موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ٢١ مارس / آذار ٢٠٢٤

الحياة الروحية وأرض التيه

بقلم :
الراهب بولس رزق الفرنسيسكاني - مصر
الحياة الروحية وأرض التيه

الحياة الروحية وأرض التيه

 

"ثُمَّ تَحَوَّلْنَا وَارْتَحَلْنَا إِلَى الْبَرِّيَّةِ عَلَى طَرِيقِ بَحْرِ سُوفَ كَمَا كَلَّمَنِي الرَّبُّ، وَدُرْنَا بِجَبَلِ سِعِيرَ أَيَّامًا كَثِيرَةً. ثُمَّ كَلَّمَنِي الرَّبُّ قَائِلًا:كَفَاكُمْ دَوَرَانٌ بِهذَا الْجَبَلِ. تَحَوَّلُوا نَحْوَ الشِّمَالِ."(تث 2: 1- 3).

 

يرجع إلى هذا الاسم إلى بلاد التيه أو منطقة التيه تقع وسط سيناء، أغلب سكان هذه المنطقة هم من قبيلة التقاها وهى محافظة شمال سيناء ويظهر في هذه المنطقة هضبة التيه الجيرية وسميت بهذا الاسم نسبة لخروج بني إسرائيل من مصر وتاهوا بعد ذلك في هذه المنطقة في طريقهم نحو أرض الموعد.

 

الحياة الروحية هي مصدر حياة الإنسان ومسيرته مع الله، وهي تشبه مسيرة شعب بني إسرائيل في مرحلة الخروج والوصول إلى أرض الموعد، وفي وسط الطريق دخلوا في أرض التيه، ونحن في زمن الصوم الأربعيني حيث نصل نحو الفصح المقدس. ومن خلال الترك العالم الخارجي والدخول في عالم الله علينا أن نسلك طريقا قد يكون فيه أشواك وبمعنى آخر ندخل في أرض التيه وعندما نخرج منها ليس بقوتنا فقط بل بيد الله فكل إنسان له تاريخ خاص به في تعامله مع الله.

 

خبرة شعب بني إسرائيل فى الخروج "هوالخلاص الداخلي الذي بلغ ذروته في السر الفصحى". إن إعادة قراءة الكتاب المقدس من خلال دوافع "الرحلة" تساعد على فهم أهمية الحوار مع الله من أجل تحقيق عناية الله لشعبه.

 

قد نجد الخروج حسب مفهوم القديس أفراهات من آباء الكنيسة عندما يقوم بعمل مقارنة حول خروج شعب بني إسرائيل والفصح المسيحي. "في الفصح هرب اليهود من عبودية فرعون، ونحن قد تحررنا في يوم الصلب من عبودية إبليس. لقد ذبحوا حملا وتحرروا بدمه من المنتقم، بينما نتحرر نحن من أعمال الفساد التي عملناها من خلال دم الابن المحبوب جدا. كان لديهم موسى قائدا، ونحن لنا يسوع رأسنا ومخلصنا. لقد شق موسى البحر لأجلهم ويجعلهم يعبرون فيه، وفتح مخلصنا الجحيم وحطم أبوابها عندما نزل إليها وفتحها ورسم الطريق لكل من يؤمنون به". هذه الطريق التي رسمها لنا الله من خلال الابن الكلمة لكي نصل إلى القداسة

 

وهكذا الله فعل مع بني إسرائيل لكي يصلوا إلى أرض الموعد وفي طريقهم دخلوا في أرض التيه أي هي البعد عن الله بسبب الخطية وفي مسيرتنا نحو القداسة قد ندخل مرات في أرض التيه.

 

أرض التيه هي ليس فقط الأرض التي دخلوا فيها شعب بني إسرائيل بل كل إنسان دخل فيها بطرق مختلفة. فأرض التيه هي البعد عن الله والعودة إليه لكي ندخل أرض الميعاد.

 

وأول من دخل أرض التيه هو آدم عندما فقد البوصله مع الله لذلك قد دعاه و قال له أين أنت؟ هكذا نفس الصوت عندما قال الله لشعب بني إسرائيل كفاية دوران حول هذا الجبل. فكل إنسان له أرض التيه مع الرغم أن يسوع رسم لنا طريق الخلاص. ورجال الله القديسين دخلوا في هذه المرحلة وهي يطلق عليها مرحلة الفتور الروحي.

 

أرض التيه هي البعد عن الله.

أرض التيه هي البعد عن ممارسة الأسرار المقدسة.

أرض التيه هي عدم الغفران والبعد عن محبة الأخوة.

أرض التيه هي خارجة عن الصداقة الإلهية.

أرض التيه هي البعد عن محبة الله.

أرض التيه هي انغماس في الخطية.

أرض التيه هي الموت أي الإنسان بعيد عن الله.

أرض التيه هو التمسك بالمال وشهوات العالم.

 

أرض التيه هي حياة الإنسان بدون الروح وهي تشبه العظام اليابسة عند حزقيال النبي. إذ يجب علينا أن نخرج من هذه الأرض بقيادة الروح القدس هو الذي يقودنا إلى الصلاة وهي تصبح صلة بين الله والإنسان بالروح القدس وهو مبدأ الحياة الجديدة. ومن خلال الروح القدس تظهر حياة وأعمال الإنسان الجديد، ونتقدم في جميع الفضائل المسيحية. أرض التيه تجعلنا من الفقراء الذين يبحثون عن الغني أي غني في الحياة الروحية نجد أنفسنا في السعي إلى القداسة والبحث عن المياه التي هي مصدرها يسوع المسيح. كما يقول القديس بولس الرسول: "إن الروح القدس يشفع لنا أو ويعمل فينا" بأنات لا توصف" فالروح يصلي فينا بنوع خفي دون رنات الصوت.

 

وعندما نرجع إلى العهد القديم نجد يهوه يستمع إلى صرخة المظلومين (خر 2: 23- 25) وينطلق معهم. الجانب الحاسم هو الرابط الذي لا ينفصم الذي خلقه الله بين هويته وهوية إسرائيل من خلال مهمة موسى" المتجولة "(خر3: 14- 15). إن إله إسرائيل لا يختار أمة قوية، بل يحول بنو إسرائيل، العبيد اليائسين و"المجهولين"، إلى"أمة مقدسة" إلى شعب متنقل. مهمة إسرائيل هي"الاستماع، الإيمان" بموسى كما أرسله الله، وتجربة رحلة التحرير تحت حماية يهوه. فالله دائما مع المظلومين والضعفاء ومع الخطأ فهو ينتظرنا في نهاية أرض التيه وعندما ندخل مكان الالتقاء بالله ندخل في عالم غير محدود.

 

في قصة الخروج تبدأ الرحلة بالاحتفال بالفصح الأول (الاستعداد للرحيل). أثناء رحلة الحج الطويلة في الصحراء، يطلب الله الثقة الكاملة من شعب بني إسرائيل. وتصبح تجربة الرحلة اكتشافا لرفقة يهوه، الذي يكشف عن نفسه بأنه" طبيب "وفي قلب كل يهودي ستبقى دائما ذكرى مسيرة شعب بني إسرائيل. والإنسان المسيحي عندما يخرج من أرض التيه يسلك سلم النمو الروحي الذي رسمه لنا القديس يوحنا الدرجي وهو يتكون ثلاثين درجة لكي نصل إلى الكمال الروحي، ومن ضمن النقاط هي: "ضرورةِ تَركِ العالَـم وعدَمُ التَّعَلُّقِ بشيءٍ مِـمّا فيه، فضيلة التّمييز، تـمييز الأفكار والأهواء والفضائل" وفي قلب أرض التيه الله موجود ولكن مع الصعوبات والألم لا ننظر إليه لأن هموم الحياة ومشاكلها تجعلنا لا نرى الله في تلك الأوقات. أذن علينا أن نترك أرض التيه لكي نلقي همومنا على الله الذي يقودنا ونسمع صوته على مثال شعب بني إسرائيل كفايكم دوران حول هذا الجبل.

 

وقبل وصولهم إلى أرض التيه كان لديهم الفصح وبعد الاحتفال انطلقوا نحو البرية حيث هناك الله اهتم بهم من خلال عمود الغمام والمياه من الصخر وسرعان ما فقد هذه النعمة والعطايا التي من الله ودخلوا في أرض التيه إي في انشغالات العالم الأرضي هكذا الإنسان المسيحي عندما يفقد الحياة الروحية يدخل في دائرة أرض التيه.

 

عندما نترك أرض التيه وندخل الحياة الروحية نصعد على جبل التجلي حيث نسمع صوت الله على مثال موسى وإيليا. وعندما نتحد مع يسوع ندخل في العليا مع التلاميذ حيث تم العشاء الأخير.

 

ندخل في عرس قانا الجليل حيث تكون معنا مريم العذراء.

نصعد إلى جبل طابور حيث حسن يا رب أن نمكث هنا.

ندخل هيكل أورشليم لكي نصبح نحن الهيكل الروحي الجديد.

ننتظر على بحرية طبرية لكي نتقابل مع يسوع القائم.

نسير على طريق عماوس حيث يسوع يشرح لنا الكتب.

نطلب منك يا الله ان تعطينا قوة لكي نسير في درب القداسة.