موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الإثنين، ٥ ديسمبر / كانون الأول ٢٠٢٢

لماذا تجسدت يا رب!

بقلم :
بسام دعيبس - الأردن
ان الايمان بالتجسد الحقيقي هو العلامة المميزة للمؤمن المسيحي

ان الايمان بالتجسد الحقيقي هو العلامة المميزة للمؤمن المسيحي

 

 يا رب: نحن لا نملك الحق ان نسائلك باسرارك المقدسة، ولكننا نسأل ونسائل انفسنا، لان لنا عيون ولا تبصر وآذان ولا تسمع كما يقول ارميا النبي، فما من احد بدونك يفهم ويحكم بالصواب، فليسكت جميع المتكلمين في حضرتك، وانت وحدك كلمنا، فانت الكلمة ومنك وحدك كل شيء، وعنك وحدك نتكلم ويتكلم كل شيء، ومعك وبك تثبت قلوبنا ونستمر في سلامك، ونزداد قوة فيك، ونحرز تقدما في معرفتك، ونتواضع بدل العظمة، مهملين ارادة انفسنا، عاملين بكلمتك، وارادتك وصلاحك.

 

في قانون الايمان المسيحي، نصلي ونقول … من اجلنا نحن البشر ومن اجل خلاصنا نزل من السماء، بالروح القدس تجسد من مريم العذراء، وصار انسانا،  صار الكلمة جسدا ليخلصنا بمصالحتنا مع الله، ولكي نعرف محبة الله للبشر ، بأنه ارسل ابنه الوحيد الى العالم لنحيا به، ولكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل لتكون له الحياة الابدية، كما ان الكلمة صار جسدا، ليكون لنا مثالا في القداسة، وليجعلنا شركاء في الطبيعة الالهية،

 

ان حقيقة التجسد وغايتها تجلت كثيرا في رسائل القديس بولس، ويمكن تلخيصها على النحو التالي:

 

إن القديس بولس أعلن بشارة الله في شأن ابنه الذي ولد من نسل داؤد، بحسب الطبيعة البشرية (روما 1 :3-4)، وتكلم عن التجسد في اكثر من مكان. فهو يعلمنا أنه من أجل أن يوطد الله السلام والشركة معه، والتوافق الاخوي بين البشر وهم الخطأة، قرر ان يدخل دخولا جديدا ونهائيا في تاريخ البشرية، فأرسل ابنه في الجسد البشري لكي ينجي به البشر من سلطان الظلمات (قولوسي 13:1 )، ويصالح به العالم (2 قورنتوس 19:5)، ويجعلنا ايضا ورثة يجدد به كل شيء (افسس 10:1).

 

وهو يعلمنا ايضا، أنه حين كنا قاصرين كنا في حكم اركان العالم عبيدا ، ولما تم ملء الزمان ارسل الله ابنه مولودا لامراة، مولودا في حكم الشريعة ليفتدي الذين هم في حكم الشريعة فنحظى بالتبني (غلاطية 4: 5)، وهذا كله بفضل الروح، روح الاب والابن الذي لا تجديد بدونه، والدليل على كونكم ابناء الله ارسل روح ابنه الى قلوبنا، الروح الذي ينادي : يا أبت فلست بعد عبدا بل ابن، واذا كنت ابنا فانت وارث بفضل الله (غلاطية 5: 4).

 

فالمسيح يسوع أرسله الله الى العالم وسيطا حقيقيا بينه وبين البشر، وبما انه الله، فيه يحل جميع كمال الألوهية حلولا جسديا (قولسي 9:2 )، وهو في طبيعته أدم الجديد، وهكذا جاء ابن الله عن طريق التجسد الحقيقي حتى يشركنا نحن البشر في الطبيعة الالهية. وهذا ما يميز المسيحية في العمق من حيث محبة الله وايمانه بالانسان.

 

ويصل القديس بولس الى ذروة التعليم عن التجسد حين يقول: "ان المسيح في صورة الله لم يعد مساواته لله غنيمة بل تجرد من ذاته متخذا صورة العبد وصار على مثال البشر، وظهر في هيئة انسان فوضع نفسه واطاع حتى الموت موت الصليب" (فيلبي 12 :6-8). لقد احبنا الابن وتجسد وصار مثلنا في كل شي ما عدا الخطيئة.

 

ولد في مذود حيث لم يكن لهما موضع في المضافة، وكانت علامة المجوس طفلا مقمطا مضجعا في مذود، كما اعلن وهو بعمر اثني عشر سنة انه لا شي له وانه ينبغي ان يكون لأبيه، فرح مع الفرحين وشارك في عرس قانا الجليل، وجلس على الماّدب مع مدعويه، وحزن مع الحزانى، فبكي على لعازر وعلى مصير اورشليم لخرابها، وغضب لتدنيس الهيكل، وخاف من الموت، وصلى حتى تزول عنه هذه الكأس، وأحب خاصته حتى انه بذل نفسه من اجلها.

 

ان قيمة الجسد وكرامته تكمن في سري التجسد والفداء فعمل يسوع الخلاصي ما كان للجسد وحده او للروح وحدها انما للاثنين معا ، فقيمة الجسد تنبع من ان يسوع اتخذ بالفعل جسدا بشريا (كما ورد في غلاطية 1 :22) فصار لعنه لاجلنا واخضعه الله لسلطان الموت مرة واحدة ونهائية ، محولا بذلك لعنة الشريعة الى بركة.

 

ان  القديس بولس يطالبنا كبشر مشابهين لصورة الابن، الذي هو البكر بين اخوة كثيرين، ان نشهد لتجسده ونجعله موجودا بقوة في قلوبنا وفي العالم ، وان نفرح بالرب في كل حين، ونتقبل بواكير الروح، لتجعلنا قادرين على انجاز شريعة المحبة الجديدة.

 

ان الايمان بالتجسد الحقيقي هو العلامة المميزة للمؤمن المسيحي، لانه بذلك يعرف روح الله، وان كل روح يعترف بان يسوع المسيح قد أتى بالجسد هو من الله، وهذا هو ايمان الكنيسة منذ البدء، عندما نتغنى بسر التقوى العظيم الذي ظهر في الجسد، وان ايمان الكنيسة، يقوم على ان المسيح اله حق وانسان حق، بغير انفصال، وانه ابن الله الذي صار انسانا، من غير ان يتوقف عن ان يكون الها، بعكس البدع والهرطقات التي  ظهرت في ذلك الحين والتي انكرت ناسوت المسيح الحقيقي.

 

لقد اصبح الله غير المنظور بطبيعته منظورا لعيوننا، وان ميزات جسد المسيح الفردية تعبر عن شخص ابن الله الالهي، وان قلب يسوع المتجسد عرفنا وأحبنا جميعا، واحب كل واحد بمفرده،  في حياته ونزاعه والامه، طعن بآثامنا ولاجل خلاصنا، واسلم ذاته على الصليب فداء لكل واحد منا،

 

والان نستطيع ان ندرك،لماذا تجسدت يا يسوع ولاي غاية، كانت غايتك في دعوتنا الى التوبة والايمان بالبشارة لان الوقت حان واقترب ملكوت الله،  كانت غايتك ان تعطينا بشارة جديدة، فالتاريخ شارف على نهايته، وانك ستملك قريبا، كانت غايتك ان نبدل حياتنا، ونقلع عن خطايانا، والا نقيم وزنا للصعوبات التي تعترضنا، وان نجتازها الى البشارة الجديدة.

 

كم انت عظيم يا رب فقد وضعت اسرارا عظيمة في الليلة التي اسُلمت فيها ومنها سر القربان الاقدس، "من أكل جسدي وشرب دمي ثبت فيّ وثبت فيه" (يوحنا 6:6).

 

يا رب: انت الذي اطعمتنا من لباب الحنطة واشبعتنا من الصخرة عسلا، اجعلنا نقبل على سرك  ومائدة حبك، ونتناول  ونحن على استحقاق جسدك ودمك، ونصنع هذا لذكرك، ونظل نخبر بموتك الى ان تأتي، فجسدك ودمك حقيقة وحياة، وبحبك لنا نجد السلامة والنجاة.

 

تحتفل الكنيسة الكاثوليكيّة بعيد خميس الجسد، تمجيدًا وتعظيمًا للقربان المقدّس، جسد ودم يسوع المسيح المُعطى لنا لمغفرة الخطايا ولننال ميراث الحياة الأبديّة. واود ان اورد لكم ما يلي:

 

حدث عام 1825 في مدينة زحله في لبنان،…ان فتك مرض الطاعون بالمدينة وهلك الالاف من اهلها، فقرر مطران البلدة ان يطوف بالقربان المقدس في شوارع المدينة ويبارك اهلها، فكان ذلك، وحلت الاعجوبة، وشفي الاهالي، فاصبح التطواف بالقربان المقدس في عيد خميس الجسد تقليدا سنوياً حتى الان، فلنصلي فالصلاة لجسد الرب  تصنع المعجزات، وتشفى المرضى.

 

يا رب... اجعلنا نقبل على مائدتك أحبة واخوانا، ونقدم لك ذواتنا ذبيحة وقربانا، ونكسر خبزنا للجائعين رحمة واحسانا، ويا ايها الروح القدس رسخنا ترسيخا اعمق في حقيقتي التجسد والقيامة، وفي البنوة الالهية، ثبت ايماننا في جسد المسيح، ومتن ارتباطنا بالكنيسة، واشركنا اكثر في رسالتها، وساعدنا في اداء شهادة الايمان المسيحي… آمين.