موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأحد، ٢٠ فبراير / شباط ٢٠٢٢

لا تخدعوهم

رمزي الغزوي

رمزي الغزوي

رمزي الغزوي :

 

يطغى علينا مشهد التحضير للانتخابات البلدية المنتظرة، فتتلبد في الأجواء غيوم عقيمة من الوهم والأكاذيب والدهلزة والنفاق، تجعل كل مرشح يعتقد أنه ناجح لا محالة، وأن الكرسي مضمون له، وأنه سيد الموسم، المهدي المنتظر، المخلص الذي سيحل كل مشاكلنا، ويزفت شوارعنا ويسيّر مشاريعنا المتعثرة، بعصاه السحرية ومكنسته الطائرة.

 

من هذا الباب المخاتل ربما حق لأحد مرشحي رئاسة البلدية ذات سنة غابرة، أن يطبن (يحلف) يميناً غليظة على الملأ، بأنه سينال ما لا يقل عن عشرة آلاف صوت. ففي وجدانه أن كلَّ من سلَّم عليه، أو هشَّ بوجهه، أو بشَّ لأحد أولاده، أو قال على سبيل حسن التخلص: (ابشر)، (لعيناك)، (أنا خرطوش فردك)، فإنه سيصب له بصوته، مع أقاربه وجيران جيرانه. مع العلم أن هذا المرشح المغرر به المغرور يعرف أن العدد الكلي لأصوات بلدته لا يتجاوز الثمانية آلاف صوت.

 

لا يهمنا ما ناله مرشحنا الموهوم من أصوات، لم تقمه عظماً (على رأي واحد من الطوبرجية)، ولكنه لم يتجاوز الأربعمائة صوت، إذا لم تخني الذاكرة. بل ما يهمني أن الضبابية كانت وما زالت سيدة المشاهد الانتخابية، وستبقى ما دام الواحد منا يخشى الحقيقة، ولا يستطيع أن يقول للأعور أعور بعينه. أو أن يقول لمرشح: يا رجل أنت لست أهلاً لها. البلدية ليست جحشاً واطئا.

 

من وجه ثان سيعتقد بعض المرشحين أنك إن صدقته القول، فإنك تضع العصي في دولابه، وتتمنى لجهوده أن تبور، ولهذا سيتجنبك ويبعدك من دائرة اهتمامه، فأنت بنظره ممن يكسرون المجاذيف، ويوصدون الأبواب.

 

ثمة شيء مؤلم في هذه القضية. فيبدو لي أن أكثر الناس بات يستهويها سقوط الآخرين. فهذا شيء يفرح دواخلهم. أو ربما يحبون هذا السقوط، مستندين إلى نظرية (ساعده على السقوط) التي تقول: إن الذي لا يعرف الطيران، عليك أن تدفعه ليسقط مبكراً.

 

ولدينا حركة أكثر لؤما، أننا نتواطأ مع الحقيقة ونواربها ونخاتلها؛ لأننا نحب رؤية المغرورين المنفوخين بالخواء يرتفعون عاليا وبعيدا في سماء الوهم حتى إذا ما سقطوا، كان سقوطهم مدويا مجلجلا متشظيا عنيفاً.

 

(الدستور الأردنية)