موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
يتناول إنجيل هذا الاحد (لوقا 15: 1-10) رحمة الله وبحثه عن الإنسان الضال وفرح السماء بخلاصه، وذلك من خلال مثل الخروف الضال ومثل الدرهم الضائع. وهذه الرحمة تجسدت في يسوع المسيح الذي يطلب الخطأة ويبحث عن المفقودين ويفتح أحضانه لكل ضال يرتد إليه مما يدل على قيمة النفس الواحدة عند الله ونظرته خاصة تجاه الخطأة. ومن هنا تكمن أهمية البحث في وقائع النص الإنجيلي وتطبيقاته. اولا: وقائع النص الإنجيلي (لوقا 15: 1-10) 1 وكانَ الجُباةُ والخاطِئونَ يَدنونَ مِنه جَميعاً لِيَستَمِعوا إِلَيه تشير عبارة "الجُباةُ" الى العشارين. والعشار هو الرجل الملتزم بجمع الاعشار(الضرائب) أي واحدة من عشَرة أو ما يُعرفُ بالعُشر من المحصول الزراعي او الحيواني الى الامبراطورية الرومانية او تسديدها من جيبه في حال عجزه عن جمعها. وكان يُعيِّن موظفين بالربا. ولذلك وصف اليهود العشارين بالقسوة والظلم حتى ان الشعب احتقرهم ومنعهم من دخول الهيكل او مجامعهم للاشتراك في الصلاة والحفلات (لوقا 3: 12-13، 19: 8). وكان زكا أحد العشارين في منطقة أريحا (لوقا 19: 1-2) وكان متى اللاوي وكيلاً لعشار منطقة كفرناحوم (لوقا 5: 27)، وقصد يسوع ان يُحرِّر العشارين من النقمة اللاحقة بهم مع انه لم يوافق على سيئات اصحاب السيئات والمظالم منهم (متى 5: 46)، وكان الفريسيون والكَتَبَةُ ينبذون العشارين والخاطئين (لوقا 5: 30، 7: 34). أمَّا عبارة "يَدنونَ مِنه جَميعاً لِيَستَمِعوا إِلَيه " فتشير الى العشارين والخطأة الذين شعروا بحاجتهم ليسوع المسيح الذي يغفر الخطايا ويقبل الجميع دون استثناء بين فريسي وعشار وبين بار وخاطئ وذلك ما يؤكِّده بولس الرسول " وهو أَنَّ المسيحَ يَسوعَ جاءَ إِلى العالَم لِيُخَلِّصَ الخاطِئِين، وأَنا أَوَّلُهم (1 طيموتاوس 1: 15). الربّ يرحِّب بالخطأة، لان الدين ليس امتيازًا للأبرار والأنقياء. ويُشدِّد لوقا الإنجيلي على كلمة "الجميع". إن الله يريد أن جميع الناس يخلصون وليست مجموعة معينة منهم. محبة الله قد شملت العالم كله، كما يؤكده بولس الرسول "فإِنَّه يُريدُ أَن يَخْلُصَ جَميعُ النَّاسِ ويَبلُغوا إِلى مَعرِفَةِ الحَقّ"(1 طيموتاوس 2: 4). 2 فكانَ الفِرِّيسِيُّونَ والكَتَبَةُ يَتَذَمَّرونَ فيَقولون: هذا الرَّجُلُ يَستَقبِلُ الخاطِئينَ ويَأكُلُ مَعَهم! تشير عبارة "الفِرِّيسِيُّونَ" كلمة آرامية ????????????? (معناها "المنعزل")، الى احدى الفئات اليهودية الرئيسية الثلاث التي كانت تناهض فئتي الصدوقيين والاسِّينيين. وكانت اضيقها رأيا وتعليما (اعمال الرسل 26: 5). وظهر الفريسيون باسمهم الخاص في عهد يوحنا هركانوس (135-105 ق. م.). وكانوا يؤمنون بخلود النفس وقيامة الجسد ووجود الأرواح (اعمال الرسل 23: 8) ومكافأة الانسان ومعاقبته في الآخرة لكنهم حصروا الانسان الصالح بطاعته للشريعة، فجاءت ديانتهم ظاهرية وليست قلبية داخلية. ولذلك وبّخهم السيد المسيح بشدة على ريائهم وادعائهم البِر كذبا وتحميلهم الناس أثقال العرضيات دون الاكتراث لجوهر الناموس، لذا قال يسوع لتلاميذه "إِن لم يَزِدْ بِرُّكُم على بِرِّ الكَتَبَةِ والفِرِّيسيِّين، لا تَدخُلوا مَلكوتَ السَّموات"(متى 5: 20)؛ أمَّا عبارة "الكَتَبَةُ" في الأصل اليوناني " ?????????? (معناها كاتب) فتشير الى معلمي الشريعة وهم قد تخصَّصوا لدراسة الشريعة وتفسيرها وأصبحت قرارات كبار الكتبة منهم شريعة شفاهية تدعى التقاليد. وبلغ أوج نفوذهم على الشعب في أيام المسيح. وقد وصف السيد المسيح بعض الكتبة بأنهم مراؤون نظرا لاهتمامهم بالأشياء المادية العرضية وتطبيقها على تفاصيل الحياة اليومية دون الروحية الجوهرية (متى 23: 1-35)؛ أمَّا عبارة "يَتَذَمَّرونَ" فتشير الى انزعاج الفريسيين والكتبة ونقدهم للمسيح عن جهالة وكبرياء، وليس عن قصد المقاومة. فأتهموا يسوع انه يخالف احكاما رئيسية للربانيين لأنه يخالط الخطأة والعشارين (متى 9: 10-13)؛ في حين أنَّ يسوع جاء الى الخطأة الذين لا رجاء لهم ليقدّم لهم البشرى السارة عن ملكوت الله. ويعلق البابا فرنسيس "من لا يفعلون شيئا سوى الثرثرة والتذمر يغلقون الباب أمام الارتداد والحوار مع يسوع" (البابا فرنسيس في بنما). أمَّا عبارة "هذا الرَّجُلُ يَستَقبِلُ الخاطِئينَ ويَأكُلُ مَعَهم!" فتشير الى أحد القاب يسوع. إنه يستقبل الجميع، لأنه إله محب للبشر. انه اكتشاف غريب عن الله في العقلية اليهودية. 3 فضرَبَ لَهم هذا المَثَلَ قال: تشير عبارة " المَثَلَ " الى مثل الخروف الضال بما فيه من الراعي وقطيعه، وهو موضوع تقليدي في العهد القديم عن الخلاص (ميخا 4: 6-7). الله هو الراعي الحقيقي كما يؤكد حزقيال النبي إذ يقول: "أَنا أَرْعى خِرافي وأَنا أُربِضُها، يَقولُ السَّيِّدُ الرَّبّ، فأَبحَث عنِ الضالَّةِ وأَرُدُّ الشارِدَةَ وأَجبُرُ المَكْسورَةَ وأُقَوِّي. الضَّعيفَةَ وأُهلِكُ السَّمينَةَ والقَوِّية، وأَرْعاها بِعَدْل" (حزقيال 34: 16). 4 أَيُّ امرِئٍ مِنكُم إِذا كانَ لَه مِائةُ خروف فأَضاعَ واحِداً مِنها، لا يَترُكُ التِّسعَةَ والتِّسعينَ في البَرِّيَّة، ويَسْعى إِلى الضَّالِّ حتَّى يَجِدَه؟ تشير عبارة " أَيُّ امرِئٍ مِنكُم " الى طرح يسوع سؤالا كرد على الفِرِّيسِيُّين والكَتَبَةُ الذين َتَذَمَّرونَ على يسوع لاستقباله الخطأة. وبهذا السؤال يدخل في حالاتهم القانونيّة ولا أحد منهم يجيب. أمَّا عبارة "مِائةُ " (رقم 100) فتشير الى عدد كامل؛ ويعلق القديس أمبروسيوس" الراعي غني، فنحن جميعًا نمثل واحدًا من مئة من ميراثه؛ له رعيَّة عظيمة من الملائكة ورؤساء الملائكة والسلاطين والسيادات (قولسي 1: 16). اما عبارة " فأَضاعَ واحِداً مِنها" فتشير الى استعارة وجود الخروف الضال في استعارات الخلاص التقليدية (ميخا 4: 6 - 7 وارميا 23 : 1 - 4 وحزقيال 34 : 11 - 16). أمَّا عبارة "الضَّالِّ" فتشير الى ضلال على مستوى التعليم والعقيدة أكثر منه على مستوى الاخلاق كما ورد في انجيل متى (24: 4) وكما يؤكده صاحب الرسالة الى العبرانيين (10: 25). فالخروف الضال يُمثل الإنسان الخاطئ في غباوته والذي ضلَّ عن جهل. فهو يمثّل الانسان الضائع بسبب إهماله الشخصي. ويُعلق القديس يوحنا الذهبي الفم "الخروف الذي انفصل عن التسعة والتسعين ثم عاد ثانية لا يمثل بالنسبة لنا إلا المؤمن الذي سقط ثم عاد، إذ هو منتمي للبقيَّة، وكان موضع رعاية نفس الراعي، وقد ضل عن الشركة، وصار تائهًا على الجبال وفي الوديان في رحلة طويلة، مبتعدًا عن طريق الحق"؛ أمَّا صورة الخروف الضال فهي صورة عن الخلاص كما جاء في نبوءة ميخا "في ذلك اليَومِ، يقولُ الرَّبّ أَجمعُ العَرْجاءَ وأَضُمُّ الضَّالَّة والَّتي أَسأتُ مُعامَلَتَها" (ميخا 4: 6-7). كما اهتم يسوع الراعي الصالح بخروف ضال واحد وبحث عنه في البرِّية، هكذا يهتم الله بكل نفس بشرية يخلقها، فهو "لا يَشاءُ أَن يَهلِكَ أَحَدٌ، بل أَن يَبلُغَ جَميعُ النَّاسِ إِلى التَّوبَة"(2 بطرس 3: 9). لا ينفي الله ان هناك إمكانية الهلاك، لكن الله لا يريد ذلك؛ أمَّا عبارة " لا يَترُكُ التِّسعَةَ والتِّسعينَ في البَرِّيَّة " فتشير الى حسابات الله التي هي غير حساباتنا، نحن نسعى وراء الاعداد والأرقام بينما في حسابات الله الواحد يساوي تسعة وتسعين؛ ذلك ان أي إنسان له قيمة غير متناهية عند الله، ويُعلق القديس يوحنا الذهبي الفم" لست أريد أن يخلص الكثيرون بل الكل، فإن بقي واحد في الهلاك أهلك أنا أيضًا. يبدو لي أنه يجب الاقتداء بالراعي الذي له التسعة والتسعون خروفًا لكنه أسرع وراء الخروف الضال". مهما كان عدد قطيعه فالراعي لا يترك ولا يتنازل عن أي واحدة منهم. أمَّا عبارة "البرية" فتشير الى مرعى القطعان المألوف في فلسطين، وهي تناسب الجبال الوارد ذكرها في متى (18: 12). وهي مكان لم يكن مزروعاً بانتظام مثل الحقول والحدائق في المدن، ويسكنه عادة البدو. وكان يستعمل أيضا كمراع للمواشي مع انها لم تكن مراع خصيبة " لا تَخافي يا بَهائِمَ الحقول فإِنَّ مَراعِيَ البَرِّيَّةِ قدِ آخضَرَّت والشَّجَرَ حَمَلَ ثَمَرَه والتِّينَةَ والكَرمَةَ أعطيَتا ثَروَتَهما " (يؤيل 2: 22) وكان يسكنه البدو. أمَّا في المفهوم الديني كلمة " البَرِّيَّة " الى أرض لم يباركها الله: تندر فيها المياه والنباتات، كما كان الحال في جنة الفردوس قبل هطول الأمطار (تكوين 2: 5)، وتستحيل فيها الحياة (اشعيا 6: 11). في هذه الأرض القاحلة تسكن الأرواح الشريرة (لاويين 16: 10، لوقا 8: 29) والشياطين، (لاويين 17: 7) والوحوش المؤذية الأخرى (اشعيا 13: 21، 14، صفنيا 2: 13-14). وبالإيجاز تعتبر البرية الأرض المالحة (ملح) التي تختلف عن الأرض المسكونة اختلاف اللعنة عن البركة. أمَّا عبارة "يَسْعى إِلى الضَّالِّ حتَّى يَجِدَه؟" فتشير الى بحث الله في طلب أبنائه الضالين. إن الله لا ينتظر ان يعود الخروف الضال، بل يذهب هو للبحث عنه، لأنه راعي النفوس كما يقول صاحب المزامير "إنَّ الرَّبَّ هو الله هو صَنَعَنا ونَحنُ لَه نَحنُ شَعبُه وغَنَمُ مَرْعاه" (مزمور 100: 3)؛ وفي هذا الصدد يقول القديس فرنسيس السالزي: نفس واحدة أبرشية كافية لعمل الاسقف". 5 فإِذا وَجدَه حَمَله على كَتِفَيهِ فَرِحاً، تشير عبارة "وَجدَه حَمَله" فتشير الى يسوع الذي يحمل الخروف الضال، ولم يوبِّخه او يُعنّفه، او يجرح مشاعره، بل يضمَّه الى صدره ويحمله على كَتِفَيهِ اللذين حملا خشبة الصليب ويرفعه ويردُّه برفق الى القطيع ليُعينه على ترك طريقه الخاطئ القديم. لقد فضّلَ دورَه كراعٍ على دورِه كقاضٍ. فحوّلَ فورًا الإدانة إلى غفران، هو الذي كان يرغب في عودته، لا في فقدانه. ويُعلق القديس غريغوريوس النيصي" عندما وجد الراعي الخروف لم يعاقبه، ولا سحبه إلى القطيع بالعنف، بل وضعه على كتفه، حمله برفق وضمه للقطيع"؛ أمَّا عبارة "الكتف" فتشير الى رمز القوة. والقصد أن المسيح هو الراعي الذي حمل طبيعتنا البشرية وحمل خطايانا في جسده. وهذا يؤكد كلام يسوع القائل "ابْنَ الإِنسانِ جاءَ لِيَبحَثَ عن الهالِكِ فيُخَلِّصَه" (لوقا 19: 10)، هذه هي صورة رحمة الله. فإِنَّه يُريدُ أَن يَخْلُصَ جَميعُ النَّاسِ ويَبلُغوا إِلى مَعرِفَةِ الحَقّ " (1 طيموتاوس 2: 4). ويخلصنا جميعًا، "فكما يَموتُ جَميعُ النَّاسِ في آدم فكذلك سَيُحيَونَ جَميعًا في المسيح" (1 قورنتس 15: 22)؛ أمَّا عبارة "فرحا" فتشير الى السرور الديني (عز 6: 16) كما تشير اليه الآية (15: 10)، وهو أحد ثمار الروح (غلاطية 5: 22). ويقول الكتاب أن الملائكة يفرحون بتوبة الخاطئ (لوقا 15: 10). وأن فرح المؤمنين مجيد لا ينطق به كما جاء في رسالة بطرس الرسول" ذلك الَّذي لا تَرَونَه وتُحِبُّونَه، وإِلى الآنَ لَم تَرَوه وتؤمِنونَ بِه، فيَهُزُّكم فَرَحٌ لا يوصَفُ مِلؤُه المَجْد" (1 بطرس 1: 8). إنّ فرح هذا الراعي بعودة خروفه الضال كبيرة جدًا ولكن ليس بشيء مقارنة مع فرح الربّ، "رئيس الرعاة" الذي عمل قدَّم الحمل ذبيحةً، " سيقَ إِلى الذَّبْحِ ولم يَفتَحْ فاهُ "(أشعيا 53: 7). 6 ورجَعَ بِه إِلى البَيت ودَعا الأَصدِقاءَ والجيرانَ وقالَ لَهم: إِفرَحوا معي، فَقد وَجَدتُ خَروفيَ الضَّالّ! تشير عبارة "ِفرَحوا معي" الى دعوة المسيح للمشاركة في الفرح، وهي جوهرية في نظر لوقا الإنجيلي. الفرح العظيم يتطلب المشاركة في العواطف، وهي صورة رائعة لبساطة الحياة في القرية الفلسطينية. لذا فإذا رأى الفريسيون العشارين والخاطئين يأتون الى يسوع، عليهم ان يشتركوا في فرح يسوع الذي يجد ابناءه، كما يجب عليهم ان يتعاونوا مع يسوع في البحث عن الضالين بدلا من النقد والتهكم. الله شخص يفرح ويُشركنا في فرحه. ولم يقل يسوع: "افرحوا مع الخروف الراجع" بل "افرحوا معي"، لأن فرحه هو حياتنا، وعندما نرجع إلى يسوع يكمل فرحه. وفرح الله هو ان يجد أبناءه الضالين، لان كل خطيئة هي بُعد عن المسيح وبالتالي غربة وهلاك. 7 أَقولُ لَكم: هكذا يكونُ الفَرَحُ في السَّماءِ بِخاطِئٍ واحِدٍ يَتوبُ أَكثَرَ مِنه بِتِسعَةٍ وتِسعينَ مِنَ الأَبرارِ لا يَحتاجونَ إِلى التَّوبَة. تشير عبارة " الفَرَحُ في السَّماءِ بِخاطِئٍ واحِدٍ يَتوبُ " الى موقفٍ بعيد كل البعد عن موقف الفريسيين وتذمّراتهم (لوقا (14: 10-32)؛ أمَّا عبارة " السَّماءِ " فتشير الى الله (لوقا 11: 11)؛ أمَّا عبارة " الأَبرارِ " فتشير الى صورة تهكمية الى الفريسيين والكتبة الذين يعتبرون أنفسهم ابراراً. بل عليهم ان يتوبوا سريعا (لوقا 5: 22) ليفرح الله بهم. أمَّا القديس كيرلس الكبير فيرى في الابرار أنَّهم الصالحون ويُعلق "هل لأنه لا يهتم بالكثيرين أظهر رحمته بالواحد؟ لا... بل لأن الكثيرين في أمان، محروسين بيده القديرة. لذلك بحق يجب إظهار الرحمة بذاك الذي فُقِد، فبعودة ذاك الواحد يعود الكمال للمئة". البحث وراء المفقود لا يعني استهانة بالذين لم يخطئوا، إنما يليق إظهار النعمة والرحمة والحب للخاطئين. 8 أَم أَيَّةُ امرَأَةٍ إِذا كانَ عِندَها عَشرَةُ دَراهِم، فأَضاعَت دِرهَماً واحِداً، لا تُوقِدُ سِراجاً وتَكنُسُ البَيت وتَجِدُّ في البَحثِ عنه حتَّى تَجِدَه؟ تشير عبارة " درهم" ?????? الى عملة يونانية رائجة بين اليهود وكان الدرهم في ايام هيرودس والولاة يساوي ثمنه دينارا denarius رومانيا وهي عملة فضِّية تساوي أجرة عامل ليوم واحد. وهذا الدرهم يمثل الأشخاص الضائعين بسبب إهمال الآخرين. أمَّا عبارة " عَشرَةُ دَراهِم" فتشير الى ما يعادل أجرة العامل لعشرة أيام حينذاك. وكانت المرأة الفلسطينية عند زواجها تتلقى عشر قطع من الفضة (الدراهم) كهدية زواج. ولهذه القطع الفضية قيمة عظيمة أكثر من مجرد قيمتها المادية. ويُعلق البابا غريغوريوس الكبير "كان للمرأة عشرة دراهم، لأن الملائكة تسع طغمات. وكان لا بُد أن يتم رقم المختارين بخلقه الإنسان"؛ أمَّا عبارة " فأَضاعَت دِرهَماً واحِداً " الى الخسارة الكبيرة بالنسبة الى ربة البيت التي لا تملك إلاّ عشرة دراهم. وهذا الدرهم يمثل الإنسان الخاطئ في عدم شعوره بحالة الضياع التي وصل إليها، وقد أضاعه غيره. ويعلق البابا غريغوريوس الكبير "لما كان الدرهم عِملة تحمل صورة، هكذا المرأة التي تفقد الدرهم تعني عندما يشرد الإنسان المخلوق على صورة الله، يفقد تشبهه بخالقه بسبب الخطيَّة"؛ أمَّا عبارة "تُوقِدُ سِراجاً" تشير الى ظهور حكمة الله للبشر، فالسراج هو نور يوضع على حامل، أمَّا هنا فالنور هو اللاهوت اتَّخذ ناسوتًا (صار إنسانًا). ذاك الذي هو الحكمة يتحدَّث عن منارة جسده. فهو نور اللاهوت في إناء الجسد(الناسوت)، قد تجسد المسيح نور العالم، لأن الإنسان أخطأ فضاع. أمَّا عبارة "تَكنُسُ " في الأصل اليوناني ????? (معناها انقلابً الشيء رأسًا على عقب كما جاء في الترجمة اللاتينيةevertere) ) فتشير الى ما لم ينقلب العقل الذي انحط، لا يمكن أن يُنظف (يُكنس) من عاداته الرذيلة. في حين يرى البعض الآخر في عملية التَكْنيس إشارة الى حث الناس على التوبة؛ وأمَّا عبارة "تَجِدُّ في البَحثِ" فتشير الى التفتيش باجتهاد. 9 إِذا وَجَدَتهُ دَعَتِ الصَّديقاتِ والجاراتِ وقالت: إِفرَحْنَ معي، فقد وَجَدتُ دِرهَمِيَ الَّذي أَضَعتُه! تشير " إِفرَحْنَ معي، فقد وَجَدتُ دِرهَمِيَ الَّذي أَضَعتُه " إلى فرحة المرأة التي لا تكتمل الا بردِّها الدرهم المفقود. هذه الآية تلمح الى بحث الله عن الخطأة. ويعلق القديس كيرلس "بالنور قد خلص يسوع ما قد هلك، فصار فرح للقوات العلويَّة". ربما نفهم ان الله يغفر لخاطئ يسعى إليه طلبا لرحمته، أمَّا ان يبحث الله عن الخاطئ، ثم يغفر له، فلا بد أنه صاحب حبٍ فائقٍ. وهذا هو الحب الذي دفع يسوع المسيح الى المجيء الى الأرض ليبحث عن الناس الضائعين الخاطئين ويُخلصهم. ويُعلّق القديس غريغوريوس النزينزي "هذه هي غاية الله فينا، إذ صار إنسانًا من أجلنا وافتقر (2 قورنتس 8: 9) لكي يُقيم جسدنا (رومة 8: 11)، ويرد َّ صورته فينا (لوقا 15: 9)، ويُجدِّد الإنسان لنصير كلنا واحدًا فيه". أمَّا الاب انطونيوس فكري فيفسّر الآية تفسيرا رمزيا روحيا بقوله " المرأة تمثل الكنيسة عروس المسيح، وواجبها أن تفتش عن كل مفقود. والدراهم رمز الوديعة التي أودعها الله للكنيسة. وكل درهم يشير للطبيعة الإنسانية التي طبع عليها صورة الملك السماوي كما يُطبع على العملة صورة قيصر. وضياع الدرهم يشير لضياع صورة الملك السماوي من الإنسان". ليتنا كدراهم فلنحتفظ بقيمتنا فنحمل صورة الملك الالهي فينا. 10 أَقولُ لَكم: هكذا يَفرَحُ مَلائِكَةُ اللهِ بِخاطِئٍ واحِدٍ يَتوب تشير عبارة " يَفرَحُ مَلائِكَةُ اللهِ " الى فرح الله، هو الذي يُشرك فيه ملائكته (لوقا 12: 8). كما أن الله يحزن على ضياع أي إنسان، كذلك يفرح عندما يرجع أحد أبنائه اليه ويعود الى الملكوت، لان لكل إنسان قيمة ثمينة عند الله. في حين نسمع الرابي اليهودي اسمعيل بن اليشع يقول " يكون فرح قدام مقر العزة الإلهية حينما يختفي من على وجه الأرض الذين يغيظون الله ويبغضونه". ثانياً: تطبيق النص الإنجيلي (لوقا 15: 1-10) انطلاقا من الملاحظات الوجيزة حول وقائع النص الإنجيلي (لوقا 15: 1-10)، نستنتج ان المثلين -الخروف الضال والدرهم الضائع -يتمحوران حول موضوع بحث الله الرحيم عن الانسان الخاطئ وفرحه بخلاصه. 1) الله يبحث عن الخاطئ قديما وحديثا ا) الله يبحت عن الخاطئ في شعب العهد القديم الله هو هدف الإنسان. ولكنّ الإنسان كثيراً ما يضل طريقه في البحث عنه تعالى، فيكتشف الانسان انَّ الله هو الذي جاء أولاً يبحث عنه. وأن البحث عن الإنسان يقوم على حركة عميقة من قلب الله نتيجة محبته للإنسان. إن البحث عن الله يعني أن نكتشف أنَّ الله، قد أحبنا أولاً، كما صرّح يوحنا الرسول "أَمَّا نَحنُ فإِنَّنا نُحِبّ لأَنَّه أَحَبَّنا قَبلَ أَن نُحِبَّه "(1 يوحنا 4: 19)، وهو الذي أخذ يبحث عنا، وهو الذي يَجذبنا ليقودنا إلى ابنه كما جاء في تعليم يسوع “ما مِن أَحَدٍ يَستَطيعُ أَن يُقبِلَ إِليَّ، إِّلا إِذا اجتَذَبَه الآبُ الَّذي أرسَلَني" (يوحنا 6: 44). وبما ان الانسان ينسى الله، ويجري وراء العالم وملذَّاته، فإنَّ الله يفكر دائماً كيف يبحت عنه و"يتكلم إلى قلبه" (هوشع 2: 15-16). وفيما أن ليس كل الرعاة يبحثون عن القطيع المشتت (حزقيال 34: 5-6)، فإن الله ذاته يعلن عن مقصده: إنه سينطلق ليجمع قطيعه، ويبحث عن "الخروف الضال" (حزقيال 34: 12). كما توسل موسى النبي إلى رحمة الله، لدى سقوط شعبه في صحراء سيناء في عبادة العجل الذهبي (الخروج 32: 7-14) كذلك توسط يسوع للجنس البشري بأكمله. وهو لا يزال يتشفع للخطأة. في يسوع، يأتي الله إلى شعبه وإلى كل واحد منا -كراعٍ للبحث عن الضائعين (ا حزقيال 34: 11-16)، ليعيدنا إلى الآب السماوي، وهو التراث الدائم الذي وعد به أبناء إبراهيم منذ فترة طويلة. ويكشف لنا كتاب نشيد الأناشيد، كيف ان الله مفتونٍ بالبحث عن النفس الضالة "اْلتَمَستُ مَن تُحِبُّه نَفْسي، التمسته فما وَجَدتُه" (نشيد الاناشيد 3: 1). ولقد كشف ابن الله لنا إلى أي مدى يذهب هذا الافتتان، حيث قال: " إن ابْنَ الإِنسانِ جاءَ لِيَبحَثَ عن الهالِكِ فيُخَلِّصَه "(لوقا 19: 10)، جاء في البحث عن الخروف الواحد الضال (لوقا 15: 4-10). وفيما يودِّع يسوع ذويه، فكر في اللحظة التي سيرجع فيها ليبحث عنهم، ويأخذهم معه " لِتَكونوا أَنتُم أَيضاً حَيثُ أَنا أَكون" (يوحنا 14: 3). أعطيت لليهود شريعة لتطهير من يُخطئ كل بحسب خطيته (الأحبار 4-6). وقد قصد الرب من هذه الشريعة أن يُعلمهم أن يكرهوا الخطيئة، ويشعروا ببشاعتها، ولكنهم أساءوا فهمها، إذ نبذوا الخاطئ أيضًا. لذلك تعجب الفريسيون إذ رأوا يسوع الذي يظهر بينهم كمعلم وبار يسمح للعشارين والخطأة من اليهود أن يقتربوا منه، بل يرضى أن يأكل معهم؛ فانفرد لوقا الإنجيلي بذكر مثلين: مثل الخروف الضال (لوقا 15:4-7)، والدرهم المفقود (لوقا 15: 8-10) ليؤكد أن الله الرحيم يبحث عن الانسان الخاطئ ويفرح بعودته لأنه يحبه ولا يحبه فقط بالرغم من خطاياه، وإنما يحبنا بسبب خطاياه التي تستثير شفقته عليه، هذا ما يؤكده القديس بولس " (أفسس 2: 4-5). ب) الله يبحت عن الخاطئ ومثل الخروف الضال (لوقا 15: 3-7) وحاول السيد المسيح ان يَكشف بحث الله عن الانسان الخاطئ من خلال ضرب مثل الخروف الضال (لوقا 15: 3-7). إن الله "سعى إِلى الخروف الضَّالِّ حتَّى يَجِدَه؟ (لوقا 15: 4)؛ ويُمثل الخروف الضال الإنسان الخاطئ في شروده عن خالقه بكامل إرادته ومعرفته. وأمَّا الراعي فهو يسوع، "أَنا الرَّاعي الصَّالِح والرَّاعي الصَّالِحُ يَبذِلُ نَفْسَه في سَبيلِ الخِراف" (يوحنا 12:10). ولم يهدأ له بال حتى لأعاد الخروف الضال الى باقية الخراف. وكما يبحث الراعي عن خروفه الضال كذلك يبحت الله الاب عن الخاطئ. وصدق النبي أشعيا بقوله " كُلُّنا ضَلَلْنا كالغَنَم كُلُّ واحِدٍ مالَ إِلى طَريقِه " (أشعيا 6:53). عادة يجب أن تموت الخراف لأجل الراعي، وذلك ببيعها للذبح من اجل اللحم لكي يحصل هو على المال. ولكن الراعي الصالح مات من اجل الرعية على صليب الجلجلة ليُخلصنا من خطايانا وليدفع العقاب الذي تستحقه خطايانا ويقرِّبنا إلى الله. ويبدو من الغباء ان يترك الراعي التسعة والتسعين خروفا ليبحث عن خروف واحد ضال (لوقا 15: 4). ولكن التسعة والتسعين في أمان، لذا يجب اظهار الرحمة لذاك الذي ضّل، والذي تحتاج اليه التسعة والتسعين لتكملة العدد ويعود الكمال للمئة. الله لا ولن يرضى بأن يضيع خروف واحد من خرافه. الله لا ولن يرضى بأن يهلك إنسان واحد قبل ان يصنع المستحيل لكي يُخلصه. لماذا؟ لأنه محبة. يقول يوحنا الرسول " وما تَقومُ عَلَيه المَحَبَّة هو أَنَّه لَسنا نَحنُ أَحبَبْنا الله بل هو أَحَبَّنا فأَرسَلَ ابنَه كَفَّارةً لِخَطايانا"(1 يوحنا 4: 10)؛ فإن حب الله لكل انسان عظيم حتى انه يبحث عن كل واحد لا رجاء له، ليقدِّم له الخلاص. ولو لم يبحت الراعي عن الخروف الضال، لكان يحقُ للتسع والتسعين ان تشكّ بخلاصها، لأنها هي معرّضة للضلال وتكون إّذّاك معرّضة لعدم اكتراث الراعي. ولكن طالما أن الراعي ترك التسعة والتسعين ليبحث عن الضال، فإن هذا يعني ان مشروع الخلاص يطال الجميع. وخير مثال على بحث يسوع عن الخروف الضال ما جاء في سيرة القدّيس بولس الرسول الذي اختبر حقيقة محبّة الربّ، وكيف أنّ محبّة الربّ قد بحثت عنّه هو المُضطهِد للقطيع والمجدّف باسمه القدّوس – لكي يُجعل منه رسولًا وراعيًّا " أَشكُرُ لِلمَسيحِ يسوعَ رَبِّنا الَّذي مَنَحَني القُوَّة أَنَّه عَدَّني ثِقَةً فأَقامَني لِخِدمَتِه أَنا الَّذي كانَ فيما مَضى مُجَدِّفًا مُضطَهِدًا عنيفًا... ففاضَت عَلَيَّ نِعمَةُ رَبِّنا مع الإِيمانِ والمحبَّةِ في المسيحِ يسوع" (1 طيموتاوس 1: 12-14). ونستنتج مما تقدم أنَّ رعاة النفوس وجدوا في هذا المثل ينبوعًا حيًا للحب الرعوي الصادق، كما وجد فيه الخطأة رجاءً لا ينقطع بقبول كل نفس مهما كان فسادها. فشدِّد البابا فرنسيس على هذه الحقيقة في خطاب موجّه للأساقفة في ريو دي جينيرو عام 2013 فقال للرعاة: " على الأسقف أن يكون مع شعبه في ثلاثة مواضع: في المقدّمة كي يدلّهم على الطريق، في المركز كي يُبقيهم موحّدين ويُبعد عنهم التفرقة، وفي المؤخّرة حتى يمنع أيّ أحد من أن يشرد خارج القطيع ". وخلاصة القول، يكشف لوقا البشير خلال مثل الخروف الضال عن مدى شوق الله وسعيه نحو الإنسان وفرح السماء بخلاصه وعودته إلى الشركة معه. ج) الله يبحت عن الخاطئ ومثل الدرهم الضائع (لوقا 15: 8-9) كما ان المرأة لا ترضى بان تفقد درهما واحدا، ولم يهدأ لها بال حتى اعادت الدرهم الضائع الى باقية الدراهم العشرة كذلك الله، قلبه الرحيم لا يقبل بان يهلك إنسان واحد بل يبحث عنه حتى يعود الى باقي الابرار؛ فالله يريد خلاص جميع البشر كما جاء في تعليم بولس الرسول "إِنَّه يُريدُ أَن يَخْلُصَ جَميعُ النَّاسِ ويَبلُغوا إِلى مَعرِفَةِ الحَقّ"(1 طيموتاوس 2: 4). الانسان في نظر الله أغلى وأثمن من ذهب العالم كله. وجد رعاة النفوس ينبوعًا حيًا للحب الرعوي الصادق في محبة الآب للإنسان، ويُعلق القديس يوحنا الذهبي الفم "يبدو لي أنه يجب الاقتداء بالراعي الذي له التسعة والتسعون خروفًا لكنه أسرع وراء الخروف الضال. لست أريد أن يخلص الكثيرون، بل الكل، فإن بقي واحد في الهلاك أهلك أنا أيضًا". يرغب الله في خلاص الانسان الخاطئ او الضائع في عودته أولا للعيش في أخوة لا تستثني أحداً: فريسي كان ام عشارا، بار ام خاطئ؛ فالجميع مدعوون ليكونوا عائلة جديدة حيث يوجد مجال للجميع. إننا جزء من عائلته وإنه لن يتركنا بل هو معنا. وعندها يعطي يسوع حياته للجميع حتى يتم جمع شمل الإنسانية، المشتتة والمنقسمة، مرة أخرى في عائلة واحدة، دون انقسامات وتهميش وفصل وعزل وتصنيفات التي تؤدي إلى التفرقة: هنا الصالحون وهنا الأشرار، هنا الأبرار وهنا الخطأة. ويعلق البابا فرنسيس "أن يسوع لا يقبل هذا، أي ثقافة النعت وتعريف الأشخاص بالصفات، بينما اسم الشخص هو مَن هو وماذا يفعل، ما هي أحلامه وبماذا يشعر في قلبه". نظرة الله هذه، والتي يقول لنا جميعا عبرها إننا جزء من عائلته وإنه لن يتركنا بل هو معنا. المثلان متوازيان وهما يوحيان ببحث الآب عن الخاطئ وعودته ليفرح به. 2) الله يفرح بخلاص الخاطئ نلمس الفرح في إنجيل لوقا أكثر منه في الأناجيل الباقية؛ فقد بشّر يسوع المسيح المتواضعين بفرح الخلاص فيفرح الناس بميلاده (لوقا 1: 14)، ويغمر الأبرار بفرحه (متى 13: 17)، إن في يسوع المسيح يكون ملكوت الله حاضراً (لوقا 17: 21)، وتلاميذه يفرحون عندما يعلمون أن أسماءهم مكتوبة في السماء (لوقا 10: 20)، لأنهم يدخلون في مصاف الفقراء الذين لهم ملكوت السماوات (لوقا 6: 20). وشدد لوقا الإنجيلي على الفرح حيث تكررت كلمة "الفرح" ثلاث مرات "فإِذا وَجدَه حَمَله على كَتِفَيهِ فَرِحاً" (لوقا 15: 4)، "إِفرَحوا معي، فَقد وَجَدتُ خَروفيَ الضَّالّ!"(لوقا 15: 6)، "هكذا يكونُ الفَرَحُ في السَّماءِ" (لوقا 15: 7). فنجد الله مصراً على إعادة الضال الى جماعة الأبرار بنعمته وحنانه ورحمته، فهذا المثل يكشف لنا عن الحب الفريد الذي يشعر به الله تجاه كل إنسان ويكشف لنا أيضا عن فرح الراعي وفرح السماء، الذي هو فرح الثالوث القدوس وفرح الملائكة والقديسين بعودة الضال إلى حضن الله. ولم يتردَّد السيد المسيح ان يجذب الخطأة أيضا الى فرح التوبة والخلاص ويُهيِّئهم لقبوله بفرح كما حدث مع زكا العشار (لوقا 19: 6). بهذه التوبة سوف يفرح التلاميذ، كأخوة حقيقيين كما قال الاب لابنه الأكبر "قد وَجَبَ أَن نَتَنعَّمَ ونَفرَح، لِأَنَّ أَخاكَ هذا كانَ مَيتاً فعاش، وكانَ ضالاًّ فوُجِد"(لوقا 15: 32)، كما يفرح بها في السماء الآب والملائكة (لوقا 15: 7 و10 و24)، وكما يفرح بها الراعي الصالح، الذي بمحبته خلّص خروفه الضال وحمله على كتفه ليشعر به أنه قريب منه، ثم أشرك فيه فرحه الاصدقاء والجيران (لوقا 15: 6)، وكما فعلت أيضا المرأة التي وجدت الدرهم المفقود. إلا أننا حتى نشاركه في فرحه، ينبغي أن نحب كما أحبّ هو. أن حب الله لكل انسان عظيم حتى انه يبحث عن كل واحد لا رجاء له، ليقدم له الخبر السار. ويُعبر لوقا الإنجيلي عن ذلك بقوله "إِذا وَجدَه حَمَله على كَتِفَيهِ فَرِحاً كَتِفَيهِ فَرِحاً (لوقا 15: 5)؛ فالكتف رمز القوة. والقصد أن المسيح حمل طبيعتنا البشرية وحمل خطايانا. إذ نزل الى الارض باحثا عن الانسان لا ليعنّفه، ولا ليُجرح مشاعره، بل ليضمُّه الى صدره ويحمله على كتفه ويردَه برفق الى القطيع ويُساعده على ترك طريقه الخاطئ القديم. ثم يضيف لوقا الانجيل " إِفرَحوا معي" (لوقا 15: 6)، ولم يقل افرحوا مع الخروف الضال، لأن خلاصنا هو فرحه. ويدعو الفريسيين لدخول في هذا الفرح، إذ ان الفرح العظيم يتطلب مشاركة الأصدقاء والجيران فيه. وخلاصة القول، يعكس المثلان فرح السماء بخلاص الانسان الخاطئ. العبرة إن المغزى الذي يحمله مثل الخروف الضال ومثل الدرهم الضائع هو قيمة النفس عند الله ورحمة الله للإنسان الخاطئ. فكل إنسان هو ابن الله، والناس متساوون في عينه فلا تفرقة عنده، ولا تمييز بين فريسي وعشّار، بين بار وخاطئ، عبد وحر، والسبب؟ هو ان قيمة الانسان الحقيقية ليست فيما يقوم به من أعمال، ولا فيما يفخر به من مقام اجتماعي، بل قيمته في انه موضوع محبة الله. الله محبة والمحبة لا تفرّق ولا تميّز ولا تحتقر. محبة الاب هي أساس تصرّف يسوع الرحيم تجاه الناس خاصة الخطأة والمنبوذين. ويدعو المثلان الخروف الضال والدرهم الضائع الى التشبه بالآب السماوي. ويعلماننا كيف نغيّر طريقة تعاملنا مع الناس، بحيث تتوافق ومواقف الله الاب. فكما ان الله فتح كنوز محبته ورحمته للجميع خاصة للخطأة لئلا ييأسوا من خلاصهم ولا من الله، هكذا نحن علينا ان لا نحتقر ولا نهمل أحداً بل نتجاوب مع الجميع خاصة الخطأة، فخلاص الخطأة يسرُّ الله ويُسبب فرحً في السماء وعلى الأرض. ويمكننا تطبيق القصة على أنفسنا ايضا. فنحن أحيانا كالخروف التائه. كان هذا الخروف ضائعاً، لا يستطيع مساعدة نفسه، كان في خطر، ولم يكن باستطاعته إيجاد طريق الرجعة. كان النبي أشعيا صائباً عندما قال: " كُلُّنا ضَلَلْنا كالغَنَم كُلُّ واحِدٍ مالَ إِلى طَريقِه" (أشعيا 53: 6). ويذكرنا الرسول بطرس اننا رجعنا الى الله بفضل سيدنا يسوع المسيح "فقَد كُنتُم كالغَنَمِ ضالِّين، أَمَّا الآن فقَد رَجَعتُم إِلى راعي نُفوسِكم وحارِسِه" (1بطرس 25:2). ويسوع هو الراعي. انه الراعي الصالح (يوحنا 11:10)، الراعي العظيم (عبرانيين20:13) ورئيس الرعاة (1بطرس 4:5). الراعي الذي ذهب ليبحث عنا، وقد وجدنا فيه رجاءً لا ينقطع بقبول كل نفس مهما كان فسادها. الخلاصة أنفرد لوقا الإنجيلي بذكر ثلاثة أمثال قالها السيد المسيح مؤكِّدا أنه جاء من أجل الخطأة، وأنه يحبهم، وأنه سيقبل الأمم كما يقبل اليهود، مثل الخروف الضال (4-7)، والدرهم المفقود (8-10)، والابن الضال (11-32)، بينما أكتفي القديس متى بذكر مثل الخروف الضال فقط (متى 18: 12-14). ويريد يسوع ان يكشف لنا من خلال مثل الخروف الضال والدرهم الضائع ووجه الله الرحيم. في المثل الخروف الضال يشبه الله رجلا صاحب قطيع كبير مؤلف من مئة خروف. ولا يرضى بان يضيع خروفا واحدا من خرافه. الله لا يرضى بان يهلك إنسان واحد قبل ان يصنع المستحيل لكي يخلصه. انه يبحث عن الخروف الضال بكي يعيده الى الحضيرة آمنا. لو لم يبحت الراعي عن الخروف أيضا، لكان يحق للتسع والتسعين ان تشك بخلاصها، لأنها هي أيضا معرّضة للضلال وتكون بالتالي معرِّضة لعدم اكتراث الراعي. أمَّا مثل الدرهم الضائع فيدور حول امرأة فقيرة لا ترضى ان تفقد دراهما واحدا كذلك الله قلبه رحيم لا يقبل بان يهلك إنسان واحد، لان الانسان في نظره أثمن من ذهب العالم كله. حب الله يبحث عنا، كما بحث الراعي عن خروفه الضال وكما بحثت المرأة عن درهما الضائع. ومن منا لم يكن يوما الخروف الضال او الدرهم الضائع، فلا نياس. الله ارحم الراحمين. كل إنسان هو ابن الله، والناس جميعاً متساوون في عينه. فلا تفرقة عنده بين فريسي وعشار، وبين بار خاطئ والسبب هو ان قيمة الانسان الحقيقية هي انه موضوع محبة من قبل الله، أيا كان وألى آية فئة انتمى. الله محبة، والمحبة لا تفرّق ولا تميِّز ولا تحتقر. وحب الله سابق لحب الانسان " وما تَقومُ عَلَيه المَحَبَّة هو أَنَّه لَسنا نَحنُ أَحبَبْنا الله بل هو أَحَبَّنا فأَرسَلَ ابنَه كَفَّارةً لِخَطايانا. أمَّا نَحنُ فإِنَّنا نُحِبّ لأَنَّه أَحَبَّنا قَبلَ أَن نُحِبَّه" (1 يوحنا 4: 10، 19). ويُحرم من الفرح الحقيقي من يبتعد بإرادته، ويتوه في ملذات هذا العالم، وهذا يحزن السماء عليه جدًا. ولكن عند عودته تفرح السماء به ويحتفظ بمكانه هناك. دعاء انت يا رب، تعرف كل واحد منا باسمه وتحبه وترحمه. شكراً يا رب، لحبك الشخصي والمتميّز لكل واحد منا ولرحمتك اللامتناهية.