موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ٢٦ مايو / أيار ٢٠٢٢

ما معنى عيد الصعود وكيف نعيشه؟

بقلم :
الأب لويس حزبون - فلسطين
ما معنى عيد الصعود وكيف نعيشه؟

ما معنى عيد الصعود وكيف نعيشه؟

 

في خميس الصعود نُعيّدُ صعود ربّنا وإلهنا ومخلّصنا يسوع المسيح إلى السمّاء بعد أربعين يومًا من قيامَتِه وظهوره للتّلاميذ كما جاء في تاريخ أعمال الرسل: "يسوعُ هذا الَّذي رُفِعَ عَنكُم إِلى السَّماء سَيأتي كما رَأَيتُموه ذاهبًا إِلى السَّماء" (أعمال 11:1).  صعود يسوع اللي السماء هو تتويج أفراح القيامة. صعد يسوع إلى السماء بعد أن أتمَّ عمل الفداء وأكمل خطة الخلاص عائدا إلى ملكوته وواعدا تلاميذه بإرسال الروح القدس (يوحنا 18: 36). ومن هنا نسأل ما هي أبعاد عيد الصعود وكيف نعيشه؟ يمكننا أن نميّز ثلاثة أبعاد للصعود على صعيد المسيح والكنيسة وصعيدنا.

 

أولاً: الصعود على صعيد المسيح:

 

عبارة "صعود" من العبرية יַעֲלֶה مأخوذة من سفر المزامير " مَن ذا الَّذي يَصعَدُ جَبَلَ الرَّبِّ ومَنْ ذا الَّذي يُقيمُ في مَقَرِّ قُدْسِه؟" (مزمور 24: 3). للصعود له ثلاث أبعاد وهي تمجيده وتساميه على الكون وتمهيد لعودته.

 

1) الصعود تمجيد المسيح السماوي:

 

إن المسيح قبل أن يعيش على الأرض يمكن القول إنه كان لدى الله كابن، و"كلمة"، وحكمة. فصعوده إلى السماء إلى يمين الأب وإنما هو عودة إلى العالم السماوي الذي منه سبق ونزل من السماء، مسكن الألوهية (رؤيا 1: 5) رحمةً بنا ليفتقد الناس (مزمور144:5). بالصعود والنزول ارتبطت السماء بالأرض (يوحنا 1: 51). وأما جلوس يسوع عن يمين الله فيعني أنه قد أكمل عمله وأن له سلطاناً وقد توّج ملكاً. وبالتالي ما صعوده إلاَّ تعبير عن مجد المسيح السماوي (أعمال 2: 34). ومن ناحية أخرى يشير صعود المسيح إلى الدخول النهائي لناسوت يسوع إلى مقر الله السماوي من حيث سيعود، ويخفيه هذا المقر في هذا الوقت عن عيون البشر. (ت ك 665).

 

وفي الليتورجيا السريانية نجد هذه الصلاة التي تعبّر عن تمجيد المسيح بصعود إلى السماء: “نزل ربّنا بحثًا عن آدم وبعد أن وجد مَن كان ضائعًا، حمله على كتفيه وبالمجد أدخله السماوات معه (لوقا 15: 4). أتى وأظهر لنا أنّه الله؛ ولبس جسدًا وكشف لنا أنّه إنسان. نزل إلى الجحيم وبيّن لنا أنّه مات؛ صعد وتمجّد وأظهر لنا أنّه كبير. فليتبارك مجده!".

 

2) الصعود دلالة على تسامي المسيح على الكون والقوات السماوية (1 قورنتس 15: 24)

 

أنه منذ الآن يجلس على العرش في السماوات ليتقلد السيادة على الكون (أفسس 1: 20-21). ويكشف لنا إنجيل متى سلطان يسوع الذي يتمتع به في السماء وعلى الأرض (متى 28: 18)، وأكد لنا بولس الرسول هذا النصر الذي اكتسبه بالصلب (كولسي 2: 15) وبطاعته (فيلبي 2: 6-11). فالصعود ما هو إلا استمرار لقيامة المسيح واستكمال لعمليّة الفداء. ويقول القديس قبريانس: "لا من لسان بشر ولا ملائكي يستطيع أن يصف كما يجب عظيم الاحتفال والإكرام الذي صار للإله المتجسد بصعوده في هذا اليوم".

 

3) الصعود تمهيد لعودة المسيح في مجيئه الثاني:

 

إن "يسوعُ هذا الَّذي رُفِعَ عَنكُم إِلى السَّماء سَيأتي كما رَأَيتُموه ذاهبًا إِلى السَّماء" (أعمال 1: 11). هذه العبارة تقيم ارتباطاً عميقاً بين ارتفاع المسيح إلى السماء وبين عودته ثانية في آخر الأزمنة، عند التجديد الكلي الشامل (أعمال 3: 21) حينذاك سيأتي كما انطلق (أعمال 11:1)، نازلاً من السماء (1 تسالونيقي 4: 16) على الغمام (رؤيا 14: 14-16)، بينما يصعد مختاروه لملاقاته، هم أيضا على غمام (1 تسالونيقي 4: 17). فالتاريخ يتحرك نحو نقطة محددة هي مجيء يسوع المسيح ثانية ليدين العالم، ويملك على كل المسكونة. ومن هذا المنطلق، ينبغي علينا، أن نكون مستعدين لمجيئه المفاجئ (1 تسالونيقي 5: 2).

 

ثانيا: الصعود على صعيد الكنيسة:

 

الصعود على مستوى الكنيسة هو تمجيدها بحلول الروح القدس: تمجيد المسيح في صعوده كان لا بدَّ أن يسبق تمجيد الكنيسة بحلول الروح القدس. صعد يسوع إلى السماء ليرسل الروح القدس ليحلّ محلّه لدى التلاميذ كما وعد تلاميذه “الرُّوحَ القُدُسَ يَنزِلُ علَيكم فتَنَالون قُدرَةً وتكونونَ لي شُهودًا في أُورَشَليمَ وكُلِّ اليهودِيَّةِ والسَّامِرَة، حتَّى أَقاصي الأَرض (أعمال 1: 8). صعد يسوع إلى السماء كي يرسل روحه ليحلّ محلّه لدى التلاميذ. وبحلول الروح يتحوَّل الرب من كائن معنا إلى كائن فينا؛ أن كائن معنا محدودة، لكن كائن فينا غير محدودة وذلك نتيجة عمل الروح القدس. وهذا مما يؤكده القديس بولس الرسول في صلاته إلى أهل أفسس: "أَن يُقيمَ المسيحُ في قُلوبِكم بالإِيمان" بفعل الروح القدس (أفسس 3: 17)


ثالثا: الصعود على صعيدنا

 

الصعود على صعيدنا له بعدان: التشفع فينا وإعداد لنا مكاناً في السماء.


1) صعود يسوع ليشفع فينا في حضرة الله (عبرانيين9: 14).

 

تصور الرسالة إلى العبرانيين صعود المسيح في ضوء نظرتها لعالم سماوي تقوم فيه حقائق الخلاص، ونحوه تتَّجه مسيرة البشر. إن الكاهن الأعظم، لكي يجلس هناك عن يمين الله (عبرانيين 1: 3) فوق الملائكة (عبرانيين 1: 4-9) صعد أول الجميع، مجتازاً السماوات (عبرانيين 4: 14) يشفع فينا في حضرة الله (عبرانيين9/ 24) على انه الوسيط الذي يضمن لنا فيض الروح القدوس (ت ك 667).


2) الصعود لإعداد مكان لنا في السماء:

 

يعودُ الربّ بالمجد إلى أبيه ليُعدّ لنا مكانًا (يوحنا 14: 1-3). فقد دخل يسوع أولاً تلك الحياة، ليُعدَّ لمختاريه مكاناً، ثم يأتي ويأخذهم إلى هناك ليكونوا على الدوام معه (يوحنا 14: 22). فيسوع المسيح، رأس الكنيسة، سبقنا إلى ملكوت الآب المجيد حتى نحيا نحن، أعضاء جسده، في رجاء أن نكون يوماً معه إلى الأبد (ت ك 666). ويعلق العلامة القديس أوغسطينوس " إن قلبي سيبقى مضطربا إلى إن يستريح فيك تسريح فيك يا الله". وهذا يذكِّرنا بكتاب للكاتبة الروسية التأملية زنتا مورينا بعنوان " جذورنا في السّماء". واليوم يرينا يسوع بصعوده أين هو منزلنا الذي وعدنا به " في بَيتِ أَبي مَنازِلُ كثيرة ولَو لم تَكُنْ، أَتُراني قُلتُ لَكم إِنِّي ذاهِبٌ لأُعِدَّ لَكُم مُقاماً؟ " (يوحنا 14: 2).   

 


خلاصة

 

تحتفل الكنيسة تحتفل بعيد الصعود:

 

أولا: تحتفل الكنيسة تحتفل بعيد الصعود كي نفرح لان الذي نزل من السماء لأجل خلاصنا هو الذي صعد أيضاً فوق جميع السماوات ملك على الأمم، الله جلس على كرسي مجده (مزمور 47: 8)، ولكي يملأ الكل (أفسس 4/ 9-10). وتتطلب الكنيسة من المؤمنين أن يجدِّدوا إيمانهم به كلما يتلون قانونَ الإيمانِ قائِلين: "وَصَعِدَ إلى السّماءِ، وَجَلَسَ عَن يمينِ الآب". هذا هو إيمان الرّسل، هذا هو إيمان الكنيسة الأولى. وهذا هو إيماننا.

 

ثانيا: تحتفل الكنيسة تحتفل بعيد الصعود كي نشكر ونمّجد الرب هو الذي أنهض طبيعتنا الساقطة وأصعدنا وأجلسنا معه في السماويات (أفسس 2: 6). كما يقول القديس أوغسطينوس: "اليوم صعد ربنا يسوع المسيح إلى السماء. ليصعد قلبنا معه. مع كونه هناك، هو معنا هنا أيضا. ونحن مع كوننا هنا، نحن معه أيضا هناك. رفع فوق السماوات، ولكنه ما زال يتألم في الأرض بكل ألم نشعر به نحن أعضاءه. لأنه رأسنا ونحن جسده" PLS 2: 494)). فعيد الصعود هو امتداد لرسالة يسوع وتعْليمِه، كما فهو راس الجسد أي الكنيسة، ونحن أعضاء هذا الجسد كما جاء في تعليم بولس الرسول " فأَنتُم جَسَدُ المَسيح وكُلُّ واحِدٍ مِنكُم عُضوٌ مِنه"(1 قورنتس 12: 27) ويضيف في موضع آخر "وإِذا عَمِلْنا لِلحَقِّ بِالمَحبَّة نَمَونا وتَقدَّمْنا في جَميعِ الوُجوه نَحوَ ذاك الَّذي هو الرَّأس، نَحوَ المسيح" (أفسس 4: 15).

 

ثالثا: تحتفل الكنيسة تحتفل بعيد الصعود ك كي نهيأ نفوسنا لاستقباله: أن يسوع هذا الذي ارتفع عنكم إلى السماء سيعود (أعمال 1: 11) للدينونة (متى 16: 17). وتقوم الكنيسة بإطفاء الشمعة الفصحية القائمة منذ 40 يوما جانب الهيكل وتوضع جانب جرن المعمودية وتُضاء لدى الاحتفال بالعمادات. وهذه الشمعة ترمز لوجود المسيح، نور العالم. يسوع غاب عن أنظارنا، لكنه بقي حاضراً بنعمته، كما هو موجود معنا في القربان، تحت شكلي الخبز والخمر.

 

فكيف نعيش روحانية عيد الصعود؟

 

من أبعاد عيد الصعود تنبع روحانية الصعود متكاملة، مؤسسة على الرجاء، لأنها تجعل المسيحي يحيا منذ الآن في حقيقة العالم الجديد الذي يملك المسيح فيه. إن على المسيحيين وهم في انتظار تلك الساعة، أن يظلوا متَّحدين بفضل الإيمان وأسرار الكنيسة، بسيدهم الممجّد. فعليهم أن يسعوا " إلى الأُمورِ الَّتي في العُلى حَيثُ المسيحُ قد جَلَسَ عن يَمينِ الله"، لأن "حَياتُهم مُحتَجِبةٌ معَ المسيحِ " (قولسي 3: 1-3)، ومدينتهم كائنة في السماوات (فيلبي 3: 20). والبيت السماوي ينتظرهم (2 قورنتس 5: 31) هو المسيح المُمجّد نفسه (فيلبي 3: 21)، "الإنسان السماوي" (1 قورنتس 15: 45-49).

 

على أن المسيحي ليس لذلك فقط أن يكون منسلخاً عن العالم، بل له رسالة على أن يحيا فيه بطريقة جديدة، وهي تحرك العالم نحو المجد الذي يدعوه الله إليه. في هذا العصر تزايد اضطهاد المسيحيين أكثر من أي عصر مضى. لكن العداء والخطيئة والخوف والرعب والمعاناة على الأرض ليس لها الكلمة الأخيرة. سيعود يسوع بالمجد والبهاء ويُضفي سيطرة على ممالك هذا العالم.

 

الصعود عيد يسوع نعترف به مسيحاً، نعترف به ربّاً ارتفع ليجتذب الجميع ويصل كلمته إلى العالم كله. ومن هنا علينا أن نتابع كرازة الإنجيل كما أوصانا الرب "إِنِّي أُوليتُ كُلَّ سُلطانٍ في السَّماءِ والأَرض، فاذهَبوا وتَلمِذوا جَميعَ الأُمَم، وعَمِّدوهم بِاسْمِ الآبِ والابْنِ والرُّوحَ القُدُس، وعَلِّموهم أَن يَحفَظوا كُلَّ ما أَوصَيتُكُم به، وهاءنذا معَكم طَوالَ الأَيَّامِ إِلى نِهايةِ العالَم" (متى 28: 18-20).

 

التلاميذ لم يعيشوا كل الأيام في حين الكنيسة تدوم إلى الأبد (أعمال 1: 4-9). وعلينا أن نعلن انتظارنا لمجيئه الثاني. إنه سيأتي كما صعد، لذلك انتظار مجيء المسيح عقيدة موجودة في قانون الإيمان "ننتظر قيامة الأموات وحياة الدهر الآتي آمين".

 

ومع الليتورجيا السريانيّة نردد "يوم ولادته، فرحت مريم؛ يوم مماته، تزلزلت الأرض. يوم قيامته، تزعزعت ظلمات الجحيم؛ يوم صعوده، اغتبطت السماوات. فليتبارك صعوده!". والقديس ابيفانوس يقول: أن هذا اليوم هو مجد بقية الأعياد وشرفها لأنه يتضح أن الرب أكمل في هذا العيد عمل الراعي العظيم (لوقا 15/ 4-7). فالكنيسة تدعونا لتحمل مسؤولية الشهادة لرسالة الإنجيل التي تركه لنا السيد المسيح وإعلانها بعون الروح القدس وإرشاداته. فليؤيدنا الرب للقيام بمسؤوليتنا، وشهادتنا كلٌ في موقعه وحسب طاقاته كي نواصل الرسالة التي بدأها يسوع فنصير ليسوا شهود عياّن كالجماعة المسيحية الأولى بل شهود عنه بالإيمان.

 

في أي مزار يُحيي المؤمنون ذكرى صعود الرب؟

 

بُني مزار على قمة جبل الزيتون في القدس كي يُحيي صعود الرب يسوع إلى السماء. إذ يروي لوقا الإنجيلي أن السيد المسيح – بعد أربعين يوماً من قيامته “خَرَجَ بِهم إِلى القُرْبِ مِن بَيتَ عَنْيا، ورَفَعَ يَدَيهِ فبارَكَهم. وبَينَما هو يُبارِكُهم اِنفَصَلَ عَنهم ورُفِعَ إِلى السَّماءِ "(لوقا 24/ 50 -52 أعمال الرسل 1/ 1-12).

 

وفي عام 378 شيّدت بومينا إمراء تقية من عائلة الإمبراطور كنيسة بيزنطية عرفت باسم “امبومن” أي “على المرتفع”. وهي عبارة عن بناء مستدير الشكل بلا سقف ليدل الجميع على طريق السماء تتوسطه الصخرة المباركة حيث ارتفع المخلص تاركاً أثر قديمة الطاهرتين. وأرضيتها مرصوفة بالفسيفساء.


في عام 614 دمّر كسرى ملك الفرس مزار الصعود. وبعد سنتين قام البطريرك مودستس بترميم الكنيسة. وإبان الفتح العربي عام 638 حافظ المسلمون على الكنيسة. ولكن السلطان الفاطمي الحاكم بأمر الله منصور بن العزيز أمر بهدم الكنيسة عام 1009.


وفي القرن الثاني عشر بنى الصليبيون كنيسة مثمنة الشكل فوق أنقاض الكنيسة المهدمة ويتوسطها بناء مستدير يحوي مذبحاً تحته صخرة تشير إلى موقع صعود الرب.

 

وفي عام 1187 هدم صلاح الدين الأيوبي الكنيسة ولم يبق سوى المزار الصغير المثمن الشكل في وسط الساحة. وتحوّلت ممتلكات الكنيسة إلى وقف إسلامي عام 1198. ويعلو المزار قبة أقامها المسلمون عام 1200 ولم يُنصب على القبة صليب أو هلال بل عمود رخامي ليشير أن المزار هو مكان صلاة لجميع المؤمنين. اذ يؤيد القرآن الكريم رواية الصعود بقوله “إِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ (سورة آل عمران 55).


يذهب الآباء الفرنسيسكان والطوائف الأخرى: الروم الأرثوذكس والأرمن والأقباط والسريان كل سنة في عشية عيد الصعود إلى هذا المقام الشريف فيقضون الليل هناك تحت الخيام، ثم يجتمع الشعب في صباح العيد لحضور المراسيم الدينية وتلاوة التسابيح وصلاة المزامير. ويجدر بنا أن نورد ما تأمله يوما القديس أوغسطينوس “هنا عاش المسيح. هنا أثر قدميه الطاهرتين فلنؤدي له الإكرام حيث أراد أن يقف في المكان الأخير. ومنه صعد إلى السماء وأرسل تلاميذه إلى العالم”. ولنتذكر ما وعدنا به الرب: “وهاءنذا معَكم طَوالَ الأَيَّامِ إِلى نِهايةِ العالَم” (متى 28/ 20).