موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الإثنين، ٤ مايو / أيار ٢٠٢٠

مريم.. وردة عطرها المسيح المتجسد والقائم

بقلم :
الأب سامر حداد - القدس
مريمُ العذراء وردة عِطرُها المسيحُ المُتَجَسد والقائمُ مِن بينِ الاموات

مريمُ العذراء وردة عِطرُها المسيحُ المُتَجَسد والقائمُ مِن بينِ الاموات

 

لا تزال ذاكرتنا قوية ليوم خميس الأسرار عندما أَدرَكَ المعَلم الحبيب يسوع أنَّ ساعةَ الفُراقِ قد حانت فبدء بوضع أُسس جديدة لحضوره بيننا مِن خِلال جسدهِ ودمِهِ في روعة كهنوتهِ المقدس عطراً يفوحُ عبيرهُ الحب والسلام والتضامن. واستمر يسوع في تثبيتِ الأُسُسِ الجديدة لحضورهِ بيننا لآخرِ لحظة وهو على الصليب حيثُ وقفت أُمُهُ بقربِ الصليب متظامنةً معهُ ومعَ مشروعهِ الخلاصي لنشرِ الحبِ والسلام. انفردَ يوحنا الحبيب في بشارتهِ الفصل (19: 25-27) بذكر حضور أُمِّ يسوع بقربهِ عندَ الصليب: "هُناكَ عِندَ صَليبِ يسوع، وقَفَت أُمُّهُ، وأختُ أُمُّه مريم قلوبا، ومريم المجدلية. فرأى يسوعُ أُمَّهُ وإلى جانِبها التِّلميذُ الحَبيبُ إليه. فقالَ لأُمِّه: "أيَّتها المَرأة، هذا ابنُكِ". ثمَّ قالَ لِلتِّلميذ: "هذه أُمُّكَ ". ومُنذُ تِلكَ السَّعةِ استَقبَلَها التِّلميذ في بينِه.

 

أوكلَنا يسوع قبلَ مُغادَرَتِهِ هذا العالم إلى أُمِّهِ مريم العذراء لتَستَمرَ في تثبيتِ مشروعِهِ الخلاصي في العالم أي أن تَستَمرَ في إظاهرِ نِعَمِهِ الخلاصيةِ للبشر، فولادة مريم العذراء ليسوع لم تتوقَف بل يتمُ التذكيرُ بها في كُلِّ مَرَة يُسمَعُ فيها صدى كَلماتِ بشارة الملاك لها" السلام عليك يا مريم يا ممتلئة نعمة"، فالسلامُ جاءَ لمريم العذراء شُعاعَ نعمةِ تجسُدِ يسوع في أحشائها، ولذلكَ على كُلِّ مَن يتلوا كلماتِ البشارةِ هذهِ أن ينشُرَ سلامَ المسيحِ ومشروعَهُ الخلاصي حيثُما يكون. فكرامة وتكريم مريم العذراء أُم يسوع هي مِنْ كرامَةِ وقداسة وتكريم مشروعِ يسوع الخلاصي واستمراريته.

 

في كُلِّ مرةٍ يَتِمُ فيها صلاة المسبحة والتي هي عبارة عن تكرار كلماتِ الملاك فإنَّهُ فعلِّيا يستمرُ بذلكَ مشهدُ تجسدِ يسوع في الحاضرِ الذي نحنُ فيه، فجوهر صلاة المسبحة حقيقةً هو لإظاهر حقيقة أنَّ سِرَّ التجسُد لايزالُ عِطرُهُ يفوحُ بيننا، لذلك عنونا هذا المقال بقولِ أنَّ العذراء وردةً تفوحُ منها رائحةُ عِطرِ المسيح المتجسد والقائم مِن بينِ الأموات، ففي كُلِّ مرة ننظرُ فيها لجمالِ روحِ ورسالةِ مريم أُمِّ المسيح يجبُ أن نستحضرَ نِعَمَ تجسُد وموت وقيامة المسيح وفي هذا تكمن حقيقة تكريم وكرامة مريم العذراء، فمريم العذراء تقودنا الى المسيح وتَلِدُنا في عُمقِ رسالتهِ في هذا العالم. مريم العذراء تَتكرم وتطوبها جميعُ الاجيال عندما تعكس صورة حضور المتَجسدِ في أحشائها، وفي محبتنا وتكريمنا لها يستمر يسوع في توزيعِ نِعَمِهِ مِن خلالها فهي التي وهبتهُ دماً مِن دَمها ولحماً مِن لحمها. مريم العذراء نالت نِعمَةً بأنَّها الوحيدة في البشرية التي اتحدت بيسوع دماً ولحماً.

 

مريم العذراء هي النموذج لكُلِّ إنسان في استمرارية حضور الله في هذا العالم، فهي التي قَبِلت يسوع في أحشائها وأعطته للعالم. وكلٌ منَّا على مثال مريم العذراء، فنحن نذهب للاتحاد بجسدِ ودمِ يسوع في الإفخارستيا ونقبلهُ في أحشائنا كما قَبِلتهُ هي، ويجب علينا أنْ نَعطيهُ للعالم كما ولدته للعالم. هذهِ الرسالة تستمر ليستمرَ حضور الله في كُلِّ مكان نذهبُ إليهِ ومعَ كُلِّ شخص نلتقي به. إذاً، نحن على مثال العذراء التي أَعطت ليسوع حضورًا مرئيًّا جسديًّا مِن خِلال الدم واللحم، ونحن أيضاً نُعطي حضورًا مرئيًّا ليسوع صورة الله فينا حضوراً شاهداً فعَّالاً للحُبِ والخيرِ والسلام مِن خِلال تجسده في أحشائنا عند اتحادنا به في الافخارستيا، واتحادُنا معهُ في أعمالنا وشهادة حياتنا تُظهِر حضورَ الله بيسوع المسيح الذي قال بحسب إنجيل متى 5: 16 "هكذا فَلْيُضِئْ نُورُكُم لِلنَّاس، لِيَرَوْا أَعمالَكُمُ الصَّالحة، فيُمَجِّدوا أَباكُمُ الَّذي في السَّمَوات".

 

وأخيراً، إذا انحرفَ تكريمنا لمريمِ العذراء الى تجريدها مِن رسالتِها في اعطاءِ المسيح إلى تكريمِ شخصها وفصلِها عَنِ المسيح الذي وهبها دوراً جميلاً في تاريخ الخلاص، فإنَنا نَبيتُ كالوثنين الذين جَرَدوا الإلهَ الحقيقي مِن معناه فجَمُدَت عِبادتهم.