موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
صَديقِي يَسوع،
لاريبَ أنَّ الكتَابات والاقتباسَات التي باتتْ رائجةً في الفترةِ الأخيرة على مواقعِ التواصل الاجتماعي،
تؤثرُ بعمقٍ على القَارىء،
وتؤثرُ أيضاً في طريقةِ فهمهِ وتفسيره لهَا،
لقدْ باتتْ هذهِ الكتابات والاقتبَاسات متناثرةً بغزارةٍ في كُل مكان،
وبمَا أنَّ الغالبيةَ العُظمَى من الناس تُمضِي أوقاتهَا على مواقعِ التواصل الاجتماعي،
فمِنَ المُؤكّد أنّها تُحدثُ ضَجّة في عقلِ المُفكِّرين مِنهُم،
وَخاصّة تلكَ الكتابات والاقتباسات المُتعلقَةِ بروّادِ الفِكر العدميّ وأدبِ اليَأس وفلسفةِ التَّشاؤُم.
وَمِما لا شَكَّ فيهِ يا صديقي،
بأنَّ القليلَ،
بل القليل جداً يعلمُ بأنَّكَ الحقيقة الأكيدة،
وَلكنكَ لَم تَكشف ذلكَ إلا للبُسطاء.
لَقَد أدركتُ كميةَ المعاناة التي ترسم أثلاملاً جَديدةً في أدمغةِ المُفكِّرين،
كُلّما زاد تفكيرهُم في أمرٍ مَا زادَ حُزنُهم فِي هذهِ الحَياة .
وَقد تصلُ هذهِ الضَّجَة إلى عذابهِم في بعضِ الأحيان.
صديقي يسوع،
أوَدُ اليوم أن أطلعكَ على عِبارة قَد قرأتُها ذاتَ مرة، لا تتجاوزُ الثلاث كلماتٍ، ولكنّها استوقفتني:
الضَّجَة عَذَابُ المُفكِّرين!
للوهلةِ الأولى، ظَننتُ أن الضَّجَة الصَّاخبةَ الخارجية مِن أصواتِ الناس، هِي التي تُعكّر صَفو المُفكِّرين وتُثيرُ حَفيظَتهُم،
ولكن عندما تَعمّقتُ بتلكَ العبارة، وجدتُ أنّ الضَّجَة الداخلية في أعماقِهم،
هي السبب الخَفيُّ وراءَ عذابهم،
فالكلماتُ والاقتباساتُ التي نقرأُهَا،
لها وقعٌ عميقٌ على النفسِ البشرية.
هُناكَ اقتباساتٌ هَدّامة وأخرى بنَّاءةٌ للفِكر،
واعتقدُ أنَّ هذا الأسلوبَ الذّكي والمَاكر الذي يستخدمه الشيطان الذي يجول في هذا العصرِ لافتراسِ العقولِ وغسلِ الأدمغَةِ لصالحه،
فهَذا الكائنُ الرُّوحيّ يزدادُ دهَاءاً يَوماً بعدَ يومٍ وحقبةً بعدَ حقبة،
هُو يستخدمُ الوسَائلَ العَصريّة والعولمةَ الأدبيّة كسلاحٍ فتّاكٍ للسيطرةِ على أفكارِ العالم،
وافتراسِ أكبر قدرٍ من العقولِ لكي تهلكَ على المدى البعيد،
ففكرُ الإنسان باتَ بيئةً خصبةً للشيطان ليرتعَ فيها ويرعى في مروجها كما يشاء،
وبما أنك يا صديقي تحترمُ عقولَ المُفكرين،
يغتنمُ الشيطانُ فرصةَ الحريّة التي منحتها للإنسانِ لصالحهِ،
وبالأخصِ لغيرِ النّاضجين منهم،
ولكن هنا يأتي دورُ الروح القدس في منح موهبةِ التمييز الروحيّ لمن يطلبها من أعماقِ قلبه،
فهي الموهبةُ الفاصلةُ والكاشفةُ والتي تضعُ حَداً لكلِّ الأفكارِ،
وتوجّه لنا المَسار، لا بَل هِي كالسّراج المُنير وسطَ عتمةِ الأفكار،
لا أُخفيكَ سِراً يا صَديقي،
بأنّي قد تأثرتُ في هذهِ الضّجة الفكريّة المنتشرة،
وكنتُ أبحثُ عن صوتِ أميّ العذراء، فعادتْ بي الذاكرة إلى عُرس قَانا الجَليل عندما قالت:
افعلُوا كل مَا يقولهُ لكم.
وكنتَ قد قلتَ فِي زمنٍ لاحق:
تعالوا إليّ يا جميع المتعَبين والثّقيلي الأفكار وأنا أريحكم.
وأنَا أحمَالي اليَوم هِي أفكَاري التي تسيرُ بِي على غيرِ هُدى،
لذلكَ يا صَديقِي يسوع،
لا تَدعْ أفكَاري تقُودني إلى أماكن لا رجعةَ منها إليك،
بل دَع أفكاري تَقودني فِي الطريق إليكَ،
فأنتَ المسيحُ ابنُ الله الحَي،
فِكرُ الله الآب وكلمتهُ العَذبة والنّاجعة التي تخترقُ أعماقَ النفسِ البشرية والتي تنفذُ إلى ما بينَ النَفْسِ والروح، وما بينَ الأوصالِ والمخاخ، وبوسعها أن تحكمَ على خواطرِ القلبِ وأفكاره.
ولكَ كل المَجد،
بَلِغ سَلامِي لِمريم أُميّ،
تَحياتي القلبيّة.
#في_الطريق_إليك