موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ٦ أغسطس / آب ٢٠٢٢

عودة المسيح والاستعداد لاستقباله

بقلم :
الأب لويس حزبون - فلسطين
الأحد التاسع عشر من زمن السنة: عودة المسيح والاستعداد لاستقباله (لوقا 12: 32-40)

الأحد التاسع عشر من زمن السنة: عودة المسيح والاستعداد لاستقباله (لوقا 12: 32-40)

 

النص الإنجيلي (لوقا 12: 32-40)

 

32 لا تَخَفْ أَيُّها القَطيعُ الصَّغير، فقد حَسُنَ لدى أَبيكم أَن يُنعِمَ عَليكُم بِالمَلَكوت. 33 بيعوا أَموالَكم وتَصَدَّقوا بِها واجعَلوا لَكُم أَكْياساً لا تَبْلى، وكَنزاً في السَّمواتِ لا يَنفَد، حَيثُ لا سارِقٌ يَدنو ولا سوسٌ يُفسِد. 34 فحَيثُ يَكونُ كَنزُكُم يَكونَ قَلبُكم. 35 ((لِتَكُنْ أَوساطُكُم مَشدودة، ولْتَكُنْ سُرُجُكُم مُوقَدَة، 36 وكونوا مِثلَ رِجالٍ يَنتَظِرونَ رُجوعَ سَيِّدِهم مِنَ العُرس، حتَّى إِذا جاءَ وقَرَعَ البابَ يَفتَحونَ لَه مِن وَقتِهِم. 37 طوبى لأُولِئكَ الخَدَم الَّذينَ إِذا جاءَ سَيِّدُهم وَجَدَهم ساهِرين. الحَقَّ. أَقولُ لكم إِنَّه يَشُدُّ وَسَطَه ويُجلِسُهُم لِلطَّعام، ويَدورُ علَيهم يَخدُمُهم. 38 وإِذا جاءَ في الهَزيعِ الثَّاني أَوِ الثَّالِث، ووَجدَهم على هذِه الحال فَطوبى لَهم. 39 وأَنتُم تعلَمونَ أَنَّه لْو عَرَفَ رَبُّ البَيتِ في أَيَّةِ ساعَةٍ يأتي السَّارِق لَم يَدَعْ بَيتَه يُنقَب. 40 فكونوا أَنتُم أَيضاَ مُستَعِدِّين، ففي السَّاعَةِ الَّتي لا تتَوقَّعونَها يَأتي ابنُ الإنسان)).

 

 

مقدمة

 

يتناول لوقا الإنجيلي تعليم سيدنا يسوع المسيح (لوقا 12: 32-40) حيث يحثُّ به التلاميذ على السهر في انتظار عودته المجيدة للحصول على الملكوت، مبيّنا أبرز سمات هذا القطيع الجديد الصغير ليكون منسجمًا ومستعدا لاستقبال راعيه السماوي الذي هو عريسه ومخلِّصه الذي يأتي في ساعة لا يتوقعها أحد؛ وهذا التعليم تعليمٌ موجهٌ لنا اليوم كمؤمنين في جميع أوقات حياتنا.  ومن هنا تكمن أهمية البحث في وقائع النص الإنجيلي وتطبيقاته.

 

 

أولا: وقائع النص الإنجيلي (لوقا 12: 32-40)

 

32 لا تَخَفْ أَيُّها القَطيعُ الصَّغير، فقد حَسُنَ لدى أَبيكم أَن يُنعِمَ عَليكُم بِالمَلَكوت

 

تشير عبارة "لا تَخَفْ" إلى عدم الخوف من الغد أو من قلة الغذاء والكساء أو من الخطر أو التهديد أو من إنسان عدو أو من شيطان؛ فمن كان لله له أبًا وصديقً لزم ألاَّ يخاف. أورد يسوع في الإنجيل على مسامعنا هذه الكلمات المعزية والمشجعِّة التي تبعث الثقة فينا: "لا تَخَفْ، يا زَكَرِيَّا" (لوقا 1: 13)، لا تخافي يا مَريَم" (لوقا 1: 30)، "يا يُوسُفَ ابنَ داود، لا تَخَفْ " (متى 1: 20)، لا تَخافوا، يا رُعاة (لوقا 2: 10)، ثِقوا. أَنا هو، لا تَخافوا! (متى 17: 24)، " ولكن ثِقوا إِنِّي قد غَلَبتُ العالَم" (يوحنا 16: 33)، "لا تَخافوا، أَنتُم أَثمَنُ مِنَ العَصافيرِ جَميعاً" (متى 10: 30)، "وهاءنذا معَكم طَوالَ الأَيَّامِ إِلى نِهايةِ العالَم"(متى 28: 20)؛ وأخيراً في نصنا هذا توجه كلمة يسوع "لا تَخَفْ" لتلاميذه ولكل واحدٍ مِنّا. نرى في هذه النصوص أن تعبير "لا تخف" مرتبط بسياق الدعوة. وهذه الدعوة تؤكد بأنّ العلاقة الّتي يكون الله طرفًا فيها لا تفشل أبدًا. لذلك ينبغي على التلاميذ بألّا يجازفوا البحث عن أمان آخر خارج العلاقة بالآب التي لا تفشل أبدًا من خلال يسوع. فلا داعي للخوف ما دام الراعي الأمين لوعده مرافقًا لهم. فالإيمان بكلام يسوع هو الوسيلة الوحيدة للتغلّب على الخوف. كم هي جميلة ومطمئنة ومعزِّية هذه الكلمات. إنها تبعث الدفء والسلام في قلوبنا جميعًا وتجعلنا ننتظر الرب بثقة بعيداً عن كل قلق وخوف واضطراب. أمَّا عبارة " أَيُّها القَطيعُ الصَّغير " فتشير إلى استعارة الخراف التي كانت مألوفة في العهد القديم لتمثيل شعب الله (تكوين 48: 15 وهوشع 4: 16)، وهي تُعَبِّر عن الحُب والمودة؛ وهي إشارة إلى الله الذي هو الراعي ويهتم بشعبه (أشعيا 40: 11) وهو الرب الذي يُحِب ويَحمي شعبه المختار (إرميا 31: 10؛ حزقيال 34) كما جاء في المزامير " الرَّبُّ راعِيَّ فما مِن شيَءٍ يُعوِزني في مَراعٍ نَضيرةٍ يُريحُني. مِياهَ الرَّاحةِ يورِدُ في ويُنعِشُ نَفْسي" (مزمور 23: 1-2).  لكن الله لا ينسى ذلك القطيع وإن كان صغيرا. وبهذه العبارة يؤكد يسوع أن تلاميذه لن يكونوا أفرادًا مستقلين كثيرين في العالم، لكنهم سيكونون حقيقة مُوحدة مثل واقع القطيع. كما الخراف التي يتكون منها القطيع تتوحد من خلال الراعي كذلك تلاميذ يسوع يشكلون قطيعًا واحدًا من خلال يسوع الراعي الصالح، مبدأ وحدتهم.  وفي نصوص أخرى في العهد الجديد تشير عبارة القطيع الصغير إلى الكنيسة بكونها مسؤولة رعويا على البيعة (أعمال الرسل 20: 28). أمَّا عبارة "القَطيعُ" فتشير إلى استعارة مألوفة في العهد القديم لتمثيل شعب الله (التكوين 48: 15) طبّقها يسوع على إسرائيل (متى 9: 36) وعلى اليهود الخاطئين (متى 10: 6) وعلى فريق التلاميذ (لوقا 12: 32). شبّه المسيح تلاميذه بالخراف، لأنه هو راعيهم الصالح (يوحنا 10: 11).  ويُعتبر القطيع "صغير"، لأنه مختار، كما قال السيد المسيح "أَنَّ جَماعَةَ النَّاسِ مَدْعُوُّون، ولكِنَّ القَليلينَ هُمُ المُخْتارون" (متى 22: 14). والمختارون هم أمناء الرب، وأمناء الرب ليسوا العدد الأوفى بين البشر، هؤلاء يُسمّيهم الكتاب المقدّس "البقيّة الأمينة" أو "البقيّة الباقية" (رومة 9: 27)، إنّهم الذين أخضعوا مشيئتهم لمشيئة الله، وقبلوا دعوته تعالى، هم الأمناء للرب وليس لديهم دولة ولا سلطة وسط عالم كبير لكن لديهم أعداء أشداء كثيرون؛ ويُعلق القديس كيرلس الكبير "إنه القطيع الصغير في عيني العالم، لكنه على صدر الله يتمتع بنعمته الإِلهيَّة"؛ أمَّا عبارة "أبيكم" فتشير إلى يسوع المسيح الذي يدعو الله "أبانا"، مما يطمئن من جهة رعايته واهتمامه وتدابيره لحساب تلاميذه، إذ يُعلن الله ذاته لمختاريه لا مجرد ملك أو ديان بل أبًا يُزيل همومهم فيما يتعلق بحاجاتهم الجسدية. وأمَّا عبارة "يُنعِمَ عَليكُم بِالمَلَكوت" فتشير إلى إعلان يسوع عن الغنى الحقيقي حيث يتمّ سرور الله أن يعطي الملكوت لتلاميذه ويكون كنزهم في السماء؛ والجدير بالذكر أن ملكوت الله مجاني. فالتلاميذ يعبرون التاريخ بيقظة ومسئولية ويحصلون في نهاية المسيرة، على نعمة مجانية وهي الملكوت.  قد نتساءل هل هبة " الملكوت" حاضرة منذ الآن أم هل تتم في المستقبل؟  إذ كان الله يهب أبناءه الحياة الأبدية، ألا يهبهم ما هو ضروري للحياة الجسدية؟ أمَّا عبارة " ِيُنعِمَ عَليكُم " فتشير إلى ملكوت الذي هو منحة مجانية، وبالتالي لا يتعين علينا الجد والكد من أجل اكتسابه، إذ يعتمد على لطف الرب وإحسانه ومحبته في مشاركة الإنسان في حياته الإلهية. وأمَّا عبارة "الملكوت" فتشير إلى العلاقة مع الله ألآب، حيث وصف بولس الرسول هذه العلاقة بقوله "ما لم تَرَهُ عَيْنٌ ولا سَمِعَت بِه أُذُنٌ ولا خَطَرَ على قَلْبِ بَشَر، ذلكً ما أَعدَّه اللهُ لِلَّذينَ يُحِبُّونَه" (1 قورنتس 2: 9).

 

33 بيعوا أَموالَكم وتَصَدَّقوا بِها واجعَلوا لَكُم أَكْياساً لا تَبْلى، وكَنزاً في السَّمواتِ لا يَنفَد، حَيثُ لا سارِقٌ يَدنو ولا سوسٌ يُفسِد.

 

تشير عبارة "بيعوا أَموالَكم" إلى مبدا مفاده أنَّ أَتباع يسوع يجب ألاَّ يُعيروا المقتنيات الأرضية اهتماماً، ولا تعني أن نبيع كل شيء ونفتقر، بل المقصود تحرير الإنسان من التبعية العمياء للمادة، للسلع، للخدمات، للاستهلاك اليومي والتوقف عن التعلق بها أو الاعتماد عليها لحمايتنا كما جاء في تعليم السيد المسيح "لا تَكنِزوا لأَنفُسِكُم كُنوزاً في الأَرض، حَيثُ يُفسِدُ السُّوسُ والصَّدَأ، ويَنقُبُ السَّارِقونَ فيَسرِقون"(متى 6: 19). بل علينا أن يُقاسم كلٌ منا الآخرين بما لديه، كما جاء في سفر الحكمة" أن يَشترِكَ القِدِّيسون في الخَيراتِ والمَخاطِرِ على السَّواء" (الحكمة 18: 9)، وإلاَّ سنكون أمام كارثة اقتصادية لا مثيل لها، أمَّا عبارة "أَموالَكم" (في اللغة العبرية מָּמוֹן "مامون") فتشير إلى الشيء الذي نضع فيه ثَقتنا؛ وثقتنا في الملكوت، وينال الإنسان ثروة الملكوت عندما يُقاسم الآخرين بما لديه.  أمَّا عبارة "تَصَدَّقوا " في الأصل اليوناني ἐλεημοσύνην (معناها الصدقة أي النزول والنظر نحو الأسفل) فتشير إلى الصدقة كوسيلة للتغلب على خطر الغنى، بهذا يقدَّم لنا السيِّد المسيح مفهومًا جديدًا للعطاء وهو التخلي عن كنوز العالم وتقديمها للفقراء كي يحفظوها كنوزاً لهم في السماء. إن الثروة الحقيقية ينالها الإنسان عندما يَقتسمها مع الآخرين؛ وأمَّا عبارة "اجعَلوا لَكُم أَكْياساً لا تَبْلى، وكَنزاً في السَّمواتِ لا يَنفَد، حَيثُ لا سارِقٌ يَدنو ولا سوسٌ يُفسِد" فتشير إلى التزام التلميذ في خدمة الرب بقرار يتوجب عليه اتخاذه: عليه أن يختار بين كنز وكنز، بين نظرة ونظرة، بين خدمة وخدمة. هناك كنوز على الأرض، ولكنها في خطر، وكنوز في السماء وهي أَكْياسٌ لا تَبْلى، وهذه الكنوز تعني الاتكال على الله وربط علاقة معه تعالى كمن له كيس لا يفنى ما فيه.  أمَّا عبارة " أَكْياساً لا تَبْلى " فتشير إلى أوعية مناسبة لاحتواء الحياة الأبدية. لا يمكن وضع الحياة الأبدية في شيء مقدَّر له أن يفنى. وأمَّا عبارة "حَيثُ لا سارِقٌ يَدنو ولا سوسٌ يُفسِد" فتشير إلى رمز لكل ما يُدمِّر مقتنياتنا الأرضية ولا يستطيع أن يفسد مقتنياتنا الروحية، أي الكنز الذي يمنحنا إياه الآب وهو بنوّتنا له، وعلاقتنا به. وهي علاقة مضمونة قد اجتازت الموت بالفعل ولم تظلّ رهينة له.

 

34 حَيثُ يَكونُ كَنزُكُم يَكونَ قَلبُكم

 

تشير عبارة "حَيثُ يَكونُ كَنزُكُم يَكونَ قَلبُكم" إلى طريقة استخدام لمواردكم التي تعكس قِيمكم ومبادئكم. فلا يُمكنكم فصل ما تؤمنون به عما تعملونه.  وما تكنزوه يكشف عن أولوياتكم الحقيقية واهتماماتكم الفعلية. ومن هنا جاء دعوة يسوع لنا "إِذا أَرَدتَ أَن تكونَ كامِلاً، فاذْهَبْ وبعْ أَموالَكَ وأَعْطِها لِلفُقَراء، فَيكونَ لكَ كَنزٌ في السَّماء، وتَعالَ فاتبَعْني" (متى 19: 21).  فالهوية المسيحية تأتينا من يسوع المسيح الذي يسكن في قلوبنا ويعطينا كمال الحياة. أمَّا عبارة " قَلبُكم" فتشير إلى على ما هو داخلي أو مركزي أو عميق أو خفي (خروج 15: 8). والقلب كعضو في الجسم كانت له أهمية أكثر من الدماغ والرأس. وكان القلب يعتبر مركز العواطف سواء كانت جسدية أم روحية (مزمور 62: 8 ويوحنا 14: 1)، ومركزاً للعقل (خروج 35: 35) والرغبة (نحميا 4: 6) والنيّة (مزمور 12: 2). وبحسبه تكون طبيعة الإنسان الروحية معوجَّة أو مستقيمة (مزمور 101: 4؛ 119: 7). ولعل نسبة هذه الأمور كلها إلى القلب مبنيَّة على اعتقادهم بأن الحياة في الدم أو هي الدم نفسه (الأحبار 17: 11 و14). ويوصف القلب البشري بأنه مليءٌ من الشر والحماقة (جامعة 9: 3)، وأنه أخدع من كل شيء، وهو نجس (ارميا 17: 9) وأنه منبع الخطيئة (متى 15: 8 و19) ومقر الإيمان (رومة 10: 10). لذلك إن الرب ينظر إلى القلب (1 صموئيل 16: 7) وأن منه مخارج الحياة (أمثال 4: 23) وأنه يجب مراعاة حالته (يوئيل 2: 13)، ويراد بالتكلم بالقلب التفكر (1صموئيل 1: 12). وإذا قصد تأكيد وقوة العاطفة نُسبت إلى كل القلب كما في الوصية: "أَحبِبِ الرَّبَّ إِلهَكَ بِكُلِّ قَلبِكَ" (متى 22: 37). ووحدة القلب عبّر عنها الكتاب المقدس بالمحبة والاتحاد (أعمال الرسل 4: 32)، والتهاب القلب يقصد به الابتهاج للسماع تفسير الكتب المقدسة من فم يسوع كما جاء في قول تلميذي عمواس: ((أَما كانَ قلبُنا مُتَّقِداً في صَدرِنا، حينَ كان يُحَدِّثُنا في الطَّريق ويَشرَحُ لنا الكُتُب؟" (لوقا 24: 32).

 

35 لِتَكُنْ أَوساطُكُم مَشدودة، ولْتَكُنْ سُرُجُكُم مُوقَدَة

 

تشير عبارة " لِتَكُنْ أَوساطُكُم مَشدودة، ولْتَكُنْ سُرُجُكُم مُوقَدَة " إلى اليقظة في تمييز علامات الأزمنة والبحث عن علامات مخطط الله في حياتنا وعن ملكوته. واليقظة تتطلب التحلي بالصبر والثقة بالله التي تقودنا إلى التعرف على علامات الأزمنة الآن وهنا. أمَّا عبارة "أَوساطُكُم مَشدودة" فتشير إلى رفع أطراف الثوب وشدِّها في حزام الوسط للتأهب للعمل، ذلك هو وضع الخدمة (لوقا 17: 8)، وهذه العبارة تشير أيضاً إلى وضع التأهب للسفر أو السير كما فعل العبرانيون وهم يحتفلون بالفصح (خروج12: 11) يشير النص إلى استمرارية مسيرة الخروج كمسيرة التحرير. لذلك يتعين على تلاميذ يسوع أن يتشبثوا بقرار الاستمرار لمواجهة مسيرتهم التاريخية نحو الملكوت، التي أعدها الآب لهم في خطته الخلاصيّة.  وهذا الأمر يذكرنا بقول اليشاع النبي لِجيحَزي خادِمِه "أشدُدْ حَقوَيكَ وخُذْ عَصايَ في يَدِكَ وآمْضِ، وإِن لَقيتَ أحَدًا فلا تُسَلِّمْ علَيه. وإِن سَلَّمَ علَيكَ أَحَدٌ، فلا تُجِبْه" (2 ملوك 4: 29). أمَّا عبارة "سُرُجُكُم مُوقَدَة" فتشير أولا إلى أمانة الشعب نحو الله والمواظبة على الصلاة (خروج 27: 20-22) كما تشير أيضا إلى إشعال السُرُج وجعلها متوّهجة بالأعمال الصالحة، أي بأعمال البرِّ. كما تشير أخيراً إلى حالة التأهب حتى في الليل. إذ يحتاج الإنسان في الليل لسراج موقد يسير به في الظلام. فتلميذ الرب يرتدي باستمرار ثوب الخدمة وهو على أتم الاستعداد. فالسُرج الموقدة هي رمزٌ إلى اليقظة والانتباه للذين ينتظرون به مجيء المسيح؛ وسبق الكلام على مثل هذا في مثل العشر العذارى (متى 25: 1-13). واليقظة هي تمييز علامات الأزمنة بالبحث عن علامات مخطّط الله، وعن ملكوته، في التاريخ البشري الذي نعيش فيه الآن وهنا. وبكلمة أخرى تشير "سُرُجُكُم موقدة" إلى النفس بكل طاقاتها التي تضيء داخل الجسد ليعيش الإنسان في وحدة وتناسق تحت قيادة الروح لحساب مملكة النور. ويعلق القديس أوغسطينوس "ماذا يعني: أَوساطُكُم مَشدودة"؟ اترك الشر والتزم العفة (مزمور 34: 14)؛ وماذا يعنى "سرجكم موقدة"؟ اصنع الخير أي الأعمال الصالحة ". "لِتَكُنْ أَوساطُكُم مَشدودة" تعني أن نضبط شهواتنا، الذي هو عمل العفة باعتبار الجسد ميت عن ملذات العالم والخطيئة (قولسي5:3)؛ أمَّا القديس كيرلس الكبير فيعلق أن هذين الأمرين "ِلتَكُنْ أَوساطُكُم مَشدودة، ولْتَكُنْ سُرُجُكُم مُوقَدَة،" يشيران إلى شركة الجسد مع النفس في الحياة المقدَّسة، فمنطقة أَوساطُكُم تشير إلى الجسد الذي قمعه الرسول، واستعبده لا ليُحطِّمه، وإنما ليربِّيه بالروح القدس فيحيا مقدَّسا للرب. ويعلق البابا فرنسيس "نريد نحن المسيحيّون أن نكون مثل أولئك الخدام الذين قضوا الليل وأَوساطُهم مَشدودة، وسُرُجُهم مُوقَدَة: يجب أن نكون مستعدّين للخلاص الآتي" (المقابلة العامة: الرجاء المسيحي، الرجاء هو انتظار يقظ، 11 أتشرين الأول 2017‏). فالله "يُريدُ أَن يَخْلُصَ جَميعُ النَّاسِ ويَبلُغوا إلى مَعرِفَةِ الحَقّ" (1 طيموتاوس 2، 4). أمَّا عبارة "سُرُجُكُم" فتشير إلى وعاء كان يصنع من فخَّار أو نحاس يوضع فيه سائل قابل للاشتغال كالزيت أو النفط أو القطران، ثم يوضع فيه فتيل يشعلونه ليضيء في الظلام. وكان الحديث في أسفار العهد القديم إلى السراج كرمز إلى الهداية (مزمور 119: 105) وإلى نفس الإنسان (أمثال 20: 27) أو إلى الابن الذي سيخلف أباه (1 ملوك 15: 4). وكانت توجد في الهيكل سبعة سرج في المنارة مصنوعة من ذهب (خروج 37: 23 و1 ملوك 7: 49). وكانوا يشعلونها بفتائل من ثياب الكهنة البالية وبزيت الزيتون (خروج 27: 20) وكانوا يبقون السرج مشتعلة طوال الليل، لأن إطفائها علامة الفقر الشديد أو هجر البيت (أيوب 18: 6 وارميا 25: 10). وكانت إضاءة السرج تشير إلى اتساع ثروة الصديق (أمثال 13: 9) وإلى حسن تدبير المرأة المنزلي (أمثال 31: 18). أمَّا هنا يطلب يسوع من تلاميذه الاستعداد بالسُرج الموقدة التي ترمز إلى التهيؤ (لوقا 12: 35) كما ضرب مثل العذارى الحكيمات وسرجهنّ المنيرة (متى 25) وقال إن نور المسيحي يجب أن يُنير على الجميع كما ينير السراج على كل الجالسين في البيت (متى 5: 15).

 

36 وكونوا مِثلَ رِجالٍ يَنتَظِرونَ رُجوعَ سَيِّدِهم مِنَ العُرس، حتَّى إِذا جاءَ وقَرَعَ البابَ يَفتَحونَ لَه مِن وَقتِهِم

 

تشير عبارة "مِثلَ رِجالٍ يَنتَظِرونَ رُجوعَ سَيِّدِهم مِنَ العُرس" إلى صورة رجوع العريس من العرس وهي استعارة تمثل ساعة متأخرة وغير محدّدة، بدون إشارة إلى رمزية العرس إنما هي إشارة للمجيء الثاني، فيسوع قادم وسيكون مجيئه فجائي وغير متوقع وخفي. والخطورة هي في عدم انتظاره. وقد شبّه الكتاب المقدس علاقة الله مع شعبه، ثم علاقة المسيح مع كنيسته بعلاقة العريس بالعروس (أشعيا 54: 5، ومتى 9: 15).  ويعلق البابا فرنسيس "إنّ الأشخاص الذين يعرفون الانتظار يحصدون رجاءً ثابتًا. هؤلاء هم مسيحيون، شعب متحد بيسوع". تختلف صورة هذا المثل عن صورة العذارى لان أولئك العذارى كن منتظرات مجيء العريس لكي يرافقن العروس إلى بيته، والرجال هنا كانوا ينتظرون رجوع سيدهم إليهم من العرس وهم في بيته. أمَّا عبارة "يَفتَحونَ لَه مِن وَقتِهِم" فتشير إلى كونهم منتبهين ومستعدِّين. يكمن موقف السرعة واليقظة في الحاجة إلى الاستعداد لمجيء الرّبّ.

 

 37طوبى لأُولِئكَ الخَدَم الَّذينَ إِذا جاءَ سَيِّدُهم وَجَدَهم ساهِرين. الحَقَّ. أَقولُ لكم إِنَّه يَشُدُّ وَسَطَه ويُجلِسُهُم لِلطَّعام، ويَدورُ علَيهم يَخدُمُهم

 

تشير عبارة "طوبى لأُولِئكَ الخَدَم الَّذينَ إِذا جاءَ سَيِّدُهم وَجَدَهم ساهِرين" إلى المسيح الذي يُهنئ تلاميذه الأمناء المتوقعين رجوعه ويستعدُّون لاستقباله. أمَّا عبارة "طوبى" فتشير إلى الإنسان الذي يريد السعادة، أسمّاها حياةً أم سلاماً أم فرحاً أم راحةً أم بركةً أم خلاصاً. كلّ هذه الخيرات يتضمنها بتفاوت تعبير طوبى. وعندما يُعلن يسوع طوبى لا يتلفظ ببركة تعطي السعادة بل يخصّ بالسعادة على اتّباع الطرق التي تؤدي إليها. أمَّا عبارة "ساهِرين" فتشير إلى العدول عن النوم والجهاد للبقاء في حالة تأهب لإتمام عمل مستعجل أو تحسبا لخطر مداهم؛ وأمَّا عبارة " إِنَّه يَشُدُّ وَسَطَه " فتشير إلى وضع إنسان في حالة الخدمة، وهنا تنقلب الأدوار ويصير السيد خادما. فيلمّح إلى السيد المسيح الذي يشدُّ وسطه ليخدم الذين سبقوا وشدَّوا أوساطهم استعدادا للدينونة فكرَّمهم. فمن أكرم السيد المسيح على الأرض سيكرمه المسيح في السماء كما جاء في الكتاب المقدس "لأَنَّ الَّذينَ يكرِموننَي أُكرِمُهم" (1صموئيل 30:2)، هذا وصف للامتنان الذي سوف يُظهره المسيح في إكرام خُدامه في الملكوت الآتي كما ورد في سفر الرؤية "الغالِبُ سأَهَبُ لَه أَن يَجلِسَ معي على عَرْشي، كما غَلَبتُ أَنا أَيضًا فجَلَستُ مع أَبى على عَرشِه"(رؤية 3: 21). أما عبارة " ويُجلِسُهُم لِلطَّعام، ويَدورُ علَيهم يَخدُمُهم" فتشير إلى السيد الذي أظهر تنازلاً غريبا بأنه خدم عبيده.  وفي الواقع، درجت العادة أن يخدم رب البيت ضيوفه كما فعل إبراهيم (التكوين 18: 7-8)، ولكن لم تجرِ العادة أن يخدم السيد عبيده، مظهراً لهم اعتبارا وإكراما ومحبة. وقد أتى سيدنا يسوع المسيح مثل هذه الخدمة بغسله أرجل تلاميذه (يوحنا 16: 4-12).

 

38 وإِذا جاءَ في الهَزيعِ الثَّاني أَوِ الثَّالِث، ووَجدَهم على هذِه الحال فَطوبى لَهم

 

تشير عبارة "الهَزيعِ الثَّاني أَوِ الثَّالِث" إلى تقسيم الليل عند الرومان. فالليل كان مُنقسماً إلى أربع هُزع: "المَساء ومُنتَصَفِ اللَّيل وعِندَ صِياحِ الدَّيك والصَّباح" (مرقس 13: 35)؛ وأمَّا عند اليهود فيُقسم الليل إلى ثلاثة أقسام، وكل قسم أربع ساعات (قضاة 7: 19، متى 14: 25). والعبارة هنا تشير إلى الليل وهي فترة وجودنا على الأرض. المعنى هو الاهتمام بالسهر وسط ليل هذا العالم. وما يُطلب من التلميذ هو السهر الدائم لا إضاعة الوقت في البحث عن علامات نجدها لدى مسحاء وأنبياء كذَبة. ويُعلق القديس كيرلس الكبير على الهزيع بقوله " إنَّ السيِّد المسيح قد يأتي في الهزيع الأول عندما يكون الإنسان في طفولته، وربما ينتظرنا حتى الهزيع الثاني، أي عندما نبلغ النضوج (الرجولة) أو في الهزيع الثالث أي في الشيخوخة". أمَّا عبارة " ووَجدَهم على هذِه الحال " فتشير إلى العبيد الساهرين المستعدين متوقعين رجوع سيدهم في أي ساعة كانت. أما عبارة " فَطوبى لَهم" فتشير إلى تكرار العبارة للتأكيد والأهمية في تحمل التلاميذ مسؤولية اليقظة والسهر لاستقبال سيدهم.

 

39 وأَنتُم تعلَمونَ أَنَّه لْو عَرَفَ رَبُّ البَيتِ في أَيَّةِ ساعَةٍ يأتي السَّارِق لَم يَدَعْ بَيتَه يُنقَب

 

تشير عبارة "لَم يَدَعْ بَيتَه يُنقَب" إلى نقب "اللّبن" الذي كان يُستعمل في بناء البيوت في القرية الفلسطينية، أو إلى ثُقْب في الحائط للتسلّل إلى البيت، فإن جدران البيوت كانت رقيقة (أيوب 24: 16، متى 4: 43). أمَّا عبارة "السَّارِق" فتشير إلى الموت الذي يأتي فجأة كاللص دون علم سابق. لذلك على الإنسان أن يسهر فيكون مستعداً في كل وقت بتوبة مستمرة. علَّم المسيح تلاميذه وجوب السهر بمثل آخر، وهو إنسان سُرق بيته لعدم سهره الدائم (متى 24: 43-44).

 

40 فكونوا أَنتُم أَيضاَ مُستَعِدِّين، ففي السَّاعَةِ الَّتي لا تتَوقَّعونَها يَأتي ابنُ الإنسان

 

تشير عبارة "فكونوا أَنتُم أَيضاَ مُستَعِدِّين" إلى دعوة يسوع إلى أتباعه أن يكونوا متأهبين لمواجهة ساعة الموت كما واجها هو نفسه، وعلّقت القديسة تريزا الأفيلية "يمكن لكل واحد منا أن يفكر بأن يوم موته هو يوم المواجهة "وجهاً لوجه" مع الحبيب. أمَّا عبارة "يَأتي ابنُ الإنسان" فتشير إلى مجيء الرب يسوع المسيح الأكيد بقدرته العظيمة، لكن ساعة مجيئه في التاريخ غير معروفة. ولا يُعلن عنها مسبقاً، لأنه يأتي في وقت غير متوقع. وليس مجي المسيح في وقت غير متوقع هي مصيدة يقنصنا بها لله ونحن في غفلة، إنما يريد الله أن يُتيح فرصة أفضل لمزيد من الناس، ليتبعوا المسيح ساعة فساعة كما جاء في تعليم بطرس الرسول " إِنَّ الرَّبَّ لا يُبطِئُ في إِنجازِ وَعْدِه، كما اتَّهَمَه بَعْضُ النَّاس، ولكِنَّه يَصبرُ علَيكم لأَنَّه لا يَشاءُ أَن يَهلِكَ أَحَدٌ، بل أَن يَبلُغَ جَميعُ النَّاسِ إلى التَّوبَة"(2 بطرس 3: 9)؛ وفي خلال هذا الوقت حتى مجيئه لدينا فرصة أن نحيا إيماننا، ونعكس محبة يسوع في معاملتنا وعلاقتنا بالآخرين. أمَّا عبارة " ابنُ الإنسان " في الأصل اليوناني υἱὸς τοῦ ἀνθρώπου وهي ترجمة لعبارة عبرانية בֶּן־הָאָדָם أي ابن آدم) فتشير في أسفار العهد القديم إلى شخص الذي قد أُعطي سلطاناً أبدياً وملكوتاً لا ينقرض (دانيال 7: 13) وقد استعملت عبارة "ابن الإنسان" للدلالة على المسيح كما يأتي في يوم في يوم القضاء والانتصار (أخنوخ 46: 2 و3). وفي الأناجيل أستخدم يسوع المسيح هذه العبارة "ابن الإنسان" عن نفسه نحو ثمانية وسبعون مرة. ويستخدم يسوع هذا اللقب عن نفسه في أنجيل مرقس بصفته كرأس الجنس البشري وممثله (مرقس 2: 28)، ولذا فإن العبارة تدل على الإنسانية الحقّة. وتدل هذه العبارة في مواضع أخرى على أنه المسيح عندما يتنبأ بمجيئه الثاني وبمجده (متى 26: 64 ومرقس 14: 62) ودينونته لجميع البشر (متى 19: 28) وربما استخدم المسيح هذه العبارة كثيراً لأن فيها دلالة على أنه المسيح، وهي في نفس الوقت تصلح في الإشارة إلى حياته المتواضعة على الأرض كالإنسان الكامل. ويُعلق الكاردينال شارل جورنيه " هذه الكلمة "ابن الإنسان" تعني أمرين في الوقت نفسه: سموّ الله، المُرسَل المتسامي من الله للتعبير لِتجلّي الخلاص العلنيّ للخلاص، وفي الوقت نفسه يعني الهشاشة، وضعف الرّب يسوع (ابن الإنسان) الذي اتّخذ طبيعتنا الإنسانيّة"(محاضرات أُلقِيَت في جنيف من 1972 إلى 1974 حول إنجيل القدّيس يوحنّا).  ومما يستحق الملاحظة هو أن هذا التعبير "ابن الإنسان" لم يستخدم عن المسيح بعد القيامة سوى مرة واحدة (أعمال الرسل 7: 56).  وقد وردت هذه العبارة في رؤيا للدلالة على المسيح القائم من الأموات والممجّد (رؤيا 1: 13 و14: 14).

 

 

ثانياً: تطبيق النص الإنجيلي (لوقا 12: 32-40)

 

انطلاقا من الملاحظات الوجيزة حول وقائع النص الإنجيلي (لوقا 12: 32-40)، يمكننا أن نستنتج انه يتمحور حول عودة المسيح والسهر في انتظاره. ومن هنا نتساءل عن عودة المسيح وثم كيف السهر لانتظاره؟

 

1) ماذا نعني بعودة المسيح؟

 

تأكد المؤمنون بأن "يسوعُ هذا الَّذي رُفِعَ عَنكُم إلى السَّماء سَيأتي كما رَأَيتُموه ذاهبًا إلى السَّماء" (أعمال 1: 11). فوصف العهد الجديد عودة المسيح بمصطلحات كثيرة أهمها: "يوم الافتقاد"(1 بطرس 2: 12)، "يوم الغضب "(رومة 2: 5)، و"الدينونة" (2 بطرس 2: 9)، وإلى "ذلك اليوم" (متى 7: 22)، و"يوم الرب" (1 تسالونيقي 5: 2)، ولكن أيضاً إلى "يوم الرب يسوع" (1 قورنتس 1: 8)، و"يوم المسيح" (فيلبي 1: 6-10)، و"يوم ابن البشر" (لوقا 17: 24-26).

 

ونجد أيضا تعابير أخرى لعودة الرب مثل ἀποκάλυψις أي "الرؤيا" (2 تسالونيقي 1: 7) ولفظة παρουσία " ومعناها المجيء الثاني المجيد" (متى 24: 3). ويعني هذا اللفظ الأخير عادة "حضور" (2 قورنتس 10: 10)، أو "مجيء" (2 قورنتس 7: 6-7). وكان يستخدم في العالم اليوناني-الروماني للدلالة على زيارات الأباطرة الرسميّة. وقد يكون استخدامه في العهد الجديد أيضا مُستمداً من تقليد العهد القديم الرؤيوي عن "مجيء الرب" (زكريا 9: 9).

 

وبما أن المؤمنين يجهلون تماماً ساعة مجيء المسيح (متى 24: 42)، لان يسوع اكتفى يسوع بقوله " إِنِّي آت ٍعلى عَجَل"(رؤيا 22: 20). لذا حثَّ يسوع على سهر متواصل "فَاسهَروا إِذاً، لأَنَّكُم لا تَعلَمونَ أَيَّ يَومٍ يَأتي ربُّكم" (متى 24: 42). وفي فجر الكنيسة، ألحّ بولس الرسول بوجوب السهر بقوله " لأَنَّكم تعرِفونَ حَقَّ المعرِفَة أَنَّ يَومَ الرَّبِّ يَأتي كَالسَّارِقِ في اللَّيل... علَينا أَن نَسهَرَ ونَحنُ صاحون "(1 تسالونيقي 5: 2، 6).

 

وإذا ما تأخّر المجيء الثاني، وجب علينا، في الواقع، أن نكون حذرين من الإصغاء إلى المعلّمين الكذبة. لأنَّ المجيء الثاني سيتمّ في أوانه بكل تأكيد (2 بطرس 3: 10)، وإذا كان الآن لم يتغيّر شيء في الظاهر (2 بطرس 3: 4)، فذلك لأننا ننتظر عقاب العالم بالنار" (2 بطرس 3: 7).

 

وإذا ما تطلّب المجيء الثاني منا الانتظار، يعود ذلك لأن الرب لا يقيس الأزمنة كما يقيسها أبناء البشر كما جاء في تعليم بطرس الرسول "وهو أَنَّ يَومًا واحِدًا عِندَ الرَّبَ بمِقدارِ أَلْفِ سَنة، وأَلْفَ سنَةٍ بِمِقدارِ يَومٍ واحِد"(2بطرس 3: 8)، ولأنه تعالى يأمل، في صبره، اهتداء جميع البشر " إِنَّ الرَّبَّ لا يُبطِئُ في إِنجازِ وَعْدِه، كما اتَّهَمَه بَعْضُ النَّاس، ولكِنَّه يَصبرُ علَيكم لأَنَّه لا يَشاءُ أَن يَهلِكَ أَحَدٌ، بل أَن يَبلُغَ جَميعُ النَّاسِ إلى التَّوبَة" (2 بطرس 3: 8-9).

 

 

2)  كيف نسهر انتظارا لعودة المسيح؟

 

للإجابة على هذه السؤال لا بدَّ من البحث في مفهوم السهر وضروريته ومتطلباته.

 

أ‌) مفهوم السهر

 

يحثُّ يسوع التلاميذ على السهر في انتظار عودة الرب " طوبى لأُولِئكَ الخَدَم الَّذينَ إِذا جاءَ سَيِّدُهم وَجَدَهم ساهِرين (لوقا 12: 37). فلفظة "سهر" في اللغة اليونانية γρηγοροῦντας تعني في المعنى الحصري اليقظة، وعدم النوم في الليل إمَّا بقصد مواصلة العمل (حكمة 6: 15)، أو لتحاشي العدوّ المفاجئ (مزمور 127: 1-2). وأمَّا السهر في المعنى المجازي فيعني اليقظة والكفاح ضد الخمول والإهمال من أجل بلوغ الغرض المستهدف (أمثال 8: 34). أمَّا السهر للمؤمن فيهدف الاستعداد للقاء الرب في يوم عودته تعالى "طوبى لأُولِئكَ الخَدَم الَّذينَ إِذا جاءَ سَيِّدُهم وَجَدَهم ساهِرين" (لوقا 12: 37).

 

ب‌) ضرورة السهر

 

يوصي يسوع تلاميذه على السهر لاستقبال ابن الإنسان لدى عودته (لوقا 12: 37). " فاسهروا إذاً، لأنكمٍ لا تعلمون أيّ يوم يأتّي سيّدكم" (متى 24: 42). والسهر يقوم قبل كل شيء على البقاء في حالة يقظة وحَذر، وتأهّب واستعداد لاستقبال الرب. ويظهر نوح في العهد القديم كمثال السهر والتيقظ. لقد عاش طيلة حياته متوقعا دينونة الله، بعكس معاصريه الساهين اللاهين "فكَما كانَ النَّاسُ، في الأَيَّامِ التي تَقَدَّمَتِ الطُّوفان، يَأكُلونَ ويَشرَبونَ ويَتزَّوجونَ ويُزَوِّجونَ بَناتِهِم، إلى يَومَ دخَلَ نوحٌ السَّفينَة، وما كانوا يَتَوَقَّعونَ شَيئاً، حتَّى جاءَ الطُّوفانُ فجَرَفهم أَجمَعين، فكذلكَ يَكونُ مَجيءُ ابنِ الإِنسان" (متى 24: 37-39).

 

إنّ السهر من متطلبات الإيمان بيوم مجي الرب، خاصة أن مجيء الرب سيكون فجائياً، شأنه شأن مجيء العريس (لوقا 12: 37) ومثل السارق في الليل (لوقا 12: 39) ومثل السيد الذي يعود أثناء الليل دون إخطار سابق لخدمه (مرقس 13: 35-3؛)، لذا ينبغي على المؤمن أن يسهر. ويُعلق الطوباويّ اللاهوتي يوحنّا هنري نِيومَن "يريد الربّ أن نظلّ مستعدّين بكلّ كياننا بانتظار مجيئه الوشيك؛ وذلك يعني أنّه علينا العيش وكأن ذلك الأمر الذي يمكنه الحدوث في أي وقت سوف يحدث في أيّامنا" (عظات أبرشيّة بسيطة، الجزء السادس، العظة 17: انتظار المسيح).

 

وعلى خطى السيد المسيح يحثّ يوحنا الرسول جماعة المسيحيين في سَرْديس على اليقظة والسهر كي لا يفاجئهم يوم الرب على نحو ما يفاجئ اللص السارق، إذ يقول: "تَنَبَّهْ وثَبِّتِ البَقِيَّةَ الَّتي أَشرَفَت على المَوت... فإِن لم تَتَنَبَّهْ أَتَيتُكَ كالسَّارِق، لا تَدْري في أَيَّةِ ساعةٍ أُباغِتُكَ" (رؤيا 3: 1-3). وعلى نقيض ذلك " طوبى لأُولِئكَ الخَدَم الَّذينَ إِذا جاءَ سَيِّدُهم وَجَدَهم ساهِرين (لوقا 12: 37)، فإنه يستطيع أن يشترك في موكب انتصار الرب (رؤية 16: 15).

 

ونجد الصدى على السهر أيضا في تعليم بولس الرسول " لَسْنا نَحنُ مِنَ اللَّيلِ ولا مِنَ الظُّلُمات فلا نَنامَنَّ كما يَفعَلُ سائِرُ النَّاس، بل علَينا أَن نَسهَرَ ونَحنُ صاحون" (1 تسالونيقي 5: 5-6). ويدعو بولس الرسول المسيحييِّن للسهر لاستقبال مجي الرب "هذا وإِنَّكُم لَعالِمونَ بِأَيِّ وَقْتٍ نَحنُ: قد حانَت ساعةُ تَنبَهُّكمِ مِنَ النَّوم، فإِنَّ الخَلاصَ أَقرَبُ إِلَينا الآنَ مِنه يَومَ آمَنَّا. قد تَناهى اللَّيلُ واقتَرَبَ اليَوم. فْلنَخلَعْ أَعمالَ الظَّلام ولْنَلبَسْ سِلاحَ النُّور. لِنَسِرْ سيرةً كَريمةً كما نَسيرُ في وَضَحِ النَّهار. لا قَصْفٌ ولا سُكْر، ولا فاحِشَةٌ ولا فُجور، ولا خِصامٌ ولا حَسَد. بلِ البَسوا الرَّبَّ يسوعَ المسيح، ولا تُشغَلوا بِالجَسَدِ لِقَضاءِ شَهَواتِه"(رومة 13: 11-14). فالسهر إذا ضروري إزاء أخطار الحياة الحاضرة، "تَنَبَّهوا واثبُتوا في الإِيمان، كونوا رِجالا، كونوا أَشِدَّاء" (1 قورنتس 16: 13)، ولأنَّ المسيحي قد اهتدى إلى الله، فهو "ابن النور". فلذلك ينبغي أن يظلّ في يقظة، وأن يقاوم الظلمات رمز الشرّ، حتى لا يتعرّض لأن يفاجئه عودة المسيح.

 

 

ج) متطلبات السهر

 

يقوم السهر من اجل التأهب للقاء الرب في عودته الثانية على المتطلبات التالية:

 

المتطلب الأول: عدم الخوف:

 

"لا تَخَفْ أَيُّها القَطيعُ الصَّغير" (لوقا 12: 32). لا خوف من المجهول، ولا خوف من المستقبل، ولا خوف من الفشل، ولا خوف من فقدان ما هو غالٍ على قلوبنا، ولا خوف من مصيره، ومن مستقبل أبنائه، ولا خوف من الظروف السّياسية ولا من نشوب حرب نوويّة.  لا خوف من المناخ الذي تظهر نتائجه الوخيمة في الطبيعة كالحرائق العديدة أو ذوبان الجليد المتزايد، ولا خوف من جائحة كورونا والأمراض الجديدة المُعدية، ولا خوف من التهديد وعنف هذا العالم وأصحاب السلطة " لا تَخَافوا الَّذينَ يَقتُلونَ الجَسَد ثُمَّ لا يَستَطيعونَ أَن يَفعَلوا شَيئاً بَعدَ ذلك" (لوقا 12، 4)، ومن هنا جاءت صرخة بولس الرسول " مَن يَفصِلُنا عن مَحبَّةِ المسيح؟ أَشِدَّةٌ أَم ضِيقٌ أَمِ اضْطِهادٌ أَم جُوعٌ أَم عُرْيٌ أَم خَطَرٌ أَم سَيْف؟ ... ولكِنَّنا في ذلِكَ كُلِّه فُزْنا فَوزًا مُبيناً، بِالَّذي أَحَبَّنا" (رومة 8: 35 و37).

 

لا داعي للخوف، لأنّ يسوع يدعونا أن نلتجأ إليه ليمنحنا الطمأنينة والراحة قائلا: " تَعالَوا إِليَّ جَميعاً أَيُّها المُرهَقونَ المُثقَلون، وأَنا أُريحُكم" (متى 11: 28)، "ثِقوا إِنِّي قد غَلَبتُ العالَم " (يوحنا 33:16)، " لا تَخافوا، أَنتُم أَثمَنُ مِنَ العَصافيرِ جَميعاً " (متى: 30:10)، "وهاءنذا معَكم طَوالَ الأَيَّامِ إِلى نِهايةِ العالَم" (متى 28: 20).  

 

والمسيح معنا يسير أمامنا ويقودنا لنصل إلى بيت الآب الذي يحبنا! ووعدنا "أَن يُنعِمَ عَلينا بِالمَلَكوت (لوقا 12: 32)، لا نخاف إذًا لأننا أعضاء في جسده وحياتنا هي امتداد لحياته كما صرّح بولس الرسول "فما أَنا أَحْيا بَعدَ ذلِك، بلِ المسيحُ يَحْيا فِيَّ " (غلاطية 2: 20). يحوي الكتاب المقدس في طياته 365 مرّة على كلمة "لا تخافوا" فهذا يعني مرّة في اليوم، وعلى مدار السنة، يقف الله إلى جانبنا ويشجِّعُنا بل ويحمينا، ويُنعِمَ عَلينا بنعمه وبركاته، لأنه أبونا ويُحبُّنا.

 

المتطلب الثاني: عدم الاتكال على الخيرات الأرضية:

 

يوصي يسوع اتباعه أيضا عدم إعارة الاهتمام للخيرات الأرضية بقوله "بيعوا أَموالَكم وتَصَدَّقوا بِها (لوقا 12: 33) ولا تعني أن نبيع كل شيء ونفتقر، بل أن نتوقف عن التعلق بها أو الاعتماد عليها. والصدقة وهي وسيلة للتغلب على خطر الغنى، وهي تخلي عن كنوز العالم وتقديمها للفقراء كي يحفظوها لنا في السماء. قد حثَّ يسوع أن نقتدي بالوكيل الداهية الّذي استخدم المال بسخاء كي يصنع له أصدقاء وضمن لنفسه مستقبلاً سعيداً "اِتَّخِذوا لكم أَصدِقاءَ بِالمالِ الحَرام، حتَّى إِذا فُقِدَ قَبِلوكُم في المَساكِنِ الأَبَدِيَّة" (لوقا 16: 9).

 

يرتبط العطاء السخي بالتصدّق – تقديم المساعدة الماديّة للمحتاجين. أولئك الّذين يحصلون على الصدقات يصبحون أصدقاءكم لأنّكم تكونون رحماء معهم وقت عوزهم، تماماً كما أنّ الربّ رحيماً معكم وقت حاجتكم بمغفرته ومعونته. ويُعلق القديس أوغسطينوس على لسان سيدنا يسوع المسيح "أعطني خيرات هذا العالم وسأردّ لك كنوز السماء. أعطني الثروات الماديّة وسأقيمك على الممتلكات الأبديّة" (العظة 123).

 

المتطلب الثالث: الانسلاخ عن الملذات:

 

"فاحذَروا أَن يُثقِلَ قُلوبَكُمُ السُّكْرُ والقُصوفُ وهُمومُ الحَياةِ الدُّنيا، فَيُباغِتَكم ذلِكَ اليَومُ" (لوقا 21: 34). فالسكر هو علامة لروح الخمول والتفكّك (أشعيا 19: 14) وبالتالي التخلي عن اليقظة والسهر التي يُثبِّت المسيحي في الخلاص (متى 24: 54-51). فعلى المرء أن يكون متحفِّظا وواعيا بحسب مشورة بطرس الرسول "كونوا قَنوعينَ ساهِرين، إِنَّ إِبليسَ خًصْمَكم كالأَسدِ الزَّائِرِ يَرودُ في طَلَبِ فَريسةٍ لَه"(1 بطرس 5: 8).

 

المتطلب الرابع: الصلاة:

 

لا بدّ أن الصلاة أيضا في انتظار عودة الرب على خطى الخادم الأمين (لوقا 12: 35) والعذارى العاقلات (متى 25: 1-8) اللواتي حافظن على مصابيحهم موقدة.  لذلك على المؤمن أن يجعل سراجه يُنير مثل ضياء النيّرات في الكون الفاسد (فيلبي 2:15) كما عمل إيليا النبي الذي توقّد كلامه كالمشعل" (يشوع بن سيراغ 48: 1) وكما كان يوحنا المعمدان "السِّراجَ المُوقَدَ المُنير" (يوحنا 5: 35) ليشهد لنور الحق (يوحنا 1: 7-8). ويوصي بولس الرسول الجماعات المسيحية الأولى بعقد سهرات الصلاة: "أَقيموا كُلَّ حينٍ أَنواعَ الصَّلاةِ والدُّعاءِ في الرُّوح، ولِذلِكَ تَنبَّهوا وأَحيُوا اللَّيلَ مُواظِبينَ على الدُّعاءِ " (أفسس 6: 18).

 

المتطلب الخامس: الصلاة الربِّية:

 

يخاطب يسوع أيضا جميع المسيحيين عامة في الصلاة الربية ويحثهم على السهر من خلال طلبة "لا تَترُكنا نَتَعرَّضُ لِلَّتجرِبَة" (لوقا 11: 4) أي أنقذنا من الدخول في أفكار المُجرِّب ومن التواطؤ معه، أو الوقوع في التجربة بحسب تعبير بولس الرسول " أَمَّا الَّذينَ يَطلُبونَ الغِنى فإِنَّهم يَقَعونَ في التَّجرِبَةِ والفَخِّ وفي كَثيرٍ مِنَ الشَّهَواتِ العَمِيَّةِ المَشؤُومَةِ الَّتي تُغرِقُ النَّاسَ في الدَّمارِ والهَلاك" (1 طيموتاوس 6: 9)، ويوضِّح بطرس الرسول عن هذا السهر بالكفاح ضد التجارب اليومية فيرد " كونوا قَنوعينَ ساهِرين. إِنَّ إِبليسَ خًصْمَكم كالأَسدِ الزَّائِرِ يَرودُ في طَلَبِ فَريسةٍ لَه"(1 بطرس 5: 8).

 

نستنتج مما سبق أَّنَّ الزمن الذي يفصلنا عن المجيء الثاني، ينبغي استغلاله في الإنجاز بالوزنات (متى 25: 14-30)، وفي إغاثة الآخرين من البشر (متى25: 31: 46)، وباتّباع الوصية الجديدة التي علّمنا إياها يسوع بمناسبة انطلاقه، مع إنبائه عن عودته " أُعْطيكم وَصِيَّةً جَديدَة: أَحِبُّوا بَعضُكم بَعضاً. كما أَحبَبتُكم أَحِبُّوا أَنتُم أَيضاً بَعَضُكم بَعْضاً.  إذا أَحَبَّ بَعضُكُم بَعضاً عَرَف النَّاسُ جَميعاً أَنَّكُم تَلاميذي)) " (يوحنا 13: 35-36)، وهذا ما يؤكده بولس الرسول " فما دامَت لَنا الفُرْصَةُ إِذًا، فَلْنَصنعَ الخَيرَ إلى جَميعِ النَّاس ولاسِيَّما إِلى إِخوَتِنا في الإِيمان "(غلاطية 6: 10). وليتنا نكرر في كلّ يوم من حياتنا، تلك الصلاة التي عبّر عنها التلاميذ الأوائل في لغتهم الآرامية بكلمة "مارانا تا": "تَعالَ، أَيُّها الرَّبُّ يَسوع" (رؤية 22، 20). يا لها من نعمة إذا سمعنا صوت الرب في الصلاة، إذ يُطمئنّا: "هاءَنذا آتٍ على عَجَل" (رؤية 22: 7).

 

 

الخلاصة

 

يلقي يسوع تعليمه أثناء "الصعود إلى أورشليم لإتمام سرّه الفصحي (لوقا 9) . وبناء على هذا التعليم فمن الواجب علينا أن نذهب معا لملاقاته بالسهر كما يوصِّينا "كونوا مِثلَ رِجالٍ يَنتَظِرونَ رُجوعَ سَيِّدِهم مِنَ العُرس، حتَّى إِذا جاءَ وقَرَعَ البابَ يَفتَحونَ لَه مِن وَقتِهِم" (لوقا 12: 36). ويتوجب علينا أيضا أن نذهب معا لملاقاة المسيح في الكفاح اليومي ضد الشرير "ِلتَكُنْ أَوساطُكُم مَشدودة، ولْتَكُنْ سُرُجُكُم مُوقَدَة" (لوقا 12: 35).

 

ومن الواجب علينا أيضا أن نذهب معا لملاقاة المسيح بالصلاة ليوم عودته التي لا يعلمه أحد، حيث سيظهر يسوع ثانية لخلاص الذين ينتظرونه كما ورد في تعليم صاحب سفر العبرانيين " فكَذلِكَ المسيحُ قُرِّبَ مَرَّةً واحِدة لِيُزيلَ خَطايا جَماعَةِ النَّاس. وسيَظهَرُ ثانِيَةً، بِمَعزِلٍ عنِ الخَطيئَة، لِلَّذينَ يَنتَظِرونَه لِلخلاص"(عبرانيين 9: 28).

 

سيأتي الرب في ساعة لا نتوقعها. سوف يطرق بابنا، وكل واحد مدعو أيضا شخصيا للترحيب بزيارة يسوع كما جاء في سفر الرؤية "هاءَنَذَا واقِفٌ على البابِ أَقرَعُه، فإِن سَمِعَ أَحَدٌ صَوتي وفَتَحَ الباب، دَخَلتُ إِلَيه وتَعَشَّيتُ معه وتَعَشَّى معي. (رؤية 3: 20)، فها هو يدعونا إلى وليمة العرس في الوطن السماوية التي رآها آباؤنا من بعيد، والتي بدأنا نتذوَّقها في كل أفخارستيا.

 

 

دعاء

 

يا رب، أعطني قلبا حكيماً يفهمك ويحبك بلا حدود مستعدا لانتظارك في السهر والانسلاخ عن الملذات وحمل السلاح الروحي والكفاح ضد التجارب اليومية خاصة بالصلاة الربية والسهرات الإنجيلية.

 

 

 

قصة من وحي كلام الرب "حَيثُ يَكونُ كَنزُكُم يَكونَ قَلبُكم"

 

حينما أتت ساعة الموت من شخص مريض طريح الفراش، كان نائما على وسادة، وجدوه يحتضن وسادته بعنف، وحاولوا أخذ الوسادة منه ليجعلوه ينام عليها ويستريح، فكان يرفض بشدة محتضنًا وسادته حتى مات، ولما مات فتحوا الوسادة، فوجدوه قد أخفى ثروته فيها. هذا كان رافضًا للموت متعلقًا بثروته. فكل من تعلق بالعالم لا يريد أن يتركه. وهنا نتذكر كلام يسوع القائل "فحَيثُ يَكونُ كَنزُكُم يَكونَ قَلبُكم" (لوقا 12: 34).