موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الثلاثاء، ١٣ يوليو / تموز ٢٠٢١

مدعوّون لنكون خدّامًا، فعلينا أن نعي ذلك

بقلم :
الأب انطونيوس مقار ابراهيم - لبنان
مدعوّون لنكون خدّامًا، فعلينا أن نعي ذلك

مدعوّون لنكون خدّامًا، فعلينا أن نعي ذلك

 

أودّ في بدء تأمّلي معكم أن أقول إنّنا دُعينا بنعمة خاصّة من ربّنا يسوع المسيح لنكون خدّامًا لمذبحه المقدّس ولذا في كلّ مرّة نحتفل بالذبيحة الإلهيّة نتقدّم إلى المذبح قائلين: "نسجد لك أيّها المسيح إلهنا مع أبيك الصالح وروحك القدّوس، أنت يا من دعوتنا نحن الخطأة إلى هذا السرّ العظيم سرّ الخلاص".

 

يحملنا هذا على التفكير غير المنقطع بدعوتنا التي ترافقنا من بدايتها إلى النفس الأخير من هذه الحياة. فنحن دخلنا الإكليريكيّة أو الدير بنيّةٍ سليمة ولغايةٍ سامية، ألا وهي تمجيد الله بالتأمّل والتسبيح والصلاة، مع الاستعداد الدائم والانطلاق لخدمة شعبه "فكلّ كاهن يُقام من الناس في ما هو لله ولخدمة الناس". إذًا علينا أن نحافظ على حياتنا الكهنوتيّة وثبات قوامها وبنيانها في اتّجاهين إثنين: الأوّل هو اتّجاه الصلاة والتأمّل والتسيبح مع القراءة والدرس والبحث، والثاني هو اتّجاه السعي المستمرّ والجهد المتواصل لخلاص الآخرين ودعوتهم الدائمة للتقرّب نحو الله... فإن نحن عشنا بهذه الروحانيّة المرتوية من المحبّة، لتأكّدنا أنّنا نحقّق دعوتنا وغايتها.

 

ولكن، للأسف الشديد يشعر الكثير منّا ومن المؤمنين بأنّ جهودًا كثيرة تُبذل ولا نرى أو نلمس أيّ تقدّم أو نهوض، لماذا؟

 

ربما يعود السبب في عدم الشعور بالتقدّم، إلى أنّنا أهملنا التركيز على سرّ الدعوة وعمقها لصالح التركيز على النشاط والنجاح الظاهر، فإذا فُقد السرّ أو حدث خللٌ ما، فُقد معنى الحياة الكهنوتيّة وتُهنا عن طريق النجاح الحقيقيّ مهما كثرت الوسائل الماديّة والحركة ومهما زاد العمل.

 

وما يجب علينا عمله، هو أن نبنيَ حياتنا على علاقة متينة مع الربّ، نستمدّ منها القوّة والمعونة والثبات.

 

لذا علينا أن نكون رجال صلاة:

 

الصلاة هي التي تؤهّلنا حقًّا لنكون حلقَةَ وصلٍ بين الناس والله. بالتالي، صار لزامًا علينا أن نتوجّه دائماً إلى الله، أوليس هو مَن قال لنا "إسالوا تعطوا، أطلبوا تجدوا"؟ وهكذا، نستمدّ منه النعمة الفعّالة للقيام بواجباتنا كافّة، ولا نتّكل فقط على قِوانا ومهاراتنا، "بدوني، أي بدون نعمتي، لا تستطيعون أن تعملوا شيئاً".

 

أجرى الله على أيدي قدّيسيه، أعمالًا عجيبةً في الكنيسة، لأنّهم كانوا رجال صلاة. بها رفعوا القلب إلى الله، وهذا ممكنٌ لنا نحن أيضًا كمؤمنين، على ما فينا من ضعفٍ بشريّ، على ألّا تقتصرَ صلاتُنا على كلماتٍ تتفوّه بها شفاهُنا وتمتماتٍ نتلفّظ بها بينما يظلّ قلبُنا بعيدًا عن الله، فلا يصحّ فينا قول: "هذا الشعب يُكرمني بشفتيه، أمّا قلبه فبعيد عنّي".

 

إنّ ما يشكّل عمودَ حياتنا الكهنوتيّة الفقريّ، ويقيم لنا علاقة صحيحة مع الله الذي دعانا للخدمة، هي صلاة الإحتقال الإقخارستي "القدّاس"، حيث نقوم بما قام به المسيح حينما قدّم ذاته على الصليب ذبيحة فداء عنّا وها نحن قد دُعينا لأن نُقّدم الذبيحة الإلهيّة "الإفخارستيا"، كذبيحة شكر وسرِّ حياة "مَن يأكل جسدي، ويشرب دمي فله حياة أبديّة". وإلى جانب الاحتفال بالقدّاس، نرفع صلوات الليتورجيا الطقسيّة، أي صلوات الساعات مع التسابيح والتماجيد في المناسبات الكنسيّة كافّة وأعياد القدّيسين، بالإضافة إلى الصلوات القلبيّة والعقليّة.

 

 

الصلاة تصيّرنا مملوئين بالنعمة:

 

هو الربّ يسوع المسيح مَن دعانا واختارنا "لستم أنتم اخترتموني بل أنا اخترتكم"، والرسول بولس قال عنّا "أنتم خُدّام الله ووكلاء أسراره". بالتالي، مِن مهامنا ومسؤوليّاتنا أن نعمل على توزيع الأسرار وأن نبشّر بالنعمة، في كلامنا ومواعظنا وكرازتنا وعلى هذه كلّها أن تكون في اتّجاه واحد ولهدف واحد، ألا وهو دعوة الناس على الثبات في  المسيح باكتساب النعمة والابتعاد عن الخطيئة بممارسة سرّ التوبة والاعتراف.

 

 

الصلاة والنعمة تصيِّرانا قادرين على حمل الصليب

 

ليس عيش الحياة الكهنوتيّة بالأمر السهل كما يظنّ البعض إنّما الطريق صعب وشائك وطويل وعلى الكاهن الذي يمارس الصلاة ويمتلىء بالنعمة أن يكون قادرًا على احتمال المشقّات والصعوبات، لا بل أن يكون رسول الصليب، فلا يظنّن أحدٌ أنّه يقدر على فعل الخير وتلبية حاجات الناس من دون تعب، بل عليه أن يشقّ طريقه الى السماء، على مَن قبل الدعوة الكهنوتيّة، كما على كلّ مؤمن، أن "يغتصب ملكوت السماء"، "مَن أرادَ أن يتبعني فليُنكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني".

 

 والصليب هو احتمال الأمراض، والمصاعب، والمشقّات، فمن دون شكّ أنّ العناية الإلهيّة تُعدّ لنا الصليب في حياتنا اليوميّة وما علينا إلّا أن نفهم، وأن نقوم بمسؤوليّاتنا وواجباتنا بكلّ أمانة وشجاعة في الطاعة الحقيقيّة لأوامر الرؤساء بمنأىً عن التذمّر، لا بل بفرح، حبًّا بالله، ولا سيّما في حالات اختلاف الآراء. كما وإنّ كثيرين منّا يرون عدم التقدير من رؤسائنا أو من الشعب على الرغم من أتعابنا وغيرتنا، وفي الكثير من الأوقات نمرّ بفترات تجاهل لنا ولا نجد مَن يفكّر فينا أو يوجّه إلينا أقلّه كلمة ثناء تنعش نشاطنا، وتشجّعنا. لا بأس، فحياتنا الكهنوتية كلّها صليب من ورائه نور القيامة، ولا بدّ لنا من أن نتمرّس على الامّحاء حتّى لا يعودَ التجاهلُ خشبةً ثقيلةً على أكتافنا، بل يغدوَ قوّة دفعٍ لنا نحو قلبِ فادينا وأبيه ... ولهذا كلّه، علينا أن نطلب دائمًا الروح القدس فهو يُنيرنا لأنّه الروح الذي يقدّس الكنيسة ويدافع عنها، إنّه المعزّي، روح الحقّ الحاضر في كلّ مكان، ويسوع قال لنا عنه إنّه "يُعلّمكم لا بل يذكّركم بكلّ ما قلته لكم، كلامي روح وحياة..." والمقصود أنّ الروح القدس يأتي ليُخلّص، ويشفي، ويُعلّم ويُقّوم المعوجّ ويُقوّي ويعزّي وينير النفس، فينقلنا من حالة الظلمة إلى النور، ومن ثقل الهموم والمتاعب إلى الراحة السعيدة واللذيذة ويمنحنا النعمة والغفران.

 

 

لنصلّ معًا،

إلهنَا، هب لنا أن نَكرِز بما هو لك كما لو كان لنا وألّا نكون ناقلين فقط لما هو مسموع.

وانزع عنّا، بنعمتك، سُبلَ الأهواء المظلمة وألبسنا رداء نورك القدّوس.

أيّها المسيح الكلمة أضئ بنورك على عقول طالبيك ليعاينوا أسرارك.

وافتح عيونَ قلوبنا لنفهم قراءة كتبك الطاهرة لنعلم إلى أين نسلك. وساعدنا لِنلِجَ بك، داخلَنا، حيث "ملكوت الله".

ربّنا، هب لنا ألّا يستطيعَ شيئٌ أن يفصلنا عن حبّك. وأعطنا نحن غير المستحقّين قوّتَك ولتُسكَب فينا نعمةُ روحك القدّوس، بصلوات العذراء القدّيسة مريم وجميع صفوف القدّيسين. آمين.