موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الإثنين، ٢٤ مايو / أيار ٢٠٢١

قوة الكنيسة لا في فخامة مبانيها، إنما في روح الله الساكن فيها

بقلم :
الأب انطونيوس مقار ابراهيم - لبنان
نعم لكنيسة المسيح وجسده

نعم لكنيسة المسيح وجسده

 

الكنيسة الكنيسة قلبٌ نابضٌ، يخفق على الدوام على إيقاع قلوب البشر.

 

الكنيسة الكنيسة يدٌ ممدودةٌ دائمًا للناس أجمعين، في كلّ زمانٍ ومكان.  

 

الكنيسة الكنيسة على أهبةٍ دائمة لتقديم المعونة ولتضميد الجراح النازفة.

 

هي ابنة الإنجيل، البشرى السارّة، وهي عروس الكلمة الحقّ، الكلمة الإلهيّ.

 

هنا يكمن سرّها؛ ليس إذًا في كونها حجارةً مرتفعةً بناءً عاليًا متقنًا، أو متواضعًا بسيطًا، بل كجماعة مؤمنين، يؤلّفون باتّحادهم، جسد المسيح السرّيّ. لذا، فإنّ أجمل ما يمكننا رؤيته هو مشهد الأخوّة الصادقة التي تتجلّى في أبهى المظاهر الروحيّة والمعنويّة والإنسانيّة؛ فلا غنيّ ولا فقير، ولا وجيه ولا حقير، لا كبير ولا صغير، ولا حاكم ولا محكوم، لا عالم ولا جاهل ولا وضيع ولا رفيع، لا غريب ولا قريب، ولا رجل ولا امرأة. تتلاشى هذه الفوارق كلّها في نار محبّة المسيح التي تجمعنا وتصيّرنا واحدًا، على اختلافاتنا لأنّ المحبّة تجمع ولا تفرّق، توحّد ولا تقسّم، تبني ولا تهدم، تصلح ولا تخرّب.

 

جميعنا مدعوّون، كلٌّ بمفرده، لنكون هذه الكنيسة، عطيّة المسيح البشريّة، للبشريّة؛ بما أنّ حجارتها من البشر وعملَها للبشر من خلال التعاون والمشاركة بنسغ الإخاء الصادق المحبّ.

 

لا تعيش الكنيسة على العواطف والأحاسيس فحسب، بل دمها عملٌ إلى جانب الجائع والعطشان، والمريض والوحيد، والمظلوم والمتعب، وإلى ما هنالك من آلامٍ في دروب الحياة.

 

لا تتنفّس الكنيسة أفكارًا وأحلامًا وذكريات فحسب، بل هواؤها الاقتداء بالمسيح وتجسيد بشارته السارّة فتقدّمه بهيًّا كما هو، لمن لا يعرفونه.

 

لذا، فكلّ مسيحيّ (أو مسيحيّة) يهمل دوره أو يتجاهله، لا يحقّ له أن يحمل هذا الاسم ولا ننسى أنّنا وسمنا بهذا الوسم عند معموديّتنا، فهل نفرّط فيه، ومقابل ماذا؟

 

وكلّ كنيسة وكل جماعة تُقَصِّر في واجباتها وتعمل ما يخلق الفوارق والخلافات لا يحقّ لها أن تكون على اسم المسيح.

 

الجماعة المتّحدة في المسيح هي جماعة قادرة على تخطّي الصعاب كلّها، وكلّ خلل مادّيّ أو مرض أو فقر وأصعب من هذا كلّه مرض النفس ولا يُخفى على أحد أنّ هذا المرض هو شرٌّ كامنٌ في زوايا القلوب وخطيئة رابضة في مخادع النفوس وسمُهَّا أكثرُ فتكًا من سُمّ الحيّات والعقارب، لذا فقد أعطانا يسوع السلطان على أن ندوس الحيّات والعقارب وكلّ قوّة العدّو وحيله. قدّم لنا يسوع ذاته على الصليب لنكون كنيسة حيّة نتغذّى دائمًا وأبدًا بجسده ودمه في الذبيحة اليوميّة غير الدمويّة وبكلمته المقدّسة كلمة الروح والحياة فهو الطريق والحقّ والحياة. هو طريقنا في سبيل هذه الحياة الوعر، هو الحقّ الذي نفتّش عنه على الدوام ولا نرتاح بمعزلٍ عنه، هو الحياة لأنّه ما جاء إلينا إلّا ليعطيَنا، إلى جانب مغفرة الخطايا، إمكانيّة المشاركة في الحياة الثالوثيّة الأبديّة.

 

إذًا فقوّة الكنيسة ليست في فخامة البناء ولا في غنى المؤسّسات ولا في أيّ مظهرٍ آخر، إنّما قوّتها في روح الله ربّانها الدائم نحو ميناء السلام، ميناء قلب الله.

 

لذا، فنحن نريدها كنيسة قويّة وفعّالة ونقول بكل شجاعة لا:

 

لا لكنيسة فاتِرة وقاسية ومُتحجِّرة تصنع منّا عبيدًا لخدمتها وجنودًا لحمايتها.

 

لا لكنيسة غارقة في السّعي الدّبلوماسيّ إلى السّلطة، والبحث الدّوؤب عن المال والاغتناه، والتّخبّط المحزن والمعثر في الأمور الدّنيويّة (بالمعنى السّلبيّ) والأهواء الغراميّة.

 

لا لكنيسة منجرفة نحو ما تحذّرنا منه رسالةُ القِدّيس يُوحنّا الأوْلى: «شَهوَةِ الجَسَد وشَهوَةِ العَين وكِبرياءِ الغِنى» (1 يو 2/ 16)، وما حذّرنا منه عريسها أيضًا: «مَرْثَا، مَرْثَا، أَنْتِ تَهْتَمِّينَ وَتَضْطَرِبِينَ لأَجْلِ أُمُورٍ كَثِيرَةٍ، وَلَكِنَّ الْحَاجَةَ إِلَى وَاحِدٍ. فَاخْتَارَتْ مَرْيَمُ النَّصِيبَ الصَّالِحَ الَّذِي لَنْ يُنْزَعَ مِنْهَا» (لو10/ 41).

 

لا لكنيسة تركت "حُبَّها الأَوَّل" (راجع رؤ 2/ 4)، وانطَلقت وَراءَ "عُشَّاقها" (راجع هو 2/ 7)؛

 

لنقل معًا وبشجاعة:

 

نعم لكلِّ قولِ حقٍّ ولكلِّ عملِ محبّةٍ.

 

نعم لكنيسة المسيح وجسده، التي أَحَبَّها «وجادَ بِنَفسِه مِن أَجْلِها لِيُقدَسَها مُطهِّرًا إِيَّاها بِغُسلِ الماءِ وكَلِمَةٍ تَصحَبُه، فيَزُفَّها إِلى نَفْسِه كَنيسةً سَنِيَّة لا دَنَسَ فيها ولا تَغَضُّنَ ولا ما أَشْبهَ ذلِك، بل مُقدَّسةٌ بِلا عَيب» (أف 5/ 25-27). فهي الكنيسة الواحدة المقدّسة الجامعة الرّسوليّة: الأم الحنون التي تلد أبناءها وبناتها في المعمودية، وترعاهم وتعلّمهم بواسطة الأسرار والحياة الكنسيّة وقداسة قادتها وشعبها.

 

نعم للكنيسة التي قيل عنها: «فهُناكَ جَسَدٌ واحِدٌ ورُوحٌ واحِد، كما أَنَّكم دُعيتُم دَعوَةً رَجاؤُها واحِد. وهُناكَ رَبٌّ واحِدٌ وإِيمانٌ واحِدٌ ومَعْمودِيَّةٌ واحِدة، وإِلهٌ واحِدٌ أَبٌ لِجَميعِ الخَلْقِ وفوقَهم جَميعًا، يَعمَلُ بِهم جَميعًا وهو فيهِم جَميعًا. كُلُّ واحِدٍ مِنَّا أُعطيَ نَصيبَه مِنَ النِّعمَةِ على مِقْدارِ هِبَةِ المسيح (أف 4/ 4-7).