موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ٣٠ نوفمبر / تشرين الثاني ٢٠٢٣

عَلَى أعتَابِ زَمَنِ المَجِيء

بقلم :
إبراهيم سليمان عويس - الأردن
عَلَى أعتَابِ زَمَنِ المَجِيء

عَلَى أعتَابِ زَمَنِ المَجِيء

 

وَنَحنُ عَلَى أعتَابِ زَمَنِ المَجِيء،

هَذَا الزَمَنُ المُقَدَّسُ الذِي يُطِلُّ عَلَينَا مَعَ نِهَايَةِ هَذَا العَام،

حَامِلَاً مَعَهُ التَحضِيرَاتِ الروحيّة،

لاستِقبَالِ الطِّفِلِ يَسُوع مُخَلِّصِ العَالَم.

 

إنَّ هَذَا الزَمَن هُو زَمَنُ الرَّجَاءِ بِرَبِّ السَمَاء،

وَ هُوَ الزَمَنُ الذِي يَختَزِلُ فِي أعمَاقِهِ انتِظَارَ الآبَاء،

هُو زَمَنُ الذِكرَيَاتِ الجَمِيلَةِ فِي خِدمَةِ الأصدِقَاء وَ الأَحِبَّاء،

هُو زَمَنُ النِّعمَةِ وَ الفَرَح.

 

إنَّهُ زَمَنُ البِدَايَات الذِي يُعِيدُ الحَيَاةَ لأَرواحِنَا المُثقَلَةِ مِن هُمُومِ الزَمَان،

إنَّهُ الزَمَنُ الذِي يُعَادُ فِيهِ تَرتِيبُ الأولَويَات مِن جَدِيد،

إنَّهُ زَمَنُ النُورِ الذي يُضِيءُ عَتمَةَ الزَمَان،

 

هُوَ الزَمَنُ الذِي يَخلِقُ شَيئَاً جَدِيدَاً فِي نُفُوسِنَا،

هُوَ زَمَنُ الفُقَرَاءِ وَ البُؤَسَاء،

هُوَ زَمَنُ مَن لَا مَكَانَ لَهُ فِي هَذَا العَالَمِ المُوحِش،

 

لَا أعلَمُ كَيفَ تَذَكَّرتُ مَا كَتَبَهُ الأديب الرُّوسِي الكَبِير دُوستُويوفِسكِي،

عِندَمَا طَرَحَ أصعَب الأسئِلَة عَلَى ذَاتَه وَ عَلَى القَارِئِ أيضَاً فِي رِوَايَتِهِ الشَّهِيرَة: (الجَرِيمَةُ وَالعِقَاب)

 

حَيثُ قَالَ:

"لا بُدَّ لِكُلِّ إنسَانٍ مِن أن يَجِدَ وَ لَو مَكَانَاً وَاحِدَاً يَذهَبُ إلَيهِ، لِأنَّ الإنسَانَ تَمُرُّ بِهِ

لَحَظَاتٌ لَا مَنَاصَ لَهُ فِيهَا مِنَ الذَّهَابِ إلَى مَكَانٍ مَا، إلَى أيِّ مَكَان !

هَل تُدرِكُ يَا صَدِيقِي ، هَل تُدرِكُ مَا مَعنَى أن لَا يَكُونَ لِلإِنسَانِ مَكَانٌ يَذهَبُ إلَيهِ؟"

 

هذا ما عبَّر عنه دوستيوفسكي،

وهَذَا مَا عَاشَهُ يَسُوع،

لَم يَجِد مَكَاناً ليُولَدَ فِيهِ سِوَى مَغَارة حقِيرَة بَارِدَة جِدَاً.

 

وَنَحنُ اليَوم فِي زَمَنِ الأَلفِيَّة،

إن أرَدنَا أن نُسقِطَ تِلكَ الرِّوَايَةَ المُقَدَّسَة،

-رِوَايَةُ المِيلَادِ المَجِيدِ-

عَلَى هَذِهِ الأيامِ الصَّعَبَة،

وَنُعِيدَ طَرحَ السُؤَالِ مِن جَدِيد...

مَا مَعنَى أن لَا يَكُونَ لِلإِنسَانِ مَكَان؟

 

إنَّ تِلكَ القِصَّة المَجِيدَة،

هِيَ عُنوَانٌ لِمَا (عَانَاهُ أو يُعَانِيهُ أو سَيُعَانِيه) الكَثِيرُ مِنَّا فِي سَنَوَاتِ عُمُرِهِ عَلَى هَذِهِ الأرض.

هَل تُدرِك يَا صَدِيقِي أن لَا يَكُونَ لِلإِنسَانِ مَكَان يَذهَبُ إِلَيهِ؟

لَيسَ المَقصُودُ هُو بَيت أو مَسكَن أو حَتَّى مَغَارَة

إنَّمَا المَقصُودُ هُوَ (قَلبُ إنسَان آخر)،

يَكُونُ لَهُ المَلجَأَ وَ ينجَحُ فِي احتِوَاءِ مَا يُخَالِج أعمَاقَهُ.

 

إنَّ التَّارِيخَ الذِي عَاشَهُ يَسُوع فِي ذَلِكَ الزَمَان،

يُعادُ اليَوم مَعَ أبنَاءِ هَذَا الجِيلِ البَائِسِ،

"وأما ابن الإنسان فليس له ما يضع عليه رأسه" (متى 8:20)

فكَلِمَاتُهُ حَيَّة و صَالِحَة لِكُلِّ زَمَانٍ وَ مَكَان.

 

وَأعتَقِدُ أنَّهُ لَمِنَ المُلِح أن نَلتَفِتَ إلَى أولَئِكَ الأشخَاصِ الذينَ لَم يَجِدُوا حَتَّى الآن مَكَاناً يَذهَبُونَ إلَيهِ أو يستَرِيحُونَ فِيهِ،

لَقَد قَسَت عَلَيهِم الأيَامُ والظُرُوف.

 

صَدِيقِي يَسُوع،

سَاعِدنَا فِي أن نُفَكِّرَ وَ نَعِي مَا يَحدُث مِن حَولِنَا،

سَاعِدنَا أن نَتَهَيَّأَ لاستقبَالِ البُؤَسَاء مِن هَذَا العَالم،

وامنَحنَا الحُبَّ وَ طُولَ الأنَاة لأن نَستَقبِلَهُم فِي قُلُوبِنَا،

ونستَمِعَ إلَى أوجَاعِهِم وَآلَامِهِم.

 

ولِنَتَذَكَّر مَا قُلتَهُ فِي ذَلِكَ الزَمَان:

"كُلَّمَا صَنَعتُم شَيئَاً مِن ذَلِكَ لِوَاحِدٍ مِن إخوَتِي هَؤُلَاءِ الصِّغَار، فَلِي قَد صَنَعتُمُوه" (متى 25:40)

مورانتاه ...

تعال أيها الرب يسوع.

 

#في_الطريق_إليك