موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأربعاء، ٦ ابريل / نيسان ٢٠١٦

الحضور المسيحي العربي في الحكم الناصري

بقلم :
عماد توماس - مصر

انتهى العصر الملكي برحيل الملك فاروق، وأعلن الحكم الجمهوري في مصر عام 1953 بعد حركة الضباط الاحرار في 23 يوليو 1952 والتي اعتبرها البعض ثورة والبعض الاخر انقلابا عسكريا. تولى محمد نجيب رئاسة البلاد (1953-1954) ليصبح أول رئيس في فترة الحكم الجمهوري، إلا أنه لم يستمر طويلا وأقصى عنوة من منصبه وتحددت اقامته حتى يوم وفاته. ثم تولى بعده رئاسة البلاد جمال عبد الناصر خلال الفترة من (1956-1970م). حركة الضباط الأحرار بلا مسيحيين سمحت حركة الضباط الأحرار التي لم يكن من بينها مسيحيًا واحدًا، لجماعة الإخوان المسلمين بالعمل، حتى بعد حل الأحزاب السياسية في يناير 1953، على أساس أن جماعة الإخوان ليست حزباً مثل بقية الأحزاب، وامتداد للتعاون الذي تم منذ البداية بين الجماعة وتنظيم الضباط الأحرار، فالإخوان كانوا التنظيم السري الذي عرف بأمر الحركة قبل وقوعها استنادا إلى ما ذكره كمال الدين حسين –أحد اعضاء الحركة- من أنه ليلة الثورة "اتصلت انا وعبد الناصر والإخوان المسلمين وأطلعناهم على التفاصيل وثان يوم كان لهم متطوعون على طريق السويس مع الجيش لاحتمال تحرش قوات الانجليز بالثورة، وهو امر لم يكن ليتأتى إلا بموافقة المرشد العام". ونظر الإخوان إلى حركة 32 يوليو 1952 باعتبارها ثورة بينما نظر أصحاب الحركة على أنها انقلاب. انتهى شهر العسل بين عبد الناصر والإخوان مبكرا بعد حل مجلس الثورة الجماعة في عام 1954، ثم محاولة الجماعة اغتيال عبد الناصر في 26 اكتوبر 1954 بالاسكندرية على يد محمود عبد اللطيف، أحد زعماء الإخوان، وتم تصفية الإخوان في محكمة جديدة تألفت في نوفمبر 1954 باسم "محكمة الشعب". الأوضاع السياسية للمسيحيين في الحكم الناصري في العهد الناصري فشل المسيحيين في دخول مجلس الأمة، بعد أن كان ويصا واصف رئيساً لمجلس النواب قبل 1952، فطلب عبد الناصر عام 1964 اضافة فقرة إلى المادة 49 بالدستور المؤقت تنص على انه يجوز لرئيس الجمهورية أن يُعين عدداً من الأعضاء لا يزيد على عشرة أعضاء وأن يكون نصف أعضاء المجلس على الأقل من العمال والفلاحين وكان التعيين يتم في أغلبه للمسيحيين لإحداث نوعا من التوزان واستمر كذلك في عهد السادات ومبارك. وهذا التعيين يبدو كمنحة من الحاكم يختار فيها من يضمن ولاءه وولاء الكنيسة. وكان اكبر عدد للمسيحيين في برلمان 1943 حين فاز 27 نائباً عن طريق الانتخاب. تراجع ظهور المسيحيين في المشاركة السياسية نتيجة بعض القوانين والقرارات التي أصدرها نظام عبد الناصر وأضرتهم منها تأميم شركات القطاع الخاص واراضي المُلاك والباشوات. بالإضافة الى تطبيق قانون الإصلاح الزراعي على اوقاف وأراضي الكنيسة والأديرة فتضاءلت ممتلكات الكنيسة بسبب قوانين الإصلاح الزراعي وفقد المجلس الملي للكنيسة الأرثوذكسية اختصاصاته القضائية ولم يبقى له إلا الإشراف على الأمور المادية والإدارة الكنسية. بدء هجرة المسيحيين من مصر بدأت ظاهرة هجرة واسعة لشباب المسيحيين إلى أمريكا وكندا واستراليا في النصف الأخير من الخمسينات، وعندما صدرت القوانين الاشتراكية، لحقت موجة هجرة ثانية من جماعات من أغنياء المسيحيين بموجة الهجرة الاولى، واستطاعت أن تحول أموالها وثرواتها للخارج وأصبح للكنيسة الارثوذكسية رعايا وكنائس متعددة في بلاد المهجر ثم زادت حركة الهجرة بعد نكسة حرب 1967. الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية للمسيحيين في الحكم الناصري موجة التأميمات قضت على عدد كبير من الأعمال والصناعات والوظائف المهنية والفنية التي كان للأقباط فيها السيطرة او حيازة النصيب الأعظم فيها. ففي قطاع النقل كانت خسارة الاقباط بنسبة 75% حيث أممت شركة اتوبيس "إخوان مقار" وشركة اتوبيس "الأسيوطي" وكان كلاهما يغطى اكثر من ثلاثة أرباع القاهرة كما أممت شركة اتوبيس "حكيم مرجان" التي كانت تغطي معظم البلاد. وفي مجال الصناعات اممت مصانع "فؤاد باشا جرجس" ومصانع "عطية شنودة" أما البنوك فقد كانت أغلبية رأس المال المساهم في بنك القاهرة لـ "موريس دوس" وبعض الأقباط وكذلك الحال في بنك مصر. ونتيجة قوانين الإصلاح الزراعي، نزعت ملكية آلاف الافدنة لعائلات قبطية في اسيوط مثل عائلات: دوس واندراوس وويصا والخياط وغيرهم من عشرات العائلات ونزع ملكية اراضي اوقاف البطريركية والاديرة القبطية وتوزيع الاراضي الزائدة عن الحد الاقصى للملكية على الفلاحين الفقراء من المسلمين. وأعلن عبد الناصر عند إجراء قوانين التأميم للاقتصاد المصري أنه لم يستلهم هذه الأفكار من الأفكار الماركسية أو اللينينية وأعلن أن نبي الإسلام هو أول من نادى بأسلوب التأميم وأنه أبو "أول اشتراكية" وازدات حدة النغمة الدينية في الدوائر الحكومية. ففي وزارة الخارجية، يلاحظ انه منذ عام 1952 -في العهد الناصري- لم يعين سفير مسيحي واحد، بينما كان عدد كبير منهم قبل 1952 مثل: ديمترى رزق، وعدلي اندراوس، وانيس رزق ومن قبل هؤلاء كان واصف غالي وصليب سامي ممن تولوا وزارة الخارجية. وفي وزارة التعليم العالي، لم يُعين مديرا أو وكيل لأية جامعة من الجامعات المصرية في ذلك الوقت والتي بلغت 12 جامعة بالإضافة إلى نحو 150 كلية ومعهد عالٍ تابعة للوزارة. وفي كلية الطب، بعد ان كان أكثر من 40% من أساتذتها من المسيحيين، ووصلت النسبة الى اقل من 4% على الرغم من بقاء نسبة المسيحيين بها 40%. وادخل نظام الامتحان الشفوي عام 1960 للحد من العدد الكبير من المسيحيين التي تنطبق عليهم شروط الترشيح للبعثات المختلفة طبقا لدرجاتهم. واستمر عدم تعيين المسيحيين في الوظائف القيادية مثل المحافظين ورؤساء الجامعات ووكلائها وعمداء الكليات ومديرو الامن ورؤساء مجالس المدن والمجالس القومية المتخصصة والوزارات السيادية حتى الآن مما يخلق شعور من الاغتراب في وطن يعيش فيه المسيحيين وينتمون اليه. أسلمة المجتمع بدأت أسلمة المجتمع، وانتقال الدين من المجال الخاص –داخل دور العبادة- إلى المجال العام في العهد الناصري، من خلال إنشاء جامعة الازهر لدراسة جميع فروع العلم (الطب والهندسة...) وقصرها على الطلاب المسلمين، وجعل الدين مادة الزامية في مراحل التعليم الاساسي وأسلمة مناهج التعليم بتدريس كتاب لنظمي لوقا بعنوان "محمد الرسول والرسالة" اثناء الوحدة بين مصر وسوريا فقام مسيحيو سوريا بحرق الكتاب في شوارع دمشق واستجابة لغضبهم تم إلغاء تدريس الكتاب في سوريا بينما ظل يُدرس في مصر وقتها. بالإضافة الى إنشاء اذاعة القرآن الكريم وإنشاء مئات المعاهد الأزهرية للعلوم الدينية في مختلف محافظات وقرى مصر. البابا والرئيس من الأمور الايجابية في العهد الناصرى عدم حدوث فتن طائفية، فكانت البلاد تمر بمرحلة من العلاقات الطيبة بين المسلمين والمسيحيين، وشهدت المرحلة علاقة مميزة بين الرئيس جمال عبد الناصر وعائلته مع البابا كيرلس السادس، فكان الرئيس يستقبل البابا فى منزله، ولخص حسنين هيكل هذه العلاقة في كتابه "خريف الغضب" بقوله "كانت علاقة ممتازة، وكان بينهما إعجاب متبادل، وكان معروفا أن البطريرك يستطيع مقابلة عبد الناصر في أى وقت يشاء، وكان البابا حريصا على تجنب المشاكل"، وفي احدى الروايات تقول انه اثناء زيارة البابا لمنزل عبد الناصر، تقدم أبناؤه بحصالاتهم الصغيرة ليتبرعوا لبناء الكاتدرائية المرقسية الجديدة بالعباسية، فاخرج البابا منديله وفرشه في حجره، فوضع أولاد عبد الناصر تبرعاتهم وشكرهم البابا. وأمر عبد الناصر بصرف 100 ألف جنيه مساهمة من الدولة في البناء، فكان عبد الناصر صاحب الفضل في بدء بناء الكاتدرائية الجديدة بالعباسية والسبق في إنشاء دير مار مينا العجائبي بمريوط. وشارك عبد الناصر في وضع حجر الأساس للكاتدرائية عام 1965 بحضور الامبراطور هيلاسلاسي الاول امبراطور اثيوبيا. وفي كلمته قال عبد الناصر "نحن نفتخر والحمد الله بأن بلدنا ليست فيها طائفية او تعصب او انقسام...". يبقى أن نقول أن أوضاع المسيحيين –بصفة عامة- في العهد الناصرى على المستوى الديني كانت مميزة بفضل العلاقة الطيبة بين البابا والرئيس، بينما كانت سيئة اقتصادياً بفضل التأميم وقوانين الاصلاح الزراعي والتي تضرر منها المسيحيين بصورة خاصة. المصادر - الأقباط في الحياة السياسية المصرية، د. سميرة بجر - الكنائس الشرقية وأوطانها، الراهب القس اثناسيوس المقاري - خريف الغضب، محمد حسنين هيكل