موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الإثنين، ١٨ ديسمبر / كانون الأول ٢٠٢٣

مسيرة القديس فرنسيس نحو مغارة جريتشو

بقلم :
الراهب بولس رزق الفرنسيسكاني - مصر
مسيرة القديس فرنسيس نحو مغارة جريتشو

مسيرة القديس فرنسيس نحو مغارة جريتشو

 

في ظل الاحتفالات بمناسبة الذكرى المئوية الثامنة لمغارة جريتشو1223- 2023م نرى ونكتشف أن مسيرة عمل المغارة ليس فقط يومين أو ثلاثة أيام في إتمامها بل استغرقت وقتا طويلا لكي يعيش هذه الخبرة الرائعة لكي يري الطفل يسوع أمام عينه فى المذود ويحتفل به بنوع خاص ومميز.

 

بدأت مسيرة القديس فرنسيس عندما جاء إلى مصر عام 1219 مع الحملة الصليبية الخامسة وقد حضر إلى دمياط  وطلب من المندوب البابويّ الموافقه بالتوجه إلى معسكر المسلمين انطلاقا من لحظة موافقة بعد إلحاح منه ولكن على مسؤوليته الشخصية وقد تقابل مع السلطان الأيوبي "الكامل محمد بن العادل أبي بكر" جاء يحمل السلام في ظل الحروب لأنه عاش خبرة سابقة وهي خبرة الحرب بين أسيزي وبيروجيا عندما تم أسره ولمدة عام في السجن.

 

وبعد زيارته إلى مصر أنطلق نحو مدنية القدس، حيث ولد يسوع في بيت لحم اليهودية، والملائكة التي تهللت وسبحت عمانوئيل أي الله معنا الذي تجسدا وسكن بينا. ومن هنا يعيش خبرة جديدة بقيادة عمل الله في داخله لذلك أراد يختبر خبرة الميلاد ويدخل في عمق المغارة ويتأمل في عمل الله الخلاصي. وعندما ندخل مدينة بيت لحم نرى مغارة الميلاد ونفس المنطقة مغارة القديس جيروم الذي كرس حياته للكتاب المقدس حين قال:"من يجهل الكتاب المقدس يجهل يسوع".

 

فالقديس فرنسيس هو أيضا رجل الإنجيل لذلك عندما تأمل في مغارة بيت لحم كان يشتعل بداخله نار الحب الإلهي وكان قلبه مفعما بالغيرة الرسولية والعمل وأن يعيش خبرة الرعاة والمجوس حيت اختبروا ورآه الحب الإلهي المتجسد، أي يسوع المسيح الكلمة. والعهد الذي قطعه الله مع شعبه المختار وهذا العهد اكتمل في يسوع المسيح الابن الكلمة وتحقيق كل نبوآت العهد القديم.

 

لذلك حمل كلمة الله في قلبه وأيضا السلام من قلب مغارة بيت لحم، وهذه الخبرة استغرقت زمنا من الوقت لأن عندما رجع إلى إيطاليا، كتب لنا القانون الذي مصدره هو الكتاب المقدس وأحتفل بميلاد الرب في مغارة لكي يعيش خبرة الميلاد التي كانت في بيت لحم ليس لنفسه فقط بل يقدم هذه الخبرة للعالم، لذلك حتى الآن نقوم بعمل مغارة سنويا في كنائسنا وبيوتنا.

 

هذه المسيرة التي قام بها القديس فرنسيس إلى الشرق حمل في قلبه كنزا من الخبرات الروحية والنعم والبركات.

 

حمل في قلبه خبرة شعب الله المتألم في الحروب. حمل في قلبه معاناة هذا الشعب وقدم هذه الصعوبات للطفل يسوع على مثال المجوس الذين قدموا الهداية.

 

حمل في قلبه حياة وخبرات القديسين الذين سكنوا في البراي والصحراء وخاصة مدينة بيت لحم.

 

حمل في قلبه خبرة رجال الله القديسين الذين كتبوا لنا الكتاب المقدس بإلهام من الروح القدس.

 

حمل في قلبه خبرة التلاميذ الأوائل.

 

حمل في قلبه جذور المسيحية إلى العالم الأوروبي.

 

حمل في قلبه خبرة جماعة الكنيسة الأولى.

 

حمل في قلبه صوت يوحنا المعمدان الذي كان يعد طريق الرب هكذا فعل القديس فرنسيس في إعداد المغارة. وقلوب الشعب إلى التوبة ويقول في نهاية نشيد المخلوقات :"الويل لمن يموتون في الخطايا المميتة وطوبى لمن يجدهم في إرادتك الكلية القداسة".

 

حمل في قلبه خبرة التلاميذ في إعداد وتحضيرالعشاء الأخير الذي تم في عليه صهيون.

 

حمل في قلبه خبرة العلية والعنصرة. يكتب لنا  في وصيته "هكذا أعطاني الرب أنا الأخ فرنسيس. بعدئذ أعطاني الرب ولا يزال يُعطيني. وبعد أن أعطاني الرب إخوة لم يدلني أحد إلى ما يتوجب عليَّ عملهُ. هذه المصطلحات يدل على قيادة الروح القدس له وهو يصغي إلى عمل الروح على مثال التلاميذ.

 

بعد هذه الخبرة التي قضاها القديس فرنسيس في الشرق الأوسط وخاصة الأراضي المقدسة.

 

وهذه الرحلة التي استغرقت وقتًا طويلًا عاد إلى إيطاليا وقلبه ممتلئ من الخبرات الروحية وهذا انعكس في حياته اليومية في عمل المغارة والقانون الرهباني.

 

وهذه المسيرة لها دور إيجابي:

 

أولا: وضع السلام في الحروب الإفرنجية وخدمة الرهبان الفرنسيسكان بمصر والأراضي المقدسة حتى الآن نخدم هذه الدول. والقديس فرنسيس هو أول من صنع الحوار بين الشرق الغرب أي بين المسيحية والإسلام. ويطلق عليه رجل السلام.

 

ثانيا: الرهبنة الفرنسيسكانية لها الفضل في البقاء والحفاظ على شعب الكنيسة الكاثوليكية بمصروالأراضي المقدسة لأن عيون الرهبان دائما تسهر على الشعب والأماكن المقدسة. وامام هذا الحفاظ على الأماكن والشعب قدمت الرهبنة الفرنسيسكانية شهداء على مر التاريخ الرهباني.

 

ثالثا: في عام 1223 وقبل 15 يوما من عيد الميلاد، طلب القديس فرنسيس من رجل يدعى يوحنا المساعدة في تحقيق عمل المغارة، قائلا: «أرغب بأن أمثل حدث الطفل المولود في بيت لحم لأرى بعيني المصاعب التي أحاطت بولادته وكيف أشجع في مزود ونام على التبن بين ثور وحمار». وبعدما استمع إليه صديقه المؤمن، ذهب على الفور ليهيئ المكان حسب رغبة القديس فرنسيس.

 

وفي 25 ديسمبر/ كانون الأول، جاء عددا كبيرا من الرهبان من مناطق مختلفة مع رجال ونساء كانوا يحملون ورودا ومشاعل لتضيء تلك الليلة المقدسة، ففرح المؤمنون الذين أتوا إلى هناك فرحا عظيما لم يشعروا به في السابق. في تلك المناسبة، لم تكن هناك تماثيل، بل كانت المغارة حية بالحاضرين. ارتدت ملابس القداس التي تخص الدرجة الإنجيلية وقراء الإنجيل المقدس، موضحا الصلة بين تجسد ابن الله وسر الإفخارستيا، ويقدم فعل الشكر لله في صلاته "ونشكرك لأنك مثلما خلقنا بابنك كذلك بحبك القدوس الذي به أحببتنا، جعلته يولد إله حقا وإنسانا حقا. ويكتب لنا في الرسالة إلى كل الرهبنة رقم (27)" يا للعلو العجيب والمكانة المذهلة يا للتواضع السامي ويا للسمو المتواضع أن ستضع رب الكون الله وابن الله بحيث يتوارى من أجل خلاصنا تحت شكل الخبز البسيط". ومن هذا المنطلق يجعل من سر التجسد هو سر الإفخارستيا المستمر على وحسب قول الرب "خذوا كلوا هذا هو جسدي".

 

ويقول البابا فرنسيس في رسالته عام 2019 عن المغارة هي“علامة رائعة” حول معنى مغارة الميلاد وقيمتها مشيرا إلى أن المغارة هي بمثابة إنجيل حي لأنها تحمل الإنجيل إلى البيئات التي يعيش فيها الناس: البيوت، المدارس وأماكن العمل والتلاقي، والمستشفيات والسجون والساحات. إن مغارة الميلاد تذكّرنا بأن الله لم يبقَ غير منظور في السماء، بل جاء إلى هذه الأرض، وصار إنساناً. وأضاف أن صنع المغارة يعني الاحتفال بقرب الله: الاكتشاف أن الله حقيقي، ملموس، حي وقلبه نابض. الله ليس رباً أو قاضيا بعيداً، إنه محبة متواضعة نزلت إلينا. كما أن الطفل في المغارة ينقل إلينا حنانه". ونطلب من طفل المغارة أن يولد فينا لكي نتجدد بالحياة الروحية.