موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
مقدّمة
يتألف مقال هذا الأسبوع، أيّها القراء الأفاضل، من مقطعين؛ الأوّل من العهد الأوّل والمأخوذ من نبؤة اشعيا (22: 19-23)، والّتي تتحدث عن استبدال قَّيم البيت الملكي من شخص إلى آخر بحسب إختيار الله. دور القيّم على القصر الملكي ليس بقليل لذا سنُسلط الأضواء، بالمقطع الثاني على شخصية بطرس، الذي أوّكل إليه يسوع المفاتيح الكنيسة المستقبليّة بحسب لّاهوت كاتب الإنجيل الأوّل، متّى (16: 13-20). نعلّم أنّ القيّم له دور متميز، ينبع من إختيار الرّبّ له. للقيّم الكثير من الملامح الّذي سنتعرف عليها في قرأتنا للنصين ولكن سنتعرف على رجاء الرّبّ لكلاً منّا حتى يصير كل إمرأة ورجل مسيحيين اليّوم، فيّمة وقيمًا على ما هو للرّبّ في حياتنا البشريّة.
1. فسّاد قّيم البيت (اش 22: 19- 23)
تشير الكلمة النبويّة لاشعيا، في هذا المقطع، إلى منصب رفيع في الدولة، وهو منصب "قيّم البيت" وهو بمثابة الزراع اليميني للملك. عمل قيّم البيت له مستواه الرفيع وهو نوع يُماثل مهمة رئيس الوزراء حاليّا. إلّأ أنّ دوره ليس كدور الملك! قّيم البيت هو الّذي ينظم الداخلين والّذين يمكنهم أن يلتقوا بالملك وبلقاء خاص معه. يمسك، قيّم البيت، بمفاتيح القصر الملكي، وله من السلطة إتخاذ قرار متى يُغلق القصر ومتى يُفتح. هذه إشارة عن أهميّة دوره بإعترافه أو لا إعترافه بالدور الملكي. يصير أَلْيَاقيمَ بنَ حِلقِيَّا بحسب الأمر الإلهي القائل: «في ذلك اليَومِ أدْعو عَبْدي أَلْيَاقيمَ بنَ حِلقِيَّا وأُلبِسُه حُلَّتَكَ وأَشُدهُ بِزنَّارِكَ وأَجعَلُ سُلْطانَكَ في يَدِه فيَكون أَباً لِساكِني أُورَشَليمَ ولبَيتِ يَهوذا وأَجعَلُ مِفْتاحَ بَيتِ داُودَ على كَتِفِه يَفتَحُ فلا يُغلِقُ أَحَد ويُغلِقُ فلا يَفتَحُ أَحَد. وأَغرِسُه وَتداً في مَكانٍ مَتين فيَكونُ عَرشَ مَجدٍ لِبَيتِ أَبيه» (22: 20- 23) بهذا سيصير ألياقيم القيّم الجديد للبيت الملكي الذي سيخلف شبنا الفاسد الّذي لم يسير باستقامة بل بفساد أمام الرّبّ. سنتعرف على ملامح القيّم الجديد.
2. صلّابة أَلْيَاقيمَ بنَ حِلقِيَّا (اش 22: 20- 23)
يحمل اسم أَلْيَاقيمَ بنَ حِلقِيَّا ما يشير إلى هويته: «أقام الله!». قبل كل شيء هو شخص يُدعى، يمارس قوة تنبع من رسالة تلقاها مباشرة من الله نفسه. يُلقبه الله بحسب رسالة اشعيا بلقب عبدي، كإبراهيم وموسى وداود، أولئك الّذين أوكّلّ إليهم الله مهام خاصة. مهامهم كانت لصالح جميع البشر وطاعة للإرادة الإلهيّة. ألياقيم، هو على عكس شبنا، سيكون من خلال مهمته الجديدة بمثابة أبًا لبني إسرائيل بكلا المملكتين أورشليم وبيهوذا. لن يعمل لمصلحته الخاصة، ولن يكون عبداً للسلطة التي تلقاها من الرّبّ، وسيكون شغفه هو نمو أولئك الموكلين إليه. في هذه الشخصية، الّ الموكلين إليه. في هذه الشخصية تي تحدث عنها النبي اشعيا، نرى سمات عبدُ الرّبّ المستقبلي (راج اش 42؛ 49؛ 50 ؛ 52ج اش 42؛ 49؛ 25- 52تي يتلقاها - 53) سيكون مثل الوتد المثبت جيدًا، الّذي بسببه لن تسقط الخيمة، كنايّة عن المملكتين، وستقاوم الرياح. لكن صلابة الوتد الخيطي الّذي يتم دفعه جيدًا في الصخر ليس تلقائيًا ولا يعتبر أمرًا مفروغًا منه. هذا الوتد سوف سيفسح المجال عندما يفشل الشعب في أمانته للرّب، وعند خيانة الشعب سيشعر ألياقيم بأنّه شخص مدعو من الرّبّ، قد عُهد إليه العظيم بالسلطة في خدمة الشعب؛ عندما يشعر ألياقيم بعد بأنّه "عبد للرّبّ"، الّذي يجب أن يقوم بمهمة ما باسمه ووكيلاً عنه وليس باسمه الشخصي؛ عندما يعود يشعر بأنه "أبّ" يريد خير الناس الموكليّن إليه من قِبل الرّبّ. تعتمد سرّ قوته وصلّابة القصر الملكي على إخلاصه لكلمة الله الذي انتخبه ودعاه بحرية.
3. إجابة التلاميذ (مت 16: 13- 20)
في هذا المقطع بالعهد الثاني نفاجأ أن نقطة إنظلاق متّى فيه هو تساؤل من يسوع المعلم والحاضر في التاريخ، في لحظة حاسمة من خدمته الأرضية، السائر على دروبنا ليكشف لنا عن وجه الله الآب، لذا في لقائه بتلاميذه يطرح عليهم سؤالاً مُزدوجًا قائلاً: «مَنِ ابنُ الإِنسانِ في قَولِ النَّاس؟» (16: 14).
يجيبه التلاميذ عما سمعوه من معاصريهم، فيسوع بالنسبة للشعب هو «يوحَنَّا المَعمَدان، وبَعضُهمُ الآخَرُ يقول: هو إِيليَّا، وغيرُهم يقول: هو إِرْمِيا أَو أَحَدُ الأَنبِياء» (16: 14). نعلّم أنّ يوحنا المعمدان هو آخر نبي، وهو أعظم من ولدوا من امرأة، ولكن الأصغر في ملكوت السموات أعظم منه (راج مت 11: 11).
إيليّا هو أول وأعظم الأنبياء فكان نبيًا مشابهًا للنار. الّذي اشتعلت كلمته كمصباح (راج سي 48: 1). كان نبيًا مُتحمسًا للرّبّ وعرف كيف يتعرف عليه في صوت صمت الرقيق.
أمّا ارميا، هو النبي الشاب والـمُضطهد، الّذي عّانى على أيدي قادة شعبه، الّذي تمّ قيادته إلى المذبح بأورشليم كخروف وديع (راج ار 11: 19)، هو النبي الّذي شارك مصير الشعب حتى النهاية من السبي إلى الجلاء ووضولاً إلى أورشليم وهي المدينة المقدسة.
أحد الأنبياء، أيّ أحد رجال الله، المفتون بكلمته، بلا كلل في حب إسرائيل في دعوته من الكثيرين إلى الرّبّ الواحد. نجد أن كلّ إجابات التلاميذ لها جانب من الصحة الّتي تتجسد في يسوع المعلم والأخ والنبي. فهو نبي آخر الأزمنة، كلمة الله الأخيرة الّتي تبحث عن الإنسان.
4. إجابة التلميذ النموذج (مت 16: 13- 20)
في هذا المقطع بحسب الإنجيل الأوّل، سنجد أنّ براعة متّى الإنجيلي في إستعانته بصورة إلياقيم، قيّم القصر الجديد، كصورة ليتحدث عن بطرس الّذي سيظهر في حضور يسوع والتلاميذ ليس كالمتحدث الرسمي عن الحاضرين، بل النموذج الأوّلي للتلميذ. تدل إجابات التلاميذ على فهمهم المبدئي عن شخص يسوع وإجابتهم تنبع عن ما سمعوه عن يسوع وليس عن خبرتهم الشخصية معه. فهو ليس هذه الشخصيات بل مُتمم رسالتهم.
إلّا أنّ الكشف الجديد من خلال كلمات بطرس عن شخصية يسوع في قوله: «أَنتَ المسيحُ ابنُ اللهِ الحَيّ» (مت 16: 16). تعلن شهادة بطرس تلك عن لّاهوت المسيح وهو إنسانٍ أمامه قبل إتمام سرّه الفصحي. نعم هذه الكلمات ستساعدنا على كشف الجديد عن شخصية يسوع، ابن الله وابن الإنسان معًا، عن سرّه الإلهي الجديد المُعلن من الله أبيه في الابن وهو كلمته الـمُتجسد. تلك الكلمة الخاصة والجوهريّة الّتي تُعيد الحياة إلى كلمات التاريخ القديمة؛ تلك الشهادة البشريّة الضروريّة الّتي كُتبت على وجه المسيح، ابن الله الحيّ. كشف بطرس عن يسوع الجديد في إنّه كلمة متميزة لا تنكر الكلمات السابقة، عن الشخصيات الّتي ذكرها التلاميذ، بل يؤكدها حاملاً في ذاته هذه الشخصيات ورسالتهم ويحمل رسالة مُستقبليّة سيُتممها هو في جسده حينما يقوم حيّا ومانحًا الحياة لكل البشريّة.
5. ردّ فعل ابن الله الحيّ (مت 16: 17- 18)
بناء على الكشف الإلهي الـمُوحى لبطرس، من الله، نسمع من جديد صوت يسوع الّذي يُطوبه قائلاً: «طوبى لَكَ يا سِمعانَ بْنَ يونا، فلَيسَ اللَّحمُ والدَّمُ كشَفا لكَ هذا، بل أَبي الَّذي في السَّمَوات. وأَنا أَقولُ لكَ: أَنتَ صَخرٌ وعلى الصَّخرِ هذا سَأَبني كَنيسَتي» (16: 17- 18). سيأخذ بطرس، بحسب اللّاهوت المتاويّ، رسالة القيّم الجديد الّتي نوهنا عنها بنبؤة اشعيا، وينسبها على رسالة بطرس المستقبليّة. تطويب بطرس بسبب هذه الحدّاثة في الكشف الإلهي، لا يمكن أنّ يأتي إلّا من الله. لمّ تأتي شهادة بطرس "من لحم أو دم" أيّ من فكر بشري، ولمّ تنشأ من قوى الإنسان، ولا يستطيع الإنسان تصورها، ولكن فقط تٌقبل كنعمة من الله وتُشارك باعلانها. لهذا السبب يُفسَّر اسم بطرس أيّ صخر وهو الاسم الّذي يكشف هويته، على إنّه يتمتع بالصلابة الوتد وبه من القوة كالصخر، لأنّ ما يعلنه يأتي من الله وليس نتيجة مواهبه. إنه مثل الوتد في خيمة الكنيسة المستقبليّة، ويصير الوتد الصلب في بناء الكنيسة الّتي ستُنصب أعمدتها عليه.
في قول يسوع الّذي يحمل وعداً لبطرس: «سأُعطيكَ مَفاتيحَ مَلَكوتِ السَّمَوات. فما رَبَطتَهُ في الأَرضِ رُبِطَ في السَّمَوات. وما حَلَلتَه في الأَرضِ حُلَّ في السَّمَوات» (16: 19). سيصير بطرس القيّم الجديد على ملكوت يسوع وهي الكنيسة. يصبح بطرس النموذج الأوّلي للتلميذة الّتي أسسها يسوع عليه، داعيًا إياه أوّل التلاميذ. ستصبح رسالة التلميذ وسيلة لإمتداد رسالة يسوع الرّبّ. سيُكلف الوتد الجديد بمسؤولية التواصل بين الله وبين نساء ورجال الكنيسة كاشفًا عن وجه يسوع للجميع. هذه المسئولية أُوكلت إلى بطرس في زمن يسوع، ولاحقًا ستوكل إلى جميع التلاميذ (راج مت 18: 18) واليّوم هي رسالة مُوكلة لكل مُعمد أيّ أنا وأنت. تكمن صلّابة بطرس، كصلابة ألياقيم بن حلقيا (راج اش 22)، وهي صلّابة المدعو من الرّبّ، في أمانته لما أُعطي له من العُلا وفي الشعور بأنّه مدعو ليُتمم رسالة الرّبّ الّذي إختاره. لهذا السبب تمّ اختيار كليهما بحرية ولمّ يختار الله شخصيات أخرى بدلاً منهم. نعلّم أنّ بطرس القديم لم يكن شخصًا متميزًا، ولم يفوق رجال عصره ولكنه كأخ أكبر صار كالوتد بين إخوته بدوره الخدمي كعبد الله الّذي لا يتصرف لأموره الشخصية بل لأجل الشخص إلهي مُدركًا بأنه ينوب عنه. يمثل بطرس صورة الخادم الفقير الّذي لا يمكنه بعد أن يقوم بكل واجباته سوى التحقق من إنّه قام فقط بما أُمّر به؛ في إتمام دوره كـ أب يفرح برؤية أبناءه ينمون في معرفتهم للرّبّ، ويعرف كيف يتنحى في الوقت المناسب حتى يكون هناك فيض في الحياة من ابن الله الحيّ وليس منه.
الخلّاصة
في هذه السِلسلة لقِراءاتنا الكِتابيّة بين العَهدَّين، لأوّل مرة أتناوّل هذا الموضوع «القيّمين!». وُجهت رسالة القيّم الجديد إلى ألياقيم، بحسب إختيار الله، بنص اشعيا لينوب عن القيّم القديم بسبب فساده (اش 22: 19- 23). ثمّ بحسب متّى بالعهد الجديد توققنا أمام شخصية بطرس لأوّل مرة لنتأمل كيفية توكيل يسوع له بعد أنّ دعاه ليصير قيّما مستقبليًا على الكنيسة الّتي وجد يسوع فيه صلابة الوتد (مت 16: 13- 20). يحملا النصيين كلمة موجهة إلينا جميعًا اليّوم لأننا جميعًا مدعوين كمسيحيين، خدام وآباء للقيام بدور القيّم على ما هو للرّبّ. كل تلميذة وتلميذ للرّبّ مدعوين بالنعمة الخالصة ليكون حارسًا، قيمًا، شاهدًا على حداثة الله. فتمد رسالة ألياقيم وبطرس في كلاً منا، بالإيمان بيسوع، فنصير حاملي تلك الكلمة الإلهيّة لتاريخ البشرية الّتي لا يستطيع إلا الله أن ينطق بها من خلالنا. لهذا السبب يمكننا نحن أيضًا أن نكون أكثر صلابة، لأننا مدعوون كنساء ورجال أنّ نكون أوتاد ومطوبين لأننا نحمل كلمة تأتي من الله. دُمتم قيّمين على ما يُسلمه الله لكم.