موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ٣٠ مايو / أيار ٢٠٢٠

روحُ الله كُلُّ شيءٍ في كُلِّ شيء

بقلم :
الأب سامر حداد - القدس
إنَّ روحَ الربِّ هي كُلُّ شيءٍ في كُلِّ شيء

إنَّ روحَ الربِّ هي كُلُّ شيءٍ في كُلِّ شيء

 

إنَّ الله روحٌ حق وهو بديةٌ لِكلِّ شئ، فهكذا بدأت القصة في الكتاب المقدس:

 

في العهدِ القديم

 

في الفصلِ الأول مِنْ سفرِّ التكوين الآية الأولى: "في البدءِ خَلَقَ اللهُ السمواتِ والأرض وكانتِ الأرضُ خاوية خالية وعلى وجهِ الغَمْرِ ظلام وروحُ اللهِ يرفُ على وجهِ المياه". هذا مشهد بداية خلق الكون بحسبِ سفرّ التكوين وكانت بحضور روحِ الله فكان الله وبروحهِ يُشكِلُ كُلَّ شيء.

 

في روايةِ خلقِ الله للإنسان في سفرِّ التكوين الفصل الثاني الآية السابعة: "وجبلَ الربُّ الإلهُ الإنسانَ ترابًا مِنَ الأرض ونفخ في أنفهِ نسمةَ حياة، فصارَ الإنسانُ نفسًا حية". وهنا أيضاً بداية خلق الإنسان كانت بنفخة مِنْ روح الله، روح الله تهبُ نسمة حياة.

 

في أسفار الأنبياء كانت روحُ الربّ تتكلم بالانبياء وكانت بداية كُلّ نبوءة عن حياة جديدة تتم بروحِ الربَّ ففي سفرّ حزقيال النبي الفصل 36: 26 "وأُعطيكُم قلباً جديداً وأجعلُ في أحشاءِكُم روحًا جديدًا وأنزعُ مِنْ لحمِكم قلبَ الحَجَر، وأعطيكم قلباً مِنْ لحم، وأجعلُ روحي في أحشائِكُم وأجعَلُكم تسيرونَ على فرائضي وتحفظون أحكامي وتعملونَ بها". وأيضا في نفس سفرِّ حزقيال النبي الفصل 37: 1 "وكانت عليَّ يدُ الربِّ، فأخرجني بروحِ الربّ". وفي سفر يوئيل ومعنى الاسم(هو الربّ) الفصل الثالث، فيضُ الروحِ ويومُ الربّ لزمنٍ جديد يتحركُ كلُّ شيء فيه بروح الربّ.

 

في العهد الجديدة

 

في البداية روحُ الربِّ يحلُّ في أحشاء مريم العذراء لينطق حشاها بكلمةِ الربِّ أي يسوع المسيح. وأيضًا تبدأ حياة يسوع المسيح كلمةُ الله بروحِ الربّ عليه في العِمادِ في إنجيل متى الفصل الثاث الآية 16: "واعتمدَ يسوعُ وخرجَ لوقتهِ مِنَ الماء، فإذا السمواتُ قدِ انفتحت فرأى روحَ الله يهبطُ كانَّهُ حمامةٌ وينزلُ عليه".

 

في نهاية حياة يسوع على الارض بحسب الجسد في مشهد الصعود والوعد بروح الله في انجيل لوقا 24: 49 "وإني أُرسِلُ إليكُم ما وعدَ به أبي (أي الروح القدس)". وأيضًا الروح الذي سيبدأ حياة جماعة الرُسل أي الكنيسة في سفرِّ أعمالِ الرسل الفصل 1 الآية 8 "ولكنَّ الروحَ القُدس ينزِلُ عليكم فتنالونَ قدرةً وتكونونَ لي شهوداً في أورشليم وكلِّ اليهودية والسامرة، حتى أقاصي الأرض. وفي الفصل الثاني حلولِ الروحِ القُدس على العذراءِ والرُسل لينطلِقوا يتحدثونَ عن مجدِ الله بيسوعَ المسيح كلمته ليُكَلِّموا كُلَّ الارض.

 

يُفهَم الروح القدس في الكتاب المقدّس على أنهُ القُدرة الخالقة لكلِّ حياة. فهو يُحيي كُلّ شيء، ويحفظ كلّ شيء، ويقودُ كلّ شيء نحو الخلاص الأخير. إنه روحٌ فاعل وخالق وخلاّق. إنه الأقنوم الإلهيّ الثالث الناطق بالأنبياء والمحرّك للحياة. هو الحضور الفاعل للربّ المرتفع وهو حقيقته الحاضرة في الكنيسة شعب الله وفي العالم.

 

وأيضا الروح القدس هو بداية حياة كُلِّ مسيحي في مسحةُ الروحِ في العِمادِ المقدس حيثُ يعتمدنا الله رسُلاً له ننطقُ بمجد الله في سرّ التثبيت. وأيضًا في نهايةِ كُلِّ إنسان يتستقبل روحُ الربّ هذهِ الروح التي بثها الله فيه لتستقر في نعيمه. إنّ المسيحي يرتبط بالله بقوةِ الروحِ القُدس الذي يَصِلُهُ بهِ في الابتهالات، ففي كُلِّ قُداس الروحُ يُصَلِّي فينا أي يَصِلُنا بالله، والابتهالاتِ التي نرفَعُها في القُداس تَتِمُ بالروحِ القُدس (أيها الرب الإله... بقوة الروح القدس) وبقوةِ الروحِ القُدس يتحولُ الخبزُ والخمرُ إلى جسدِ ودم المسيح وبنفسِ الروح يجعلُنا نَتحِدُ به.

 

إذا يا أحباء الروح إنَّ روحَ الربِّ هي كُلُّ شيءٍ في كُلِّ شيء، وإذا كانت روحُ الربِّ فينا فسَننطقُ مجدَ حُبهِ لنا، فإنْ أحببنا الله فإنَّ الروحَ تَحِلُّ علينا وإذا أحببنا القريب فروح الله تفيضُ مِنَّا محبته. وإذا تحدثنا بروحهِ فستكونُ الحياة، وإذا حيينا بروحهِ فستكونُ السعادة، وإذا مُتنا بروحهِ فستكونُ الأبدية. الغريب في الممارسات المسيحية هو أنّه عِندَ القاعدة الكبرى مِن الجماعةِ المسيحة يَقلُ أو ربما يندرُ الابتهالُ إلى الروحِ القدس كما نخاطب الله الآب في كلمتِهِ يسوعَ المسيح وهذا لا أعتبره تقصيراً بل علامة على حقيقة عمل ودور الروح القدس الذي يُصَلِّي أي يَصلُنا بالله ويعمل فينا كلمة الله ناجعةً حيةً في كُلِّ مكانٍ وزمان ويستحضرنا أمام الله ويستحضر الله فينا، فإذا شئنا أم أبينا فروحُ الله هي التي تعملُ فينا كُلّ شيء صالح لا بل ونحيا ونوجد ونفرح ونتعزى وننمو بها.