موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأحد، ١٠ سبتمبر / أيلول ٢٠٢٣

عيد ميلاد العذراء مريم

بقلم :
المطران كريكور كوسا - مصر
عيد ميلاد العذراء مريم

عيد ميلاد العذراء مريم

 

تحتفل الكنيسة الكاثوليكية والأرمنية والبيزنطية والسريانية الأرثوذكسيّة، في الثامن من أيلول، بميلاد سيّدتنا مريم العذراء. ومن الضروري التركيز على حقيقة جوهرية من نوعها وهي أنّ مريم العذراء قد وُلِدَت منزّهة من خطيئة آدم وحواء (الخطيئة الأصليّة)، ونالت هذه النعمة بطريقة استثنائية في أثناء الحبل بها في أحشاء أمّها القدّيسة حنّة.

 

 

تاريخ الخلاص

 

بدء تاريخ خلاص العالم يبدأ بميلاد السيدة العذراء مريم، والدة الإله، لأنه منها ولد الرب يسوع المسيح مخلص العالم. لذلك فإن أول عيد نُعيد له في السنة الطقسيّة الكنسية، والتي نحتفل فيها بالأعياد السيدية، هو عيد ميلاد العذراء مريم.

 

في ميلاد العذراء مريم يقول القديس يوحنا الدمشقي (+ ٧٤٩): "هنيئًا لكما أيها الزوجان، يواكيم وحنّة، فإنّ الخليقة كلها لمدينة لكما لأنها استطاعت بكما أن تقدم للخالق الهدية التي لا تعلوها هدية الأم البتول، التي هي وحدها جديرة بالخالق ، فافرح يا يواكيم لأن الإبن أُعطيَ لنا مولوداً من ابنتك". كما يقول القدّيس نيقولاس كاباسيلاس (نحو ١٣٢٠-١٣٦٣): "نظر الله من العُلى إلى الأرض فرأى إنسانة طاهرة نقيّة متواضعة، فلم يستطع إلّا أن يتجسّد منها".

 

 

يواكيم وحنه:

 

كان والدا مريم العذراء، يواكيم وحنه، طاعنَين في السن عندما استجاب الله لصلاتهما ورزقهما الإبنة المختارة التي أدخلت عليهما الفرح والسرور، وأصبحت فيما بعد أمًّاً  للمسيح الكلمة المتجسد. وكان والداها قد نذرا نذراً للربّ أنّهما اذا رُزقا طفلاً أو طفلة أن يتكرس المولود ويخدم في الهيكل.

 

 

السيدة العذراء مريم في العهدين القديم والجديد

 

ماذا يقول سفر التكوين؟ "وأجعلُ عداوة بينك وبين المرأة، وبين نسلك ونسلها. فهو يسحق رأسك، وأنت تُصيبين عَقِبَه" (التكوين ٣: ١٥). في هذه الآية يخاطب الله الحية - الشيطان. وتبيّن الآية أنّ الشيطان لديه عداوة مع المسيح ومع والدته العذراء مريـم. ويفسّر آباء الكنيسة الجامعة هذه الآية على أنّها تُشير إلى براءة المسيح ومريم العذراء من الخطيئة.

 

وقد وصفها الإنجيل المُقدّس بأوصاف غاية في الجمال، فهي البتول الأكثر تميّزًا، والعذراء الأقرب إلى الكمال بين المخلوقات: ففي تحية القدّيسة أليصابات لمريم حينما زارتها في عين كارم، هتفت أليصابات بأعلى صوتها، بوحي من الروح القدس: "مباركةٌ أنتِ في النساء! ومباركةٌ ثمرة بطنك" (لوقا ١: ٤٢). مع الأسف، يغفل الناس عن آيتين من كلام إليصابات في كثير من الأحيان.

 

أولاً: الآية "مباركةٌ أنت في النساء" وتعني جميع النساء "واصطفاها فوق نساء العالمين" بما في ذلك حوّاء أمّ جميع الأحياء التي خلقها الله وآدم معها  بلا خطيئة. ثانيًا: تصف الآية السيّد المسيح على أنّه "ثمرة" بطنها. ويقول الكتاب المقدّس أنّ "كلّ شجرة تُعرَف من ثمرها" (لوقا ٦: ٤٤)، و"ليس للشجرة الخبيثة أن تُثمر ثِمارًا طيبة" (متى ٧: ١٨). "فمن ثمارهم تعرفونهم" (متّى ٧: ٢٠).

 

كما ورد ذكر مريـم العذراء في كثير من الآيات، ووصفها الإنجيل المُقدّس بأوصاف غاية في الجمال، فهي البتول الأكثر تميّزًا، وأيضًا الممتلئة نعمة (لوقا ١: ٢٨)، أمة الربّ (لوقا ١: ٣٨)، مباركة أنت بين النساء (لوقا ١: ٤١)، تطوّبها جميع الأجيال (لوقا ١ : ٤٨).

 

 

الولادة العجيبة والحبل بها بدون خطيئة

 

كان ميلاد مريـم العذراء عجائبياً، لأن الله عصمها من الخطيئة الأصلية منذ لحظة الحبل بها بنعمةِ خاصة منه، لأنه قد اختارها لِتكونَ أمُّا لإبنه.

 

فكلّ ما سبق ذكره من الكتاب المُقدّس يؤكّد مكانة مريم العذراء في سر خلاص البشرية، وأيضًا شفاعتها ووساطتها بيننا وبين إبنها المتجسّد منها، ابن الله وكلمته، من أجل نيل النّعم التي نحن بحاجةٍ ماسة إليها. وبالرغم من أنّ الكنيسة تؤمن بعقيدة الحبل بلا دنس منذ عقود، فقد أعلنها قداسة البابا بيوس الثاني عشر رسميًا عام  ١٨٥٤.

 

أيّتُها العذراء المجيدة المباركة ، تشفعي لأجلِنا نحن الخطأة، لدى ابنُكِ يسوع كلما التجأنا إليك.