موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ١٧ أكتوبر / تشرين الأول ٢٠١٣

سيروا في النور

بقلم :
الأرشمندريت نادر ساووق - الأردن

مقدمة: يحتلُّ موضوع النور مكانة متألقة في الكتاب المُقدّس بعهديه القديم والجديد. ففي النور نستطيع أن نرى الأشياء بوضوح؛ أمّا في الظلام فلا نرى شيئاً. في النور نسير في آمان واطمئنان؛ أمّا في الظلام فنخاف ونعثُر. وأول عمل قام به الخالق هو الفصل بين النور والظلام (تك 1: 3 – 4)، فالله خلق النور في اليوم الأول، وخلق الشمس والقمر في اليوم الرابع، وهذا دليل على أنّ الله هو مصدر النور لا الشمس والقمر. وفي سفر المزامير تُشير أحياناً إلى النور: "الربُّ يُضيء سراجي, إلهي يُنير ظلمتي" (مز 18 : 29)، "بنورك نُعاين النور" (مز 36: 10). أمّا العهد الجديد فهو يقودنا باستمرار إلى موضوع النور: يوحنا الإنجيلي يستعيد في مقدمته صورة النور ليُحدّثنا عن حضور الله " النور يُشرق في الظلمة ، والظلمة لا تقوى عليه" (1 : 5)، وكما حدثنا أول سفر في الكتاب المقدّس عن النور، كذلك يُحدّثنا السفر الأخير من الكتاب المقدس عن النور الأبديّ الذي يُشعُّ على نفوس الموتى المؤمنين." فلن يكون ليل بعد الأن ، ولن يحتاجوا إلى نور سراجٍ ولا ضياء الشمس، لأنَّ الرب الإله سيُضيء لهم" (رؤ 22 :5). أولاً: الله نور: "إنَّ الله نور، وليس فيه ظلمة البتة." هكذا يقول القديس يوحنا في رسالته الأولى. (1 يو 5:1). وبما أنَّ الله نور، فوصاياه نور وكلامه نور. لذلك عندما يقرأ الكاهن الإنجيل المقدس, يقف اثنان من الخدّام وهما يحملان شمعتين إشارة إلى أنَّ كلام الله هو نورٌ وحياة. كما يقول صاحب المزامير: "سراجٌ لرجلي كلامُك ونورٌ لسبيلي" (مز 105:119)، وأيضاً كما يقول المُرتل في المزمور (9:19): "وصية الرب مضيئة تنير العيون". ثانياً: المسيح نور العالم: جاء السيد المسيح نوراً الى العالم: "فكل من يؤمن به لا يمكث في الظلام (يو 46:12). المسيح هو "شمس البِرّ" (ملا 2:4). هو نور يشرق ، ومن الشرق يبدأ النور لذلك تبنى الكنائس نحو الشرق ، رمز المسيح النور. راجع (إشعيا 15:24) و (متى 2:2). لقد أظهر السيد المسيح من خلال أعماله وكلامه المنير أنه نور العالم، فهو الذي أعلن عن نفسه قائلاً: "أنا نور العالم، من يتبعني فلا يمشي في الظلام، بل يكون له نور الحياة. "(يو 12:8) البعض يسأل هنا: لقد قال الرب لنا: "أنتم نور العالم." (متى 4:5)، وقال عن نفسه: "أنا نور العالم" (يو 12:8)، فما الفرق إذاً في المعنى؟ الفرق يظهر كما في مثال الشمس والقمر، قيل عنهما في رواية الخلق: "فعمل الله النورين العظيمين" النور الأكبر لحكم النهار، أي الشمس، والنور الأصغر لحكم الليل، أي القمر" (تك 14:1-16). نور الشمس نورٌ بذاتها، والقمر ليس نورٌ بذاته، هو كوكب مظلم، ولكنه يكتسب نوره من انعكاس نور الشمس عليه، وهكذا، السيد المسيح هو "النور الحقيقي الذي ينير كل إنسانٍ آتٍ الى العالم." أما نحن فنصير نوراً بقدر ما نستمدّ من نوره البهيّ "أي بنوره نعاين النور". ثالثاً: النور في الكتاب المقدس: بما أن الله نور، فعلى المسيحيين أن يكونوا أبناء النور. فالنور في الكتاب المقدس له مفاهيمه الروحية ومدلولاته وهي: 1) النور هو نور الشركة مع الله: يقول الرسول يوحنا في رسالته الأولى: "إن الله نور، وليس فيه ظلمة البتة، فإن نحن قلنا، إن لنا شركة معه وسلكنا في الظلمة ، فإنا نكذب ولا نعمل الحق" (1 يو 5:1-6). الحياة مع الله نور، أما العيش في الخطية ظلمة. وبالتالي علينا أن "نسلك سلوك أبناء النور" لنكون في شركة مع الله الذي هو نور. 2) النور هو نور المحبة: يشرح يوحنا الرسول هذه الحقيقة فيقول: "من أحبَّ أخاه فهو ثابت في النور، أما من أبغض أخاه فهو في الظلمة، وفي الظلمة يسلك، ولا يدري أين يتجه، لأن الظلمة أعمت عينيه" (ا يو 2: 1-11). المحبة نور، والبغض ظلمة. 3) النور هو نور الأعمال الصالحة: يشدّد الرسول بولس قائلاً بأن "نخلع أعمال الظلمة، ونلبس أسلحة النور" (رو 12:13). خلع "أعمال الظلمة" يعني التوبة عن الأعمال الشريرة، و"لبس أسلحة النور" يعني ممارسة الأعمال الصالحة. 4) النور هو نور الحق والبرّ: يوضح بولس الرسول هذا المفهوم، في رسالته الى أهل أفسس، فيقول: "فاسلكوا سلوك أبناء النور، فإن ثمر النور هو في كل صلاح وبر وحق" (أف 5: 8-9) 5) النور هو نور السهر الروحي والاستعداد الدائم: أعطى الرب يسوع لنا "مثل العذارى" (متى 25: 1-13) بوجوب السهر الروحي والاستعداد الدائم، وأوصانا بأن نتشبه "بالعذارى الحكيمات" اللواتي احتفظن بمصابيحهن مضيئة، والعذارى هن عاقلات "أو جاهلات"، على مثال الذين يبنون على الصخر أو على الرمل (متى 7: 24-27). إن النور – كما رأينا – يمثّل الصلاح والمحبة والحق والبرّ والسهرالروحي والاستعداد الدائم. فماذا تمثّل الظلمة؟ الظلمة تمثل حياة الشر والخطيئة. "لأن الناس فضّلوا الظلمة على النور، لأن أعمالهم كانت شريرة" (يو 3:19). الظلمة عموماً: هي البعد عن الله ونوره، وعن معرفته والصلة به، وهي عدم الشركة مع الروح القدس الذي يُرمز اليه بالزيت، هذا الذي كان ناقصاً عند العذارى الجاهلات. وقد تكون الظلمة هي الجهل، لأن العلم نور، والجهل ظلام ، وكما يقول سفر الجامعة: "الحكيم عيناه في رأسه، أما الجاهل فيسير في الظلمة." (جا 14:2). الخاتمة: المسيحيّة ثورة نور، ورسالتنا هي أن نكون نوراً للعالم، عملاً بوصيّة السيد المسيح: "أنتم نور العالم, لا يمكن أن تخفى مدينة قائمة على جبل، ولا يوقد سراج ويوضع تحت المكيال، بل على المنارة فيضيء لجميع من في البيت. هكذا، فليضيء نوركم قدام الناس ليروا أعمالكم الصالحة، ويمجدوا أباكم الذي في السماوات" (متى 5: 14-16).