موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
عيد الصعود الإلهي السابق للعنصرة هو عيد تحييه الكنيسة في كل عام بعد انقضاء أربعين يوماً على قيامة السيد المسيح له المجد. ويعتبر العيد من الأعياد السيادية في الكنيسة الجامعة التي تحتفل به في كل عام بفرح وابتهاج عظيم واستكمالاً لمسيرة نشر البشارة على مثال تلاميذ يسوع الرسل الأولين. ويعتبر العيد الذي يليه، عيد العنصرة، هو يوم ميلاد الكنيسة الأم في القدس، التي تسمى أم الكنائس كلها، كنيسة القيامة وكنيسة الروح القدس, لذلك يحيي المكرسون العنصرة في هذا اليوم على اختلاف مراتبهم الكنسية وفي كافة كنائسهم حول العالم الصلوات والقداديس ويشاركونهم بذلك أبناء الكنيسة المؤمنين. إذا ما نظرنا إلى كل من صعود المسيح له المجد وحلول الروح القدس على الرسل، فإن يوم العنصرة لم يكن يوماً عادياً في تاريخ الرسل والكنيسة, بل كان يوماً مفصلياً في حياة الكنيسة الأولى وانطلاقها. وتروي الأناجيل الأربعة حكاية يسوع كيف ظهر بعد قيامته لتلاميذه في العلية، التي أصبحت فيما "سدة الكنيسة" وانعموا فيها بمواهب الروح القدس بعد صعوده إلى السماء. ورغم ألم الفراق الذي انتاب التلاميذ، يوم الصعود، فإن مواهب العلي التي تلقوها بعد عشرة أيام قد ملأت قلوبهم, فرحين مهللين محملين بنعم الروح القدس التي نالوها. إن عيد الصعود هو متتم حصاد الفصح المجيد واليوم الأخير لحياة يسوع على الأرض بالجسد, يجعلنا نرى في ذكرى هذا اليوم العظيم التجليات والرموز الكبيرة والجليلة لنحيا مع هذا العيد بفرح. كما نتأمل في عيد العنصرة بحلول الروح، لننال قوة ونعمة كما قال يسوع لتلاميذه "ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم وتكونو لي شهوداً في أورشليم وفي كل اليهودية والسامرة وحتى أقاصي الأرض" (أع 8:1). وتأتي أهمية عيد الصعود وإحياء ذكرى الاحتفال به للتأكيد من جديد بأن يسوع القائم من الموت بصعوده إلى السماء قد أتم عمل الفداء الخلاصي, الذي أرسل من أجله لجميع البشر, وحان وقت رجوعه لحضن الآب السماوي إلى حين عودته مرة أخرى كما قال: "وأما الآن فأنا ماض إلى الذي أرسلني، وليس أحد منكم يسألني أين تمضي" (يوحنا 1:16). واهمية الاحتفال به تأتي لندرك تماماً أن الصعود كما جاء لتمجيد يسوع, جاء أيضاً لتحقيق خلاصنا وخلاص البشرية. نعم البشرية التي أجلسها يسوع عن يمين مجد الله الآب بجسده, ليتربع على عرش بكر القائمين بقيامته, وبكر الطبيعة البشرية بصعوده. نعم كان صعباً ومؤلماً فراق يسوع لتلاميذه يوم الصعود, ولا شك في أنهم كانوا خائفين ومشتتين الفكر ولا يعرفون كيف سيتصرفون من بعده. مثلنا تماماً في هذه الأيام، وما أشبه اليوم بالأمس! ونحن نعيد ذكرى الصعود ومشاعرنا مضطربة ما بين فرح الصعود وألم الفراق, وما زلنا نتساءل كم نحن، بل والعالم بأسره اليوم، أصبحنا لا نعيش النقيضين بعدل "الفرح والحزن" بل الحزن أكثر، وبعيدين عن مواهب الروح القدس وبحاجة ماسة إلى وجود حكمة ومحبة ومخافة الله, لكي نتغلب على الألم والخوف والرعب والحقد والكراهية الذي تعشش في قلوبنا. نعم نحن اليوم بعيدين عن هذه المواهب ولكن سنبقى نسأل أنفسنا نحن الذين تتلمذنا على عيش الانجيل وكلام يسوع؟ ماذا نستطيع أن نفعل بهذه العطايا ومواهب الروح القدس جميعها نحن المعمدين بالماء والروح؟ هل فهمناها أم حفظناها؟ أم ماذا يا ترى؟ ولكن اليوم بما أنه يوم عيد بامتياز دعونا نشاطر التلاميذ ولا نفوّت فرصة لأن نحتفل ونصلي باتحاد بقلوب مؤمنة وخاشعة, بفرح وبحرارة متخطين جميع آلامنا وأوجاعنا ومخاوفنا لنترجى ونطلب من الله في عيد صعوده أن تصعد أروح شهداء الوطن وشهداء هذا العالم المضرم بنيران الكراهية ولتكون أرواحهم حيث الشهداء القديسين، ويعم السلام على هذا الشرق المعذب والعالم، ناظرين إلى السماء بفرح وابتهاج لكي تحل نعم الروح القدس علينا وعلى هذا العالم رغم الحزن وألم الفراق حاملين الشموع علها تنير القلوب والعقول المظلمة. ولأنه يوم مجد أيضاً كما يقول القديس أبيفانيوس: "أن هذا اليوم هو مجد بقية الأعياد وشرفها لأنه يتضح أن الرب أكمل في هذا العيد عمل الراعي العظيم". لنفرح مع يسوع الآب المحب المعزي القادر على تحويل أحزاننا إلى أفراح الذي لا ينسى خرافه, ولم يترك تلاميذه، حتى وهو في السماء، قبل أن يمنحهم مواهب وعطايا الروح القدس ويزودهم بروح المحبة التي هي أعظمهم, والعزاء والبركة لتكون زوادتهم في مسيرة حياتهم على الأرض. وليس اجمل من أن نردد ختاماً مع الليتورجيا السريانية ونقول: يوم ولادته, فرحت مريم, يوم مماته، تزلزلت الأرض, يوم قيامته، تزعزعت ظلمات الجحيم؛ يوم صعوده، اغتبطت السموات، فليتبارك صعوده.