موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
يحتفل المسيحيون حول العالم بعيد البشارة في 25 مارس (آذار) كل عام، أي قبل تسعة أشهر تماماً من 25 ديسمبر (كانون أول) موعد الاحتفال بميلاد يسوع المسيح، ويخصص الأحد الثاني من زمن الميلاد لاستذكار الحادث أيضًا، كما أن كنيسة البشارة في الناصرة لا تزال حتى اليوم المكان التقليدي وفق المعتقدات المسيحية لمكان حدوث البشارة. وقد شاءت أرادة الله عز وجل أن يبدأ عهده الجديد مع البشرية قاطبة بواسطة الملاك جبرائيل من خلال البشارة لسيدتنا مريم العذراء في مدينة الناصرة (في الجليل) فقال لها: "سلام، أيتها المنعم عليها، الرب معك، مباركة أنت بين النساء". (لوقا 1/ 27(. وينفرد إنجيل لوقا بذكر حادثة البشارة والتوسع بالأحداث السابقة للميلاد، ما دفع بعض آباء الكنيسة للقول بأن لوقا قد اجتمع مع مريم في مدينة أفسس ونقل منها الفصول المتعلقة بالميلاد. وكانت الناصرة موطن مريم ويوسف بعيدة عن القدس مركز اليهودية والعبادة، وقد ولد يسوع في بيت لحم ولكنه تربى ونشأ في الناصرة وبدأ تعليمه فيها الا أن أهل الناصرة رفضوا أن يقبلوا أنه المسيح (لوقا 4: 22-30). وتذكر رواية البشارة حسب إنجيل لوقا أن مريم قد اضطربت لكلام الملاك وتساءلت عن معنى هذه التحية،(لوقا 29/1) فأجابها الملاك: لا تخافي يا مريم، فقد نلت حظوة من عند الله، فستحبلين وتلدين ابنًا تسمية يسوع؛ سيكون عظيمًا وابن العلي يدعى ويوليه الرب الإله عرش داود أبيه، ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد ولن يكون لملكه نهاية. (لوقا 30/1). فاستفسرت مريم من الملاك: كيف يحدث هذا وأنا لست أعرف رجلاً؟. فأجابها الملاك: الروح القدس يحلّ عليك وقدره العلي تظللك لذلك يكون المولد منك قدوسًا وابن الله العلي يدعى (لوقا 1/35) بيّن الملاك لمريم أيضًا أن قريبتها ، وبحسب التقليد الكنسي، خالتها أليصابات حامل : "ها إن نسيبتك أليصابات قد حبلت هي أيضًا بابن في شيخوختها، وهذا هو الشهر السادس لتلك التي كانت تدعى عاقراً" (لوقا 1/26)، قالت مريم: "ها أنا أمة الرب فليكن لي حسب قولك". (لوقا 1/39) بعدها انصرف الملاك من عندها. اذا، أرسل الله رئيس الملائكة جبرائيل للسيدة العذراء ليخبرها بتجسد أقنوم الكلمة او اللوغوس منها كما جاء فى بشارة معلمنا لوقا البشير. وقد كانت مريم فتاة صغيرة وفقيرة، وهي صفات تجعلها تبدو في نظر أهل ذلك الزمان لأنها لا يمكن أن يستخدمها الله في أي عمل جليل، الا أن الله اختار مريم لواحد من أهم المطالب التي كان يطلبها من أي انسان وهو: الطاعة. قد نشعر أن ظروف حياتنا لا تؤهلنا لخدمة الله ، لكن يجب أن لا نحد من اختيارات الله ، فقد يستخدمنا ان وثقنا به. نظر الأب السماوى للعذراء مريم ليهبها تلك النعمة الفريدة لأنها متضعه ومنسحقه فرفعها الرب فوق السمائيين " قريب هو الرب من المنسحقى القلوب" " يقاوم الله المستكبرين أما المتواضعين فيعطيهم نعمة" "نظر إلى إتضاع أمته" نعم تواضعوا تحت يد الله القوية ليرفعكم فى حينة . نظرت العذراء مريم الى نفسها أنها عبدة لله . من اجل هذا رفعها الى مرتبة الأم للاله الكلمة المتجسد .وتكلم معها الملاك بتحية الإحترام والتقدير "السلام لك أيتها الممتلئة نعمة ، الرب معك ". ان الله العظيم فى تواضعه يريدنا ان نتعلم منه الوداعة والأتضاع . هل ترى مثل هذا إتضاع من الله أن يستأذن من السيدة العذراء أن يحل فيها ويأخذ منها ناسوتاً وهى جبلة يديه، وهذا طبعاً شرف كبير للسيدة العذراء هى فرحت به، فهى بشارة مفرحة تتضمن خبراً سعيداً وأيضاً إستئذان بلطف شديد مع عطايا جزيلة. ويؤكد الآباء أن السيد المسيح حل فى بطن العذراء بعد أن قالت "هوذا أنا أمة الرب ليكن لى كقولك"، ان الله يحترم حريتنا وارادتنا الشخصية حتى وهو يهبنا أعظم النعم. وبحسب المعتقدات المسيحية فقد حملت مريم مباشرة بعد ذلك، ويحتفل المسيحيون حول العالم بعيد البشارة في 25 مارس كل عام أي قبل تسعة أشهر تمامًا من 25 ديسمبر موعد الاحتفال بميلاد يسوع المسيح، ويخصص الأحد الثاني من زمن الميلاد لاستذكار الحادث أيضًا، كما أن كنيسة البشارة في الناصرة لا تزال حتى اليوم المكان التقليدي وفق المعتقدات المسيحية لمكان حدوث البشارة. وجد بعض المفسرين للعهد الجديد بقول الملاك قوة العلي تظللك إشارة إلى سفر الخروج حيث ظلل الغمام الشعب الذي قاده موسى من مصر، في حين يوضح بعض المفسرين الآخرين: إن العذراء ربما واجهت الكثير من الهزء والافتراء بسبب حملها، كما أن خطيبها يوسف أراد أن يفك خطوبته سرًا لما علم بالأمر. ولكن كما يعلن إنجيل متى فقد ظهر له ملاك الرب في الحلم وقال له: يا يوسف ابن داود لا تخف أن تأت بمريم عروسك إلى بيتك لأن الذي حبلى فيه إنما هو من الروح القدس.[متى 20/1] فيعتقد المسيحيون إذاك: غير يوسف خطته بعد أن اكتشف أن مريم كانت أمينة ومخلصة له فأطاع الله وتمم إجراءت الزواج كما كان ينوي، وقبل أنفضاح أمر الحمل. إذ يقول القديس إمبروسيوس أحد آباء الكنيسة: لكي لا يُظن أنها زانية. ولقد وصفت بصفتين في آن واحد، أنها زوجة وعذراء. فهي عذراء لأنها لم تعرف رجلاً، وزوجة حتى تُحفظ ممَّا قد يشوب سمعتها، فانتفاخ بطنها يشير إلى فقدان البتوليّة في نظر الناس. هذا وقد اِختار الرب أن يشك البعض في نسبه الحقيقي عن أن يشكُّوا في طهارة والدته. لم يجد داعيًا للكشف عن شخصه على حساب سمعة والدته. أما مريم إثر زواجها فقد انتقلت إلى أليصابات في جبال يهوذا حسب إنجيل لوقا،(لوقا 1/39) ويحددها التقليد المسيحي بأنها عين كارم إلى الجنوب الغربي من القدس، وقد مكثت هناك إلى ما بعد ولادة يوحنا المعمدان، أي حوالي ثلاث أشهر. في عيد البشارة نجد قمة إعلان محبة الله للبشر إذ أخذ صورتنا وطبيعتنا بغير خطية ولا دنس ومن ثمار التجسد غفران الخطية الجدية والفعلية لأدم ونسله الى نهاية الدهور بالفداء وننال هذا الغفران بالإيمان بهذا السر العظيم وبالولادة من الماء والروح " لانه كما في ادم يموت الجميع هكذا في المسيح سيحيا الجميع" (1كو 15 : 22). كما ان التجسد الإلهى اعلان لقداسة الجسد الأنسانى " و بالاجماع عظيم هو سر التقوى الله ظهر في الجسد تبرر في الروح تراءى لملائكة كرز به بين الامم اومن به في العالم رفع في المجد" (1تي 3 : 16) . إذا كان الجسد شر في ذاته ما كان أقنوم العقل الإلهى قد أتخذ جسداً ووهبنا إمكانية تحقيق القداسة ونحن في الجسد اننا كما تعلمنا من ابائنا القديسين قد أمرونا ان نحارب شهوات الجسد وليس اجسادنا التى هى هياكل لروح الله "ام لستم تعلمون ان جسدكم هو هيكل للروح القدس الذي فيكم الذي لكم من الله وانكم لستم لانفسكم" (1كو 6 : 19). نعم سيقوم الجسد فى اليوم الأخير جسداً روحيا نورانيا ليكأفا على تعبه وخدمته لله او يعقاب مع الروح على شروره وأثامه . وبالتجسد الإلهى نرى محبة الله للخاطئ وقبوله له بالتوبة، والتوبة هي أول خطوة نحو القداسة. ان أنظارنا تتجة للسماء مصدر فرحنا والى الله قوتنا ورجائنا وكلنا مدعوين للأتحاد بالعريس السماوي الذى جاء واتحد بطبيعتنا . بالتجسد صار رحم القديسة مريم العذراء مكان الإتحاد بين اللاهوت والناسوت فى شخص ربنا يسوع المسيح. لقد تكون الجنين بعد أن قبلت العذراء البشرى باتحاد اللاهوت مع جبلتنا فى رحم العذراء ، فصار فى البطن الإبن الكلمة المتجسد. فى الولادة سُمى "يسوع" أي المخلص "أنا أنا هو الرب وليس غيرى مخلص" (أش 43) ، وفى العماد سُمى "المسيح" أى الممسوح من الروح القدس فأصبح أسمه يسوع المسيح إبن الله الحى . لا شك أنها بنوة روحية فريدة كولادة النور من النار أو نور الكهرباء من التيار الكهربائي. ولكن هل لدينا معضلة في قبول فكرة التجسد التي بها بدأت خطة خلاص البشرية واكتملت بالموت على الصليب والقيامة من بين الاموات والصعود ثانية الى السماء. . فهل هناك شئ غير مستطاع لدى الله؟ ان كان الله قديما كلم الإنسان من شجرة، او ظهر لابونا ابراهيم فى شكل انسان او ظهر للبعض بهيئة ملاك، فهل الله الذى يحب أبنائه لا يقبل أن يتجسد لخلاصهم؟! وهل يحد التجسد من لإهوته؟ فان كان الله حال في كل مكان ولا يحويه مكان فلا معضلة اذا في مسألة التجسد التي أرادها الله بواسطة العذراء مريم . اننا اذ نحتفل بعيد البشارة فنحن نعبر عن فرحة الكنيسة بهذه البشارة، و نشارك العذراء فرحتها بهذه البشارة المفرحة التى أتت إليها من السماء من خلال رئيس الملائكة جبرائيل. ونشاركها لأنها بشارة للخلاص لنا و للبشرية كلها. وانني أصلي أن تنال البشرية كافة ثمرة البشارة وهي الخلاص بالمسيح المتجسد بقوة الروح القدوس بواسطة والدتنا المطوبة مريم العذراء. وكل عام والجميع بألف خير.