أصعَدَ طبيعتَنا معه
تَحتفِلُ الكنيسةُ بعيدِ الصُّعودِ لِتُمَجِّدَ الرَّبَّ، الَّذي أَنهَضَ طبيعتَنا السّاقِطَةَ، وأَصعَدَنا وأَجلَسَنا معهُ في السَّماويّاتِ: "وأَقامَنا معه، وأَجلَسَنا معهُ في السَّماواتِ في المسيحِ يسوعَ" (أفسس 2: 6). وكما قال القديس أوغسطينوس: "اليوم صَعِدَ رَبُّنا يسوعُ المسيحُ إلى السَّماءِ. فَلْيَصعَدْ قَلبُنا معهُ. مع كَونِهِ هناك، هو معنا هنا أَيضًا. ونحن، مع كَونِنا هنا، نَحنُ معهُ هناك. رُفِعَ فَوقَ السَّماواتِ، وَلَكِنَّهُ ما زالَ يَتَأَلَّمُ على الأَرضِ بِكُلِّ أَلَمٍ نَشعُرُ به، نحنُ أَعضاءُهُ. لأنَّهُ هُو الرَّأسُ، ونحنُ جَسَدُهُ" (PLS 2: 494).. فعيدُ الصُّعودِ هو امتدادٌ لِرِسالَةِ يسوعَ وتعاليمِهِ، لأنَّهُ رأسُ الجَسَدِ، أي الكنيسةِ، ونحن أَعضاءُ هذا الجَسَدِ: "فأَنتُم جَسَدُ المسيحِ، وكُلُّ واحِدٍ مِنكُم عُضوٌ مِنه» (1 قورنتس 12: 27)،"وإِذا عَمِلْنا لِلحَقِّ بِالمَحبَّةِ، نَمَونا وتَقدَّمْنا في جَميعِ الوُجوهِ نَحوَ ذاكَ الَّذي هو الرَّأس، نَحوَ المسيح" (أفسس 4: 15).
ثالثًا: نَتَهيَّأُ لِمَجيئِهِ
تحتفلُ الكنيسةُ بعيدِ الصُّعودِ لكي تُهَيِّئَ نُفوسَنا لاستِقبالِهِ في مَجيئِهِ الثّاني: "إِنَّ يسوعَ هذا الَّذي ارتَفَعَ عَنكُم إلى السَّماءِ، سَيَعودُ كما رَأَيتُموهُ ذاهبًا إلى السَّماءِ» (أعمال 1: 11)، "فإِنَّ ابنَ الإنسانِ سيجيئ في مَجدِ أَبيهِ، ويُجازي كُلَّ واحدٍ على أَعمالِه" (متى 16: 27). ولهذا تُطفئُ الكنيسةُ الشَّمعةَ الفِصحيَّة، القائمةَ منذ أربعينَ يومًا بجانبِ المَذبحِ، وتَضعُها قُربَ جَرنِ المَعموديَّة، حيثُ تُضاءُ في احتِفالاتِ المَعموديَّة، لأنَّها تُشيرُ إلى أنَّ يسوعَ، نورَ العالَمِ، قد صَعِدَ وغابَ عن أنظارِنا، ولكنَّهُ ما زالَ حاضِرًا بنِعمتِهِ، وخاصَّةً في القُربانِ الأَقدسِ، تحتَ شَكلي الخُبزِ والخَمرِ. فَعِيدُ الصُّعودِ هو عيدُ الرَّجاء، والشَّرِكة، والمَجدِ. هو تَذكِيرٌ بِأنَّ لنا وطنًا في السَّماءِ، وأنَّ رأسَنا قد سَبقَنا، ونحنُ نَسيرُ على خُطاه، لِنَبلُغَ إليه، ونَستَقِرَّ حيثُ هُو، في حَضرَةِ الآبِ، في نُورِ المَجدِ الأبديِّ.
صَلاةٌ في عيدِ الصُّعودِ
يا يسوعَنا القائمَ والصَّاعِدَ إلى السَّماءِ،
نُؤمِنُ أنَّكَ لم تَتْرُكْنا يتامى،
بل صَعِدتَ أمامَنا لِتُعِدَّ لَنا مَكانًا،
وتُعلِّمَنا أن نَرفَعَ عُيونَنا نَحوَ العُلى،
حَيثُ المَجدُ، وحَيثُ أَنتَ،
رَأسُ الكنيسةِ، والمُقيمُ عن يَمينِ الآبِ.
يا مَنِ اجتَزتَ السَّماواتِ لِتَشفَعَ فينا،
اجعَلْ قُلوبَنا مُتَّحِدَةً بِكَ،
وثبِّتنا في الإِيمانِ، والرَّجاءِ، والمحبَّة.
هَبْ لَنا أن نَطلُبَ ما هو في العُلى، لا ما هو على الأرض.
ذَكِّرنا دائِمًا أَنَّ وَطنَنا في السَّماءِ،
وأَنَّكَ تَنتظِرُنا هُناك.
أيُّها الرَّبُّ المُـمَجَّد،
أَرسِلْ لَنا رُوحَكَ القُدُوس،
لِنُكمِلَ رِسالَتَكَ في العالَم،
نُبَشِّرَ بِكَ، ونَخدُمَ إِخْوَتَنا،
ونَشهَدَ لِلحَقِّ بِحَياتِنا.
يا يسوع، رَجاؤُنا،
قَوِّنا في وَجهِ الاضطِهادِ، والعُنفِ، واليَأس،
وذَكِّرْنا أَنَّكَ الآتي في المَجد،
لِتُقيمَ العَدل، وتُعيدَ الخَليقَةَ إلى أَبيها.
يا ربّ،
صُعودُكَ لم يُبعِدْكَ عنّا
بَل قَرَّبَنا إليكَ أَكثر،
فاجعَلْنا شُهَداءَ لِحُضورِكَ،
حَتّى تَجيءَ في مَجدِكَ،
فَتَجعَلَنا مَعَكَ، حَيثُ تَكونُ، إِلى الأبد. آمين.