موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
حكمت الدولة الايوبية في الفترة من (1171-1250م) وظهرت بين دولتين بعد الدولة الفاطمية وقبل الدولة المملوكية، في ظل تهديد الصليبيون (الفرنج) بغزو البلاد العربية. ويشير المؤرخ المقريزي ان الايوبيين هم اكراد الاصل وليسوا عربا بالدم والجنس وان كانو عربا باللغة. الصليبيين (الفرنج) عاصرت الدولة الايوبية الحملات الصليبية التي جاءت للشرق ما بين (1096-1291م) ، بهدف تحرير القدس، موضع تقديس المسيحيين، وتلبية لدعوة الامبراطور البيزنطي "الكسيس كومنين" ومهما كان الأمر، فإن الحروب الصليبية تركت أثراً مشؤوماً، فإذا كانت العلاقات بين الشرق والغرب قد امتازت بالمعرفة والاعتبار، فلا شك أيضاً أن هذه الحروب حفرت هوة عميقة بين الإسلام والمسيحية. اطلق بعض المؤرخين المسلمين لقب "الصليبيين" على القادمين من الغرب لغزو الشرق لالصاقه بالمسيحية، بينما الاسم الادق لهم هو "الفرنج" وهو عكس ما يحدث الآن من اطلاق لقب "داعش" إعلامياً على ما يسمى بالدولة الإسلامية في العراق والشام لرفض الصاقه بالاسلام! المسيحيين بين السندان والمطرقة يمكنا اعتبار الحملات الصليبة على الشرق، بالكارثة التي حلت على المسيحيين اكثر من المسلمين، فكان المسيحيين بين سندان المسلمين ومطرقة الصليبيين، فالصلبيين القادمين نظروا لمسيحي الشرق بأنهم هراطقة باعتبار انهم يؤمنون بالطبيعة الوحدة للمسيح، بينما الصليبيين من اتباع الطبيعتين للمسيح، ومن ناحية اخرى نظر المسلمين لهم بانهم تواطئوا مع الصليبيين ضدهم فزادوا عليهم بالضرائب ولم يتم مساواتهم بجيرانهم المسلمين. يرصد جاك تاجر في كتابه "اقباط ومسلمون منذ الفتح العربي حتى عام 1922"، قول أحد المؤرخين الاقباط يشكو من معاملة الصليبيين للأقباط (اليعاقبة) قائلا "لم يكن حزن اليعاقبة بأقل من المسلمين.. بأي حق يمنع الاقباط من الحج الى القدس او الاقتراب من المدينة؟ ان الصليبيين يكرهوننا كما لو كنا ضللنا عن الايمان القويم"... وعلى الرغم من الاضطهادات التي عانوها فإنهم ظلوا المحور الأساسي الذي ارتكز عليه أعظم الحكام المسلمين... ورأى أقباط مصر أي اليعاقبة، في هزيمة الفرنج عقاباً جديداً أنزل على أنصار كنيسة روما. صلاح الدين الأيوبي يعتبر صلاح الدين الايوبي، مؤسس الدولة الأيوبية، نسبه الى والده ايوب بن شاذلي، بعدما جاء الى مصر لحمايتها من الخطر الصليبي واصبح حاكماً على مصر وسوريا سنة 1174م/570ه. افتتح عهده في الوزارة بطرد الموظفين الأقباط من مناصبهم، ولكنه سرعان ما اعادهم اليها مرة اخرى، كما انه صار لزاما عليهم ان يتزينوا بزي خاص بهم، كما منعوا من ركوب الخيل ولذا فان الكثيرين تنازلوا عن اراضيهم لأصحاب النفوذ في الريف مقابل حمايتهم في حين ان البعض الآخر اعتنقوا الاسلام. وكان على مسيحيي الشرق مواجهة هذا الواقع المعقد سلبا او ايجابا حسب عهود السلاطين العظام في هذه الدولة. وهو ما دفع المسيحيون الشرقيون ثمن الحرب بين الصليبيين والمسلميين، ففي عهد عماد الدين زنكي قام بالدخول الى مدينة الرها سنة 1144م/539ه وكان اكثرها من المسيحيين اليعاقبة والارمن، فقام بنهب البيوت والكنائس وسبي الذرية وقتل الرجال. وهدم الايوبيون كاتدرائية مار مرقس بالاسكندرية حتى لا يحتمى بها الصليبيون لو هاجموا الاسكندرية، وارسل صلاح الدين حملة لتاديب مملكة النوبة المسيحية دمر خلالها دير القديس سمعان الحصين قرب اسوان ودير اخر عند ابريم.. كما هدم الايوبيون مدينة قفط القبطية العظيمة وكل ابنيتها ومنشاتها حتى سويت بالارض... وبعد انتصار صلاح الدين على الصليبيين، تسامح مع المسيحيين ومنحهم ديرا ملاصقا للقبر المقدس بالقدس وهو المعروف باسم دير السلطان، مكافئة لمواقفهم النبيلة معه ضد الصليبيين. كما اعاد الاقباط الى وظائفهم العليا فى الدولة واسترد اخرون اموالهم وممتلكاتهم واختار صلاح الدين قبطيا هو صفي الدولة ابن ابي المعالي الملقب "بابن شرقي" كسكرتير خاص له. مشاكل واجهت المسيحيين العرب تتفق معظم المصادر المسيحية والاسلامية، على عدد من المشاكل التي واجهت المسيحيون العرب منها الصراع بين الملكانيين والاقباط وتدخل المال في اختيار البطريرك فبعد وفاة البطريرك يونس بن زرعة، رشح القس ابي الياس لكن الذي نال المركز هو الانبا يونس بن ابي غالب الذي كان تاجرا بين الهند واليمن، ولا تشير المصادر الى اية علاقة له بالكنيسة، انما تشير الى مقدار ثروته المالية وان كان قد اظهر هذا البطريرك خلال مدة ولايته عزوفا عن المال وصرف جزءا كبيرا من ثروته على الفقراء والمساكين. بجانب تدخل الدولة فى اختيار البطريك وهو ما حدث مع داود بن لقلق سنة 1235م/633ه رغم عدم اتفاق الشعب عليه. كانت احوال الاقباط في ايام الدولة الايوبية رغم ما تخللها من صعوبات أفضل من غيرها كما قاموا في هذه الفترة بخدمة الدولة بكل امانة حتى ان الحكام والامراء ائتمنوهم على خزائنهم واموالهم فحافظوا عليها... وتاكد للكل استحالة الاستغناء عنهم او عدم امكان تسيير الاعمال بدونهم. اسهامات المسيحيين العرب شارك المسيحيون العرب في ادارة الدولة الايوبية بكفاءة واجتهاد فمنهم الكاتب والمهندس والوزير ومن ابرزهم كان: الشيخ الرئيس صفي ابى المعالي كاتب صلاح الدين، والشيخ ابو سعيد بن ابي اليمن بن النحال وزير العدل، والشيخ الأسعد أبو الفرج صليب بن ميخائيل، صاحب ديوان الملك الصالح، والطبيب علم الدين أبو النصر جرجس، وابو الفرج بن ميخائيل، رئيس ديوان الملك العادل، وابن المصوف امين اموال الحكومة في ايام صلاح الدين وغيرهم. ومن اجمل ما ترك لنا في هذا العصر كتابين أثرين لعمار المصري هما "كتاب البرهان" و"كتاب المسائل والأجوبة" وادرك أبناء العسال قيمة عمار البصري: فذكره ابو اسحق بن العسال في "مجموع أصول الدين" والأسعد بن الفرج ابن العسال في مقاله عن النفس التي كتبها سنة 1231. مشاهير المسيحيين العرب برز العديد من المسيحيين العرب في العصر الأيوبي من اهل العلم والذين تقلدوا وظائف عالية بالدولة وحازوا القاب الشرف منهم: يوحنا بن زكريا بن سباع، بطرس السدمنتي، الانبا بولس البولشي، المكين سمعان بن كليل والشيخ اسعد أبو الفرج والشيخ السديد ابو الفضائل. ولا يمكن ان ننسى ابناء العسال الذي شغل ثلاثة من ابناء هذه الاسرة مناصب كبرى في الدولة الايوبية، وكانوا جميعا اهل علم ويجيدون اللغتين القبطية والعربية، الى جانب اللغة اليونانية. ومن قام بتشييد قلعة صلاح الدين على تلال المقطم مهندسيين معماريين من المسيحيين العرب هما أبو منصور وأبو مشكور (تاريخ المسيحية الشرقية). خاتمة يبقى ان نقول، ان فترة الدولة الايوبية كانت فترة عصيبة مر بها الأقباط، وعندما هدأت الامور دبت الروح فيهم من جديد، وقاموا بدورهم الوطني خير قيام في مختلف المجالات، فبعد ان زالت الغمة الفرنجية اعيدت للأقباط مناصبهم وثرواتهم وشاركوا في الدفاع عن تراب الوطن ضد المعتدي في صف واحد مع اخوانهم المسلمين. مصادر - المسيحية عبر تاريخها في المشرق، مجموعة مؤلفين - مصر في العصور الوسطى، محمود الحويري - الكنائس الشرقية واوطانها، الراهب القس اثناسيوس المقاري - اقباط ومسلمون منذ الفتح العربي حتى عام 1922، جاك تاجر - السلوك لمعرفة دول الملوك ج1 القسم الاول - المقريزي - تاريخ المسيحية الشرقية - عزيز سوريال - وطنية الكنيسة القبطية - الراهب القمص انطونيوس الانطوني - الاقباط في القرن العشرين - رمزي تادرس