موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
هل موعدي كل أحد، وربما كل يوم، مع القداس، ويسمى "الذبيحة الإلهية"؟ ففي وصيتها تقول الكنيسة "اسمع القداس أيام الآحاد". فإن كان ذلك إذاً علينا أن ندرك ما هو القداس؟ ولماذا نحضره؟ وكيف نشارك فيه؟ وهل هو واجب علينا؟ أمام كل هذه الأسئلة سندرك في هذا المقال ماهية القداس أو كما يسمى "الذبيحة الإلهية".
القداس أو "الذبيحة الإلهية": هو واجب كنسي بل إلهي "قدّس يوم الرب"، إنه فريضة إيمان. وهو واجب اجتماعي. وأسأل: هل أذهب إلى لقاء الآخر عبر القداس، عبر الذبيحة الإلهية، كما أوصانا الله، أم أذهب لاعتبارات بشرية في لقاء الآخرين من أصدقاء وأقرباء ومعارف لأفتش عن مصالحي وأفتش عن الآخر "صديقي" وما هو ضروري لإبني أو ابنتي أو أموراً أخرى كثيرة؟ وإن كانت هذه طلباتي فهي محدودة، فالقداس يتعدى هذه الأمور بمعناه وأهدافه وبطريقة عيشه في مسيرة حياة الإنسان.
نعم، إن يسوع علّمنا أننا لا نستطيع العيش دون علاقة مع الآخر ومع الكون وأيّاً كان، لأنه لو حُرمنا من هذه كلها ربما لا نستطيع أن نحيا، لأنها لنا ومنّا ونحن لا نريد إلا ما نشاء.
وهذه الحقائق هي ثقيلة بالمعنى البشري، ومن خلالها يريد المسيح الحي أن يُشركنا في حقائق أسمى من التي نفتش أو نسأل عنها. فهناك القيامة والموت والصلب، وعبر هذه الأمور نلتقي المسيح الحي فنكون معه جسداً واحداً ونتّحد به ونكوّن معه وليمة حية وهي الحياة باسمه، وليمة خبز وخمر، فهو الذي قال:"جسدي مأكلٌ حق، ودمي مشربٌ حق" (يو55:6) وهنا تكمن الافخارستيا، ففيها ينتج ويتحوّل عبر روح الحق وبالاتحاد مع المسيح القائم إلى جسد ودم المسيح، والشخص الذي يتناول بإيمان يُدرك أنه واحد مع الجماعة لأنه يكوّن مع الجماعة جسداً واحداً.
فالافخارستيا وليمة للتقاسم، وهذه الوليمة تغذّي وتجمع أبناءها في جلسة واحدة، إنها مائدة يسوع. وتتحقق فيها الوحدة، إنها وحدة الكنائس. فهي وليمة في المقاسمة والصداقة، إنها وليمة العهد الذي قطعه المسيح للمؤمن، وهذا العهد يسيطر وينبع من الافخارستيا التي منها تتكوّن الذبيحة لأنها سرّ الفصح، سرّ موت وقيامة المسيح. والمسيح قبل أن يؤسس هذا السر انتظر فصح اليهود ليكون هو الفصح الآتي والمزمع أن يكون حتى نهاية الأزمنة. إنه سرّ محبة الله لجماعة البشر والمؤمنين "ليس لأحدٍ حبٌّ أعظم من أن يبذل نفسه في سبيل أحبّائه" (يو13:15).
فالقداس ذبيحة حب قبل أن يكون أي شيء آخر. إنه ذبيحة المسيح في حياته وموته وحبه وعطاءه. إنه يدعونا لنأكل جسده ونشرب دمه، فهو بذلك يدعونا لنكون مع ذبيحته من أجل الآخرين فنصبح واحداً معه. فاشتراكنا في ذبيحة حياته هي أن نحيا معه في مسيرة أيامنا حتى النهاية.
كلنا نعلم أنّ المسيح قدّم ذاته ذبيحة فداء عني وعن البشر أجمعين، وأراد أن تستمر هذه الذبيحة كعلامة حب وعطاء في كنيسته عبر الأجيال وإلى نهايتها. فعبارة "اصنعوا هذا لذكري" هي شاهدة على كلامه وحبه لنا ومن أجلنا لكي نُحيي دائماً ذكرى موته وقيامته ونستعد لمجيئه الثاني، إذ نحيا حضوره فيحيا بيننا. من هنا ندرك أن القداس ما هو إلا محور حياتنا وحياتنا المسيحية والطقسية، فهو أسمى من فعل تقدمة البشرية لله. إنه الافخارستيا، ذبيحة شكر لذكره، وإشادة بمحبته اللامتناهية، وعلامة لزرع الفرح بحضوره معنا في وسط الجماعة التي اجتمعت وآمنت به. لذلك علينا أن نتهيأ للاشتراك في القداس، الذبيحة الإلهية، الافخارستيا، حياتياً وليتورجياً، فنحن لسنا مشاهدين لمسرحية تقام بين الكاهن والشمامسة أو بين الكاهن والحاضرين وربما المستمعين، بل علينا أن نشترك فيه لكي نقدس مع الكاهن ونحصل على النعمة المرجوّة والتي من أجلها أتينا إلى الكنيسة لنصلّي ونقدّس ونكسر الخبز ونبارك كأس الرب والتي تباركنا، لذا عليّ:
أن أستعد روحياً ونفسياً لمجيئي للقداس إذ تقول الوصية "قدّس يوم الرب". ففي الأسبوع الواحد يوم مخصص لعبادة رب السماء والذي يتطلب مني انتباهاً خاشعاً لحركات الكاهن والشماس المليئة بالمعاني والأمور والرموز، ومن هنا يجب الإصغاء الجيد إلى كلمات الرسالة والإنجيل والقراءات والطلبات الأخرى لأكون ليس مستمعاً فقط بل مشاركاً. لذا عليّ أن لا أهتم بأمور بعيدة عن صلاة القداس لكي لا أتشتّت بالأفكار بأمور أخرى جانبية بل عليّ محاولة الاشتراك قدر الإمكان بالصلوات والتراتيل لأنني أنا في بيت الله، وبيت الله هو بيت صلاة ولا شيء آخر، أي أن أنتبه للقداس. لذا عليّ أن أهيئ نفسي وجسدي إلى المناولة والتأمل في حب المسيح الذي جعلني أتقاسم معه جسده ودمه وبذلك ألتقي معه في القداس، وأنقل إلى العالم ما أخذتُ وما حملتُ من حبّه.
واليوم أصبح كل شيء مباحاً، ما أحتاج وما أريد وما أشاء. فحينما أريد الذهاب إلى الكنيسة أذهب، وحينما لا أريد لا أذهب، والوصية تقول "قدّس يوم الرب". فأحلى تقديس ليوم الرب هو حضور الذبيحة الإلهية، القداس الإلهي في يوم الأحد. وعليّ أن أعيش نهاري بعد سماع القداس والاشتراك به غير ما كنتُ أنا عليه، وإلا ما فائدة الذبيحة الإلهية والقداس. إذاً، كيف أقدس يوم الرب... أليس كذلك!