موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
المقصود بحقبة الحُكم الملكي لمصر، بداية من تولي محمد علي (1805م) حكم مصر بعد جلاء الفرنسيين، حتى رحيل الملك فاروق (1952م). أسس محمد علي (1805-1849) الدولة الحديثة في مصر، لتعطي فرصة حقيقية لظهور تيار جديد لإحياء الهوية والحضارة المصرية المفقودة منذ مئات السنين، والانفتاح على الحضارة الغربية من خلال إيفاد البعثات العلمية للخارج ولاسيما فرنسا لتحصيل العلوم والرياضيات والمعارف الحديثة، ووصلت في سنة 1847 إلى تسع، وكان لطلبة الطب النصيب الأوفر منها. عصر محمد علي (1805-1849م) بالرغم من أن محمد علي كان رجلا اميًا، إلا أنه كان بعيد النظر. إذ رأى شدة احتياجه لمساعدة المسيحيين نظرا لأمانتهم، فاستخدم كثيرا من الأرمن والكاثوليك -دون الأقباط- خوفاً من ازدياد نفوذهم، إلا أنه أوقف الاضطهادات ضدهم. ثم عاد واختص الأقباط بالأعمال المصرفية وضبط الإيرادات، والأعمال الحسابية. فتحسن وضع الأقباط منذ عهد محمد علي، ونشأت بينهم طبقة مثقفة بلغت مراتب عالية ويرجع لمحمد على فضل اختيار الأقباط لمناصب هامة ساهمت فى نهضة البلاد واستقلالها فكان منهم حُكام المدن (المحافظون الآن) ورؤساؤها. وسمح محمد على للمسيحيين ممارسة طقوس عبادتهم، ولم يرفض أى طلب لبناء او ترميم الكنائس. أظهر محمد علي في مصر جواً اجتماعياً جديداً. وانتهج خلفاؤه نفس النهج عكس بعض العصور السابقة. أما السلطان محمود الثاني، الذي تولى عرش الامبراطورية العثمانية عام 1808م، فقد اكتفى بحذو محمد علي بالكلام لا بالأعمال. فكان يقول "لا أريد أن تكون هناك فوارق بين أفراد شعبي المنتمين إلى أجناس أو آديان مختلفة، ويجب ألا يختلفوا إلا في طريقة الصلاة في معابدهم". وان كانت هذه التصريحات لم تطبق تطبيقاً عملياً. وفي سنة 1831م ألحق محمد على مائة قبطي للعمل في ترسانة الإسكندرية وأمر بإعفائهم من الجزية. وكانت الجزية التي يدفعها المسيحيين أيام محمد علي، لا تذكر بالنسبة لمرتباتهم. عصر محمد سعيد باشا (1854-1863م) ألغيت الجزية تماماً في عهد محمد سعيد باشا عام 1855م، وهو أول من سمح للمسيحيين بالانخراط في الجيش المصرى أسوة بشركاءهم في الوطن من المسلمين، وسمح للجنود الأقباط أن يمارسوا ديانتهم علانية. كما منع إقامة الأفراح في حالة اعتناق قبطي للديانة الاسلامية وعين حاكماً مسيحياً للسودان، وفي عام 1856م صدر الخط الهمايوني لبناء الكنائس في اطار الصراع بين الدولة العثمانية والقوى الأوروبية الصاعدة لاثبات مرونة الدولة تجاه رعاياها من غير المسلمين. والذي حرم إدخال أي فرد في الدين الاسلامي بالقوة. وحرم التمييز بسبب الدين، أو اللغة، أو الجنس، أو في الوظائف العامة، كما أباح حرية ممارسة الطقوس الدينية وإمكانية تشييد كنائس جديد وترميم القديمة. وإن كان قد استخدم -الخط الهمايوني- فيما بعد بصورة قمعية من خلال الشروط العشر التي صدرت بقرار من العزبي باشا وكيل وزارة الداخلية في سنة 1934 في عهد الملك فؤاد (1917-1936م) وتمنع هذه الشروط العشر بناء كنيسة على ارض زراعية أو بالقرب من المساجد والأضرحة، وفي حال بناء الكنيسة في منطقة يقطنها المسلمون يجب الحصول على موافقتهم المسبقة وغيرها من الشروط المجحفة. وتحوي مخطوطات قصر عابدين، في عهد سعيد باشا والخديوي اسماعيل أوامر بناء الكنائس، واستعجال الولاة لتنفيذها. فصدر عدداً كبيراً من الأوامر الخاصة بالكنائس، وحررت بالصيغة الآتية: "أمر إلى... بشان التصريح لطائفة الأقباط بتعمير الكنيسة ومساعدتهم في ذلك وعدم ممانعتهم". عصر اسماعيل باشا (1863-1879م) في عهد الخديوي اسماعيل باشا، الذي تلقى علومه في فينا وباريس، وصلت أوضاع المسيحيين إلى درجة عالية من الحرية والمساواة، فقام اسماعيل باشا بدعم المدارس القبطية مالياً، وقرر علانية المساواة بين المسيحيين والمسلمين، وذلك بترشيح الأقباط لانتخاب أعضاء مجلس شورى القوانين. وفي أول برلمان مصري منتخب سنة 1866م دخل الأقباط الانتخاب اسوة بشركاءهم في الوطن من المسلمين. وقام بتعيين قضاة من الأقباط للمحاكم. وهو أول حاكم منح الباشوية لرجل مسيحي هو نوبار باشا. وكان الأقباط يصرحون بفخر، بعد وفاة هذا العاهل، بأن حالتهم تحت حكمه كانت أحسن مما هي عليه تحت الاحتلال البريطاني. وفي فترة ازدهار حزب الوفد (1919-1952م) شارك الأقباط بفاعلية فى الحياة السياسية. عصر عباس حلمي الثاني (1892-1914م) انتشر الاقباط في الوظائف الرئيسية في الدولة، خصوصا في وزارات المالية، والأشغال العامة، ومصلحة البريد، والسكك الحديدية. وعقد الاقباط مؤتمرهم القبطي العام التاريخي في اسيوط عام 1911 ووضعوا فيه "حقوق الأقلية" وكان الرد عليه بمؤتمر اسلامي عام، عقد في القاهرة في السنة التالية عام 1921م. ثورة 1919م قامت ثورة 1919م، بقيادة سعد زغلول ضد الاحتلال الانجليزي، والتي رفعت شعار "الهلال والصليب" و"الدين لله والوطن للجميع"... وكان لسعد زغلول أكبر الأثر في اندماج الأقباط في الكفاح الوطني، وانتشر الأقباط في حزب الوفد بقيادة مصطفى النحاس، فعين مكرم عبيد باشا سكرتيراً للحزب وتولى وزارة المالية بالاضافة إلى ويصا واصف وسينوت حنا وغيرهم. وشهدت فترة الحكم الملكي، ظهور جماعة الاخوان المسلمين عام 1928م وصدور دستور 1923م الذى نص على أن دين الدولة هو الاسلام. واغتيال بطرس باشا غالي على يد الورداني، عضو جماعة "الاخاء المتبادل"، ورفض الشيخ بكري الصدفي المفتى، إعدام الورداني بحجة اختلال قوى المتهم العقلية، وفي رواية اخرى بحجة أن اداة القتل المستخدمة المسدس لم يرد ذكره في القانون الاسلامي، ولم تأخذ المحكمة برأيه!!. واصدار وزارة العدل منشورا سنة 1931م يقضي بأن تكون الشهادة المقبولة في القضايا الشرعية من طبيب مسلم، ولا تُقبل من طبيب مسيحي. اسهامات المسيحيين العرب لا تكتفي المساحة المتاحة هنا في الحديث عن اسهامات المسيحيين العرب من أهل الشام. فاللبناني بطرس البستاني (1819-1883م) أسس المدرسة الوطنية (1863م) وهو صاحب قاموسي "محيط المحيط" و"قطر المحيط". والدكتور يعقوب صروف (1852-1927م) أحد أركان الصحافة في العالم العربي وصاحب مجلة "المقتطف"، والسوري "رزق الله حسون"، صاحب أول دورية عربية في الأستانة تحت اسم "مرآة الأحوال" عام 1855، وناصيف اليازجي الأب (1800-1871) صاحب المؤلفات العديدة والشاعر النابغة، وابراهيم ابنه (1847-1906) الذي شارك في ترجمة العهد القديم للغة العربية وأحد أركان اللغة والأدب في عصره. وهناك سليم وبشارة تقلا مؤسساً جريدة الأهرام المصرية سنة 1875م. وفي مصر، ظهر البابا كيرلس الرابع أبو الاصلاح (1853-1862م)، الذي أنشأ المدرسة القبطية الكبرى بالبطريركية، وشدَّد في تعليم اللغة القبطية، واشترى مطبعة كبيرة طبع فيها العديد من الكتب الكنسية وغيرهم الكثيرون. يبقى أن نقول أن المسيحيون العرب ساهموا فى هذه الحقبة التاريخية في الإنفتاح على الثقافات الاخرى مع الحفاظ على الأصالة فى جذورهم التاريخية. مصادر - المجتمع المصرى تحت الحكم العثماني، ميكل ومنتر - مصر الاسلامية وأهل الذمة، د. سيدة اسماعيل كاشف - الأقباط فى العصر العثماني، د. حمد عفيفى - تاريخ المسيحية الشرقية، عزيز سوريال - المسيحية عبر تاريخها في المشرق، مجموعة مؤلفين - وطنية الكنيسة القبطية، الراهب القمص انطونيوس الانطونى - مصر الاسلامية وأهل الذمة، د. سيدة اسماعيل كاشف - أقباط ومسلمون منذ الفتح العربي الى 1922، جاك تاجر - دور المسيحيين الثقافي في العالم العربي (2)، الأب سمير خليل