موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
أيها الأخوة الأحباء قد ينتابنا شعورا بالمرارة والضيق والحزن والأسى عندما نقرأ بعض الأخبار التي ترصد لنا أن من يخرب في الكنائس هو إنسان مختل عقليًا. ومن يخطأ أقل خطأ ضد شخص غير مسيحي هو مجرم في حق كتاب الله وسنة رسوله. إن في هذا قمة الظلم وقمة السكوت عن الحق.
لقد وعت المسيحية -بشكل مبكر- خطورة دمج السياسة في الدين. هذا الدمج الذي يفرض بطريقة لا واعية سياسة التمييز والعنصرية والسكوت عن الحق أو تبديل الحق بالباطل، أو إنصاف من يتبعني في الدين أو في الملة وحتى ولو كان ظالمًا، عملا بمبدأ أنصف أخيك ظالمًا كان أو مظلومًا. وقعت المسيحية –بالطبع- في فترة خلط السياسة بالدين، في العديد من الأخطاء التي جعلتها تفاضل بين إنسان وآخر، انطلاقًا من لونه أو جنسه أو دينه. لكن حمدًا لله، تيقنت المسيحية أن رسالتها هي للجميع دون تفرقة ودون تمييز.
خطأ العنصرية هذا. إن التمييز بين شخص وآخر ظل –للأسف- منتشرًا حتى الآن في كثير من المجتمعات العربية. بالرغم من أن الثقافة العربية -ثقافة ابن رشد والفارابي والغزالي وغيرهم- كانت ثقافة ضد التمييز والعنصرية. وقد رفض هذه الثقافة -كما رفضت كذلك الثقافة الإسلامية- ثقافة نبذ الآخر ورفضت مبدأ التعامي مع الآخر على أساس اللون أو الجنس أو المذهب.
من ناحية أخرى كانت مصر من أولى الدول العربية التي وافقت على وثيقة حقوق الإنسان التي تنص على أن لكل إنسان الحق في الحياة وفي اختيار مذهب وإقامة الشعائر الدينية كيفما يشاء، ما دام هذا لن يؤذي أحدًا. لعل الآن تسأل: إذا كان الأمر كذلك، فلماذا هناك سكوت كبير عن الحق بشكل يشعرك أن بعض الجهات متعمدة على خلط السياسة في الدين، ومتعمدة على التعامل مع أطياف الشعب بنوع من التمييز؟
يمكنني أن أجيب على هذا التساؤل في نقطتين: الأولى هو وجود بعد روحي متدني جدًا يتحكم في كل قراراتنا، ألا وهو أن الله لي وليس لغيري. وأن الله ينادي بالقضاء على الآخر الذي لا يعتنق عقيدتي. الأمر الثاني هو نفسي بحت، وهو إننا تربينا وترعرنا على أن الآخر الذي يخالفني، سواء في الرأي أو المعتقد أو الدين، لا يحق له أن يحيا معي، فنحكم عليه بالموت. ولو لم نستطع أن ننهي حياته نضطهده ونهينه ونضايقه في لقمة عيشة ونقلل من كرامته.
إن خلط السياسة بالدين يخلق ساسة يسكتون عن الحق بل ويزورونه. والساكت عن الحق هو شيطان، بل ورئيسًا للشياطين. إذا كان الله يرغب منذ البدء أن يخلقنا بلون واحد أو جنس واحد أو أصحاب معتقد واحد لكان فعل ذلك عن طيب خاطر. لكنه تعالى خلقنا وترك لنا حرية اختيار المعتقد، واحترام ذلك الاختيار فينا، حتى ولو كان اختيارنا على خطأ. فلماذا نرغب في أن نخلق من الآخرين أصداء أصوات لصوتنا. هل هذا يرضي أحدًا؟
أيها الساسة الأحباء، هل تعلمون أن رسالتكم الحقة هي إجراء الحق والعدل والمساواة على الجميع، وليس أنصر أخاك ظالمًا كان أو مظلومًا؟ هل تعلمون أيها الساسة أنكم ستلقون حسابًا يوم الدين عن كل نفس كانت تحت امرتكم، ولن يرحمكم الله أبدًا يوم الحشر المبين إن كنتم تعملون لحساب البعض وتهملون البعض؟ إن من يتعدى على أي إنسان أو أيه ممتلكات روحية أو عامة أو ما شابه ذلك كمن يعتدي على قدسية الله وقدسية الحياة، وأن غض البصر عن هذه الأخطاء لحساب آخرين سوف تكون عاقبته وخيمة عند رب الكون تعالى.
لماذا من يخرب الكنائس صار مختلاً، ومن قال كلمة -دون قصد- عن دين آخر هو مجرم، وفي اللحظة والتو تصدرون ضده حكم الإعدام والفناء؟ لماذا هو محلل خطف البنات والسيدات المسيحيات وإجبارهم وانتهاك أبسط حقوقهم الإنسانية أمر مباح ومستحب ويرضي جميعًا، في حين أن أي سيدة أخرى غير مسيحية تتمتع بكامل حقوقها؟ أين المواطنة!
ما هو مصيرك أيها السايس يا من تضع الله خلف ظهرك ولا تقيم ولا تجري العدالة وسط شعبك؟ هل ترى الله سعيدًا وهو يراك تفعل مثل هذه التعديات؟ إذا كان البعض من الساسة هكذا فماذا تنتظرون من المجتمع! إن كان الساسة يفعلون هكذا، فإن المجتمع يحيا قمة مراحل الظلم والاستبداد وتجارة الرقيق لأنه يفرض على الناس ما لم يحبونه ولا يرغبونه. بالله عليك هل تشعر بالرضى عن نفسك وأنت صامت عن الحق وتبدله وتزوره كما تشاء ما دام سيخدم مصلحتك؟ إن قصاص الله عظيم جدًا. ففي يوم الدينونة سوف تحاسب عن كل نفس لم تنصفها وقد عاملتها على أساس عقيدتها.
من اختاره الرب ليسوس ويقود شعبه يجب أن يكون ممتلئًا من حق الله وعدله. عزيزي القاضي يا من تحكم على المذنب بالبراءة وتذنب البريء. وإخراج الأمر أن هذا مختلا عقيا. أود ان أقول أن المختل عقليًا هو من يصمت عن الحق ويغلق أحشائه أمام صراخ الآخرين.
وفقكم الله لخير الجميع.
أخوكم: الأب أشعياء مكرم لبيب، راعي كنيسة الشهيد العظيم مار جرجس للأقباط الكاثوليك بمنسافيس.