موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
لا تزال أروقة شوارع الهند حتى اليوم تتحدث عنها.. هي التي خطفت بمحبتها آلام الآخرين وخبأتها بين حنايا جسدها المتعب وصعدت بها جلجلة التضحية، فبلغت قمة الإنسانية. إنها الألبانية الأصل، تريزا دي كالكوتا، أم الفقراء، كما وصفتها كلمات العالم.
اليوم وبعد ثمان سنوات على ولادة أيقونة المحبة في السماء، يقف العالم خجولا أمام عظمة إنسانة، عاشت غنية بفقرها ومحبتها وعندما غادرت الأرض كسبت السماء!
اليوم، تنظر إلينا تريزا الألبانية من عليائها ودموع الحزن والأسى تملأ مقلتيها. تنظر الإنسانية الغارقة في بحر الحروب والنزاعات.. تنظر الأطفال اليتامى، الجرحى، الجوعى، المشردين والمنبوذين.. تمدّ لهم يديها المباركتين بزيت الرحمة علها تنتشلهم من مستنقعات اليأس والأنانية.. فهي ترى ثغورًا مشققة من شدة الجوع والعطش.. الجوع إلى الخبز والعطش إلى السلام.. ولسان حالها يستنجد بما تبقى من إنسانيّة في قلوب تحجرت وأنفس صدئت من قلة المحبة!
تريزا دي كالكوتا هي التي في مثل هذا اليوم من عام 2016 اهتزت الأرض فرحا بإعلان قداستها.. تبكي اليوم حزنًا على واقع مرير.. على عالم يفتقر إلى الحب.. هي التي رأت المسيح في كل إنسان فقير، منبوذ ومتألم.. تطلق اليوم صرخة إنسانية لكل قلب ينبض بالحياة لتوقظ فيه نبضات المحبة والعطف والتضحية! تريزا الفقيرة تدعونا اليوم لكي نكون في العالم كالسامري الرحيم، نضمد الجروح ونداوي النفوس بالكلمة وفعل المحبة. فهي من داوت الجراح بابتسامتها الهادئة المغلفة بمحبة عجائبية فتحت لها باب العلاء.
اليوم، نلمح طيف جسدها المنحني من ثقل المحبة، يجول في شوارع العالم يبحث عن الفقير والمريض، يبحث عن قصة حب بين ركام البيوت المتهدمة والقلوب المتعبة.. يبحث عن منبوذ يستجدي عطفًا واهتمامًا.. يبحث عن طفل يئن من جراحات الحرب.. يبحث عن نافذة محبة هدمتها ستائر الكراهية.. فهناك فقط تستنشق عطر المحبة الذي فاح يومًا من فقيرة، حافية القدمين، جابت شوراع الفقر فلبست حلة القداسة!
نصلي اليوم من أجل كل من يتألم بالنفس والجسد على طرقات الحياة.. من أجل فقراء المال والنفس.. من أجل كل جائع إلى الرحمة والعناية، لكي تتشفع لهم قديسة الهند، تريزا دي كالكوتا، عند حبيبها يسوع، فتغدو آلامهم وصلبانهم طريقا نحو الغنى السماوي والفرح السرمدي.
لن تنسى اروقة الزمن تلك العجوز القصيرة القامة، بثوبها الرهباني الرث، والتي كانت تهب مسرعة لنجدة الغريق بقدميها الحافيتين، هي من أعطت العالم أعظم درس في الإنسانيّة، فغدت عملاقة المحبة بلا منازع! تشفعي لنا يا قديسة الفقراء!
من أجمل ما قالته قديسة اليوم:
"الحب الحقيقي يؤلم وعليه أن يؤلم دائمًا"